محطة جديدة في معركة «لي الذراع» بين الحكومة الفرنسية والنقابات

دعوات لتصعيد التعبئة وإضرابات مفتوحة... وقطاعا النقل والتعليم الأكثر تضرراً

سائقو حافلات حكومية في باريس في تحرك لحشد الدعم لمظاهرات اليوم (أ.ف.ب)
سائقو حافلات حكومية في باريس في تحرك لحشد الدعم لمظاهرات اليوم (أ.ف.ب)
TT

محطة جديدة في معركة «لي الذراع» بين الحكومة الفرنسية والنقابات

سائقو حافلات حكومية في باريس في تحرك لحشد الدعم لمظاهرات اليوم (أ.ف.ب)
سائقو حافلات حكومية في باريس في تحرك لحشد الدعم لمظاهرات اليوم (أ.ف.ب)

ما زالت معركة «لي الذراع» قائمة بين الحكومة الفرنسية والنقابات بشأن مشروع إصلاح قانون التقاعد الذي يناقش حالياً في مجلس الشيوخ قبل أن يعود مجدداً إلى مجلس النواب.
وتسعى النقابات إلى التوصل لأعلى درجة من التعبئة في سادس يوم تعرفه البلاد من الحراك الاجتماعي، الذي يتم على خلفية تدهور الأوضاع الاقتصادية، مع استفحال الغلاء وانهيار القدرة الشرائية للشرائح الأكثر هشاشة، وبلوغ التضخم مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وتدل كل المؤشرات المتوافرة على أن الفرنسيين سيعرفون «يوم ثلاثاء أسود» بسبب اتساع الدعوات للإضراب الذي سيطال قطاعات أساسية، على رأسها النقل متعدد الأشكال.
الجديد اليوم أن الدعوات تتكاثر لإضرابات مفتوحة وسط مخاوف من الأجهزة الأمنية من أن تبلغ التعبئة مستويات مرتفعة تتداخل مع مظاهرات وتجمعات مرتقبة تعد بالعشرات.
وفق ما جاء في مذكرة صادرة عن المخابرات الداخلية، فإن ما بين 1.1 و1.4 مليون متظاهر سينزلون اليوم إلى الشوارع، وأن المظاهرة الرئيسية ستشهدها العاصمة باريس، حيث يتوقع أن تصل أعداد المتظاهرين إلى مائة ألف شخص. بيد أنه تتعين الإشارة إلى ميل الهيئات الرسمية إلى التقليل من أعداد المتظاهرين أو المضربين، وأحياناً تتغير الأرقام من واحد إلى عشرة.
حتى اليوم، ما زالت النقابات الثماني الرئيسية على تماسكها لجهة سعيها لدفع الحكومة إلى سحب مشروع القانون الذي تمت مناقشته لأسبوعين في المجلس النيابي. وطيلة 14 يوماً، شهد المجلس المذكور حفلات هرج ومرج بسبب المعارضة الجذرية التي أبدتها أحزاب المعارضة اليسارية (الاشتراكيون والشيوعيون ونواب حزب فرنسا المتمردة)، إضافة إلى «الخضر» إلى درجة أنه لم يتم التصويت على مشروع القانون فيما يسمى «القراءة الأولى» قبل أن ينتقل إلى مجلس الشيوخ، حيث تهيمن الأحزاب اليمينية التي نجحت في الحصول على بعض التعديلات الطفيفة، وأحياناً ضد إرادة الحكومة.
بيد أن نقطة الخلاف الرئيسية ما زالت مكانها، وتتمثل في رغبة الرئيس إيمانويل ماكرون، والحكومة، رفع سن التقاعد المعمول به حالياً، من 62 عاماً إلى 64، ووضع حد لما يدعى «أنظمة التقاعد الخاصة». وتشمل هذه الأنظمة الوظيفة العمومية والجيش والقوى الأمنية وقطاع النقل وموظفي المصرف المركزي وعمال المناجم وأصحاب المهن الصعبة وقطاع الطاقة والنواب... وهؤلاء يتمتعون بميزات لا يتمتع به الخاضعون لنظام التقاعد العام.
من هنا، يمكن فهم الأسباب التي تدفع موظفي قطاع النقل إلى التمسك بالمواقف الأكثر تشدداً، بما فيها التهديد بمواصلة الإضراب في قطاعهم، ما يعني تدافعاً في محطات القطارات وأرصفة المترو واختناقاً مرورياً. اللافت أن النقابات التي تحظى بدعم أحزاب اليسار والخضر وبعض اليمين لا تخفي رغبتها في «تعطيل» النشاط الاقتصادي والحياتي في البلاد، معتبرة أن الحكومة لا تحاور وتصم أذنيها عن الاستماع لشكواهم ومطالبهم. وتلاحظ الوسائل الإعلامية على اختلاف مشاربها، أن الرئيس ماكرون أخلى الساحة لرئيسة الحكومة إليزابيت بورن، وأنه لا يشارك في النقاش الجاري على المستوى الوطني، رغم أن مشروع القانون ترجمة لبند رئيسي في برنامجه الانتخابي الذي طرحه أثناء المعركة الرئاسية في الربيع الماضي. وكان منتظراً أن تتحدث بورن ليلاً على إحدى القنوات التلفزيونية للدفاع عن المشروع الإصلاحي الذي يلقى معارضة أكثرية من الفرنسيين وفق ما تظهره استطلاعات الرأي.
تقول النقابات إن اجتماعاً تنسيقياً سيلتئم بين قادتها مساء اليوم لتقرير الخطوات اللاحقة بناء على مستوى التعبئة الذي سيبرز بالطبع في العاصمة، لكن أيضاً في المدن الرئيسية والأرياف. وحسب مذكرة من أحد الأجهزة الأمنية، والمرجح أن يكون المخابرات الداخلية، فإن 325 مظاهرة وتجمعاً ستحصل طيلة اليوم مع التخوف من حصول مناوشات مع مجموعات متطرفة من أقصى اليسار وأقصى اليمين بالتوازي مع تخوف من عودة «السترات الصفراء» إلى الشارع.
ودعا لوران بيرجيه، الأمين العام للفيدرالية الديمقراطية للعمال، المواطنين، إلى «النزول بكثافة إلى الشوارع للتظاهر»، داعياً الرئيس ماكرون إلى الاستماع لمطالبهم، ومضيفاً أنه «لا يستطيع أن يواصل صم أذنيه» عما يطالبون به. وبالمقابل، فإن رئيسة الحكومة وعدة وزراء عادوا لمطالبة النقابيين بـ«التحلي بالمسؤولية». بيد أن تصريحاً لوزير العمل أوليفيه دوسو، الذي وصف مشروع القانون بأنه «يساري الهوى» أثار ردوداً عنيفة عليه انطلاقاً من مبدأ أن اليمين هو الذي يدعم ماكرون ويدعوه، كما فعل برونو روتايو، رئيس مجموعة اليمين في مجلس الشيوخ، إلى «عدم التراجع» عن خطته.
حقيقة الأمر أن ماكرون وبورن نجحا في اجتذاب اليمين التقليدي ممثلاً بحزب «الجمهوريون» الذي يقوده راهناً النائب أريك سيوتي، مقابل تعديلات هامشية إلى قبول التصويت لجانب مشروع القانون عندما يعود مجدداً إلى مجلس النواب، حيث لا يحظى حزب ماكرون «النهضة» وحلفاؤه بالأكثرية اللازمة.
من هنا، يرى المراقبون أن مشروع القانون سوف يتم تبنيه في الأسابيع المقبلة، إلا إذا كانت التعبئة في الشارع قوية إلى درجة تدفع السلطة التنفيذية للتراجع. ولن تكون المرة الأولى التي ينجح الشارع في لي ذراع السلطة. من هنا، أهمية متابعة وتقييم ما سيحصل اليوم وما سيقرره قادة النقابات مساء.
وحتى كتابة هذه السطور، كان بيناً أن قطاع النقل سيكون الأكثر تضرراً. ومنذ السابعة من مساء أمس، نبهت إدارة الشركة الوطنية للسكك الحديد من انطلاق الإضراب الذي دعت إليه النقابات كافة على اختلاف مشاربها، الذي تريده متواصلاً. أما بالنسبة إلى حركة الملاحة الجوية، فإن المديرية العامة للطيران المدني طلبت من شركات الطيران إلغاء ما بين 20 في المائة و30 في المائة من رحلاتها الثلاثاء والأربعاء، تحسباً لإضراب المراقبين الجويين.
ونبه وزير النقل كليمان بون، من أن البلاد «أصعب الأيام التي يمكن أن تعرفها». ومنذ مساء الأحد، بدأ سائقو الشاحنات تحركاً لإغلاق مناطق صناعية بكاملها، فيما شهد قطاع الطاقة (معامل التكرير والتخزين والنقل) إضراباً جزئياً، والأمر نفسه يصح على المحطات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، حيث خفض العاملون في هذه المحطات من إنتاج الكهرباء، ما ألزم شركة كهرباء فرنسا شراء الطاقة من بلدان الجوار لضمان الاستهلاك المحلي.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.