لماذا ألهم الحمار تشكيليين مصريين؟

مريم حتحوت قدمت مجموعة لوحات عنه في أحدث معارضها

من أعمال الفنانة مريم حتحوت بمعرضها الحالي (حتحوت)
من أعمال الفنانة مريم حتحوت بمعرضها الحالي (حتحوت)
TT

لماذا ألهم الحمار تشكيليين مصريين؟

من أعمال الفنانة مريم حتحوت بمعرضها الحالي (حتحوت)
من أعمال الفنانة مريم حتحوت بمعرضها الحالي (حتحوت)

بألوان دافئة وخطوط معاصرة تقدم الفنانة مريم حتحوت رؤية فلسفية واجتماعية للحمار من خلال 30 لوحة في معرضها المقام حالياً بغاليري «ديمي» بالقاهرة، بعنوان «تنويعات على الحمار»، تتضمن جميع اللوحات معالجات بصرية تثير تعاطف المتلقي معه، وتجعله يشعر بالألفة تجاهه.

وتُعَدُّ لوحات حتحوت في المعرض حلقة من سلسلة أعمال ومعارض وفعاليات تشكيلية مصرية كثيرة احتفت بهذا الحيوان على مدى سنوات طويلة، لم تقتصر على الفنانين الذين تصدوا لتناول الريف المصري؛ فالحمار لم يكن مجرد عنصر بارز من عناصر البيئة لمن أراد استلهامها في تجربته الإبداعية، إنما امتد تجسيده ليمثل جزءاً أساسياً في بعض الأعمال.


الفنانة مريم حتحوت 

وكان الفنان المصري الراحل محمود سعيد، أحد المهتمين بتجسيد الحمار في أعماله، حيث قدمه في لوحات عدة منها لوحة «راكب الحمار» عام 1927، والتي اتسمت بجماليات لافتة، وفي لوحته الشهيرة «المدينة» التي رسمها عام 1937 نعثر على حمار في يسار اللوحة يجلس عليه طفل صغير، ويقف خلفه أبوه رغم أن أحداث اللوحة تدور في المدينة كما يشير اسمها، وربما اتخذ من الحمار في لوحة «الجزيرة السعيدة» رمزاً للأمان والاستقرار؛ فاللوحة التي تصور أُمًّا وطفلها على الحمار ربط بعض النقاد بينها وبين قصة مريم البتول والسيد المسيح
طفلاً في رحلة اللجوء إلى مصر، وجعل سعيد للحمار مكانة خاصة في لوحته «الشواديف» حيث صوره كحمار صغير مدلل وأنيق كما لو أنه حصان لأحد الأثرياء.


حتحوت أكدت إعجابها بـالحيوان الصبور (حتحوت)

«يميل المصريون بطبيعتهم إلى السلام والجمال والرحمة، ومن هنا جاء اهتمام بعض المبدعين في مصر بتجسيده»، حسب التشكيلية الشابة مريم حتحوت التي قالت لـ«الشرق الأوسط»: «أنْ أقدّم معرضاً عن الحمار عبر معالجات وخامات مختلفة هو شيء من الجنون أو المغامرة بالنسبة للبعض، لكنه بالنسبة لي هو شيء من الفن والإنسانية معاً».

وتابعت: «الحمار مثير فني بامتياز؛ لأنك أمامه لا يسعك إلا أن تتساءل عما يدور في أعماق هذا الكائن الصبور الهادئ المتحلي بالجمال الداخلي من مشاعر». وتردف: «إنها ليست تجربتي الأولى مع الحمار، فقد سبق لي تناوله في أعمال أخرى؛ لأنني باختصار أحبه وأستمتع برسمه وأحترم تحمله للمشقة وأرى أنه شديد الذكاء».

وسبق التشكيلي رضا عبد الرحمن، حتحوت في إقامة معرض فردي عن الحمار؛ حيث أقام في نهاية عام 2015 معرضاً في «غاليري مصر» تحت عنوان «الحمار»، وعدّه نوعاً من «رد الاعتبار لهذا الحيوان الذي تحمل الكثير من القسوة»، كما كان للمعرض بعد سياسي في وقت إقامته تجاه بعض الجماعات التي كانت تتربص بالوطن، وفق الفنان.


عمل للفنان رضا عبد الرحمن

إلى هذا، تعددت التجارب الفنية الأخرى التي تناولت الحمار في معالجات اتسمت بحداثة التكوين، ومنح المتلقي متعة بصرية، وقيماً جمالية متنوعة، وهو ما يفسره الفنان والناقد عمرو كمال قائلاً: «يأتي تفاعل الفنان المصري مع الحمار تأثراً بالآداب والفنون العالمية والمصرية التي احتفت بهذا الكائن؛ فعلى سبيل المثال يعود إلى فناني عصر النهضة، حيث نرى في لوحة (دخول المسيح إلى أورشليم) للفنان الإيطالي جوتو أن السيد المسيح يعتليه في أثناء دخوله إلى أورشليم، كما كان الحمار رمزاً خصباً للكثير من المعاني العميقة في التراث والأدب مثل أسطورة (الرفقاء الثلاثة) أو (مزرعة الحيوان)، لجورج أورويل، وفي الأدب العربي كان هناك توفيق الحكيم صاحب رواية (حمار الحكيم)».

وتابع: «ربما يكون هذا الاحتفاء كذلك امتداداً لتصوير الحمار في مصر القديمة؛ ومن ذلك تجسيده على بعض مقابر سقارة، وهناك شقافة من الحجر الجيري تمثل حماراً مرسوماً بالحبر على ظهر مركب، وهي محفوظة بمتحف المتروبوليتان».


من أعمال المهرجان المصري كارفان الحمار أثناء العرض في كاتدرائية سان بول بلندن (كارفان)

وفي عام 2013، خصص مهرجان «كارفان» الفني نسخته الخامسة بالقاهرة لتجسيد الحمار، وانطلق المهرجان برعاية سفارة سويسرا، وبدعم من المجلس الثقافي البريطاني، حاملاً اسم «كارفان الحمار» بمشاركة 45 فناناً منهم جورج بهجوري، وإبراهيم الدسوقي، ومحمد عبلة، وبريت بطرس غالي، وغيرهم.

وقالت الفنانة رشا عبد الرحمن، التي شاركت في تنظيم تلك الدورة لـ«الشرق الأوسط»: «دارت جميع الأعمال عن الحمار؛ وذلك لأن (كارفان) في الأساس مظاهرة فنية ضخمة، تهدف إلى بناء الجسور بين الأديان والشعوب المختلفة».

وأضافت: «الحمار رمز أصيل للسلام، وكانت تلك النسخة الأكثر نجاحاً واجتذاباً للجمهور ونجوم المجتمع والفن، فقد حضرها على سبيل المثال الفنان الراحل عمر الشريف ويسرا ويحيى الفخراني وغيرهم، وسادت أجواء السعادة والبهجة أماكن العرض».


من معرض تنويعات على الحمار (حتحوت)


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.