الدرعية... منطلق التأسيس وقلعة الأمجاد والخطر الحقيقي على الإمبراطوريات

موقعها الأكثر سعة وخصباً وصلاحاً للاستيطان البشري منذ 800 عام

أطلال الطريف (فلبي عام 1336 - 1917)
أطلال الطريف (فلبي عام 1336 - 1917)
TT

الدرعية... منطلق التأسيس وقلعة الأمجاد والخطر الحقيقي على الإمبراطوريات

أطلال الطريف (فلبي عام 1336 - 1917)
أطلال الطريف (فلبي عام 1336 - 1917)

من بلدة صغيرة تأسست في منتصف القرن الخامس الميلادي؛ إلى «دولة المدينة»؛ وهو الاسم الأنسب الذي كان سائداً لكثير من المدن المنيعة والقوية وسط الجزيرة العربية، مثل الدرعية والعيينة... وغيرهما، وعلى ضفة وادي العرض، الذي يخترق سلسلة جبال العارض التي أطلق عليها الجغرافيون المتقدمون اسم «العروض»، وهو الجبل الممتد عرضاً وسط الجزيرة العربية ويعرف بـ«جبل طويق»، احتلت الدرعية موقعاً من خيرة مواقع وادي العرض سعة وخصباً وصلاحاً للاستيطان. كما كانت الدرعية خطراً وهاجساً لممالك وإمبراطوريات منذ أربعة قرون. وقد ورد ذكر الدرعية في الوثائق والأرشيفات من عثمانية وبريطانية وفارسية، إضافة إلى مؤلفات البلدانيين والرحالة، وشاع ذكرها في الدولة السعودية الأولى باعتبارها قوة صاعدة في الجزيرة العربية، دفعت بالبعض من قادة الأقطاب في تلك الفترة إلى القول: «إن لم يُقم بهجوم عليها فإنها ستتمكن من سائر الممالك»، ولذلك تعرضت لأحداث جسام بعد أن تكالبت عليها الدول والقوى في تلك الفترة فتم تدميرها لتسقط بفعل الغازي الخارجي.

سجلت الدرعية اسمها منذ قرون محطةً مهمةً على طريق القوافل التي تمتد من البحر الأحمر إلى خليج البصرة، واشتهرت ببيوتها الجميلة البناء المشيدة بالأحجار، ويخترقها وادي حنيفة، وتعج منذ القدم بالمساجد والمدارس، وتحيط بها حقول مترامية من القمح والحنطة والشعير، إضافة إلى أشجار النخيل والخوخ والتين، وعدّت إحدى مناطق تربية سلالة عراقية من الخيل العربية الأصيلة، التي وصلت شهرتها إلى الممالك وسائر الأقطار.
وطُرحت آراء متعددة حول تسميتها الدرعية، لكنها احتفظت بهذا الاسم منذ القدم وإلى اليوم، كما عرفت باسم «العوجا»، ودارت نقاشات حول دلالات الاسم الأخير، وحسم الملك سلمان الآراء التي طُرحت بهذا الخصوص بتأكيده الدلالة المكانية للاسم بأن العوجا هي الدرعية.
وضعت الدرعية، العاصمة الأولى لدولة السعودية، اللبنة الأولى لأساس نشأة الدولة السعودية، فمنها انطلق الإمام محمد بن سعود بمشروعه الوحدوي، وفقاً لرؤية جديدة، وهي التحول من «دولة المدينة» إلى «الدولة الشاملة»، والسعي لتوحيد الجزيرة العربية بأكملها تحت مظلة سياسية مستقرة تؤهلها لمواكبة الحضارة الإنسانية في العالم من حولها.
ومدينة الدرعية من أعرق وأقدم المدن النجدية، فقد تأسست على ضفاف وادي حنيفة عام 850 هـ / 1446م، وذلك بعد انتقال مانع المريدي إليها، الذي اجتهد في عمارتها وتأسيسها حتى أصبحت من أقوى الإمارات النجدية المستقلة، وكان لها دور كبير في تأمين طريق الحج والتجارة العابرة من شرق الجزيرة العربية إلى غربها. تعاقب على حكم مدينة الدرعية عدد من الأمراء، حتى وصل الحكم للإمام محمد بن سعود في عام 1139هـ / 1727 مؤسس الدولة السعودية الأولى.
البداية جاءت من الدرعية كونها دولة المدينة باعتمادها على قدراتها الذاتية وباستنادها إلى سياسة الحكم الرشيد، فأصبحت المدينة الأنسب لتأسيس دولة تضم معظم أرجاء الجزيرة العربية، فقد شهدت ازدهاراً وتطوراً في المجالات جميعها، في منتصف القرن الثاني عشر الهجري - الثامن عشر الميلادي.

أحد قصور سلوى (جورج رندل 1356 - 1937)

ولأن التعليم من أهم أسباب تحقيق التغيير، جعل الأئمة السعوديون الدرعية مقر استقطاب العلماء وطلبة العلم، وأصبح حيا الطريف والبجيري في مقدمة مراكز العلم والعلماء والنساخ.
انتشرت الكتاتيب وحلقات التعليم في المساجد والجوامع ومنازل العلماء، بل والأسواق العامة، ونشطت حركة التأليف والحراك العلمي والثقافي.
كما احتوت الدرعية وفود البلدان والقبائل المبايعة للأئمة السعوديين، وحركات الهجرة والاستقرار إليها بحكم أنها عاصمة الدولة، مما جعلها تتسع وتزداد قوة ومكانة وأهمية، فكانت الدرعية مقر إدارة شؤون الدولة السياسية والإدارية والعسكرية.

- ارتباط المواطنين بالقيادة
عزم الإمام محمد بن سعود على تحقيق التغيير في أحوال الجزيرة العربية بعد أن تولى الحكم عام 1139هـ / 1727م، وانطلق بمشروع الوحدة في نجد، قلب الجزيرة العربية، التي كانت تعاني من انقسامات سياسية وتفكك كبير بين أهالي البلدة الواحدة، مما جعل تحقيق وحدتها من أصعب مراحل التوحيد، وأخذت وقتاً طويلاً من الزمن.
استطاع الإمام المؤسس محمد بن سعود تحقيق الانتصارات بعد أن أشرف بنفسه على إعداد جيش قوي من المواطنين الذين آمنوا به وبرؤيته الجديدة، فدرّبهم وموّلهم بالأموال والسلاح وتولى قيادتهم بنفسه، لما لذلك من دعم معنوي كبير للجيش.
وتمكّن الإمام من إقناع أطياف المجتمع المختلفة بمشروع الوحدة، مما دفعهم للمشاركة والتكاتف في سبيل تحقيقها، فكان الإمام محمد بن سعود يرسل من الدرعية الدعوة للبلدان والقبائل التابعة له للمشاركة في عمليات التوحيد، فيقومون بدورهم بإرسال مجموعة من الفرسان والجند إلى مكان المعركة في التوقيت المتفق عليه.
وبعد توحيد نجد، انطلقت حملات التوحيد نحو الأقاليم في الجزيرة العربية في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد، الذي تمكّن من إعداد جيش قوي من أهالي البلدان والقبائل، وتوجه بهم إلى إقليم الأحساء حتى تمكنوا من توحيده في عام 1210هـ / 1796م، وفي عهد الإمام سعود بن عبد العزيز تمكنت الدولة من توحيد معظم أقاليم الجزيرة العربية حتى توّجت الدولة مشروع الوحدة بضم الحجاز 1220هـ / 1805م. تمتع أهالي الجزيرة العربية في ظل الدولة السعودية الأولى بالاستقرار السياسي والأمني، وازدهار الحياة الاقتصادية والعلمية، وأصبحت لهم علاقة وثيقة بقيادتهم الرشيدة، لهذا بذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل الدفاع عن حكامهم وموطنهم.
أسف الأهالي على نهاية الدولة السعودية الأولى وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل تأسيسها، ولكن بعد 7 سنوات التفوا وساندوا الإمام تركي بن عبد الله في تأسيس دولة السعودية من جديد في عام 1240هـ / 1824م، ودعموا ابنه الإمام فيصل بن تركي في عمليات التوحيد من جديد.
عاد الملك عبد العزيز للرياض في عام 1319هـ / 1902م، عازماً على بناء الدولة من جديد والنهوض بها إلى مصاف الدول الحديثة المتقدمة بعد أن تراجعت الأوضاع فيها كثيراً؛ نظراً للفراغ السياسي الذي حل بها بعد سقوط الدولة السعودية الثانية، وبمجرد إعلانه الحكم السعودي من جديد في العاصمة (الرياض) حتى قدمت الوفود من البلدان والقبائل مبايعة له، معربة عن مساندتها له في عمليات التوحيد، وفعلاً قدم السعوديون أرواحهم وأموالهم خدمة لقادتهم وموطنهم حتى أعلن الملك عبد العزيز، تأسيس المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ / 1932م.
طرحت القيادة السعودية الحالية، بتوجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز ومتابعة وإشراف مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مشروعاً لإعادة تأهيل الدرعية وتطويرها والحفاظ على إرثها التاريخي والحضاري باعتبارها منطلقاً للتأسيس وعاصمة للدولة السعودية الأولى، وعُدّ المشروع أكبر مشروع تراثي بالعالم، ونال شهرة محلية وإقليمية وعالمية، وسيكون أحد المعالم اللافتة في السعودية ومقصداً للسياح.
وستعيد الدرعية بذلك أمجادها السابقة، وتنسج للعالم قصة البلدة الصغيرة الواعدة التي تمتد على ضفتي وادي حنيفة، وبين جبال طويق الشامخة، وتحولت إلى عاصمة للدولة السعودية الأولى، ومدينة جاذبة للسياحة.


مقالات ذات صلة

أمير منطقة الرياض يتوج الفائزين بـ«كأسي المؤسس»

الرياضة أمير منطقة الرياض يتوج الفائزين بـ«كأسي المؤسس»

أمير منطقة الرياض يتوج الفائزين بـ«كأسي المؤسس»

توج الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض بطلي الشوطين الرئيسيين في كأس المؤسس، التي نظمها نادي سباقات الخيل في ميدان الملك عبد العزيز. وحقق «عسفان الخالدية» ابن «ليث الخالدية» المملوك لأبناء الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز لقب الشوط العاشر للخيل العربية، وحقق جائزة الخمسة ملايين ريال، وبلغت مسافة هذا الشوط 1600 متر، ونجح الجواد في وصول خط النهاية خلال 1:46 دقيقة، وذلك تحت قيادة المدرب سعد مطلق والخيال عبد الله العوفي.

فهد العيسى (الرياض)
السعودية تحتفي بعلمها الذي ظل شامخاً عالياً خفاقاً على مدى 3 قرون

السعودية تحتفي بعلمها الذي ظل شامخاً عالياً خفاقاً على مدى 3 قرون

احتفت المملكة العربية السعودية في جميع مناطقها، يوم أمس (السبت)، بـ«يوم العلم»، الذي يصادف 11 مارس (آذار)، والذي أقره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ليكون ذكرى سنوية خاصة بهذه المناسبة، حين أصدر في مطلع الشهر الحالي، أمراً ملكياً ليكون هذا التاريخ يوماً خاصاً بالعلم. وجاء في سياق الأمر الملكي: «وحيث إن يوم 27 من ذي الحجة 1355هـ الموافق 11 مارس 1937م، هو اليوم الذي أقر فيه الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه ـ العلم بشكله الذي نراه اليوم يرفرف بدلالاته العظيمة التي تشير إلى التوحيد والعدل والقوة والنماء والرخاء، أمرنا بما هو آتٍ: أولاً: يكون يوم (11 مارس) من كل عام يوماً خاصاً بال

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سارية العلم في جدة تزيح طاجيكستان من «غينيس» وتحتل المركز الثاني

سارية العلم في جدة تزيح طاجيكستان من «غينيس» وتحتل المركز الثاني

من أفضل المشاهد التي يمكن أن تراها من نافذة الطائرة، وأنت قادم إلى جدة، «سارية العلم»، التي تحمل راية التوحيد، والتي رُفعت على السارية لأول مرة في اليوم الوطني السعودي في 23 سبتمبر (أيلول) 2014، وتُرفرف على ارتفاع 171 متراً، حيث تغطي النباتات مساحة 9 آلاف متر مربع من حولها، ويحيط بها 13 ضوءاً يمثل عددها مناطق المملكة الـ13. وبتثبيت العلم السعودي ورفعه عليها، كُسر الرقم القياسي في موسوعة «غينيس» لطاجيكستان البالغ 165 متراً، بفارق 6 أمتار، لتصبح بهذا المشروع ثاني أكبر سارية علم في العالم بعد سارية العاصمة الإدارية الموجودة في مصر.

أسماء الغابري (جدة)
«معرض العلم» السعودي يحاكي سيرته وتطوراته عبر 4 مراحل تاريخية

«معرض العلم» السعودي يحاكي سيرته وتطوراته عبر 4 مراحل تاريخية

استذكاراً ليوم 11 مارس (آذار)، يحتفل السعوديون للمرة الأولى بيوم العلم، وبقيمته الوطنية والتاريخية الممتدة منذ 3 قرون. وأعاد يوم العلم السعودي، الذي صدر بأمر ملكي، صلة السعوديين برمز الوحدة والسيادة الوطنية، وفتح نوافذ إلى التاريخ الشاهد على مراحل تطوره، متزامناً مع حقب مفصلية من تاريخ البلاد وهي تواجه شروط الاستدامة واستحقاقات التنمية. وفي ساحة العدل، المقابلة لجامع الإمام تركي بن عبد الله المعروف في منطقة قصر الحكم، ومن قصر المصمك التي تمثل الرياض القديمة، ومنطلق نهضة السعودية المعاصرة، نظمت وزارة الثقافة السعودية فعاليات فنية وثقافية وإثرائية تُرسي الارتباط الوثيق بين المواطن وبين العَلَم،

محمد هلال (الرياض)
«الدرعية» تستعيد أقدم أسواقها التاريخية وتحتفي بتراثها الثقافي

«الدرعية» تستعيد أقدم أسواقها التاريخية وتحتفي بتراثها الثقافي

بالتزامن مع يوم العلم الوطني السعودي، الذي تحتفل به السعودية لأول مرة تعزيزاً لقيمته التاريخية والوطنية، تستعيد الدرعية مهد الدولة السعودية الأولى، إحدى أعرق أسواقها التاريخية، حيث أحيت دوي حركتها التجارية وعبقها العلمي، إذ كانت محلاً لتبادل البضائع والتعليم في آن معاً. وتقع «سوق الموسم» التاريخية في الدرعية على ضفاف وادي حنيفة، واشتهرت بكثرة الحوانيت فيها، حيث يجتمع الناس لتبادل البضائع، والبيع والشراء، وتلبية احتياجاتهم المعيشية. السوق التي تتخذ موقعاً استراتيجياً، بتوسطها بين أهم أحياء منطقة الدرعية (الطريف والبجيري) على طرفي وادي حنيفة، كانت حوانيتها مبنيّة من القصب وسعف النخل، وكانت زاخرة

عمر البدوي (الرياض)

بتوجيه من ولي العهد السعودي... وزير الداخلية يلتقي الرئيس الجزائري

عبد المجيد تبون خلال استقباله الأمير عبد العزيز بن سعود في القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائر (واس)
عبد المجيد تبون خلال استقباله الأمير عبد العزيز بن سعود في القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائر (واس)
TT

بتوجيه من ولي العهد السعودي... وزير الداخلية يلتقي الرئيس الجزائري

عبد المجيد تبون خلال استقباله الأمير عبد العزيز بن سعود في القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائر (واس)
عبد المجيد تبون خلال استقباله الأمير عبد العزيز بن سعود في القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائر (واس)

بتوجيه من الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، التقى الأمير عبد العزيز بن سعود، وزير الداخلية، الخميس، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائر، حيث استعرضا العلاقات الثنائية والتعاون الأمني القائم بين البلدين.

ونقل الأمير عبد العزيز بن سعود، خلال الاستقبال، تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد السعودي، إلى الرئيس تبون، وتمنياتهما للجزائر؛ حكومة وشعباً، بدوام الرقي والازدهار.

الرئيس الجزائري مرحباً بضيف بلاده وزير الداخلية السعودي في القصر الرئاسي (واس)

حضر الاستقبال من الجانب السعودي الدكتور هشام الفالح مساعد وزير الداخلية، والدكتور عبد الله البصيري سفير السعودية لدى الجزائر، واللواء خالد العروان المدير العام لمكتب الوزير للدراسات والبحوث، وأحمد العيسى المدير العام للشؤون القانونية والتعاون الدولي.

وحضره من الجانب الجزائري بوعلام بوعلام مدير ديوان رئاسة الجمهورية، وإبراهيم مراد وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية.