ضربة إسرائيلية في أصفهان... وطهران تعلن إسقاط مسيرات

استهدفت منشأة «عسكرية» تابعة لوزارة الدفاع... ومواقع «الحرس» توعدت تل أبيب

أشخاص يجتمعون أمام منشأة تعرضت لهجوم في أصفهان فجر أمس... وفي الإطار لهيب الانفجار (فارس)
أشخاص يجتمعون أمام منشأة تعرضت لهجوم في أصفهان فجر أمس... وفي الإطار لهيب الانفجار (فارس)
TT

ضربة إسرائيلية في أصفهان... وطهران تعلن إسقاط مسيرات

أشخاص يجتمعون أمام منشأة تعرضت لهجوم في أصفهان فجر أمس... وفي الإطار لهيب الانفجار (فارس)
أشخاص يجتمعون أمام منشأة تعرضت لهجوم في أصفهان فجر أمس... وفي الإطار لهيب الانفجار (فارس)

أعلنت إيران أن دفاعاتها أحبطت هجوماً بطائرات مسيرة انتحارية تحمل متفجرات، على أحد مصانع الذخيرة التابعة لوزارة الدفاع في وسط مدينة أصفهان بالقرب من أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم، في وقت نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين ومصادر مطلعة قولهم إن إسرائيل وراء الضربة السرية، في أحدث هجوم يستهدف المنشآت الإيرانية الحساسة، وسط تصاعد التوترات الإقليمية والدولية التي تجتاح إيران.
وقالت وزارة الدفاع الإيرانية في بيان رسمي إن الهجوم نفذته ثلاث مسيرات صغيرة الحجم من نوع «كوادبتر»، فيما أشارت قنوات تابعة لـ«الحرس الثوري» إلى سقوط أربع مسيرات «كوادبتر» أطلقت من بعد قليل. ولم تُفصح وزارة الدفاع الإيرانية عن أية معلومات بشأن من يُشتبه في أن يكون مُنفذ الهجوم، الذى جاء إثر اندلاع حريق بمصفاة للتكرير بصورة منفصلة في شمال غربي البلاد، مع زلزال قوته 5.9 درجة ضرب المنطقة المجاورة، مما أسفر عن مصرع ثلاثة أشخاص.
وقال محمد رضا جان نثاري، نائب الشؤون السياسية والأمنية لحاكم أصفهان في تصريح متلفز إنّ الهجوم «لم يُسفر عن إصابات»، مضيفاً أنّ تحقيقاً فُتح لتحديد أسبابه.
وأوضح بيان وزارة الدفاع الإيراني، الذي تناقلته وسائل الإعلام الرسمية: «أصاب الدفاع الجوي واحدة من (الطائرات المسيرة)... ووقعت الطائرتان الأخريان في فخاخ دفاعية وانفجرتا. ولحسن الحظ لم يتسبب هذا الهجوم الفاشل في خسائر في الأرواح وألحق أضراراً طفيفة بسقف المصنع».
وقال البيان: «الهجوم لم يؤثر على منشآتنا ومهماتنا... ولن يكون لمثل هذه الإجراءات العمياء تأثير على استمرار مسيرة تقدم البلاد».
ووفق وكالة «إرنا»، لم تتضرر إحدى هاتين المسيّرتين كثيراً و«تم تسليمها إلى قوات الأمن المتمركزة في المجمّع». وأضاف أنّ الهجوم لم يتسبب بوقوع إصابات وإنّما أحدث فقط «أضراراً طفيفة في سقف أحد المباني».
وكانت وكالات أنباء إيرانية قد أفادت في وقت سابق بوقوع الانفجار القوي وبثت تسجيلاً مصوراً يسمع فيه صوت انفجار من ارتطام جسم طائر بأرض المصنع الذي قيل إنه مستودع ذخيرة، وشوهدت عربات طوارئ وعربات إطفاء خارج المصنع، على طول طريق السريع المزدحم، الذي يتجه إلى الشمال الغربي من أصفهان، وهي إحدى الطرق العديدة التي يسلكها السائقون ذهاباً إلى مدينة قُم والعاصمة طهران. وقد وقف حشد صغير متجمهراً بالقرب من موقع إطلاق النار المضادة للطائرات، يراقبون انفجاراً وشظايا تضرب مبنى مظلماظة.
وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن المعطيات تتوافق مع موقع في شارع «مينو» شمال غربي أصفهان بالقرب من مركز تسوق يحتوي على سجاد ومتجر للإلكترونيات. ونقلت وكالة «مهر» الحكومية عن مدير خلية الأزمة في محافظة أصفهان، منصور شيشة فروش أنه «سمعت أصوات غير معروفة في شارع الخميني ويتم التحقق من أسبابها». ويسمع أحدهم يقول: «يا إلهي! تلك كانت طائرة مسيرة، أليس كذلك؟ نعم، لقد كانت طائرة مسيرة». وقد فر من كانوا هناك بعد الضربة.
وقبل أن يصدر بيان وزارة الدفاع الإيرانية، أكدت وكالتا «فارس» و«تسنيم»، التابعتان لـ«الحرس الثوري» وقوع الانفجار، لكنها وصفتا الأوضاع في المدينة بـ«العادية».
ورشة مسيرات
وانتشرت عدة مقاطع فيديو بسرعة البرق على شبكات التواصل تظهر وقوع انفجارين ضخمين في المنشأة الواقعة قرب طريق سريع في ضواحي أصفهان. ويسمع من الفيديوهات صوت الدفاعات الجوية. وعكس إحدى المقاطع انفجاراً هائلاً وتصاعد عمود من النار.
لم تذكر السلطات تفاصيل عن نشاط الموقع المستهدف والواقع شمال مدينة أصفهان الكبيرة، لكن قناة «صابرين نيوز» من المنابر الدعائية لـ«الحرس الثوري» على شبكة «تلغرام»، قالت في منشور لها إن الهجوم «استهدف ورشة لتجميع المسيرات».
وبعد ساعات، أفادت قنوات «الحرس الثوري» على «تلغرام» في رسالة نشرت في توقيت متزامن أن «المعلومات تفيد أن عدة مسيرات انتحارية صغيرة الحجم، تحمل كل منهما كيلوغرامين من مادة آر - دي - إكس المتفجرة، أقلعت على مسافة نحو كيلومتر واحد، وأصاب إحداها مخازن الذخائر في أصفهان». ونشرت بعض قنوات «الحرس» رسالة كتب فيها إن «الرد سيكون بسقوط مسيرات انتحارية عن سفن إسرائيلية».
وتعرضت إيران لهجمات مماثلة في السابق، وحمل هذا الهجوم نقاط تشابه مع الهجوم الذي استهدف منشأتي بارشين للأبحاث العسكرية، وكذلك ورشة لتجميع أجهزة الطرد المركزي في كرج، وهجوم استهدف منشأة نطنز النووية قبل عامين. وشكلت تلك الهجمات سجالاً داخلياً حول اختراق إسرائيل للداخل الإيراني، وانتقد مسؤولون كبار ما وصفوه بـ«التلوث الأمني».
وفي محاولة لرفع معنويات الأجهزة الداخلية، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: «تعمل أجهزتنا بقوة لتحقق أقصى مستويات الأمن في البلاد».
في الأثناء، نقل التلفزيون الرسمي عن نائب رئيس لجنة شؤون الأمن القومي عباس مقتدايي أن اللجنة ستعقد اجتماعاً لمناقشة الهجوم وإرسال لجنة تحقيق إلى أصفهان لاتخاذ قرارات في هذا الصدد.
نجاح هائل
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين وأشخاص مطلعين أن إسرائيل نفذت ضربة سرية بطائرة مسيرة ضد مجمع عسكري في أصفهان، حيث تبحث الولايات المتحدة وإسرائيل عن طرق جديدة لاحتواء طموحات طهران النووية والعسكرية.
ورفض المسؤولون الإسرائيليون التعليق على الهجوم. نادراً ما يعترف المسؤولون الإسرائيليون بالعمليات التي تقوم بها الوحدات العسكرية السرية في البلاد أو جهاز الموساد. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي عاد مؤخراً إلى رئاسة الوزراء، كان لفترة طويلة يعتبر إيران التهديد الأكبر الذي يواجه بلاده.
في هذا الصدد، نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن مصادر المخابرات الغربية والمصادر الأجنبية، أن «هجوم المسيرات على إيران في أصفهان حقق نجاحاً هائلاً رغم المزاعم الإيرانية».
وأكدت الصحيفة أن معظم الاستخبارات الغربية والمصادر الإيرانية نسبت الفضل إلى الموساد بسبب الهجمات الناجحة المماثلة التي كان قد نفذها الموساد في الماضي مثل قصف منشأة نطنز النووية الإيرانية في يوليو (تموز) 2020. ومرفق نووي مختلف في نطنز في أبريل (نيسان) 2021. ومنشأة نووية أخرى في كرج في يونيو (حزيران) 2021 وتدمير نحو 120 طائرة إيرانية من دون طيار أو أكثر في فبراير (شباط) 2022.
بدوره، نفى مسؤول أميركي للإذاعة الإسرائيلية قيام قوات عسكرية أميركية بشن ضربات داخل إيران، وأضاف: «نراقب الوضع عن كثب بعد الهجوم على مستودع أسلحة في أصفهان». وصرح خبير أمني في الشؤون الإيرانية للإذاعة بأن «الطائرات من دون طيار وتسمى (كوادكوبتر) لأن لديها أربع دوارات، ولديها مدى طيران قصير، وبما أن أصفهان موجودة في العمق الإيراني بعيداً عن الحدود الدولية، فإن الاعتقاد الأقرب إلى المنطق، هو أن الطائرات المسيرة التي نفذت الهجوم يوم السبت أقلعت من داخل إيران.
وهذه أول ضربة إسرائيل لمنشآت إيرانية، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الذي شهدت بلاده قبل أيام أضخم مناورات أميركية - إسرائيلية على الإطلاق، في خضم التوترات مع إيران. وشارك فيها الآلاف من الجنود، وسفن وقاذفات نووية للتدريب على السيناريوهات المتعددة.
وتعيد العملية للأذهان سلسلة العمليات التي جرت في إيران بين عامي 2009 و2021، وكان أبرزها نقل الأرشيف النووي الإيراني من طهران إلى تل أبيب، في عملية معقدة سبقت الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
منطق الحرب
وقال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان خلال مؤتمر صحافي مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أمس الأحد: «وقع اليوم عمل جبان لجعل إيران أقل أمناً»، مضيفاً أن «مثل هذه الأفعال لا يمكن أن تؤثر على إرادة خبرائنا لتطوير الطاقة النووية السلمية».
في غضون ذلك، حذر أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، على شبكة الإنترنت من أن هجوم أصفهان يمثل حدثاً آخر في «التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة راهناً». وقد استهدفت الإمارات بهجمات صاروخية وهجمات بطائرات مسيرة خلال العام الماضي، تبناها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران.
وغرد قرقاش على «تويتر»، قائلاً: «لا يصُب ذلك في مصلحة المنطقة ومستقبلها. ورغم أن المشاكل في المنطقة مُعقدة، فإنه لا بديل عن الحوار».
وفي أوكرانيا، التي تتهم إيران بتزويد روسيا بالمئات من الطائرات المسيرة لمهاجمة أهداف مدنية في مدن بعيدة عن جبهة القتال، قال مستشار بارز للرئيس الأوكراني إن ما حدث في إيران له صلة مباشرة بالحرب في بلاده. واعترفت إيران بإرسال طائرات مسيرة إلى روسيا لكنها تقول إنها وصلتها قبل أن تبدأ موسكو غزو أوكرانيا العام الماضي. وتنفي موسكو استخدام قواتها طائرات مسيرة إيرانية في أوكرانيا رغم إسقاط عدد منها وانتشال بقاياه هناك.
وقال مخايلو بودولياك في «تغريدة»: «منطق الحرب لا يرحم وفتاك. يحاسب المسؤول والمتواطئ بحزم... ليلة متفجرة في إيران... إنتاج مسيرات وصواريخ ومصاف نفطية. حذرناكم».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قال مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني، إن قواته انتقمت جزئيا من القوات الأميركية بطردها من المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه «القدس ليست الهدف النهائي وإنما هدف وسط»، مشددا على ضرورة أن تجد إيران موقعها في انتقال القوة من الغرب إلى الشرق. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن قاآني قوله خلال اجتماع الجمعية العامة لطلاب الحوزات العلمية في قم إن «أميركا وإسرائيل وحتى الناتو و... تقوم بالتعبئة لتخريب إيران». وقال قاآني «مثلما قال المرشد فإن إيران من المؤكد لن تبقى بعد 25 عاماً، وهم (الإسرائيليون) يستعجلون ذلك».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)

عندما قال ترمب لنتنياهو: أريدك رجلاً

الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - أ.ب)
الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - أ.ب)
TT

عندما قال ترمب لنتنياهو: أريدك رجلاً

الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - أ.ب)
الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - أ.ب)

لم يكن صدفة أن يقول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في الأسبوع الماضي إن الاتفاق الذي يتبلور حول الصفقة لوقف النار الدائم وتبادل الأسرى بين إسرائيل و«حماس» هو نفسه الذي كان مطروحاً ومقبولاً في شهر مايو (أيار) الماضي. فلماذا فشل في حينه، بينما اليوم ينجح؛ فالمضمون لم يتغير، وظروف إسرائيل التي جعلت رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يوافق عليها في حينه، هي أيضاً لم تتغير.

كما هو معروف، وقف الرئيس الأميركي جو بايدن يومها، وأعلن أن نتنياهو طرح عليه خطة لوقف النار في غزة تفضي إلى إطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين. وطلب من نتنياهو علناً أن يوافق على هذه الخطة. وبدا ذلك ضرباً من الكوميديا السوداء. فماذا يعني أن تطلب منه أن يوافق على الخطة التي وضعها هو نفسه؟ وتَبَيَّنَ لاحقاً أن نتنياهو طرح الخطة على أمل أن ترفضها «حماس» كما فعلت في مرات سابقة، فلما وافقت عليها «حماس» تراجع.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن (أرشيفية - رويترز)

منذ ذلك الوقت وحتى اليوم طرحت الخطة مع تعديلات مرتين، في يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، ورفضها نتنياهو في الحالتين. وقال إن على «حماس» أن تقدم تنازلات أخرى. وقال لإدارة بايدن إن تلميحها بأن إسرائيل هي التي تعرقل الصفقة يشجع «حماس» على التقدم بمطالب جديدة، لذلك عليهم أن يواصلوا اتهام «حماس» بإفشالها. وراح جيش نتنياهو في الشبكات الاجتماعية يحرِّض على بايدن بأسلوب قاسٍ. وهكذا رضخ بايدن وفعل ما طلبه رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وفي هذه الأثناء، واصل نتنياهو الحرب، وقام بتوسيعها وبتعميقها، وحقق مكاسب عسكرية جدية فيها، من اغتيال رئيسي حركة «حماس» إسماعيل هنية ويحيى السنوار، وعدد كبير من قادتها الميدانيين، وقادة الصفين الأول والثاني في «حزب الله» وفي مقدمتهم حسن نصر الله، وتفجير أجهزة الاتصال، ونفذ عملية اجتياح في لبنان. ونفذ غارات في إيران واليمن. وإبان ذلك، واصل عمليات تدمير قطاع غزة والقتل الجماعي فيه والتجويع والتعطيش. وقام باحتلال محوري فيلادلفيا ونتساريم.

ولم تسلم إسرائيل من هذه العمليات، فغرق جيشها في وحل غزة، وقتل في قطاع غزة خلال الفترة من مايو وحتى اليوم 122 جندياً وضابطاً إسرائيلياً، ليرتفع عدد القتلى منذ اجتياح غزة إلى 400 ضابط وجندي. كما قُتل في هذه الفترة 8 محتجزين إسرائيليين، اثنان كما يبدو قُتلا في قصف الجيش الإسرائيلي و6 على يد «حماس». وصدرت عن محكمة الجنايات الدولية أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وتعززت صورة إسرائيل في الساحة الدولية بوصفها دولة احتلال بشع يقتل المدنيين بشكل جماعي، ويقتل الصحافيين والأطباء، ويضرب بعُرض الحائط القوانين والمواثيق الدولية. وأصبحت تحرج حلفاءها في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي تطالب بوقف القتال. وبات واضحاً أن نتنياهو يحكم إسرائيل وفقاً لأهوائه ومصالحه الشخصية والحزبية، وليس المصلحة الوطنية.

مروحية عسكرية إسرائيلية تهبط في شمال غزة الثلاثاء (رويترز)

ورغم هذا كله، لم يحقق نتنياهو وجيشه، طيلة 15 شهراً، أياً من أهداف الحرب؛ فلم يحرر الأسرى، ولم يتمكن من تصفية «حماس»، ولم يمنع الصواريخ عن غلاف غزة، ولم يُعِدِ المواطنين النازحين إلى بيوتهم. وسادت القناعة لدى غالبية الجمهور الإسرائيلي بأن الحرب استنفدت نفسها، وصار الجنود يرون أنهم يحاربون دون هدف استراتيجي، وأنهم يموتون هباءً.

لكن نتنياهو واصل الحرب بعناد مريب، ولو كان الأمر بيده، لما أوقفها اليوم أيضاً. وإذا كان يبدو الآن جاهزاً لوقفها وإبرام صفقة، فإن ذلك تم فقط بسبب اللهجة الجديدة التي بات يسمعها من واشنطن؛ فقد انتًخب لرئاسة الولايات المتحدة دونالد ترمب، الذي لا يتوسل ويرجو نتنياهو مثل بايدن، بل يقدم أوامر. وعندما يتذرع نتنياهو بحجة «الحسم الديمقراطي» يقول إنه لا يستطيع تمرير هذا القرار؛ لأن لديه معارضة يمينية، يجيبه ترمب: «أنا أريدك رجلاً، قائداً قوياً. والقائد القوي هو الذي يستطيع اتخاذ قرارات».

لقد أصبح واضحاً أن تدخُّل ترمب بشكل شخصي، وإرساله مندوباً شخصياً عنه إلى المفاوضات، حسما موقف نتنياهو. وهذا المندوب، ستيف ويتكوف، بدأ تدخُّله بتحديد موعد دخول ترمب إلى البيت الأبيض كحد أقصى للتوصل إلى صفقة، وطلب إرسال وفد تفاوض رفيع إلى الدوحة، يحمل صلاحيات تفاوض كاملة. وعندما اتفق على البنود، سافر إلى تل أبيب في يوم العطلة اليهودية، السبت، وراح يمر على بنود الصفقة بنداً بنداً وهو يسأل نتنياهو إن كان يوافق عليه شخصياً. وهكذا أتم الصفقة.