رياح التصعيد تهب... لكنها هنا ليست حالة استثنائية

الدم يطلب الدم في مزاج عام انتقامي.. وحكومة أكبر معتدل فيها هو نتنياهو

نقل جريح إسرائيلي أصيب بالرصاص في القدس القديمة (رويترز)
نقل جريح إسرائيلي أصيب بالرصاص في القدس القديمة (رويترز)
TT

رياح التصعيد تهب... لكنها هنا ليست حالة استثنائية

نقل جريح إسرائيلي أصيب بالرصاص في القدس القديمة (رويترز)
نقل جريح إسرائيلي أصيب بالرصاص في القدس القديمة (رويترز)

بعد وقت وجيز من تشكيل الحكومة الاسرائيلية «اليمينية»، أبلغ مسؤولون فلسطينيون نظراءهم الاسرائيليين في خضم مناقشات حول القرار الاسرائيلي بفرض عقوبات على السلطة، شملت مصادرة أموال كبيرة، وسحب تصاريح وبطاقات VIP وايقاف مشاريع اقتصادية ومشاريع بناء، انه إذا كان هذا ما يبدو عليه الأسبوع الأول للحكومة، فإنه واضح الى أين تهب الرياح.
لم تكن توجهات الحكومة التي يظهر فيها زعيم الليكود بنيامين نتنياهو أكثر «المعتدلين»، بحاجة الى مسؤوليين في مواقع سياسية أو أمنية، أو محللين سياسيين، لكي يبصروا أن الرياح متجهة الى تصعيد وستجري بما لا تشتهي السفن.
وعلى الرغم من أن الرئاسة الفسطينية حذرت من انفجار لا يمكن السيطرة عليه وهددت بإجراءات فورية ردا على السيف الاسرائيلي الذي انغمس في دماء الفلسطينيين كل يوم، وتدخل الاميركيون والمصريون والاردنيون والقطريون من اجل كبح جماح التصعيد الاسرائيلي، وهو تصعيد يمثل فقط رأس جبل جليدي بالقياس لما يخطط له وزراء مثل وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير الذي يريد تسليح كل الاسرائيليين وتغيير تعليمات إطلاق النار ضد الفلسطينيين كي يصبح القتل أسرع وأسهل، ووزير المالية المسؤول عن الادارة المدنية في الجيش الاسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي يعمل على خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية، فإن الحكومة المنفلتة مضت قدما بما يرضي المتعصبين المسيطرين في اسرائيل، وقتلت في ضربة واحدة 10 فلسطينيين في جنين شمال الضفة في يوم دام وحزين، أوقف بعده الرئيس الفلسطيني محمود عباس التنسيق الأمني مع اسرائيل، وهبت رياح الانتقام.
لقد بدا انها بداية عاصفة قد لا تهدأ قريبا...
عندما قتل الشاب الفلسطيني خيري علقم يوم الجمعة 7 اسرائيليين في القدس بعد يوم واحد من قتل اسرائيل 10 فلسطينيين في جنين، كان يمكن قراءه المزاج العام الفلسطيني في مسيرات عفوية خرجت في كل مكان، المدن والمخيمات والقرى، ابتهاجا بالعملية، إطلاق نار ومفرقعات وتكبيرات وحلوى وأبواق سيارات بلا توقف، حتى ان الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن قبل يوم واحد خرجن لتوزيع الحلوى في جنين فيما تبدل المشهد في بيوت العزاء من حزن الى فرح وهتاف.
أما الفصائل الفلسطينية التي باركت العملية ولم تكن تقف خلفها فتوعدت بمزيد من «الثارات».
كان يمكن ايضا قراءة المزاج العام المسيطر في اسرائيل، بعدما توعد نتنياهو برد حازم فيما كان يهتف بن غفير أمام مستوطنين غاضبين «الموت للإرهابيين»، ويكتبون على مواقع التواصل الاجتماعي «شردوهم» و «لا ترحموهم».
لكن كيف سيرد نتنياهو وهل سيؤدي رده إلى زيادة رياح التصعيد حدة أم إلى تخفيفها؟
يفترض ان يتضح ذلك أكثر في اجتماع للمجلس الأمني المصغر سيعقد بعد انتهاء يوم السبت (مساء) غير ان أدواته ستظل مكبلة في مواجهة من يحلوا للمؤسسة الأمنية الاسرائيلية تسميتهم «الذئاب المنفردة» الذين ينطلقون وحدهم بدون تنظيم ولا تخطيط ولا تمويل ولا اتصالات ولا قرارات، في أي وقت في أي مكان وينفذون عملياتهم، ويزيد الطين بله بالنسبة للاسرائيليين اذا كانوا يحملون جنسية اسرائيلية أو هوية زرقاء وإقامة.
بعد الهجوم على جنين كانت أبرز مخاوف المؤسسة الأمنية الاسرائيلية ان يتحرك هؤلاء في القدس، وبعد اقل من 24 ساعه ضرب علقم في قلب المنطقة.
وقال قائد شرطة القدس دورون تورجمان «المنفذ تصرف كذئب منفرد وكان في موقع العملية وحده، ويجري التحقيق في ما إذا كان هناك من ساعده. رجال الشرطة وجدوه بالقرب من بيت حنينا وقاموا بتحييده، نحن نحقق لنفهم ما جرى».
ما اكتشفه الاسرائيليون لاحقا انه فعلا تحرك بمفرده، انتقاما لجنين وربما لجده الذي قتله مستوطن قبل 25 عاما في القدس. انها في كلا الحالتين مسألة ثأر لا تنتهي.
وقال المحلل الأمني والعسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، رون بن يشاي، إن اختبار الرد على العملية في القدس يعد أكثر صعوبة من أي وقت مضى، بما أن المنفذ ذئب منفرد. وأضاف أن المؤسسة الأمنية أدركت في السنوات الأخيرة أنه ليس لديها الكثير لتقوم به تجاه هذا النوع من العمليات.
لكن المخاوف ليست متعلقة بكيف ستتصرف المؤسسة الأمنية وانما مجلس الوزراء المصغّر الذي لا يضم الكثير من الأشخاص ذوي الخبرة، وهو يتألف بشكل أساسي من وزراء ذوي آراء قومية متشددة، وأغلب الظن انهم سيضغطون من أجل إجراءات جذرية قد تؤجج النيران أكثر.
وقال يؤآف ليمور الصحافي في «إسرائيل اليوم» ان ما يحدث يشير إلى حقيقة أن الساحة الفلسطينية تشهد اتجاهاً تصعيدياً انفجارياً بشكل خاص.
وحذر مراسل الشؤون الإسرائيلية في موقع «واللا» العبري أمير بوخبوط من أن تتحول العملية الى مصدر إلهام لاخرين.
ولتجنب كل ذلك، دفعت اسرائيل بقوات معززة الى القدس والى مناطق التماس مع الضفة الغربية. لكن الذي خشيت منه حدث، فقد استلهم اخرون التجربة، وهذه المره طفل من القدس عمره 13 عاما كان يتجول قرب سلوان في البلدة القديمة في القدس ثم شاهد مستوطنا وابنه فأخرج مسدسا مثلما فعل علقم واطلق النار تجاههما.
لقد ضربهم فلسطيني اخر في القلب في ذروة التأهب والتهديد والوعيد.
وفورا باركت الفصائل الفلسطينية وقالت ان الدم يطلب الدم، أما بن غفير فتعهد بـ«رد قوي وبتغيير الأوامر المنظمة لإطلاق النار»، وقال ان هذا الوضع لا يمكن السكوت عنه.
طلب بن غفير أيضا تسليح كل اسرائيلي، وبناء عليه دعت الشرطة الاسرائيليين الى حمل السلاح وأعلنت رفع مستوى اليقظة، فيما أمر رئيس أركان الجيش هرسي هاليفي بتعزيز الأمن أكثر في الضفة الغربية استعدادا لتصعيد محتمل.
وهو تصعيد تحدث عنه وزير الدفاع، يؤاف غالانت، الذي أمر كذلك بالاستعداد لاحتمال حدوث تطورات ميدانية أخرى وحماية المستوطنات.
ان سياسة «طنجرة الضغط» الذي اتبعها الاسرائيليون في جنين، ترتد عليهم في القدس، وشظاياها قد تصل في أي لحظة الى أي مكان، تل أبيب مثلا او نابلس، وربما بشكل لا يتمناه الطرفان قطاع غزة، خصوصا ان شهر رمضان على الأبواب وهو شهر كان يخشى معه الاسرائيليون حتى قبل كل هذه الموجة من تصعيد لافت.
التصعيد هنا ليس حالة استثنائية. انه حلقة مستمرة منذ عقود. الهدوء طالما كان يثير الريبة.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي «مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

«مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

قتلت إسرائيل 3 فلسطينيين في الضفة الغربية، الخميس، بعد حصار منزل تحصنوا داخله في نابلس شمال الضفة الغربية، قالت إنهم يقفون خلف تنفيذ عملية في منطقة الأغوار بداية الشهر الماضي، قتل فيها 3 إسرائيليات، إضافة لقتل فتاة على حاجز عسكري قرب نابلس زعم أنها طعنت إسرائيلياً في المكان. وهاجم الجيش الإسرائيلي حارة الياسمينة في البلدة القديمة في نابلس صباحاً، بعد أن تسلل «مستعربون» إلى المكان، تنكروا بزي نساء، وحاصروا منزلاً هناك، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة في المكان انتهت بإطلاق الجنود صواريخ محمولة تجاه المنزل، في تكتيك يُعرف باسم «طنجرة الضغط» لإجبار المتحصنين على الخروج، أو لضمان مقتلهم. وأعلنت وزارة

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

في وقت اقتطعت فيه الحكومة الإسرائيلية، أموالاً إضافية من العوائد المالية الضريبية التابعة للسلطة الفلسطينية، لصالح عوائل القتلى الإسرائيليين في عمليات فلسطينية، دفع الكنيست نحو مشروع جديد يتيح لهذه العائلات مقاضاة السلطة ورفع دعاوى في المحاكم الإسرائيلية؛ لتعويضهم من هذه الأموال. وقالت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، الخميس، إن الكنيست صادق، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يسمح لعوائل القتلى الإسرائيليين جراء هجمات فلسطينية رفع دعاوى لتعويضهم من أموال «المقاصة» (العوائد الضريبية) الفلسطينية. ودعم أعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي ومن المعارضة، كذلك، المشروع الذي يتهم السلطة بأنها تشجع «الإرهاب»؛

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

دخل الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب وقصف بدباباته موقعاً في شرق مدينة غزة، أمس الثلاثاء، ردّاً على صواريخ أُطلقت صباحاً من القطاع بعد وفاة القيادي البارز في حركة «الجهاد» بالضفة الغربية، خضر عدنان؛ نتيجة إضرابه عن الطعام داخل سجن إسرائيلي.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

صمد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ، فجر الأربعاء، منهيا بذلك جولة قصف متبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية استمرت ليلة واحدة (أقل من 24 ساعة)، في «مخاطرة محسوبة» بدأتها الفصائل ردا على وفاة القيادي في «الجهاد الإسلامي» خضر عدنان في السجون الإسرائيلية يوم الثلاثاء، بعد إضراب استمر 87 يوما. وقالت مصادر فلسطينية في الفصائل لـ«الشرق الأوسط»، إن وساطة مصرية قطرية وعبر الأمم المتحدة نجحت في وضع حد لجولة القتال الحالية.

كفاح زبون (رام الله)

17 قتيلاً في قصف إسرائيلي على تجمعات للنازحين في المواصي

فلسطينيون نازحون من بيت لاهيا يصلون إلى جباليا في شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون نازحون من بيت لاهيا يصلون إلى جباليا في شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

17 قتيلاً في قصف إسرائيلي على تجمعات للنازحين في المواصي

فلسطينيون نازحون من بيت لاهيا يصلون إلى جباليا في شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون نازحون من بيت لاهيا يصلون إلى جباليا في شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

أفاد التلفزيون الفلسطيني، اليوم الأربعاء، بمقتل 17 شخصاً على الأقل وإصابة العشرات في قصف جوي إسرائيلي على تجمعات للنازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس بجنوب قطاع غزة.

وقالت «جمعية الهلال الأحمر» على منصة «إكس»، إن الطائرات الإسرائيلية ضربت تجمعات للنازحين ومخازن مواد غذائية في منطقة المواصي التي تطلق عليها القوات الإسرائيلية «المنطقة الإنسانية».

ونقلت «وكالة الأنباء الفلسطينية» عن مصادر محلية أن الطائرات الإسرائيلية قصفت وأطلقت نيران أسلحتها الرشاشة على خيام النازحين في المنطقة.

وأوضح «الهلال الأحمر الفلسطيني» أن طواقم الإسعاف التابعة له ما زالت تتعامل مع الحدث.

وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة اليوم ارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44532 إجمالاً، وعدد المصابين إلى 105538.