قمة بايدن ـ كيشيدا تضع أسس تحالف أمني موسع

بايدن أشاد بالإصلاحات العسكرية اليابانية على خلفية التحدي الصيني

جانب من لقاء بايدن وكيشيدا في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
جانب من لقاء بايدن وكيشيدا في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
TT

قمة بايدن ـ كيشيدا تضع أسس تحالف أمني موسع

جانب من لقاء بايدن وكيشيدا في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
جانب من لقاء بايدن وكيشيدا في البيت الأبيض أمس (أ.ب)

اتفق الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا على بناء تحالف أمني موسع، وتعزيز التعاون في مواجهة الاستفزازات الصينية والكورية الشمالية.
وفي بداية لقاء الزعيمين بالمكتب البيضاوي، أثنى بايدن على القيم المشتركة التي تجمع البلدين، وعلى الاستراتيجية الدفاعية الجديدة التي أقرتها اليابان. وأشاد الرئيس الأميركي بـ«الزيادة التاريخية في الإنفاق الدفاعي واستراتيجية الأمن القومي اليابانية»، وقال: «أتطلع إلى مواصلة أهدافنا وقيمنا المشتركة، والولايات المتحدة ملتزمة تماماً بهذا التحالف».

- تعزيز التعاون
وعبر المترجمين، قال رئيس الوزراء الياباني إنه سعيد بوجوده في العاصمة واشنطن، والاجتماع مع الرئيس الأميركي لمناقشة سبل تحقيق الأمن والازدهار في المنطقة. وتابع: «تواجه اليابان والولايات المتحدة حالياً بيئة أمنية هي الأكثر تعقيداً في التاريخ الحديث. ومن أجل ضمان السلام، وضعنا استراتيجية أمنية جديدة لتعزيز قدراتنا الدفاعية».
وكان بايدن قد استقبل كيشيدا ظهر أمس، وعقدا اجتماعاً ثنائياً تلاه غذاء عمل في البيت الأبيض. وانعقدت القمة الأميركية الياباني على خلفية دخول الغزو الروسي لأوكرانيا عامه الثاني، ومع استمرار نمو التهديدات العسكرية الصينية والطموحات النووية لكوريا الشمالية. وبحث الزعيمان قضايا الأمن القومي والاقتصادي، فضلاً عن التعاون في مجال الفضاء ومواجهة هيمنة الصين على سلاسل التوريد العالمية. وتلعب اليابان بصفتها الحليف الأكثر أهمية للولايات المتحدة في آسيا دوراً رئيسياً في تعزيز استراتيجية إدارة بايدن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وقبل قمته مع بايدن، التقى كيشيدا نائبة الرئيس كامالا هاريس. وقالت هاريس إن العلاقات الأميركية اليابانية «صلبة»، مشيرة إلى اتفاقية التعاون في مجال الفضاء التي وقعها الجانبان أمس.

- قفزة عسكرية يابانية
ووصل كيشيدا إلى واشنطن في ختام جولة شملت دول مجموعة السبع. وتأتي زيارته في أعقاب أخرى قام بها بايدن إلى طوكيو في مايو (أيار) الماضي، وبعد اجتماع بين الزعيمين على هامش قمة إقليمية في كمبوديا في نوفمبر (تشرين الثاني). والتقى وزراء الخارجية والدفاع من البلدين الأربعاء، وأعلنوا تكثيف التعاون الأمني، وأشاد الوزيران الأميركيان بخطط طوكيو لتعزيز قدراتها العسكرية.
وكشفت اليابان، الشهر الماضي، عن أكبر تعزيزات عسكرية لها منذ الحرب العالمية الثانية، في تحول تاريخي عن النهج السلمي الذي اتبعته لسبعة عقود، وهي خطوة أذكتها مخاوف من التحركات الصينية في المنطقة. وستزيد هذه الخطة الإنفاق الدفاعي إلى اثنين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وستشتري اليابان بموجبها صواريخ يمكنها ضرب سفن أو أهداف برية على بعد ألف كيلومتر.
ومنذ توليه منصبه العام الماضي، سعى كيشيدا إلى توسيع وتنويع شركات بلاده الأمنية مع دول المنطقة وأوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، كما عزز الدبلوماسية مع دول جنوب شرقي آسيا. وقد كانت اليابان أول دولة آسيوية تنضم للولايات المتحدة في فرض عقوبات على روسيا بعد غزوها أوكرانيا، والذي كان بالنسبة لليابان بمثابة تحذير لما يمكن أن يبدو عليه الغزو الصيني لتايوان. وتخطط اليابان لاكتساب قدرات الهجوم المضاد، والقدرة على ضرب قواعد العدو بصواريخ بعيدة المدى، والحصول على صواريخ توماهوك كروز أميركية الصنع، والقادرة على شن هجمات مضادة، وضرب أهداف في الصين أو كوريا الشمالية. ويتطلب تشغيل هذا النوع من الصواريخ مشاركة المعلومات مع الجيش الأميركي من خلال الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار؛ لتحديد مواقع إطلاق صواريخ «العدو» بسرعة.
وقال جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض، للصحافيين، الخميس، إن الرئيس بايدن يريد بحث فرص تعميق التحالف مع اليابان من خلال التدريبات والمبادرات الثنائية. وأشار إلى أن الإدارة الأميركية تؤيد استراتيجية رفع الإنفاق الدفاعي الذي أعلنته اليابان، بما يوفر إطاراً حازماً لقوات الدفاع الذاتي اليابانية لتصبح أكثر انخراطاً في الأمن الإقليمي.
وأضاف كيربي أن إضافة مجال الفضاء إلى نطاق المعاهدة الأمنية اليابانية - الأميركية تعني إدخال التحالف إلى العصر الحديث، بما يواكب التهديدات والتحديات.
من جانبه، وبتعزيز التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، يحقق كيشيدا دفعة سياسية قوية داخل بلاده، بما يخفض من حدة الانتقادات الموجهة له داخلياً قبل مناقشة ميزانية الدفاع الجديدة داخل البرلمان الياباني. ويواجه كيشيدا اعتراضات على رفع الضرائب لتوفير التمويل لزيادة الإنفاق الدفاعي، وانتقادات حول مستويات الأجور، وارتفاع معدلات التضخم التي لم تشهدها اليابان منذ أكثر من ثلاثة عقود.

- اتفاقيات استراتيجية
ترافقت زيارة الوفد الياباني إلى واشنطن مع الإعلان عن توقيع اتفاقيات «من شأنها تعزيز التحالف الأمني» بين البلدين، تشمل مجالات الدفاع والتعاون العسكري والأمني والأمن السيبراني والفضاء. وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، بعد اجتماعه بوزير الدفاع الياباني ياسوكازو همادا في البنتاغون قبيل القمة، إنهما أجريا محادثات ثنائية توجت ما يسميه البعض في واشنطن شهر «الملاذ الياباني». وقال أوستن إنهما ناقشا استراتيجية الأمن القومي الجديدة لليابان، واستراتيجية الدفاع الوطني، وخطط مضاعفة الإنفاق الدفاعي لليابان بحلول عام 2027.
وقال أوستن: «هذا العام هو نقطة تحول بالنسبة لأمننا القومي واستراتيجيات الدفاع التي تتقارب أكثر من أي وقت مضى». ومضى قائلاً: «ومع هدفنا المشترك لعصر جديد من تحديث التحالف، أؤيد بشدة سياسات الأمن القومي اليابانية المحدثة، بما في ذلك قرارات زيادة الإنفاق الدفاعي لاكتساب قدرات الهجوم المضاد». وأضاف أنه فخور أيضاً بالقرار التاريخي لتحديث وضع القوات الأميركية في اليابان، «من خلال نشر قدرات أكثر تنوعاً وقوة وقدرات على الصمود»، معلناً أن الولايات المتحدة ستشكل فوجاً ساحلياً بحرياً في اليابان بحلول عام 2025. وقال أوستن إن «الوضع الاستراتيجي يزداد تعقيداً، وإن الولايات المتحدة قلقة بشأن سلوك الصين القسري في مضيق تايوان والمياه المحيطة باليابان. كما أن استفزازات كوريا الشمالية المستمرة والازدراء الصريح بقرارات مجلس الأمن، هو مصدر قلق أيضاً». وأضاف أن «حرب روسيا الاختيارية القاسية وغير المبررة ضد أوكرانيا، غيّرت الحسابات الاستراتيجية إلى ما وراء مسرح العمليات».
وأكد أوستن أن التحالف بين الولايات المتحدة واليابان «يظل حجر الزاوية للسلام والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخارجها». وأضاف قائلاً: «يشجعني العمل الذي نقوم به مع شركائنا مثل أستراليا وجمهورية كوريا. وأود أيضاً أن أؤكد من جديد التزامنا الراسخ بالدفاع عن اليابان، بما في ذلك الردع الأميركي الممتد الذي توفره مجموعة كاملة من الأسلحة التقليدية والنووية». وكشف أوستن عن توقيعه وهمادا على مذكرة تفاهم ثنائية في مجال البحث والتطوير والاختبار والتقييم وترتيب أمن التوريد الثنائي غير الملزم. وأضاف أن المذكرة تلزم البلدين بالعمل معاً على التكنولوجيا الناشئة لتحسين القدرات الدفاعية. وسيشمل ذلك تقنيات مثل الموجات الدقيقة عالية الطاقة، والأنظمة المستقلة، وأنظمة التصدي للصواريخ الفرط صوتية. وقال إن ترتيبات أمن التوريد «ستزيد التعاون بين سلاسل التوريد الدفاعية الخاصة بنا، وبناء روابط مهمة بين قواعدنا الصناعية الدفاعية».
من ناحية أخرى، كشف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن هناك تعاوناً بين البلدين في الفضاء السيبراني وفي الفضاء الخارجي «يعكس الخطوات الإضافية التي اتخذها البلدان». وقبيل توقيع الاتفاق بين وكالة الفضاء اليابانية ووكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، الذي حضره بلينكن مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا ووزير الخارجية يوشيماسا هاياشي، قال بلينكن إنه من المهم جداً العمل على تعميق تعاوننا في جميع المجالات، البرية والبحرية والجوية، والفضاء، والأمن السيبراني. وقال إن «عنصر الفضاء الخارجي مهم لأمن تحالفنا وازدهاره، لأن الهجمات على الفضاء أو منه أو داخله، تمثل تحدياً واضحاً، وأكدنا أنه اعتماداً على طبيعة تلك الهجمات، قد يؤدي ذلك إلى تفعيل المادة الخامسة من معاهدة قانون الأمن الياباني الأميركي».


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
الولايات المتحدة​ إدانة 4 أعضاء في مجموعة متطرفة بالتحريض على هجوم الكونغرس الأميركي

إدانة 4 أعضاء في مجموعة متطرفة بالتحريض على هجوم الكونغرس الأميركي

أصدرت محكمة فيدرالية أميركية، الخميس، حكماً يدين 4 أعضاء من جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، أبرزهم زعيم التنظيم السابق إنريكي تاريو، بتهمة إثارة الفتنة والتآمر لمنع الرئيس الأميركي جو بايدن من تسلم منصبه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الماضية أمام دونالد ترمب. وقالت المحكمة إن الجماعة؛ التي قادت حشداً عنيفاً، هاجمت مبنى «الكابيتول» في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، لكنها فشلت في التوصل إلى قرار بشأن تهمة التحريض على الفتنة لأحد المتهمين، ويدعى دومينيك بيزولا، رغم إدانته بجرائم خطيرة أخرى.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إدانة 4 أعضاء بجماعة «براود بويز» في قضية اقتحام الكونغرس الأميركي

إدانة 4 أعضاء بجماعة «براود بويز» في قضية اقتحام الكونغرس الأميركي

أدانت محكمة أميركية، الخميس، 4 أعضاء في جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، بالتآمر لإثارة الفتنة؛ للدور الذي اضطلعوا به، خلال اقتحام مناصرين للرئيس السابق دونالد ترمب، مقر الكونغرس، في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021. وفي محاكمة أُجريت في العاصمة واشنطن، أُدين إنريكي تاريو، الذي سبق أن تولَّى رئاسة مجلس إدارة المنظمة، ومعه 3 أعضاء، وفق ما أوردته وسائل إعلام أميركية. وكانت قد وُجّهت اتهامات لتاريو و4 من كبار معاونيه؛ وهم: جوزف بيغز، وإيثان نورديان، وزاكاري ريل، ودومينيك بيتسولا، بمحاولة وقف عملية المصادقة في الكونغرس على فوز الديمقراطي جو بايدن على خصمه الجمهوري دونالد ترمب، وفقاً لما نق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب ينتقد قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز

ترمب ينتقد قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز

وجّه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الأربعاء، انتقادات لقرار الرئيس جو بايدن، عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث، وذلك خلال جولة يجريها الملياردير الجمهوري في اسكتلندا وإيرلندا. ويسعى ترمب للفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى العام المقبل، ووصف قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج ملك بريطانيا بأنه «ينم عن عدم احترام». وسيكون الرئيس الأميركي ممثلاً بزوجته السيدة الأولى جيل بايدن، وقد أشار مسؤولون بريطانيون وأميركيون إلى أن عدم حضور سيّد البيت الأبيض التتويج يتماشى مع التقليد المتّبع بما أن أي رئيس أميركي لم يحضر أي مراسم تتويج ملكية في بريطانيا. وتعود آخر مراسم تتويج في بري

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لا تقل خطورة عن الإدمان... الوحدة أشد قتلاً من التدخين والسمنة

لا تقل خطورة عن الإدمان... الوحدة أشد قتلاً من التدخين والسمنة

هناك شعور مرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية والاكتئاب والسكري والوفاة المبكرة والجريمة أيضاً في الولايات المتحدة، وهو الشعور بالوحدة أو العزلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وزارة العدل الأميركية تُسقط كل الدعاوى الفيدرالية ضد ترمب

الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)
الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)
TT

وزارة العدل الأميركية تُسقط كل الدعاوى الفيدرالية ضد ترمب

الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)
الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)

تحرّك المستشار القانوني الخاص المُعين من وزارة العدل الأم، جاك سميث، لإسقاط القضيتين الجنائيتين ضد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، منهياً تحقيقات تاريخية نشأت بسبب محاولة ترمب إلغاء هزيمته أمام الرئيس جو بايدن في انتخابات 2020، وكذلك الاحتفاظ بوثائق سريّة بعد خروجه من البيت الأبيض.

وحصل سميث على موافقة من القاضية الفيدرالية في واشنطن، تانيا تشوتكان، الاثنين، لإسقاط التهم الموجهة إلى ترمب بأنه حاول منع فوز بايدن، بعدما استشهد بإرشادات وزارة العدل بأنه لا يمكن المضي في القضية، لأن ترمب رئيس حالي. ووافقت تانيا تشوتكان بسرعة على التخلّي عن القضية من دون تحيز. وهذا ما يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال توجيه اتهامات مرة أخرى بمجرد مغادرة ترمب منصبه. ومن خلال موافقتها على رفض القضية، أوضحت تانيا تشوتكان أنها ستترك فرصة لمحكمة مستقبلية لإحيائها. وكتبت أن «الفصل دون تحيز يتوافق أيضاً مع فهم الحكومة أن الحصانة الممنوحة للرئيس الحالي مؤقتة، وتنتهي عندما يغادر منصبه».

وبعد فترة وجيزة، قدّم سميث طلباً للتخلّي عن استئناف قدّمه هذا الصيف بشأن رفض القاضية، آيلين كانون، في فلوريدا، القرار الاتهامي الخاص بالوثائق السرية التي اتُهم فيها ترمب بالاحتفاظ بمواد سريّة بشكل غير قانوني، وعرقلة جهود الحكومة لاستعادتها.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لدى مغادرته المحكمة في نيويورك (أرشيفية - أ.ب)

«ثابرت... وانتصرت»

ويُمثل ذلك خاتمة بالغة الأهمية لفصل غير مسبوق في التاريخ السياسي وتاريخ تنفيذ القانون في الولايات المتحدة؛ حيث حاول المسؤولون الفيدراليون محاسبة الرئيس السابق، بينما كان مرشحاً في الوقت نفسه لولاية أخرى. وخرج ترمب منتصراً، بعدما نجح في تأخير التحقيقات عبر مناورات قانونية، ثم فاز بإعادة انتخابه، رغم القرارات الاتهامية التي وصفت أفعاله بأنها تهديد للأسس الدستورية للبلاد.

وكتب ترمب في منشور على موقعه «تروث سوشيال» ومنصة «إكس» للتواصل الاجتماعي: «ثابرت رغم كل الصعاب، وانتصرت». وقال إن «هذه القضايا، مثل كل القضايا الأخرى التي اضطررت إلى المرور بها، فارغة وخارجة عن القانون، وما كان ينبغي رفعها مطلقاً».

صورة مركبة تجمع بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والمستشار القانوني الخاص لوزارة العدل جاك سميث (رويترز)

وخلال إعداد هاتين الدعويين بدا أن ترمب يدرك أن أفضل أمل له لتجنُّب المحاكمات هو الفوز بالرئاسة مرة أخرى، وهي حقيقة أكدها نائب الرئيس المنتخب، جاي دي فانس، الذي كتب على منصة «إكس» أنه «لو خسر دونالد ترمب الانتخابات، لربما أمضى بقية حياته في السجن». وأضاف: «كانت هذه الملاحقات القضائية دائماً سياسية. والآن حان الوقت لضمان عدم تكرار ما حدث للرئيس ترمب في هذا البلد مرة أخرى».

دور المستشار القانوني

وكان وزير العدل الأميركي، ميريك غارلاند، قد عيّن سميث، وهو مدعٍ عام سابق للفساد حقق في جرائم حرب في لاهاي، لتولي تحقيقات ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، بعد أيام من إعلان كل من ترمب وبايدن أنهما سيترشحان للرئاسة مرة أخرى. وعدّ غارلاند أن هناك حاجة إلى مستشار قانوني خاص يتمتع باستقلالية أكبر من المدعي العام التقليدي لوزارة العدل لضمان ثقة الجمهور في التحقيقات.

وفي الدعوى المرفوعة في واشنطن العاصمة، واجه ترمب 4 تهم تتعلّق بالتآمر لعرقلة نتائج انتخابات 2020. واتُهم باستخدام مزاعم كاذبة عن تزوير الناخبين للضغط على المسؤولين الفيدراليين في الولايات لتغيير نتائج الانتخابات، وحرمان الشعب الأميركي من حقه في احترام أصواته.

وبدأ التحقيق في الوثائق السرية خلال ربيع 2022، بعد أشهر من الخلاف بين ترمب وإدارة المحفوظات والسجلات الوطنية حول صناديق الوثائق التي تبعت ترمب من البيت الأبيض إلى مارالاغو؛ منزله في فلوريدا وناديه الخاص.

وتقول أوراق المحكمة إن أكثر من 300 وثيقة مصنفة بأنها سرية عثر عليها في منزل ترمب، بما في ذلك بعض الوثائق ردّاً على أمر استدعاء، وأكثر من 100 وثيقة أثناء تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» للممتلكات بتفويض من المحكمة. وجرى تخزين الوثائق بشكل عشوائي.

رسم توضيحي للمدعية سوزان هوفينغر ستورمي دانيلز أمام القاضي خوان ميرشان خلال محاكمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في محكمة ولاية مانهاتن 7 مايو 2024 (رويترز)

«دوافع سياسية»

وحاول فريق الدفاع عن ترمب مراراً تأطير القضايا المرفوعة ضده على أنها محاولات ذات دوافع سياسية لإضعاف فرصه في الانتخابات، علماً بأنه لا دليل على تورط بايدن في التحقيقات. ومنذ انتخابه، اختار ترمب عدداً من محامي الدفاع الجنائيين الشخصيين في هذه القضايا للعمل في مناصب عليا في وزارة العدل في إدارته. ونشرت صحيفة «واشنطن بوست»، الجمعة، أن ترمب يخطط لطرد سميث وكل الفريق الذي يعمل معه، بمن في ذلك المحامون المهنيون الذين يتمتعون عادة بالحماية من الانتقام السياسي.

وأصدرت القرارات الاتهامية الفيدرالية بحق ترمب في غضون أشهر من توجيه الاتهام إليه في نيويورك بتهم تزوير سجلات أعمال للتغطية على دفع أموال مقابل الصمت عام 2016، وفي جورجيا بتهم محاولة عرقلة نتائج الانتخابات في تلك الولاية.

وأجريت المحاكمة فقط في قضية نيويورك؛ حيث أدين ترمب بـ34 تهمة جنائية، لكن النطق بالحكم عليه تأجَّل مرتين منذ هذا الصيف. ويتوقع أن يقرر قاضي المحاكمة الشهر المقبل ما إذا كان سيُؤجل الأمر إلى ما بعد الولاية الثانية لترمب.

نسخ من صحيفة «نيويورك تايمز» بعد إعلان إدانة الرئيس السابق دونالد ترمب في قضية «أموال الصمت» (أرشيفية - رويترز)

ونفى ترمب ارتكاب أي مخالفات في كل هذه القضايا، واستأنف الحكم الصادر في نيويورك. وأصبحت الملاحقات القضائية محوراً رئيساً لحملته الرئاسية؛ حيث حشد ترمب وحلفاؤه المؤيدين الذين اعتقدوا أنه مستهدف بشكل غير عادل.

وبمجرد فوز ترمب في الانتخابات، لم يكن أمام سميث سوى خيارات قليلة لإبقاء القضيتين الفيدراليتين. وقال أشخاص مطلعون على خططه إنه يعتزم الاستقالة قبل أن يصير ترمب رئيساً، ما يمنع ترمب من الوفاء بوعده بإقالته.

وقبل ذلك، يمكن أن يسلم سميث إلى غارلاند تقريراً يوضح نتائج التحقيقات. وسيكون الأمر متروكاً لغارلاند، الذي قال بشكل عام إن مثل هذه التقارير يجب نشرها علناً، ليُقرر مقدار المواد التي سينشرها سميث.