إبراهيم فرغلي... الكتابة للناشئة رغم فتور دور النشر

روايته «الفتاة الآلية» جزء ثان لـ«مغامرة في مدينة الموتى»

إبراهيم فرغلي
إبراهيم فرغلي
TT

إبراهيم فرغلي... الكتابة للناشئة رغم فتور دور النشر

إبراهيم فرغلي
إبراهيم فرغلي

صدفة ثقافية جمعتني بالأديب المصري إبراهيم فرغلي، على هامش معرض الكتاب الأخير في الكويت، وبينما كنت أتوقع سماع خبر عن عمل روائي جديد لصاحب «أبناء الجبلاوي»، وجدته يُخرج من حقيبة يده رواية لليافعين بعنوان «الفتاة الآلية والأشجار آكلة البشر» مقدماً لي نسخة من الكتاب بإهداء لطيف. اليافعين؟ إنها مرحلة عمرية غائبة عن النشر العربي، حيث يقفز الأدب التخييلي من سن الطفولة إلى البالغين مباشرة.
لم تكن المفاجأة فقط أن فرغلي يكتب لهذه الفئة العمرية (12 - 16 سنة)، بل إنه أصدر حتى الآن ثلاثة كتب للناشئة، بالإضافة لمجموعة قصصية «لم تصدر عن دار نشر واحدة»، وفي ذلك ما يشي بمعضلة الكتابة لهؤلاء الصغار الكبار. والكتب التي نشرها حتى الآن هي: «مغامرة في مدينة الموتى»، عن دار «حكايا»، و«مصاصو الحبر»، عن «شجرة» للنشر، أما الكتاب القصصي فعنوانه «أراجوز البحر»، وصدر عن الهيئة المصرية للكتاب.
رواية «الفتاة الآلية» الصادرة حديثاً عن دار «منشورات تكوين»، هي جزء ثان لرواية «مدينة الموتى» التي تدور أحداثها زمن بناء الأهرامات في مصر، عندما يسافر بطلا الرواية عالية وشادي إلى تلك الفترة الزمنية، ثم يعودان للزمن المعاصر بمساعدة الرجل الذئب الذي سيواصل الظهور في «الفتاة الآلية» مع الطفلين.
السؤال الذي خطر ببالي وأنا أقلّب الكتاب هو: هل سيكمل إبراهيم فرغلي سلسلة من الروايات لهذه الفئة العمرية بوجود الشخصيات نفسها؟ يجيب: «أتمنى نشر جزء ثالث، لكن للأسف لا يوجد استقرار في دُور النشر العربية ولا اهتمام بهذا العمر، وكل تجربة تبقى تجربة فردية. أتمنى أن أصدر الأعمال جميعاً، بالإضافة للجزء الثالث، في دار نشر واحدة».
يركز فرغلي في هذه الأعمال على التشويق والإيقاع السريع ومحاولة إيجاد فرص للمرح والتفكير والتأمل في الوقت نفسه، وهو مُحق في عنصر التشويق الجاذب لهذه المرحلة العمرية، وأعتقد أنه شرط أساس للقراءة الاختيارية غير المفروضة عبر مناهج المدرسة أو عبر الأهل.
لكن فرغلي يستدرك بالقول: «فكرة المعرفة والحفاظ عليها هي أيضاً جزء من المشروع الذي أهتم به، سواء بالعودة لزمن الفراعنة في الرواية الأولى، أو باختلاق مملكة مصاصي الحبر التي تعيش فيها كائنات تريد امتصاص الحبر من البشر؛ لأنها ترى أن البشر لا يفيدون من المعرفة شيئاً».
في «الفتاة الآلية» كان هناك بعد إضافي يتعلق بالتعرف على الثقافات غير المركزية، الأفريقية بشكل خاص، من خلال الأحداث التي تدور، بعد قرن من الزمن المعاصر، في كينيا المتخيلة العصرية والحديثة، التي تواجه خطر محاولات سيطرة كائنات من خارج الكوكب عليها، تمهيداً للسيطرة على البشر. يقول فرغلي: «حاولت في هذه الرواية المزج بين أهمية العلم والتراث الشعبي في الوقت نفسه».
الدردشة غير المخطط لها جرت بين أجنحة دُور النشر المشاركة في معرض الكتاب في الكويت في ديسمبر (كانون الأول)، والتي صادف أن إحداها القريبة من المقهى، حيث كنا نجلس، هي دار نشر أجنبية تبيع كتب أطفال وناشئة باللغة الإنجليزية. كان الجناح يشهد إقبالاً جيداً، خصوصاً أن الفترة الصباحية شهدت زيارة طالبات مدرسة. مشهد محير. لماذا يغيب الإقبال إذن عن هذا النوع من الأدب باللغة العربية، بل حتى الأعمال المتوفرة غالبيتها مترجم، بما فيها الروايات المقررة في مرحلة الدراسة.
يبدو محدثي محبَطاً من هذه الظاهرة، يقول: إن هذه الفئة العمرية (من العرب) لا تبدو متحمسة للقراءة عموماً، وأغلب من يقرأ منها، يتوجه للإنتاج باللغات الأجنبية التي يتوفر فيها عدد لا نهائي من الكتب.
الإقبال على القراءة باللغات الأجنبية في المنطقة من قِبل الناشئة، هو تحديداً توجه للكتب باللغتين الإنجليزية والفرنسية، حيث الثقافتان تحفلان بالكتّاب المتفرغين لهذه المرحلة العمرية وبدُور النشر المتتخصصة، وحيث كُتاب الأطفال والناشئة يصبحون نجوماً في المشهد الثقافي ويحصلون على الجوائز المرموقة، تماماً كما هي الحال مع جوائز الأدب الموجَّه للبالغين. إنها صناعة وسوق النشر بمحركات عدة يدعمها الإنتاج السينمائي والتلفزيوني المستمد من إصداراتها. سلسلة روايات «هاري بوتر»، على سبيل المثال، يعود جزء من انتشارها الكبير بفضل تحويلها إلى السينما. ثم أسهم انتشارها السينمائي في تشجيع جمهور اليافعين ممن لم يقرأ الرواية على قراءتها. إنها حلقة مترابطة من التحفيز على التلقي بأنواعه.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

جدارية بعرض 60 متراً تعكس تحولات البشرية نحو العولمة

ملالا مع لوحاتها (دليل باريس للمعارض)
ملالا مع لوحاتها (دليل باريس للمعارض)
TT

جدارية بعرض 60 متراً تعكس تحولات البشرية نحو العولمة

ملالا مع لوحاتها (دليل باريس للمعارض)
ملالا مع لوحاتها (دليل باريس للمعارض)

في أكبر صالات «قصر طوكيو» في باريس، تعرض حالياً وحتى 5 يناير (كانون الثاني) المقبل، جدارية استثنائية للفنانة ملالا أندريالافيدرازانا. نعم، هذا هو لقبها الذي يبدو أطول من لوحتها التي تحتل جداراً ممتداً على 60 متراً. عنوان العمل: «أشكال». وهو مزيج من الرسم والتصوير الفوتوغرافي مشغول رقمياً بطريقة «الكولاج» أي تجميع الأجزاء باللصق وزجها في بعضها بعضاً. إن «قصر طوكيو» هو الاسم الذي يطلق على متحف الفنون المعاصرة.

والمترو حاضر أيضاً (دليل باريس للمعارض)

ورغم أنها تقيم في العاصمة الفرنسية، فإن هذا هو المعرض الأول في مؤسسة باريسية للفنانة المولودة في مدغشقر عام 1971. وقد بدأت ملالا منذ 10 سنوات بتجميع أجزاء من هذا العمل وعرضها على العالم، بهدف تقديم اقتراح غير مسبوق يمكن تكراره على صعيد الهندسة المعمارية التي درستها في الجامعة، قبل أن تتفرغ للتصوير. ولتحقيق هذا العمل عادت المصورة إلى الوثائق البصرية للقرنين التاسع عشر والعشرين، واختارت منها تلك الأشكال واللقطات التي تعكس انتشار الرأسمالية الصناعية وولادة العولمة، وكذلك علاقة هذين المفهومين بالكولونيالية، أي الاستعمار.

ثقافة العالم وإنجازاته في جدارية (دليل باريس للمعارض)

في الجدارية وجوه لشخصيات طبعت بصمتها على إنجازات البشرية خلال القرنين الماضيين. إنها تشبه بطاقات جغرافية تتجاور فيها طوابع الدول مع أوراق العملة والأختام الرسمية والملصقات الدعائية وتذاكر السفر، وكل ما من شأنه أن يجمع اتساع العالم ليخلص إلى نتيجة مفادها أننا نعيش في قرية واحدة كبرى.

جدارية بعرض 60 متراً (دليل باريس للمعارض)

ولتصوير تقدم المبادلات التجارية واستغلال موارد الطبيعة والحركة الحرة للبضائع بين القارات، صورت الفنانة وسائط النقل المتعددة، من التحيل على ظهور الحمير والجمال، مروراً بالمراكب والقطارات البخارية والشاحنات، ووصولاً إلى الطائرات الحديثة. إن هذا التبادل لم يقتصر على البضائع والثروات بل كان هناك جانب أكثر عمقاً يتمثل في شيوع انتقال الصور والتسجيلات والأفلام.

في البر والبحر (دليل باريس للمعارض)

في العام الماضي، شاركت هذه الجدارية في معرض «العالم بالعموم» الذي أقيم في «تيت غاليري» في العاصمة البريطانية لندن. كما عرضت في برلين بألمانيا، وشيكاغو في الولايات المتحدة، وفي بينالي الشارقة للفنون.

والحقيقة أن ملالا دارت على تجمعات فنية كثيرة في أرجاء العالم، من أوروبا إلى أفريقيا وحتى الصين، قبل أن تنال فرصة عرضها في باريس. إنه عمل لا يغفل أبعاداً سياسية إذ إنه يطرح سؤالاً أساسياً: «مَن المتحدث في عصرنا الحديث ومِن أي وجهة نظر يتحدث؟».