المشهد الثقافي المصري في 2022: أنشطة متنوعة وحوار غائب

مكتبة لإدوار الخراط... و«وسام غوته» لمحمد عبلة... ووداع لبهاء طاهر وصلاح فضل

الفنان محمد عبلة
الفنان محمد عبلة
TT

المشهد الثقافي المصري في 2022: أنشطة متنوعة وحوار غائب

الفنان محمد عبلة
الفنان محمد عبلة

شهدت الحياة الثقافية في مصر خلال عام 2022 حزمة من الأنشطة المتنوعة كان للفن التشكيلي النصيب الأوفر فيها، وتواكب ذلك مع تغيرات هيكيلية طالت المؤسسة الثقافية الرسمية، كان أبرزها تغيير حقيبة وزارة الثقافة لتؤول إلى الدكتورة نيفين الكيلاني، بعدما ظلت في حوزة عازفة الفلوت الدكتورة إيناس عبد الدايم نحو سبع سنوات، لتكون الكيلاني بذلك ثاني امرأة تتولى الوزارة منذ تأسيسها في عام 1958. ساعد على بروز الفن التشكيلي حركة نشطة مهمومة بالابتكار والمغامرة والبحث عن أشكال ولغة بصرية مغايرة، تساندها وزارة الثقافة بما تمتلكه من قاعات متنوعة للعرض في العاصمة القاهرة ومعظم الأقاليم. كما ترعى الوزارة سمبوزيوم الأقصر للتصوير، وسمبوزيوم أسوان للنحت، اللذين يشارك فيهما فنانون من مصر ومخلف دول العالم، يضاف إلى ذلك اتساع قاعات العرض الخاصة، التي أصبح الكثير منها يشكل حافزاً للفنانين لعرض أعمالهم بشكل لائق، وكان لافتاً أيضاً في هذا المشهد عودة ملتقى البرلس الدولي للرسم على الحوائط والمراكب، الذي تقيمه مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن للثقافة والفن بمحافظة كفر الشيخ، وانطلقت دورته التاسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بمشاركة 25 فناناً من مصر والهند وصربيا وبولندا وإيطاليا والنرويج وتونس والأردن؛ الملتقى ساحة حرة للتفاعل المباشر بين الفنانين والبيئة المحيطة، من خلال الرسم على جدران البيوت في مدينة البرلس الساحلية، ثم الرسم على نماذج خشبية مصغرة من المراكب والسمك. كما عقد بينالي شرم الشيخ دورته الرابعة بمدينة شرم الشيخ الساحلية ذات الطابع السياحي بجنوب سيناء، بمشاركة فنانين من إيطاليا ومصر، ويذكر لهذا البينالي الذي قام بتأسيسه الفنان جمال مليكة أنه كسر طوق الحظر الذي فرضته أغلب الدول الأوروبية على مصر، وحذرت مواطنيها من زيارتها، جراء تزايد نشاط الجماعات الإرهابية بسيناء قبل سنوات، وأقام البينالي دورته الأولى التي شارك فيها نحو 40 فناناً، معظمهم من أوروبا، مخترقاً هذا الحصار.

د. صلاح فضل

ومن أبرز قاعات العرض الخاصة النشطة «جاليري ضي»، سواء في مقره الجديد الرحب الأنيق بحي الزمالك الراقي بالقاهرة، أو مقره بحي المهندسين بالجيزة. فعلى مدار هذا العام أقام «ضي» عدداً من المعارض الكبرى الحاشدة استهلها بمعرض «مراحل» للفنان محمد عبلة احتفاء بتجربته وحصوله هذا العام على وسام جوتة من ألمانيا. ضم المعرض لوحات تمثل محطات مهمة في تجربة عبلة التشكيلية، تنوعت ما بين التصوير والنحت والجرافيك. ويعد عبلة أول فنان عربي يحصل على هذا الوسام، وهو أرفع وسام رسمي تُقدمه ألمانيا سنوياً، ويُمنح لأصحاب التجارب العالمية المميزة التي أثرت الثقافة الإنسانية بتجارب مهمة، ولها علاقة بالتبادل الفكري والأدبي والفني مع الثقافة الألمانية المنفتحة على العالم. وجاء في حيثيات استحقاق عبلة لهذا الوسام: «إن تجربته الفنية تُعد جسراً بين الشرق والغرب، وتجسد تعبيراً مميزاً عن ثقافته المصرية والعربية، وإيمانه كذلك بأن الفنان يحمل مسؤولية اجتماعية لا يمكن فصلها عن ممارسته الإبداعية».

د. يحيى الرخاوي

يولي «ضي» اهتماماً خاصاً بتاريخ الحركة التشكيلية وإنجازها الفارق في مصر والعالم العربي، ويسعي لأن يكون جسراً يربط التجارب الجديدة بعطاء رواد هذه الحركة. برز هذا الهم بشكل لافت في معرض «مبدعون خالدون»، الذي ضم ألف عمل لمائة فنان تشكيلي من مصر وبعض الدول العربية تركوا بصماتهم على مسيرة الفن.
انطلق المعرض وسط حضور لافت في 3 أغسطس (آب) الماضي وتوزع على فرعي الجاليري في المهندسين والزمالك، واستمر حتى آخر أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام، واختير الفنان التشكيلي الراحل ممدوح عمار ضيف شرف له، تقديراً لعطائه التشكيلي الكبير وتجربته الثرية في مسار الحركة التشكيلية في مصر، التي ألهمت الكثير من أجيال المبدعين الذين تتلمذوا على يديه.
وفي 3 ديسمبر (كانون الأول) من الشهر الحالي، وتحت شعار «بلا قيود» انطلق مهرجان «ضي» الرابع للشباب العربي، بمشاركة أكثر من 200 فنان تشكيلي من مختلف الدول العربية يتنافسون على جوائز المهرجان في مختلف فروع الفن التشكيلي.
وعلى بعد خطوة من الفن التشكيلي، شهد هذا العام الدورة 29 من مهرجان المسرح التجريبي بمشاركة 14 عرضاً مسرحياً من مصر ودول عربية وأجنبية. ابتعد معظمها عن فكرة التجريب، وتقديم أشكال جديدة تثري خشبة المسرح. وربما هذا ما دفع إدارة المهرجان إلى التصريح بأن الدورة القادمة ستركز على التجريب من خلال اللعب على الكلاسيكيات الأدبية الشهيرة.
بالتوازي مع هذه الأنشطة استعادت دور النشر الحكومية والخاصة عافيتها بعد تعثر طالها طيلة العامين الماضيين بسبب جائحة «كورونا». ومن الإصدارات المهمة في الرواية: «أيام الشمس المشرقة» لميرال الطحاوي عن دار العين، و«تماثيل الجان» لسمر نور عن دار المحروسة، «ملكة الأزرار» لمحمد عطية، عن دار الثقافة الجديدة، و«أقفاص فارغة» لفاطمة قنديل الفائزة بجائزة نجيب محفوظ لهذا العام. وفي الشعر: «نساء التفاح» لبهية طلب عن الهيئة المصرية للكتاب، و«بوينج سي17... ليست شجرة» لعبد الرحمن مقلد، عن دار المثقف، و«مدمن الغناء» لعبد الحفيظ طايل، عن دار ميريت.

الروائي إدوارد الخراط

في غبار هذا المشهد، ما أجمل لمسة الوفاء في هذا العالم المضطرب، خصوصاً حين تكون من الأبناء للآباء. تحت مظلة هذه اللمسة، دشن بالقاهرة مثقفون وكتاب وشعراء افتتاح مكتبة باسم الروائي والناقد والمترجم الراحل إدوارد الخراط، أحد صناع الحداثة ومنظريها في الحياة الثقافية المصرية والعربية. تحدث في حفل التدشين الناقد الدكتور صبري حافظ، والروائي إبراهيم عبد المجيد، والروائي منتصر القفاش، وكاتب هذه السطور.
من جهته، استعرض الدكتور إيهاب الخراط، النجل الأكبر لإدوار الخراط، ما تتضمنه المكتبة من ذخائر ومقتنيات ومؤلفات، وكتب مترجمة، فضلاً عن مخطوطاته من الروايات والقصص ومسوداتها، والكتب والأعمال التي ترجمها، ورسائل الدكتوراه والماجستير التي كُتبت عن إبداعاته، وقال إنه تقرر إتاحتها جميعاً للدراسة والتعرف عليها ودراستها.
وأعلن إيهاب - بناء على مقترحات من الحضور - إطلاق جائزة للخراط، تهتم بالكتابات الطليعية الشابة المجددة، وأنه سوف يتم الإعلان عن الفائزين بها في احتفال يقام سنوياً بالمكتبة، في يوم ميلاد إدوار الخراط.

الروائي  بهاء طاهر

ولم يشأ هذا العام أن يمضي، دون أن تودع الحياة الثقافية المصرية رموزاً مبدعة، أخلصوا للأدب، ودافعوا عن قيم الجمال والاستنارة والحرية، وتركوا زاداً ثقافياً يبقى مثيراً لحيوية الرؤى والأفكار. في 27 أكتوبر الماضي رحل بهاء طاهر عن عمر ناهز 87 عاماً، الروائي والقاص العذب، صاحب روايات «واحة الغروب»، «الحب في المنفي»، «خالتي صفية والدير»، وغيرها من الأعمال التي جسدت المأزق الإنساني جسداً وروحاً وستبقى علامات مضيئة في مسيرة الرواية العربية.
ومن مصادفات هذا الوداع المؤلم أن تفقد الحياة الأدبية وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) اثنين من أعمدة الدرس النقدي الرصين. ففي 31 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، رحل الدكتور جابر عصفور، الناقد الأدبي، ووزير الثقافة المصري الأسبق صاحب «زمن الرواية»، وفي 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي رحل الدكتور صلاح فضل الناقد الأدبي، ورئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، بعد مسيرة أدبية خصبة امتدت على مدار 84 عاماً، قدم خلالها للمكتبة العربية الكثير من المؤلفات المهمة والرائدة، خصوصاً في مجال الأدب المقارن ومناهج النقد الحديث. ولحق بهما الدكتور يحيى الرخاوي، أستاذ الطب النفسي، عن عمر ناهز 90 عاماً، صاحب: «حكمة المجانين» و«عندما يتعرى الإنسان»، و«علم النفس تحت المجهر».

ملصق معرض (مبدعون خالدون)

لكن يبقى السؤال قائماً: هل ما في جعبة الثقافة المصرية لهذا العام يصلح أن تبني عليه عطاءً جديداً في العام المقبل... سؤال يبدو نمطياً ومراوغاً، بخاصة حين يفتقد المشهد برغم كثرة الأنشطة والفعاليات الثقافية، القدرة على التواصل وإثارة الحوار الخلاق الخصب ما بين أطراف الفعل الثقافي، من مثقفين وكتاب وشعراء وفنانين، ناهيك عن الدور الحقيقي المنوط بالمؤسسات الثقافية والأهلية، في دفع هذا المشهد وانتشاله من حالة الركود لينفتح برحابة نقدية وفكرية أوسع على نفسه وعلى القارئ معاً.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
TT

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)

يأمل ليبيون في إخضاع متهمين بـ«ارتكاب جرائم» خلال السنوات التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي إلى «محاكمة عادلة وسريعة».

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، تحدث ضمن إحاطة أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، عن «خريطة طريق» لمحاكمة المتهمين في ليبيا من بينهم المتورطون في «المقابر الجماعية» في ترهونة (غرب البلاد).

وقفة احتجاجية لعدد من أهالي ضحايا ترهونة بغرب ليبيا (رابطة ضحايا ترهونة)

ورغم تعهد خان في إحاطته، بالعمل على «قدم وساق لتنفيذ خريطة طريق لاستكمال التحقيقات في جرائم حرب حتى نهاية 2025»، فإنه لم يوضح تفاصيلها، إلا أن عضو «رابطة ضحايا ترهونة» عبد الحكيم أبو نعامة، عبّر عن تفاؤل محاط بالتساؤلات على أساس أن «4 من المطلوبين للجنائية الدولية في جرائم حرب وقعت بالمدينة منذ سنوات لا يزالون خارج قبضة العدالة».

ويقصد أبو نعامة، في تصريح إلى «الشرق الأوسط» قائد الميليشيا عبد الرحيم الشقافي المعروف بـ«الكاني»، إلى جانب فتحي زنكال، ومخلوف دومة، وناصر ضو، فيما يخضع عبد الباري الشقافي ومحمد الصالحين لتصرف النيابة، بعد القبض على الأخير السبت.

ومن بين ملفات اتهام متنوعة في ليبيا، قفزت منذ أشهر إلى مقدمة أجندة المحكمة الدولية جرائم «مقابر جماعية» ارتكبت في ترهونة (غرب ليبيا) إبان سيطرة ما تعرف بـ«ميليشيا الكانيات» بين أبريل (نيسان) 2019 ويونيو (حزيران) 2020، علماً بأن الدائرة التمهيدية لـ«الجنائية الدولية» قرّرت رفع السرية عن ستة أوامر اعتقال لمتهمين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وينتاب من يتهمون بهذا الملف وأسر ضحايا في ترهونة، القلق مما يرونه «تسييس عمل المحكمة الدولية، وغياب الآلية الفعّالة لتنفيذ مذكرات القبض ضد المتهمين، في ظل وجودهم في بعض الدول»، وفق ما أفاد علي عمر، مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» لـ«الشرق الأوسط».

يُشار إلى أن خان، أبلغ مجلس الأمن الدولي عن اتفاقه مع النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور، على آلية جديدة للتعاون بين الطرفين، لكنه لم يكشف عن تفاصيلها.

إلى جانب مخاوف «التسييس»، يبدو أن تحديد المدعي العام للجنائية الدولية إطاراً زمنياً للانتهاء من التحقيقات نهاية العام المقبل، قد يكون مثار قلق أكبر لعائلات الضحايا.

ووفق عمر: «قد يفاقم الإفلات من العقاب ويشجع مرتكبي الجرائم الدولية على مواصلة أفعالهم»، مع إيحاء سائد لدى البعض «بعدم وجود نية لملاحقة مرتكبي الجرائم أو فتح جميع ملفات الجرائم التي تندرج تحت اختصاص المحكمة».

ومن بين الاتهامات التي تلاحق «ميليشيا الكانيات» كانت تصفية أغلب نزلاء سجن «القضائية»، و«الدعم المركزي» بترهونة، في 14 سبتمبر (أيلول) 2019، في رواية نقلتها «رابطة ضحايا ترهونة».

ويلاحظ متابعون، أن ظلال الانقسام السياسي انعكست على زيارة خان إلى طرابلس، وفق أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الواحد القمودي. وعلى نحو أكثر تفصيلاً، يشير مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» علي عمر، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن غياب التعاون من قِبل السلطات في شرق ليبيا وغربها، من بين عراقيل أخرى تقف أمام «نزاهة التحقيقات».

مقبرة جماعية مكتشفة بترهونة (غرب ليبيا) (هيئة التعرف على المفقودين في ليبيا)

في غضون ذلك، فرض الدور الروسي الزائد في ليبيا نفسه على إحاطة خان، أمام مجلس الأمن، بعدما شككت مندوبة روسيا في ولاية المحكمة على الملف الليبي، مذكرة بأن ليبيا «ليست طرفاً في نظام روما الأساسي».

وفي حين يستبعد أمين «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في ليبيا عبد المنعم الحر دوراً روسياً معرقلاً للمحاكمات، فإنه يتفق مع مندوبة روسيا في أن «الإحالة من جانب مجلس الأمن لم تعط المحكمة الجنائية الدولية ولاية مطلقة على ليبيا»، مشيراً إلى أنها «اقتصرت على جرائم حصلت قبل تاريخ 19 فبراير (شباط) 2011».

ويستند الحر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الذي أجاز «التحقيق في جريمة أو أكثر ارتكبت»، وهو «ما يجعل القضايا التي وقعت بعد هذا التاريخ خارج ولاية المحكمة».

وقد يبدو «التفاؤل محدوداً» بمثول المطلوبين في جرائم الحرب بليبيا أمام المحكمة في لاهاي، وفق «مدير منظمة رصد الجرائم»، لكنه يشير إلى مخرج من هذا المأزق، وهو «اتخاذ خطوات أكثر جرأة، تشمل دعماً دولياً لضمان استقلالية التحقيقات، ووضع آلية فعّالة لتنفيذ مذكرات القبض».

وعلى نحو يبدو عملياً، فإن أمين المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا يقترح «حلاً قانونياً بتشكيل محكمة خاصة مختلطة يترأسها قاض ليبي تضم في هيئتها قضاة ليبيين ودوليين، على غرار المحكمة الدولية التي تم إنشاؤها للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005».