لماذا يفضل المصريون الوظيفة الحكومية على القطاع الخاص؟

مسؤول رسمي دعا إلى تغيير ثقافة «إن فاتك الميري»

رئيس الوزراء المصري (الحكومة المصرية)
رئيس الوزراء المصري (الحكومة المصرية)
TT

لماذا يفضل المصريون الوظيفة الحكومية على القطاع الخاص؟

رئيس الوزراء المصري (الحكومة المصرية)
رئيس الوزراء المصري (الحكومة المصرية)

«إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه»، مثل شعبي يعكس ميل المواطن المصري إلى العمل في القطاع الحكومي أكثر من القطاع الخاص، غير أن التغييرات التي شهدتها مصر على مدار العقد الأخير تحول دون استمرار هذه الثقافة، لاسيما مع اتجاه الحكومة إلى خفض عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة.
وبين الحين والآخر تتكرر محاولات تشجيع المصريين على الانخراط في القطاع الخاص، بعيدا عن الوظيفة الحكومية، كان آخرها تصريحات تلفزيونية أدلى بها هاني محمود، مستشار رئيس الوزراء المصري للإصلاح الإداري، أول من أمس، دعا فيها المصريين إلى تغيير ثقافة «إن فاتك الميري»، وقال إن «الحكومة لن تقوم بفتح باب التعيين للآلاف، كما كان يحدث في الماضي»، مؤكدا «الاكتفاء بعدد العاملين في القطاع الحكومي».
ويعاني الجهاز الإداري للدولة من «التضخم» بسبب ممارسات تعود إلى عقود مضت، وأشار الدكتور صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، في تصريحات تلفزيونية في يوليو (تموز) الماضي، إلى مخطط الدولة في الحد من هذا التضخم، حيث يقدر عدد موظفي القطاع الحكومي بـ 3 ملايين و231 ألف موظف، وقال إن «هذا الرقم لا يشير إلى العدد الفعلي للموظفين الحكوميين، لأننا لم نتمكن من حصره».
ويقدر عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة بنحو 5 إلى 6 ملايين موظف، وفقا لتصريحات رسمية. وحسب المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يقدر عدد العاملين في القطاع الحكومي عام 2017 بـ5.022.821 موظفا.
وسبق أن أشار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، في مؤتمر صحافي عُقد في مايو (أيار) الماضي، لمناقشة خطة الحكومة للتعاطي مع الأزمة الاقتصادية، إلى معضلة تضخم الجهاز الإداري، وقال «إننا لا نحتاج لأكثر من 30 في المائة من الهيكل الإداري الموجود»، مبرزا أن «الحكومة وضعت برنامجًا لرفع كفاءة العاملين، وزيادة الاعتماد على الميكنة والتحول الرقمي، ما يعني خفض الحاجة للقوى البشرية». كما ربط رئيس الوزراء في حديثه، بين «احتمالات شبهة الفساد والاحتكاك المباشر بين المواطنين والموظفين».
وتصطدم هذه التصريحات بثقافة مصرية، وعادات اجتماعية جعلت الوظيفة الحكومية «حصن أمان واستقرار للمستقبل». وفي هذا السياق ترى الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع، أن «المصريين يميلون إلى العمل في القطاع الحكومي ليس بسبب ثقافة (الميري)، بل لأنها تتضمن نموذجا للأمان لم ينجح في توفيره القطاع الخاص»، وقالت لـ «الشرق الأوسط»، إن «أي شخص يبحث عن الاستقرار، والقانون لم ينجح في حماية موظف القطاع الخاص من التسريح، أو خفض الراتب، وفقًا لقرار صاحب العمل، ولذلك فمن المنطقي أن يسعى المواطن إلى القطاع الحكومي لأنه على الأقل، وإن لم يحقق طموحه الوظيفي والمادي لا يهدد شعوره بالأمان».
وربطت أستاذة علم الاجتماع تغيير ثقافة المصريين وتعزيز القطاع الخاص بالتشريع، وقالت إن «على الحكومة أن تسعى إلى إصدار تشريعات تضمن حقوق العاملين في القطاع الخاص». لكن القانون «غير كاف» على حد تعبيرها، مشددة على «ضرورة البحث عن توفير مظلات حماية للمواطنين، بدلا من الحديث عن عاداتهم النمطية».
ودفعت التصريحات الحكومية المتكررة بشأن «تضخم» الجهاز الإداري للدولة، وعدم الحاجة إلى «هذا الكم من الموظفين في القطاع الحكومي»، البعض إلى ترويج شائعات حول «نية الدولة التخلص من العدد الزائد من الموظفين»، الأمر الذي نفته الحكومة المصرية أكثر من مرة. وحسب مصادر حكومية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» فإن خطة الحكومة لمواجهة «التضخم» في الجهاز الإداري للدولة «لا تنطوي بأي حال من الأحوال على تسريح الموظفين»، مشيرة إلى أن «الاتجاه الحالي يقضي بوقف التعيينات الحكومية، وبمرور الوقت ينخفض العدد ببلوغ عدد من الموظفين السن القانوني للمعاش».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


رغم الحديث عن تراجع الإصابات... الكوليرا تحصد الأرواح في الجزيرة السودانية

أطفال نازحون من ولاية الجزيرة في أحد مراكز النزوح في حلفا الجديدة بالسودان (رويترز)
أطفال نازحون من ولاية الجزيرة في أحد مراكز النزوح في حلفا الجديدة بالسودان (رويترز)
TT

رغم الحديث عن تراجع الإصابات... الكوليرا تحصد الأرواح في الجزيرة السودانية

أطفال نازحون من ولاية الجزيرة في أحد مراكز النزوح في حلفا الجديدة بالسودان (رويترز)
أطفال نازحون من ولاية الجزيرة في أحد مراكز النزوح في حلفا الجديدة بالسودان (رويترز)

لم تجد عائلة سودانية ابتليت بإصابة إحدى نسائها بالكوليرا سوى سرير منزلي لنقلها إلى مستشفى قريب في ولاية الجزيرة وسط السودان في ظل فشلها في الحصول على محفة طبية، مع استمرار معاناة المنطقة من قطع الطريق والحصار المفروض منذ أشهر بسبب انتشار «قوات الدعم السريع» في محيطها.

وذكرت مصادر طبية أن مرض الكوليرا حصد أرواح المئات في الجزيرة بمتوسط 3 وفيات في اليوم بسبب تداعيات تأخر المصابين في الوصول للمستشفيات مع شح الوقود واستمرار حالة الانفلات الأمني في الطرق الرابطة بين قرى الولاية والمدن الكبرى التي توجد بها مستشفيات كبيرة، فضلاً عن نقص الإمداد في الأدوية والمحاليل الوريدية، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وتقول السلطات الصحية بولاية الجزيرة إن التدابير التي اتخذتها خلال الفترة الماضية من خلال حملات الرش والتعقيم والتثقيف الصحي أسهمت في خفض الإصابات من 300 إلى 117 في اليوم الواحد.

ونجحت مزدلفة آدم في إنقاذ حياة طفلها بصعوبة بالغة بعد إصابته بمرض الكوليرا، حيث اتخذت قراراً سريعاً بنقله إلى مستشفى المناقل الذي يبعد عن قريتها أكثر من 30 كيلومتراً.

وقالت: «فجأة ظهر له مغص، استفرغ (تقيأ) مرة واحدة. قمت بإعطائه بعض الليمون وذهبت به إلى المستوصف. قالوا إنه مصاب بالملاريا والتهاب وجرثومة».

وأضاف: «بعد أخذ العلاجات وقبل خروجي أصابه الإسهال والاستفراغ (القيء) مرة أخرى. قررت الذهاب به إلى المستشفى. عندما جئنا وبعد عمل الفحوصات قالوا إنه مصاب بالمرض ده (هذا)».

وتوقع عمار يحيى مدير إدارة المستشفيات بوزارة الصحة في ولاية الجزيرة استمرار انخفاض عدد الإصابات في الفترة المقبلة بشكل تدريجي.

وقال: «الحالات في البدء كانت عالية ويمكن أن تصل في اليوم إلى أكثر من 300 حالة. والآن بدأت في الانخفاض التدريجي. حتى أمس الحالات الموجودة كانت 117 حالة، ومتوقع أن يحدث اليوم انخفاض كبير إلى ما يقل عن 100 حالة».

وألقى مرضى ومرافقون باللوم على وزارة الصحة الاتحادية بسبب ما اعتبروه تأخيراً في إيجاد الحلول المناسبة لإيصال الأدوية والمستلزمات الطبية خلال فترة حصار ولاية الجزيرة، ما أدى إلى توسيع دائرة انتشار المرض.

وقال الإمام بشير، رئيس قسم التمريض في مركز عزل المصابين بمرض الكوليرا في المناقل: «كانت هناك بعض الصعوبات التي واجهت الناس منها نقص المحاليل الوريدية والإمداد بشكل عام».

وأضاف: «لجأنا لمحلول معالجة الجفاف وهذا مخصص لعلاج الأعراض البسيطة. فالناس اعتمدت عليه في فترة من الفترات كلياً. بسبب قطع الطريق، الإمداد كان بسيطاً. والحمد لله الناس تخطت المرحلة دي (هذه) بس (لكن) حالياً الحالات بدأت تخف».