سعود الفيصل.. رجل السلام والمهام الجسام

سلطان بن سلمان: كان جامعة في العلم والرؤية والإدراك والروية والحنكة * توفيق الربيعة لـ {الشرق الأوسط} : لديه نظرة ثاقبة في الأمور الصعبة

الأمير الراحل سعود الفيصل في صورة تعود الى عام 2002، مع الرؤساء السابقين الاميركي جورج بوش والافغاني حميد كرزاي ورئيس الوزراء الياباني السابق جوينتشيرو كويزومي (غيتي)
الأمير الراحل سعود الفيصل في صورة تعود الى عام 2002، مع الرؤساء السابقين الاميركي جورج بوش والافغاني حميد كرزاي ورئيس الوزراء الياباني السابق جوينتشيرو كويزومي (غيتي)
TT

سعود الفيصل.. رجل السلام والمهام الجسام

الأمير الراحل سعود الفيصل في صورة تعود الى عام 2002، مع الرؤساء السابقين الاميركي جورج بوش والافغاني حميد كرزاي ورئيس الوزراء الياباني السابق جوينتشيرو كويزومي (غيتي)
الأمير الراحل سعود الفيصل في صورة تعود الى عام 2002، مع الرؤساء السابقين الاميركي جورج بوش والافغاني حميد كرزاي ورئيس الوزراء الياباني السابق جوينتشيرو كويزومي (غيتي)

سعود الفيصل رقم صعب في التاريخ الحديث، عاصر 4 ملوك، وقاد الأزمات بحنكة والعالم لن ينساه، الكل عرفه بأنه الرجل الفذ في حياته وتصرفاته التي أجبرت العالم على أن يتحدث بما يريد وبحكمة بالغة طوال أربعة عقود قضاها لخدمة الدين والوطن، متحملاً خلال تلك الفترة الأمراض والتعب والألم، في الوقت الذي ضج به العالم بأسره، وهو يستقبل خبر وفاته.
واعتبر الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أن وفاة الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز خسارة جسيمة لرجل عاش نبيلاً ومات نبيلاً مدافعًا عن قضايا وطنه وأمته في جميع المحافل الدولية، ضاربًا بذلك أروع وأصدق الأمثلة في التفاني في خدمة وطنه بصبر وتحمل وجدارة، وشجاعة، واصفًا الفيصل بـ«رسول السلام» وخير ممثل لهذه الدولة الراسخة، وهو امتداد لوالده الملك فيصل في حكمته وبعد نظره وعمق فهمه للأمور السياسية، ما جعله يتولى هذا المنصب السياسي بكفاءة واقتدار أذهلت العالم أجمع.
وقال الأمير سلطان بن سلمان: «خسارة عميد الدبلوماسية العربية لا تخص المملكة والأمتين العربية والإسلامية فحسب، بل فقد العالم أجمع الأمير سعود الفيصل رجل السلام، فمواقفه التي يعرفها العالم والتي تنبع دائمًا من إيمانه بتحقيق السلم وعمله الدؤوب تحت ملوك وقيادات المملكة عبر السنين».
وأضاف: «نستطيع أن نصف الأمير النبيل سعود الفيصل برجل السلام ورجل المهام الجسام ورجل الإنجازات الحاسمة وجميع الملفات التي تولاها تشهد له بذلك، سواء كانت هذه القضايا على مستوى الوطن أو العالم بأسره، فكل قيادات العالم ودبلوماسيوه يعرفون جيدًا هذا الرجل والأدوار الجسام التي قام بها لصالح تحقيق السلم والأمن في العالم». وعن علاقته الشخصية بالأمير سعود الفيصل قال: «سعدت وتشرفت بعلاقة شخصية وصداقة امتدت سنوات طويلة مع الأمير الراحل، تعلمت منه الكثير من الدروس والمواقف والتجارب، فهو جامعة في العلم والرؤية والإدراك والروية والحنكة وسداد القول، وهذه التجربة التي حظيت بها تمثل لي رصيدًا شخصيًا أعتقد أنه من مكاسبي في هذه الحياة».
وأضاف الأمير سلطان بن سلمان: «عملت مع الأمير الراحل عن قرب من خلال مهامي المتعددة في الدولة، وفي أمور ذات اهتمامات مشتركة أخرى وكان ذلك بالنسبة لي نبراسًا ونموذجًا إداريا متفردًا، وقد وجدت فيه الرجل الواقعي والمنهجي والمركز على العمل، ووجدت فيه تجرده عن المصالح أو المطامع الشخصية أو التوجهات الذاتية في أي عمل يقوم به، كما وجدت فيه الصديق والرفيق، وأحمد الله أن يسر لي أن عشت سنوات طويلة بالقرب منه واقتربت من حياته الخاصة في داخل المملكة وخارجها ووجدت أنه حتى في هذه الأوقات كان الوطن همه الأول، وكان الاعتزاز بالوطن ومصالحه العليا هو شغله وهمه الأساسي في أي مكان يرتحل عنه، بل وحتى هو على فراش المرض في مراحل سابقة».
وقال الأمير سلطان بن سلمان: «وإن كنا اليوم نعزي أنفسنا جميعًا ونشعر بهذه الغصة لفقد الرجل والصديق، فنحمد الله الكريم أن أن اختاره في هذه العشر الأواخر المباركة وهو مطمئن في بيته وبين أهله وبصحة جيدة، حيث قضى ليلته الأخيرة بين أهله وأصدقائه، وكان مبتهجا ومرتاحًا ومسرورًا، وتوفي وهو على سريره دون معاناة، فقد تحمل طوال حياته الكثير من العناء والتعب ما أثر على صحته وأرهق جسده، وكنت أراه وهو يخفي وجعه وتعبه ويتحمل آلامه ويضغط على نفسه ليل نهار لمواصلة خدمته لوطنه ومتابعة القضايا والملفات المعقدة والحرجة في كثير من الأوقات، وكان يتعامل معها بمنتهى الدقة، فبحكمته ورؤيته استطاع أن يدافع وينافح عن قضايا وطنه وأمته العربية والإسلامية في مختلف المحافل والمناسبات الدولية».
ومن جهة أخرى، وصفه الدكتور عبد العزيز خوجه السفير والوزير السابق عبر اتصال هاتفي أجرته «الشرق الأوسط» وهو يسترجع ذكرياته مع الراحل سعود الفيصل بـ«الشخصية العالمية الفذة» وصاحب الكلمات الموزونة والحكيمة في أي موقع أو قضية كانت، حيث كان حريصا على حسن اختيار كلماته حتى في غضبه، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الحساسة والمصيرية.
وقال الدكتور خوجه: «عندما عملت تحت رئاسته سفيرا لدى تركيا والمغرب وروسيا ولبنان، تعلمت منه الكثير، خاصة في ما يتعلق بإدارة الأزمات والقضايا الشائكة، حيث كان يتمتع بالعلم والذكاء والهدوء والحنكة والتروي، ولم يكن يتخذ قرارا إلا بعد دراسته من جميع الزوايا والجوانب التي تصب في الصالح العام.
وأضاف خوجة: «التاريخ لن ينسى الراحل سعود الفيصل في الكثير من الأزمات التي قاد إدارتها بكل اقتدار وحنكة، وذلك كما فعل في أزمات لبنان وأفغانستان، ومواقفه في القضية الفلسطينية، وغيرها من القضايا الأخرى التي أثبتت الأيام أنه كان رجلا فريدا وعميدا للدبلوماسية العالمية وليس العربية أو السعودية فحسب».
وعن ثقافات الأمير الراحل، قال الدكتور عبد العزيز خوجه: «كان الفيصل شخصية متعددة الثقافات ورجلا مطلعا من الدرجة الأولى، إلا أن البعض من الأشخاص يظن أن ثقافته غربية، ولكن كان يحب الأدب والشعر العربي، فكان يحفظ الكثير من الشعر العربي والجاهلي، وأشعار المتنبي وامرئ القيس، إلى جانب حفظه لأشعار شكسبير على المستوى الأجنبي».
وأضاف: «تعلمت منه الكثير إبان عملي سفيرا لدى أربع دول سابقة وعبر مواقف عدة مع سعود الفيصل التي لا تعد ولا تحصى، وكثير من الأزمات كان يعالجها بحنكة وروية، ودائما أتوصل بقيادته إلى حلول عدة، ورحيله خسارة كبيرة وفقد كبير، وهو يكابد 4 عقود عاصر خلالها أباه الملك فيصل قبل توليه وزارة الخارجية، ومن ثم الملك خالد وفهد وعبد الله وسلمان، في وقت سخر فيه عمره لخدمة دينه ووطنه على حد سواء، وفي مواقف جسدت الحنكة والمعرفة طيلة السنوات التي عاشها في الوزارة والتي جعلته على إلمام بما يدور في العالم، وبصورة كاملة، حينما كان يعطينا التوجيه والرأي كسفراء لبلاده في جميع أصقاع المعمورة».
«كانت الفاجعة كبيرة وكلماتنا لا تستطيع التعبير عنها».. بهذه العبارة وصفت الأميرة سميرة بنت عبد الله الفيصل رحيل الدبلوماسي الأول في العالم العربي الأمير سعود الفيصل الذي أمضى أربعة عقود على عرش وزارة الخارجية يدافع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية، وقالت: «رحل بعد أن جاهد الصراع الذي يشهده العالم العربي منذ أكثر من 30 سنة، كان يعمل بصمت، قوي وقت القوة، صاحب قرارات يشهد لها التاريخ». وأضافت: «كان متواضعا جدا، وأذكر موقفا على ذلك، كنت أنتظر سيارتي في موقف السيارات الخاصة بأحد المستشفيات، حيث جاء إلى المستشفى بسيارته الخاصة بمفرده بلا حراس، وهذا إن دل فإنه يدل على تواضعه حتى في حياته الخاصة».
إلى جانبها، قال لـ«الشرق الأوسط» وزير التجارة الدكتور توفيق الربيعة: «عرفت الأمير سعود بأخلاقه العالية، كان يحترم الجميع وكان في الاجتماعات يحب أن يسمع أكثر مما يتكلم، وعلى الرغم من أن لديه نظرة ثاقبة في الأمور الصعبة فإنه كان يحب أن يعطي الآخرين فرصة للحديث عن وجهة نظرهم قبل أن يتحدث». ويضيف الربيعة: «كان (رحمه الله) سريع البديهة لو اضطر للرد سريعا، باختصار كان رجلاً حكيمًا حليمًا يسمع ويفكر ويستشير قبل أن يتخذ القرار. أسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يتقبل صالح أعماله في هذا الشهر الفضيل».



سباق بين سلالات حاكمة تاريخية على عرش إيران

أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)
أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)
TT

سباق بين سلالات حاكمة تاريخية على عرش إيران

أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)
أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)

وسط غابة خضراء في مكان مجهول، وقف رجل سبعيني ليخاطب الإيرانيين بالفيديو باقتباسات من كبار الشعراء الفارسيين، معلناً أنه «شاه عباس سلجوقي، ملك الملوك وإمبراطور إيران، آخر المتبقين من سلالة السلاجقة، ومن الأتراك الإيرانيين».
قد تبدو مزاعم الرجل في حكم إيران مثار تندر، نظراً إلى أن إمبراطورية السلالة السلجوقية التي يدعي التحدر منها أفلت قبل أكثر من ثمانية قرون. لكنه مجرد متسابق بين كثيرين يحاولون طرح أنفسهم بديلاً للنظام الحالي، في ظل تزايد السخط الشعبي على أدائه.

وتداولت فيديوهات لأشخاص يزعمون انتسابهم إلى السلاسات التي حكمت إيران بعد سقوط الصفوية في القرن الثامن عشر، وبعضهم يرشح نفسه لاستعادة عرش أجداده.
وأصبح الشغل الشاغل للإيرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي تتبع أخبار من يتحدرون من السلالات التاريخية التي حكمت بلادهم قبل قرون، عبر فيديوهات مزاعم حق العرش التي تثير دهشتهم أو منشورات ساخرة.

صراع على تركة القاجار

ونشر شخص يدعي بابك ميرزا قاجار يقول إنه يتحدر من السلالة القاجارية التي حكمت البلاد من 1794 حتى 1925، قبل إطاحة آخر ملوكها أحمد شاه قاجار، على يد رئيس وزرائه رضا خان بهلوي الذي جلس على العرش وأسس الحكم البهلوي.
وقبل أيام، أعادت قناة «تي آرتي» التركية في خدمتها الفارسية التذكير بتقرير نشر في عام 2016 يزعم وجود أحد أحفاد السلسلة القاجارية في إسطنبول. ونقلت عمن وصفته بأنه «بابك ميرزا أحد الباقين من سلالة القاجار الإيرانية»: «في هذا التوقيت المضطرب، أرى تقارباً في العلاقة بين تركيا وإيران... أنا قادم من إيران وأتحدث التركية، وأكثر من نصف الإيرانيين قادرون على فهم اللغة التركية».

وتداول مغردون بياناً لـ«رابطة قاجار»، ومقرها جنيف وتقول إنها تمثل أبناء السلالة القاجارية، نفى أي صلة بين بابك ميرزا والقاجار. وقالت الرابطة: «اطلعنا على مزاعم شخص يدعى بابك بيتر بادار ويدعي وراثة العرش والتاج الملكي للقاجاريين، وينوي بهذه الأوهام القيام بأنشطة سياسية. هذا الشخص غير معروف للرابطة وأطلعت على وجوده عبر وسائل الإعلام».
وأضاف بيان الرابطة: «نحن كأسرة القاجار نقف إلى جانب الشعب الإيراني، ونطرد أي شخص يحاول انتحال هوية مزيفة للوصول إلى مصالح شخصية واستغلال الأوضاع الصعبة».

«دار المجانين»

وبينما انشغل الإيرانيون بمتابعة صور وفيديوهات بابك ميرزا، ظهر فيديو الرجل السبعيني الذي وقف في الغابة معلناً أنه «شاه عباس سلجوقي ملك الملوك وإمبراطور إيران».
وكتب مغرد يدعى فريد خان: «بعد بابك ميرزا قاجار، ظهر أمير سلجوقي هو الأمير عباس سلجوقي كبير أسرة السلاجقة ومن دعاة إعادة تأسيس النظام الشاهي في إيران... البلاد تحولت إلى دار المجانين».
وقال مغرد آخر: «الأمير عباس سلجوقي مستعد للتنافس مع أربعة مرشحين من السلالة الصفوية والأفشارية والقاجارية والبلهوية الذين أعلنوا استعدادهم مسبقاً لإعادة تأسيس النظام الشاهي».
وكتبت مغردة تدعى شرارة: «في سباق العودة التاريخي، ظهر أمير سلجوقي... على أمراء السلاسات الأخرى الإسراع لأن الغفلة تؤدي إلى الندم، على رضا بهلوي الانتحار لأن منافسيه يزدادون».
ورضا بهلوي هو نجل شاه إيران السابق الذي يلتف حوله أنصار والده وبعض المشاهير، لطرح بديل لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران. لكن نجل الشاه يواجه معارضة من شريحة واسعة بين أبناء الشعوب غير الفارسية، مثل الأكراد والعرب والأتراك والبلوش.
وتأتي الظاهرة الجديدة بينما تحاول السلطات الإيرانية إخماد الاحتجاجات بأساليب من بينها التوسع في عقوبة الإعدام وتنفيذها حتى الآن في أربعة متظاهرين.
وكان لافتاً خلال الأيام الأخيرة نشر فيديوهات من قنوات «الحرس الثوري» تشبه النظام الحالي بالحكم الصفوي الذي حاول منافسة العثمانيين على حكم العالم الإسلامي.