أثار المخرج المجري الكبير، بيلا تار، دهشة جمهور مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، عندما قال إن «السيناريو السينمائي ليس أمراً مفيداً، وإنه لا يملي حوارات على أبطال أفلامه»؛ مشيراً إلى «(وفاة) الصورة التقليدية للسيناريو والحوار».
وقال بيلا تار خلال «درس السينما» الذي قدمه مساء (الاثنين) بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة، إنه «لا يحب شكوى شباب السينمائيين، وعليهم أن يصنعوا تجاربهم دون التحجج بالتمويل».
حضر لقاء بيلا تار جمهور كبير من الشباب، وأدار اللقاء المخرج أحمد عبد الله السيد.
بيلا تار الذي كرمه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي خلال دورته الـ44، لم يشأ الحضور للتكريم فقط؛ بل ليعطي «ماستر كلاس»، ويقيم ورشة لصناع الأفلام الشباب الذين اختارهم بنفسه من بين المئات الذين تقدموا لها، وجاء اختياره بناء على ما أنجزه كل منهم في مستهل خطواته.
بدأ بيلا تار الـ«ماستر كلاس» بنصيحه لجيل الشباب؛ مشيراً إلى «ضرورة أن يكون الشخص نفسه فقط، ولا يتعلق بأي شخص ناجح، فنجاحه يعتمد على ذاته وكفاحه فقط، وأنه يجب أن يكون شجاعاً لأقصى درجة ممكنة»، مضيفاً: «لا أحب شكوى الصغار، فكل منهم يعد مسؤولاً عن تحقيق ذاته. إذا كنت تريد أن تصنع فيلماً وليس معك تمويل، فاصنعه بهاتفك المحمول، وقم بعرضه على (الإنترنت)، اتبع إحساسك ولا تعتد بكلام الآخرين».
واستعاد المخرج المجري بدايته قائلاً: «بدأت حياتي كصانع أفلام في سن 22 عاماً، وكان لدي أستاذ أخبرته أنني أريد أن أصنع فيلماً، فقال لي إن أفضل شيء أن تصور فيلمك ولا تضيع وقتك في الدراسة، فكان فيلم (ماكبث). وكان البعض يطلب مني حذف بعض المشاهد، إلا أنني كنت أتمسك بها وأرفض ذلك الأمر، وبعد فترة عندما كنت ألتقيهم، كانوا يسألونني: هل أزلتها؟ فأقول: لا... ولهذا أنا أشعر بالشجاعة، كوني حاربت لأجل ما أريد».
علاقة المخرج بأبطال أفلامه الذين يحملون رسالته ويعدون أهم أدواته، تتأرجح من مخرج لآخر، ومن تجربة لأخرى؛ لكن بيلا تار يتبع معاملة خاصة مع أبطاله. وقال: «أتعامل مع الممثلين مثل أصدقائي وعائلتي، وأشتغل معهم كثيراً على الشخصيات، وأفضل تكوين ثقة متبادلة بينهم؛ لأنه من المهم أن يثق الممثل بي».
بيلا تار قال بشكل حاسم خلال اللقاء: «لا أحب الإسكريبت (السيناريو)»، ضارباً المثل بأنه «لو تم بناء السيناريو على ممثل طوله مترين، واستعنت كمخرج بممثل قصير وممتلئ؛ لكنه سيكون ملائماً للمشهد والأداء الذي أريده، فالحوار هنا يجب أن يكون مختلفاً عما جاء بالسيناريو، تماماً مثل الطبخ، فإذا لم تجد مكونات طبق معين تصنعه فستستخدم أي مكونات متاحة، لذا فـ(الإسكريبت) أمر غير مفيد بالمرة، كما أن الفيلم لا يعتمد على السيناريو والحوار المكتوب؛ بل على توجه الممثلين للمشاعر المطلوبة من خلال إخبارهم بالوقف الدرامي والإطار المقرر أن يتحركوا خلاله، إذ لا يمكن بناء الفيلم على النص».
هذا الأمر دفع الفنان المصري حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، لسؤال المخرج المجري حول كيفية تغيير السيناريو والحوار الذي يأتي له، وذلك على عكس طبيعة المخرجين الذين يرون عدم بدء التصوير دون وجود سيناريو وحوار كامل.
فأجابه بيلا تار: «الحوار تتم إدارته وفقاً لمشاعر الممثل حيال الموقف الذي أشرحه له، ومن الضروري أن يخرج الحوار من القلب، وهو أمر لن تحققه السيناريوهات. لا يمكن بناء الفيلم على النص. وأنا أعتذر لجميع كتاب السيناريو، ولكن عندما ترى عملاً فنياً، فعليك أن ترى أشخاصاً حقيقيين، بينما من يكتبون السيناريو يكتبون فقط ما يريدونه».
وأبدت الفنانة المصرية سلوى محمد علي دهشتها، متسائلة عن نوعية الممثلين الذين يتعاملون مع المخرج المجري، من دون وجود سيناريو وحوار واضح، ليجيبها قائلاً: «أنا أعمل مع الممثلين على أنهم بشر طبيعيون، وأخبرهم بالموقف فقط وأترك لهم رد الفعل، وهم يبنون الشخصية من خلال الدراما البشرية».
وأضاف: «لا يهمني إذا كان الممثل محترفاً أم لا، ما يهمني هو الشخصيات، ما هي حقيقتك وكيف تتعامل مع الأشياء، ولهذا لا أعطي سيناريو للممثلين؛ لأننا عندما نبني علاقة ناجحة معاً، فإنهم يعطونني ما أريد خلال التصوير». وتابع بأنه «شخصية هادئة في تعاملاته، وأحياناً لا يقوم بتوقيف الكاميرا عقب انتهاء المشاهد، لاستخراج اللحظات الصادقة من الممثلين».
وتحدث بيلا تار عن عنصر الموسيقى في أفلامه، بقوله: «الموسيقى في الأفلام مهمة جداً؛ لأنها من أهم خصائص العمل، ولهذا عملت مع عدد محدود من الموسيقيين خلال رحلتي المهنية، فهي من أهم الأشياء التي أقوم بالتحضير لها قبل بداية العمل على الفيلم».
وحول رأيه في الأفلام الأخرى. اعتذر المخرج المجري عن عدم الإجابة عن التساؤل، قائلاً: «لا أريد أن أحكم على صناع الأفلام، فلا يمكن أن أقول شيئاً عن زملائي في العمل، وعلينا جميعاً قبول الآخر».
يُذكر أن بيلا تار مخرج ومنتج ومؤلف، ويعد أحد أهم صانعي السينما في المجر، وُلد عام 1955، وتخرج في أكاديمية المسرح والسينما في بودابست عام 1981، وبدأ مسيرته المهنية المليئة بكثير من النجاحات في سن مبكرة، من خلال سلسلة أفلام وثائقية وروائية وُصفت بأنها «كوميديا سوداء». وصور أغلب أفلامه بتقنية الأبيض والأسود، واشتهر باستخدامه لقطات بطيئة مطولة، وقصصاً غامضة ذات نظرة تشاؤمية. ومن أهم أفلامه «Family Nest» عام 1979، و«The Prefab People» في 1982، و«The Turin Horse» عام 2011.
بيلا تار: «وفاة» الصورة التقليدية للسيناريو والحوار
المخرج المجري أثار دهشة جمهور مهرجان «القاهرة السينمائي»
بيلا تار: «وفاة» الصورة التقليدية للسيناريو والحوار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة