غزة «تختبر» تل أبيب عشية عودة نتنياهو

صدامات بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية على حدود غزة  في 25 أكتوبر (د.ب.أ)
صدامات بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية على حدود غزة في 25 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

غزة «تختبر» تل أبيب عشية عودة نتنياهو

صدامات بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية على حدود غزة  في 25 أكتوبر (د.ب.أ)
صدامات بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية على حدود غزة في 25 أكتوبر (د.ب.أ)

تراشق الصواريخ بين إسرائيل وغزة بدا «تقليدياً»: حركة «الجهاد الإسلامي» ردت على اغتيال أحد مقاتليها في الضفة الغربية، فأطلقت 4 قذائف صاروخية باتجاه البلدات اليهودية على حدود قطاع غزة. ردت إسرائيل بقصف على مواقع «حماس» في القطاع، باعتبارها الحاكمة هناك منذ انقلاب 2007، لكن كلا الطرفين حرص على ألا يوجه قصفه إلى مناطق مأهولة حتى لا تقع إصابات بشرية، ولا يؤدي ذلك إلى تصعيد، إلا أن هذا الحدث قفز فجأة، وبحق، إلى رأس سلّم الاهتمام في المنطقة.
وطُرح السؤال في الحال: هل كان إطلاق الصواريخ بمثابة اختبار من «حماس» و«الجهاد» لإسرائيل عشية عهد بنيامين نتنياهو، الذي فاز في انتخابات يوم الثلاثاء؟ فقد قتلت القوات الإسرائيلية العديد من مقاتلي «الجهاد» البارزين في الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة، ولم يكن هناك قصف من غزة، فلماذا الآن؟ أهو الرد على انتخاب حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، أم أنه مجرد تعبير غير محسوب عن الغضب؟ وهل يعتقد قادة «الجهاد» أن هناك فرقاً كبيراً بين يائير لبيد رئيس الحكومة الحالي، ونتنياهو في التعاطي مع القصف الصاروخي؟
والسؤال الأهم: هل كان هذا القصف مبادرة ذاتية من «الجهاد»، أو عملية جس نبض طُبخت في طهران لاختبار إسرائيل الجديدة/ القديمة التي تتبلور بعد الانتخابات؟
هذه الأسئلة طُرحت أيضاً لدى قيادة الجيش الإسرائيلي، قبل أن يردوا على القصف الفلسطيني. والنقاش في إسرائيل يتخذ طابعاً مختلفاً؛ ففي ظل حكومة نفتالي بنيت، ثم يائير لبيد، رد الجيش الإسرائيلي على أي قصف من غزة بضربات شديدة. فالحكومة، التي كانت المعارضة برئاسة نتنياهو، تصفها بالضعف والخوف و«الرضوخ أمام الإرهاب العربي»، طلبت من الجيش أن يرد بشدة وقسوة وبالسرعة القصوى، على أي قصف. وقد شن الجيش عمليتين حربيتين في أقل من سنة على قطاع غزة، تحت قيادة هذه الحكومة، الأولى في مايو (أيار) 2021، وكانت موجهة ضد «حماس» و«الجهاد» وكل التنظيمات الفلسطينية في غزة، والثانية في أغسطس (آب) 2022، وكانت موجهة ضد «الجهاد الإسلامي»، ولم تتدخل فيها «حماس».
في دعايته الانتخابية، أبرز لبيد هذه الحقيقة، وقال إنه بفضل سياسته ظلت الأجواء على الحدود هادئة معظم أيام السنة، لكن هذا لم يساعده انتخابياً؛ فأهل البلدات اليهودية المحيطة بقطاع غزة منحوا غالبية أصواتهم (79 في المائة) لأحزاب اليمين بقيادة نتنياهو، وفقط 21 في المائة لأحزاب معسكر لبيد.
والسؤال الآن هو: كيف ستتصرف حكومة بنيامين نتنياهو في مواجهة قصف كهذا عندما تتسلم الحكم، الشهر القادم؟ هل ستواصل سياسة لبيد، أو تعود إلى سياسة نتنياهو، التي اتسمت بشيء من ضبط النفس ولجم الغرائز؟
لقد جاء القصف من غزة كضربة صحوة عند نتنياهو؛ فهو مشغول حالياً في تركيب حكومته ويتعرض لضغوط شديدة من حلفائه، الطامعين في مناصب رفيعة، مثل وزير الدفاع ووزير الأمن الداخلي ووزير المالية، كما أنه يخشى من رفاقه في «الليكود» الذين يحذّرون من منح مثل هذه الوزارات للمتطرفين، ويحاول جس نبض أحزاب أخرى من معسكر لبيد، مثل حزب بيني غانتس، أو حزب القائمة العربية الموحدة للحركة الإسلامية. وجاءت صواريخ «الجهاد الإسلامي» لتذكّره وتذكّر حلفاءه بأن هناك تحديات أمنية كبرى تواجه هذه الحكومة، وأن الأنظار تتجه إلى مقر رئاسة الحكومة، ليس فقط من قادة أحزاب اليمين المنتصر، بل أيضاً من غزة ونابلس ورام الله والضاحية الجنوبية لبيروت، ومن دمشق، وحتى من موسكو وكييف، وطبعاً من طهران. وهذا فضلاً عن الترقب في واشنطن والعواصم الأوروبية والعربية.
ومعروف أن نتنياهو يمتلك رؤية مختلفة عن رؤية لبيد تجاه العديد من الملفات الساخنة؛ فهو يروّج لسياسة متشددة مع إيران، ويرفض أي تفهم للجهود الأميركية للعودة إلى الاتفاق النووي. وهو أقرب إلى الموقف الروسي في أوكرانيا وسوريا، ويُعتبر مهندس التنسيق العسكري بين تل أبيب وموسكو. وهو لا ينسى الدعم الذي قدّمته إدارة الرئيس بايدن للبيد في المعركة الانتخابية، والدعم المشابه من فرنسا ومن تركيا. ونتنياهو تعهد بموقف متشدد في الموضوع الفلسطيني، ولديه التزام لحلفائه في المستوطنات الذين يريدون نسف حل الدولتين تماماً، علماً أنه كان قد توصل إلى تفاهمات مع «حماس»، وعمل بشكل حثيث على تكريس وتعميق الانقسام الفلسطيني.
ونتنياهو على خلاف مع قيادة الجيش الإسرائيلي في العديد من هذه الملفات. ولديه ماكينة دعاية تعمل 24 ساعة طيلة الأسبوع، تنتقد الجيش وتتهمه بالتراجع عن «عقيدة المواجهة والإقدام»، ويتهمه بأنه ليس مستعداً لحرب مع إيران، وبأنه مبذّر ويتدخل في السياسة الحزبية.
فإلى أي مدى سيُحدث نتنياهو تغييرات تلائم طروحاته وطروحات حلفائه في هذه الملفات الساخنة؟ وهل سيجعلها ساخنة أكثر؟ وأصابع مَن ستحترق من التسخين؟
الصواريخ الأربعة التي أُطلقت من غزة، وبغض النظر عن أهدافها، تدق النواقيس في رأس نتنياهو، وستجعله يسرع في البحث عن إجابات لهذه الأسئلة، حتى قبل أن يدخل مكاتب رئاسة الحكومة.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي «مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

«مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

قتلت إسرائيل 3 فلسطينيين في الضفة الغربية، الخميس، بعد حصار منزل تحصنوا داخله في نابلس شمال الضفة الغربية، قالت إنهم يقفون خلف تنفيذ عملية في منطقة الأغوار بداية الشهر الماضي، قتل فيها 3 إسرائيليات، إضافة لقتل فتاة على حاجز عسكري قرب نابلس زعم أنها طعنت إسرائيلياً في المكان. وهاجم الجيش الإسرائيلي حارة الياسمينة في البلدة القديمة في نابلس صباحاً، بعد أن تسلل «مستعربون» إلى المكان، تنكروا بزي نساء، وحاصروا منزلاً هناك، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة في المكان انتهت بإطلاق الجنود صواريخ محمولة تجاه المنزل، في تكتيك يُعرف باسم «طنجرة الضغط» لإجبار المتحصنين على الخروج، أو لضمان مقتلهم. وأعلنت وزارة

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

في وقت اقتطعت فيه الحكومة الإسرائيلية، أموالاً إضافية من العوائد المالية الضريبية التابعة للسلطة الفلسطينية، لصالح عوائل القتلى الإسرائيليين في عمليات فلسطينية، دفع الكنيست نحو مشروع جديد يتيح لهذه العائلات مقاضاة السلطة ورفع دعاوى في المحاكم الإسرائيلية؛ لتعويضهم من هذه الأموال. وقالت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، الخميس، إن الكنيست صادق، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يسمح لعوائل القتلى الإسرائيليين جراء هجمات فلسطينية رفع دعاوى لتعويضهم من أموال «المقاصة» (العوائد الضريبية) الفلسطينية. ودعم أعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي ومن المعارضة، كذلك، المشروع الذي يتهم السلطة بأنها تشجع «الإرهاب»؛

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

دخل الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب وقصف بدباباته موقعاً في شرق مدينة غزة، أمس الثلاثاء، ردّاً على صواريخ أُطلقت صباحاً من القطاع بعد وفاة القيادي البارز في حركة «الجهاد» بالضفة الغربية، خضر عدنان؛ نتيجة إضرابه عن الطعام داخل سجن إسرائيلي.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

صمد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ، فجر الأربعاء، منهيا بذلك جولة قصف متبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية استمرت ليلة واحدة (أقل من 24 ساعة)، في «مخاطرة محسوبة» بدأتها الفصائل ردا على وفاة القيادي في «الجهاد الإسلامي» خضر عدنان في السجون الإسرائيلية يوم الثلاثاء، بعد إضراب استمر 87 يوما. وقالت مصادر فلسطينية في الفصائل لـ«الشرق الأوسط»، إن وساطة مصرية قطرية وعبر الأمم المتحدة نجحت في وضع حد لجولة القتال الحالية.

كفاح زبون (رام الله)

الأردن وسوريا يتعهدان التعاون لمنع عودة «داعش»

الصفدي مستقبلاً الشيباني في عمان اليوم (رويترز)
الصفدي مستقبلاً الشيباني في عمان اليوم (رويترز)
TT

الأردن وسوريا يتعهدان التعاون لمنع عودة «داعش»

الصفدي مستقبلاً الشيباني في عمان اليوم (رويترز)
الصفدي مستقبلاً الشيباني في عمان اليوم (رويترز)

التقى وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني، اليوم (الثلاثاء)، في العاصمة الأردنية عمان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وذلك في إطار جولة إقليمية استهلها بالسعودية ثم قطر والإمارات.

وقال الصفدي بعد اللقاء إن الأردن وسوريا اتفقا على تشكيل لجنة أمنية مشتركة لتأمين الحدود، مشيراً إلى أن البلدين سيتعاونان معاً لمكافحة تهريب المخدرات والأسلحة. وأكد الصفدي أن دمشق وعمان ستتعاونان لمنع عودة ظهور تنظيم «داعش».

وأضاف أن «استقرار سوريا يعني استقرار الأردن، وأمن سوريا ينعكس إيجاباً على الأردن»، مضيفاً أن القوات المسلحة تصدت لكل محاولات التهريب على الحدود على مدار السنوات الماضية.

وأوضح أن «الشعب السوري يستحق وطناً حراً بعد سنوات من المعاناة»، مشيراً إلى أنه «سيتم تشكيل لجان مشتركة مع الجانب السوري معنية بالأمن والطاقة وغيرها من المجالات».

وبين الصفدي أن الإرث الذي تحمله الإدارة السورية الجديدة ليس سهلاً، مضيفاً أن الأردن سيبقى سنداً لسوريا وسيقدم كل الدعم.

وأشار إلى أن المحادثات تطرقت إلى الأمن في الجنوب السوري، ومكافحة المخدرات على الحدود.

جانب من اللقاء بين الوفدين السوري والأردني في عمان اليوم (رويترز)

من جانبه، تعهد الشيباني بألا يشكل تهريب المخدرات تهديداً للأردن مجدداً في ظل الإدارة الجديدة. وقدم الشيباني شكره إلى الأردن على حفاوة استقبال اللاجئين على مدار 13 عاماً، مضيفاً أن «هذه الزيارة ستكون بداية فاتحة جديدة في العلاقات الأردنية - السورية، بما يحقق الأمن والاستقرار في البلدين».

وشكر الشيباني الأردن على مساهمته بملف رفع العقوبات عن سوريا، التي بإزالتها ستنتعش الحالة الاقتصادية في سوريا.

ويرافق الشيباني في زيارته، وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب.

وزار الصفدي في 23 ديسمبر (كانون الأول)، دمشق، وأكد بعد لقائه قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع استعداد بلاده للمساعدة في إعادة إعمار سوريا، مشيراً إلى أن «إعادة بناء سوريا أمر مهم للأردن وللمنطقة ككل».

واستضاف الأردن في 14 ديسمبر (كانون الأول)، اجتماعاً حول سوريا بمشاركة وزراء خارجية ثماني دول عربية والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ممثل للأمم المتحدة.

وأُطيح الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) إثر هجوم لتحالف من الفصائل المسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام».

والأردن من البلدان العربية القليلة التي أبقت سفارتها مفتوحة في دمشق خلال النزاع في سوريا.

وللأردن حدود برية مع سوريا تمتد إلى 375 كيلومتراً. وتقول عمان إنها تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، ووفقاً للأمم المتحدة، هناك نحو 680 ألف لاجئ سوري مسجل في الأردن.

واستؤنفت حركة التبادل التجاري بين البلدين في العشرين من ديسمبر (كانون الأول)، ومنذ ذلك الوقت دخلت سوريا 600 شاحنة أردنية محملة بالبضائع.

وتمثل سوريا تاريخياً شريكاً تجارياً مهماً للأردن، ولكن النزاع فيها أدى إلى تراجع حجم التجارة بين البلدين من 617 مليون دولار عام 2010 إلى 146.6 مليون دولار عام 2023.

وأرسل الأردن، أول من أمس، 300 طن من المساعدات الإنسانية إلى سوريا في إطار «الجهود المبذولة للوقوف إلى جانب الشعب السوري».

وعانى الأردن خلال سنوات النزاع في سوريا من عمليات تهريب المخدرات، لا سيما حبوب الكبتاغون.