إضرابات ومظاهرات تعم فرنسا... والحركة الاحتجاجية لم تنته

تطالب برفع الرواتب ومواجهة غلاء المعيشة

جانب من احتجاجات الفرنسيين في باريس أمس (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات الفرنسيين في باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

إضرابات ومظاهرات تعم فرنسا... والحركة الاحتجاجية لم تنته

جانب من احتجاجات الفرنسيين في باريس أمس (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات الفرنسيين في باريس أمس (أ.ف.ب)

يوم آخر من الاحتجاجات والمسيرات شهدته فرنسا في إطار الإضراب العام في القطاعين الخاص والعام، بدعوة من أربع نقابات؛ أبرزها اثنتان: «الاتحاد العام للشغل» القريب من الحزب الشيوعي، والذي يعد الأكثر جذرية من بين كافة النقابات العمالية الفرنسية، و«القوة العاملة» المنشقة عن الاتحاد منذ عقود، والتي تعد أكثر براغماتية. وانضم إلى النقابات الأربع اتحادات الطلاب وروابط التلامذة ومسؤولون عن العديد من القطاعات الاقتصادية. وكما في كل مناسبة من هذا النوع، تدفق عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع العاصمة والمدن الرئيسية.
وبحسب المنظمين، فإن تجمعات ومسيرات حصلت في 150 مدينة؛ أبرزها بالطبع باريس، حيث انطلقت المظاهرة في الثالثة من بعد الظهر من الساحة المسماة «ساحة إيطاليا» باتجاه وسط المدينة، يتقدمها قادة النقابات، ورفعت الشعارات التي تطالب بزيادة الرواتب. وكالعادة اختلفت تقديرات اعداد المتظاهرين بين النقابات والأجهزة الأمنية التي رأت ان عددها الاجمالي نحو 107 الآف متظاهر، منهم ١٣ الفاً في باريس. بالمقابل احتسبت النقابات ٧٠ الفاً في باريس وحدها، ونحو 300 ألف في جميع فرنسا. وشكل طلب رفع الرواتب الخيط الجامع بسبب الغلاء الفاحش الذي يصيب الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة، ويجعلها عاجزة عن توفير حاجياتها الأساسية، بينما الارتفاع غير المسبوق لنسبة التضخم يتكفل بإطاحة قيمة مدخرات العائلات. وتمت إضافة شعار آخر يندد بلجوء الدولة إلى إجبار نسبة من عمال مصافي النفط لاستئناف أعمالهم رغم إضرابهم الذي انطلق قبل ثلاثة أسابيع. وتسعى الحكومة من خلال هذا الإجراء القانوني إلى تخفيف وطأة نقص المشتقات النفطية في محطات التوزيع؛ ما يفاقم الأزمة ويحرم الكثيرين من القدرة على استخدام سياراتهم والوصول إلى أعمالهم. وأعلن الناطق باسم الحكومة الوزير أوليفيه فيران، أمس، أن الدولة ستواصل ما بدأته بإلزام موظفين في المصافي والمستودعات بالعمل رغم الإضراب في الوقت الذي تتصاعد فيه الاحتجاجات.

تجاوب نسبي
كثيرون كانوا يتوقعون يوم «ثلاثاء أسود». لكن الإضراب العام وهو الثاني من نوعه بعد إضراب 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، لاقى تجاوباً نسبياً في الكثير من القطاعات؛ أبرزها قطاع النقل الذي يتضرر عادة أكثر من غيره، خصوصاً في العاصمة والمناطق القريبة منها. وفي المقابل، فإن خدمة القطارات السريعة في الداخل الفرنسي وخارجه لم تتضرر إلا بنسبة ضئيلة. وأصاب الإضراب موظفي القطاع العام والدوائر الرسمية، إضافة إلى المدارس والقطاع الصحي وقطاع الطاقة الذي شكل إضراب موظفي المصافي فيه الشرارة التي أشعلت الوضع الاجتماعي. وحتى اليوم، ورغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، والاجتماعات المتكررة التي انعقدت، وأهمها ليل أنمس في قصر الإليزيه، فإن وضع توزيع المحروقات لم يتحسن إلا بنسبة ضئيلة للغاية. وكان الداعون للإضراب يعولون على تجاوب المؤسسات الحكومية والطاقة والنقل العام والصناعات الغذائية وسائقي الشاحنات وتعبئة نقابات المعلمين والعاملين في القطاع الصحي بمختلف فروعه والبلديات.
وإذا كان الإضراب في مترو الأنفاق في باريس قد انتهى بنهاية يوم الثلاثاء، فإن التخوف كان يكمن في مواصلة إضراب موظفي شركة السكك الحديدية التي سيقرر عمالها مصير تحركهم اليوم. وما تتخوف منه الحكومة تواصل الإضراب وامتداده إلى موعد الفرصة المدرسية، حيث تتزايد أعداد المسافرين. وكما في كل مظاهرة، فقد رفعت شعارات مطلبية، منها المطالبة بـ«المساواة في الرواتب»، وأخرى تقول: «كفى انتظاراً»، فيما تركز يافطات كثيرة على أن المضربين «لن يخلوا عن مطالبهم».

الخريف الحار
اللافت أن «الخريف الحار» الذي حذر منه كثيرون حل سريعاً. فبعد 48 ساعة فقط من «المسيرة الكبرى» التي شهدتها باريس والعديد من المدن الرئيسية تنديداً بغلاء المعيشة، يأتي يوم الإضراب العام ليبين أن موجة الاحتجاجات ليست ظرفية أو منعزلة، بل تعكس حالة عامة من القلق وفق العديد من المحللين. ويريد اليسار، وخصوصاً زعيمه غير المنازع جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب «فرنسا المتمردة»، تحويل هذه النقمة إلى موج جارف. وقال أمس إن «المعركة ما زالت في بداياتها»، متهماً الرئيس ماكرون بالسعي لتدمير القطاع العام من أجل فتح الطريق لاستيلاء القطاع الخاص عليه. واعتبر ميلونشون أن ولاية ماكرون الثانية التي بدأت في الربيع الماضي ستكون «أسوأ من الأولى». ويرى ميلونشون نفسه «بطل الوحدة الشعبية»، ويدعو الجميع من عمال وموظفين ونقابيين وسياسيين ونواب ومتقاعدين إلى تشكيل «الجبهة الشعبية» في إشارة إلى «الجبهة الشعبية» التي ظهرت في أربعينيات القرن الماضي، ووصلت إلى السلطة وقامت بمجموعة من الإصلاحات لصالح العمال والموظفين. حقيقة الأمر أن العديد من المحللين يرون أن ما تشهده البلاد اليوم ليس سوى مقدمة لما سيحصل في الأسابيع والأشهر المقبلة، خصوصاً عندما يسعى الرئيس ماكرون وحكومته إلى طرح مشروع إصلاح قانون التقاعد الذي سعت حكومة إدوار فيليب للسير به قبل أن يوضع على الرف بسبب وباء «كوفيد-19».

إقرار قانون آخر
كذلك ستسعى الحكومة إلى إقرار قانون آخر يحد من التزاماتها المالية إزاء العاطلين عن العمل. ومشكلتها الكبرى تكمن في بطء النمو الاقتصادي وارتفاع المديونية وكلفتها على خزينة الدولة، مع ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع قيمة اليورو، وبالتالي فإن قدراتها على المناورة تبدو محدودة للغاية. ورغم سعيها إلى امتصاص النقمة من خلال دعم جزئي ومحدود زمنياً لأسعار الطاقة والكهرباء، الغاز والمشتقات النفطية وتقديم مساعدات مالية للعائلات الأكثر هشاشة، فإن هذه المساعي لا تبدو كافية، خصوصاً أن الأسعار تواصل ارتفاعها، وظروف المعيشة تزداد صعوبة.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».