الإضراب العام في فرنسا يفاقم الضغوط على الحكومة

يصيب قطاعات رئيسية أولها النقل والطاقة

متظاهرون خلال مظاهرة في مرسيليا جنوب فرنسا (أ.ف.ب)
متظاهرون خلال مظاهرة في مرسيليا جنوب فرنسا (أ.ف.ب)
TT

الإضراب العام في فرنسا يفاقم الضغوط على الحكومة

متظاهرون خلال مظاهرة في مرسيليا جنوب فرنسا (أ.ف.ب)
متظاهرون خلال مظاهرة في مرسيليا جنوب فرنسا (أ.ف.ب)

تنظر السلطات الفرنسية السياسية والأمنية والاقتصادية بكثير من القلق إلى التطورات المرتقبة اليوم، بسبب الإضراب الذي دعت إليه أربعة من النقابات، على رأسها «الاتحاد العام للشغل»، القريب من الحزب الشيوعي، و«القوة العاملة» الأقل جذرية، التي انضمت إليها اتحادات للطلاب والتلامذة ومجموعات قطاعية، وكلها ترفع الشعار نفسه: مطالبة برفع الأجور من جهة، والاحتجاج على سياسة الحكومة وإجراءاتها لوضع حد لإضراب العاملين في المصافي النفطية من جهة أخرى. ويتأرجح الموقف الرسمي بين الرغبة في إظهار التشدد، والإعراب عن «تفهم» المطالب، وهو ما يظهر بين تصريحات وزير الاقتصاد برونو لو مير أمس، وتصريحات وزير الداخلية جيرالد درامانان اليوم. الأول، يدعو إلى إظهار الحزم خصوصاً في التعامل مع المضربين الذين يشلون إلى حد ما الحركة في قطاع التكرير، وما له من انعكاسات على الحياة اليومية للمواطنين، وعلى دورة العمل، وحجته أن مفاوضات حصلت بين إدارة شركة «توتال أنيرجي» أفضت إلى اتفاق يمنح بموجبه العاملون في المصافي علاوة من 10 في المائة.
لكن الاتحاد العام رفض الاتفاق، لأنه لا يرقى إلى مطالبته بعلاوة من 10 في المائة وواصل الإضراب. والثاني يرى أن هناك حقيقة مشكلة مرتبات بسبب غلاء المعيشة الذي ضرب مستويات قياسية في فرنسا، كما في بقية البلدان الأوروبية، خصوصاً فيما خص الكهرباء ومشتقات الطاقة والمواد الغذائية والخدمات... وأسفر الاجتماع الذي رأسه الرئيس إيمانويل ماكرون، أمس، في قصر الإليزيه، بحضور رئيسة الحكومة والوزراء المعنيين عن قرار بتسريع العمل على إعادة تزويد محطات الوقود بأسرع وقت ممكن، والتوسع في إجبار مجموعة من الموظفين، خصوصاً في مستودعات الطاقة، على العودة لممارسة أعمالهم للخروج من هذه الأزمة، التي انطلقت قبل ثلاثة أسابيع. وقال ماكرون، أمس، «سنواصل بذل قصارى جهدنا»، مضيفاً أنه يريد حل هذه الأزمة «في أسرع وقت ممكن»، ومؤكداً أنه يقف «إلى جانب جميع مواطنينا الذين يكافحون والذين سئموا هذا الوضع».
حقيقة الأمر أن الوضع الاجتماعي في فرنسا يغلي، والأسباب عديدة، وتتخوف السلطات، رغم الإجراءات التي اتخذتها، من أن تتراكم المطالب وتتداخل، بحيث تفضي إلى نقمة واسعة. فالغلاء المستشري يصيب الطبقات الأكثر هشاشة التي ترى أن ما تكسبه من عملها لم يعد كافياً لتلبية الاحتياجات الأساسية. وجاء التضخم ليزيد الناس إفقاراً. فمن جهة، يضرب قدراتهم الشرائية، ومن جهة ثانية يطيح بمدخرات أعمارهم إذ يفقدها قيمتها. يضاف إلى ذلك القلق من المستقبل، ومن الخوف من مشاريع حكومية مثل رفع سن التقاعد، وخفض المساعدات الاجتماعية للعاطلين عن العمل.
وبموازاة الحراك الاجتماعي، تواجه الحكومة صعوبة في إقرار ميزانية عام 2023 بسبب افتقادها للأكثرية المطلقة في البرلمان، واضطرارها للمساومة مع نواب اليمين الكلاسيكي، فيما اليسار الذي يتمتع بـ150 مقعداً، واليمين المتطرف بـ89 مقعداً، يستفيدان من كل المناسبات من أجل مهاجمة الحكومة، وانتقاد سياساتها التي يرونها غير عادلة. من هنا، فإن الناطق باسم الحكومة الوزير أوليفه فيران، أعلن اليوم أنه لا يستبعد أن تلجأ رئيسة الحكومة إلى ربط الموافقة على الميزانية بطرح الثقة بالحكومة. وفي حال لم تحصل على الأكثرية، فإن الحكومة تسقط، وهو ما لا يريده الكثيرون، خصوصاً اليمين واليمني المتطرف، ما سيمكن من النفاذ بالميزانية.
بعد ظهر اليوم، تنطلق المظاهرات في باريس والمدن الكبرى. وتراهن النقابات على تعبئة كبرى، وعلى أن يعم الإضراب كافة القطاعات العامة والخاصة. بيد أن القطاعات الأكثر تأثراً ستكون بالدرجة الأولى قطاع النقل بالسكك الحديد والنقل العام في باريس ومحيطها التي ينتظر أن تتسبب بالازدحامات التقليدية. ويتخوف المواطنون من تواصل الدعوات إلى الإضراب في الأيام القليلة المقبلة، مع اقتراب الفرص المدرسية، حيث يزداد الضغط على شركة السكك الحديدية. وبعد المسيرة الكبرى التي نظمتها قوى اليسار، الأحد الماضي، في العاصمة، والعديد من المدن الكبرى احتجاجاً على «غلاء المعيشة»، وقبلها إضراب العاملين في المصافي، فإن إضراب اليوم الذي يراد أن يكون شاملاً كافة القطاعات العامة والخاصة سيزيد المناخ العام سخونة، ويفاقم الضغوط على الحكومة للتحرك، خصوصاً لمنع تطور الحركة المطلبية بشكل واسع.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


بايدن يزور أفريقيا للترويج لمشروع ينافس نفوذ الصين

TT

بايدن يزور أفريقيا للترويج لمشروع ينافس نفوذ الصين

الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأنغولي جواو لورنكو بالبيت الأبيض في 30 نوفمبر 2023 (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأنغولي جواو لورنكو بالبيت الأبيض في 30 نوفمبر 2023 (رويترز)

يفي جو بايدن قبل انتهاء ولايته بوعد قطعه بزيارة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال فترة رئاسته، عبر التوجه هذا الأسبوع إلى أنغولا في زيارة تهدف إلى تأكيد الطموحات الأميركية في هذه القارة بمواجهة الاستثمارات الصينية الزائدة. ويصل الرئيس الأميركي المنتهية ولايته إلى لواندا، الاثنين، في زيارة تستمر حتى الأربعاء، قبل أن يخلفه دونالد ترمب في البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني). وكان من المقرر أن يقوم الرئيس الديمقراطي، البالغ عمره 82 عاماً، بهذه الزيارة في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنه اضطر إلى إلغائها بسبب إعصار ضرب ولاية فلوريدا.

زيارة غير مسبوقة

وستكون هذه أول زيارة لرئيس أميركي إلى البلد النفطي المطل على المحيط الأطلسي. وقال مسؤول أميركي كبير، في حديث مع صحافيين إن «هذه الخطوة ليست متأخرة ولا من دون مغزى»، مضيفاً: «أعتقد بأنه بعدما بقينا سنوات خارج اللعبة، أعادنا الرئيس بايدن إليها». وسيبحث بايدن في لواندا استثمارات أميركية مختلفة في المنطقة، بدءاً بمشروع ضخم للسكك الحديدية يُعرف بـ«ممر لوبيتو»، يربط ميناء لوبيتو الأنغولي بجمهورية الكونغو الديمقراطية، مع خط يتفرع عنه ويصل إلى زامبيا. والمشروع الممتد على مسافة 1300 كيلومتر، ويُنفذ بتمويل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سيشكل رابطاً استراتيجياً بين الميناء ومناجم الكوبالت والنحاس المعدنين الأساسيين لصنع منتجات التكنولوجيا المتطورة، ولا سيما بطاريات الجوالات الذكية، ويصفه بايدن بـ«أكبر استثمار أميركي في السكك الحديدية في أفريقيا على الإطلاق». وسيلتقي بايدن رئيس أنغولا جواو لورنكو، ويلقي كلمة يتناول فيها الصحة العامة والزراعة والتعاون العسكري، والحفاظ على الإرث الثقافي. وقال هيتور كارفالو، الخبير الاقتصادي في جامعة «لوسيادا» في لواندا، إنه «رغم أن الرئيس بايدن شارف على الخروج من البيت الأبيض، فإنه سيمثل الولايات المتحدة بكل ما لديها من وزن جيو - سياسي وجيو - اقتصادي»، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية».

وحضت منظمات حقوقية بايدن على طرح مسألة سجل أنغولا على صعيد حقوق الإنسان خلال زيارته. وقد أفادت منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته مؤخراً، بأن الشرطة الأنغولية «قتلت ما لا يقل عن 17 متظاهراً، بينهم قاصر في سياق حملة القمع» التي تمارسها ضد المعارضة. كما حضت «منظمة العفو» بايدن على أن يطلب من حكومة أنغولا «الإفراج فوراً عن خمسة معارضين معتقلين بصورة اعتباطية منذ أكثر من سنة». وقال المسؤول الأميركي بهذا الصدد إن بايدن «لم يتهرب يوماً من تناول التحديات المطروحة على الديمقراطية، ومن التزامه حيال الديمقراطية».

نفوذ الصين

يسعى بايدن لتأكيد الطموحات الأميركية في أفريقيا بوجه النفوذ الصيني المتنامي. وقال المسؤول للصحافيين إن الحكومات الأفريقية تبحث عن بديل للاستثمارات الصينية، في ظل ما تتضمنه من عواقب، ولا سيما «العيش في ظل ديون فادحة لأجيال». ويبلغ دين أنغولا تجاه الصين 17 مليار دولار، ما يشكل نحو 40 في المائة من إجمالي ديون البلد.

ويبدو أن لورنكو أيضاً يسعى لتنويع شراكات بلاده خارج الصين وروسيا. وفي هذا السياق، صوتت أنغولا في 2022 لصالح قرار في الأمم المتحدة يندد بالغزو الروسي لأوكرانيا. وعلقت سيزالتينا أبرو، عالمة الاجتماع في جامعة «أنغولا الكاثوليكية»، أن زيارة بايدن تُشكل بالتأكيد بالنسبة لرئيس أنغولا «تحقيقاً لحلمه بأن يكون هو من جاء بأول رئيس أميركي إلى أنغولا». لكن من غير المعروف إن كانت الاستثمارات الأميركية في أفريقيا ستستمر في عهد ترمب. وقالت أبرو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إن أبدى ترمب اهتماماً بأفريقيا وأنغولا مماثلاً لما أبداه في ولايته الأولى، فستشهد البرامج التي أطلقها بايدن انتكاسة». لكن أليكس فاينز، الباحث في معهد «تشاتام هاوس»، أكد أن على الرئيس المنتخب أن يتنبه إلى أن «أمام أنغولا ودول أخرى مثلها، شركاء كثر يمكنها الاختيار بينهم، في عالم يشهد منافسة زائدة من أجل الوصول إلى موارد أفريقيا الحيوية».