الأرز... لماذا يثير جدلاً حاداً في مصر؟

مستهلكون يتحدثون عن «ندرة»... والحكومة تعتبرها «مفتعلة»

جانب من عمليات تجميع القش عقب حصاد الأرز بالشرقية (الشرق الأوسط)
جانب من عمليات تجميع القش عقب حصاد الأرز بالشرقية (الشرق الأوسط)
TT

الأرز... لماذا يثير جدلاً حاداً في مصر؟

جانب من عمليات تجميع القش عقب حصاد الأرز بالشرقية (الشرق الأوسط)
جانب من عمليات تجميع القش عقب حصاد الأرز بالشرقية (الشرق الأوسط)

انشغل المصريون خلال الساعات الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بسؤال واحد: أين ذهب الأرز؟. وبين إجابات ساخطة وأخرى تنفي وجود أزمة، تحولت الحبة البيضاء إلى قضية ساخنة، ما دفع الحكومة المصرية إلى التدخل على الخط للتوضيح وإخماد الأزمة قبل اشتعالها.
البداية جاءت إثر صعوبات واجهها مواطنون في الحصول على الأرز من الأسواق، لينتقل السجال بعدها على صفحات «السوشيال ميديا»، ويتلقفه المتابعون، وسط تأكيد على خلو السوق من أكياس الأرز، الذي يعد غذاءً أساسيًا لدى الشعب المصري. وقد جاءت المنشورات التي تزعم اختفاء الأرز في الوقت، الذي أعلن فيه وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، فتح باب التقدم لجميع مضارب القطاع الخاص للاشتراك، والعمل ضمن منظومة توريد الأرز لموسم 2022، ما يعكس توفر المحصول ويثير تساؤلات حول الدافع وراء نقص الأرز في الأسواق.
كما تدخلت وزارة التموين على الخط، إذ قال المهندس عبد المنعم خليل، رئيس قطاع التجارة الداخلية بالوزارة، إن الأرز «سلعة استراتيجية، والدولة تدخلت لضمان توفرها»، وبرر ما يحدث في مداخلة لبرنامج «كلمة أخيرة» قائلا: «لا نعاني نقصا في الأرز، وما يحدث هو نتيجة سلوك تجار بغية رفع الأسعار». موجها تحذيرا لتجار التجزئة والشركات المنتجة للأرز بأن «الوزارة ستلاحقهم، كما أن التخزين لن ينفع بأي شيء لأن الأرز له مدة صلاحية محددة».
من جانبه، نفى حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، صحة ما تم تداوله عن نقص في محصول الأرز في مصر، وقال لـ «الشرق الأوسط» إن «ما نتابعه الآن ما هو إلا أزمة مفتعلة، سببها سلوك تجار التجزئة، فبعضهم توجه إلى تخزين الأرز، ظنًا منه أن سعره سيرتفع في الأيام المقبلة، غير أن المحصول هذا العام قادر على تغطية الاستهلاك المحلي». موضحا أن إجمالي الأراضي المزروعة بأرز الشعير «يبلغ نحو 1.5 مليون فدان، ‏تنتج نحو 5.5 إلى 6 مليون طن أرز شعير، ما يوفر 3.5 مليون طن أرز أبيض للأسواق، غير أن أزمة نقص المواد الغذائية الأخرى، التي تشهدها الأسواق على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية، مثل القمح، سببت مزيدا من الاعتماد على الأرز بمعدل لا يسبب احتقان السوق على الإطلاق».
وكانت وزارة التموين قد ألزمت مزارعي الأرز بتوريد طن من الأرز الشعير لصالح الوزارة (نحو ربع المحصول) بسعر 6800 جنيه مصري، مقابل بيعه للتجار بنحو 8000 جنيه أو نحو ذلك، وهو ما تسبب في تذمر بعض المزارعين، وهو ما جعل البعض يعتبر أن هذه الأزمة رمت بظلالها على مدى توفر المنتج في الأسواق. غير أن نقيب الفلاحين علق على ذلك بالقول إن «غضب بعض المزارعين من هذا القرار لا مبرر له، لأنهم يحصلون على كثير من الدعم من قبل الحكومة، التي تمنحهم امتيازات تتعلق بتوفير المياه الضرورية لهذا النوع من الزراعات العطشة للماء، من ثم، هناك مسؤولية تقع على عاتق الفلاح تجاه تأمين السوق».
ويختلف الدكتور نادر نور الدين، الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة ومستشار وزير التموين الأسبق، مع الرأي المذكور أعلاه، ويرى أن اتجاه وزارة التموين لتأمين احتياجاتها من الأرز من خلال إجبار المزارع على بيع نحو 25 بالمائة من المحصول لصالح الوزارة بسعر أقل مما يعرضه التجار هو أحد أسباب الأزمة الحالية، وقال لـ«الشرق الأوسط» «يؤخذ على التموين أمران: الأول شراء جزء من محصول الأرز بسعر أقل من السوق من جانب، وعلى الجانب الآخر الاتجاه نحو تسعير الأرز دون وضع معايير للتعبئة، ظنًا أن هذه الخطوة من شأنها ضبط السوق، بينما الواقع يكشف عكس ذلك، لأن بعض التجار قاموا بتعبئة الأرز درجة ثالثة، وبيعه باعتباره درجة أولى، ما انعكس على السوق وسبب مزيدا من الاختناق والضغوط على المواطن».
ووصف مستشار وزير التموين الأسبق اختفاء الأرز من الأسواق بأنها أزمة مفتعلة، وقال إن «الأزمة ليست وليدة اليوم، بل هو اتجاه سلكه بعض التجار منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، فمع ارتفاع أسعار القمح عالميًا، حرك التجار سعر الأرز، رغم أنه منتج محلي، بدعوة إلى مزيد من الاعتماد عليه، غير أنه سلوك هدفه ربحي فقط». مؤكدا أن مصر لا تعاني أزمة في محاصيل الأرز، ولا أزمة مياه كما يدعي البعض.
يُذكر أن شهر سبتمبر (أيلول) الماضي شهد أعلى معدلات للتضخم خلال الأربع سنوات الماضية، وحسب خبراء مصرفيين تحدثوا لصحف مصرية محلية، فإن معدل التضخم تجاوز حاجز 15 في المائة خلال شهر سبتمبر 2022، مقارنة بمعدل 14.6 في المائة خلال أغسطس (آب)، ويتوقع أن يواصل مساره التصاعدي، ما ينعكس على أسعار السلع الغذائية حتميًا.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
TT

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

استعادت قوات الجيش السوداني، السبت، مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في جنوب شرقي البلاد، ما يسهل على الجيش السيطرة على كامل الولاية. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، مئات الأشخاص يخرجون إلى الشوارع احتفالاً باستعادة المدينة التي ظلت لأكثر من 5 أشهر تحت سيطرة «قوات الدعم السريع».

وقال مكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش، في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى دخلت رئاسة الفرقة 17 مشاة بمدينة سنجة». ولم يصدر أي تعليق من «قوات الدعم السريع» التي كانت استولت في مطلع يوليو (حزيران) الماضي، على مقر «الفرقة 17 مشاة» في مدينة سنجة بعد انسحاب قوات الجيش منها دون خوض أي معارك. ونشر الجيش السوداني مقاطع فيديو تظهر عناصره برتب مختلفة أمام مقر الفرقة العسكرية الرئيسة.

بدوره، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الثقافة والإعلام، خالد الأعيسر، عودة مدينة سنجة إلى سيطرة الجيش. وقال في منشور على صفحته في «فيسبوك»، نقلته وكالة أنباء السودان الرسمية، إن «العدالة والمحاسبة مقبلتان وستطولان كل من أسهم في جرائم، وستتم معاقبة المجرمين بما يتناسب مع أفعالهم».

وأضاف أن «الشعب السوداني وقواته على موعد مع تحقيق مزيد من الانتصارات التي ستعيد للبلاد أمنها واستقرارها، وتطهرها من الفتن التي زرعها المتمردون والعملاء ومن يقف خلفهم من دول وأطراف متورطة».

وفي وقت سابق، تحدث شهود عيان عن تقدم لقوات الجيش خلال الأيام الماضية في أكثر من محور صوب المدينة، بعد أن استعادت مدينتي الدندر والسوكي الشهر الماضي، إثر انسحاب «قوات الدعم السريع». وقال سكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، إن قوات الجيش وعناصر المقاومة الشعبية انتشروا بكثافة في شوارع سنجة، وإنهم فرحون بذلك الانتصار.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (أرشيفية - مواقع التواصل)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خاض الجيش معارك ضارية ضد «قوات الدعم السريع»، نجح من خلالها في استعادة السيطرة على منطقة «جبل موية» ذات الموقع الاستراتيجي التي تربط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض. وبفقدان سنجة تكون «قوات الدعم السريع» قد خسرت أكثر من 80 في المائة من سيطرتها على ولاية سنار الاستراتيجية، حيث تتركز بقية قواتها في بعض البلدات الصغيرة.

يذكر أن ولاية سنار المتاخمة لولاية الجزيرة في وسط البلاد، لا تزال تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، التي تسيطر أيضاً على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم ومنطقة غرب دارفور الشاسعة، إضافة إلى جزء كبير من ولاية كردفان في جنوب البلاد.

ووفقاً للأمم المتحدة نزح أكثر من نحو 200 ألف من سكان ولاية سنار بعد اجتياحها من قبل «قوات الدعم السريع».

واندلعت الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بعد خلاف حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للانتقال إلى حكم مدني، وبدأ الصراع في العاصمة الخرطوم وامتد سريعاً إلى مناطق أخرى. وأدى الصراع إلى انتشار الجوع في أنحاء البلاد وتسبب في أزمة نزوح ضخمة، كما أشعل موجات من العنف العرقي في أنحاء البلاد.