بدايات الممثلة اللبنانية ميا علاوي كانت «كومبارس» في فيلم من بطولة هيفاء وهبي. مرّت أمامها النجمة الجميلة ورمتها بنظرة لا تجيد نسيانها. «يومها قالت لي، اسم الله ما أحلاكِ؛ ومنذ تلك اللحظة، رحتُ أرى نفسي بغير مرايا»، تُخبر «الشرق الأوسط». عشقُها للتمثيل جعلها تفقد الأمل بقدوم الفرص. فهي، بلسانها، ليست مستعدة لتقبيل يد توصلها إلى الضوء. في مجموعة إعلانات، شعرت بوجودها أمام الكاميرا. إيمانُ المخرج مازن فياض بها، وضعها على سكة انتظرتها منذ 15 عاماً.
لفته فيديو نشرته في حسابها عبر «إنستغرام» عن تقلّب الوجوه. فراسلها لـ«كاستينغ» مسلسل «اعترافات فاشنيستا» (عرضته «إم بي سي 4» و«شاهد» قبل أشهر). يكاد المرء يصاب باليأس لفرط انتظار ما يتأخر، فيدع الإلحاح جانباً علّ روعه يهدأ. لحظة وضعت الحلم على الرف، أتاها تحقيقه من حيث لم تحتسب. بدل الشخصية، اثنتان، فأدّت في المسلسل وجهي الخير والشر.
بشعر غير مصفف ومن دون مكياج، ذهبت إلى تجربة الأداء: «أردتُ أن يلمحوا الكاركتير في داخلي، لا ما يراه الجميع في شكلي. كنت على طبيعتي. رأى المخرج في ملامحي الشخصية المطلوبة، فمنحني فرصة جدّية من دون مصلحة. نلت دوري الأول بما أختزنه، لا بما أُظهره، وقطفت ما هو أبعد من الوجه».
ميا علاوي من أم سريلانكية الجنسية، لم تنجُ من التنمر وقبح العنصرية. ليست لأنها سمراء البشرة فحسب، بل لنظرة فوقية لبنانية ترى المرأة السريلانكية «وضيعة» وتُلحقها حكماً بخدمات المنزل. حتى إن النظرة المتعالية نفسها تُطلق على أي عاملة تنظيف من أي جنسية لقب «السريلانكية» كدلالة إلى مهنة، لا إلى أرض تفد منها عاملات يرتّبن فوضى الأيام. لم يكن مديح هيفاء وهبي لجمالها أن يُعلّم لولا مصادقة الوجع منذ الصغر. «قلتُ نعم أنا جميلة لكن جمالي لن يُسبب وصولي».
تدين للألسنة الشريرة وقسوة النظرات بصلابة شخصيتها: «علمني المتنمرون المواجهة والتصدي لمحاولات استغلالي. تولد الصرامة من أفظع التجارب. اكتسبتها مع الوقت للدفاع عن نفسي». واكتسبت زوجاً هو مدرّب التمثيل ألان سعادة، رافقها في خطوات «اعترافات فاشنيستا» واليوم يرافقها في رحلة العمر: «نعيش حالات نفسية دائمة، فنفهمها ونوظفها فنياً».
استوقفت إطلالتها في برنامج رابعة الزيات (الجديد)، لمى الصبّاح، فجرى التواصل. أُعجبت ابنة المنتج صادق الصبّاح بامرأة تهزّ الوجدان بعبرة: «لا يهم لون البشرة ولا تهم الجنسية. ضع هدفاً أمامك وستصل. تشبّث بالأمل». من إرادة مشتركة للإنجاز والتحدي، التحقت علاوي بشركة «الصبّاح أخوان» بشخصية ميسا في مسلسل «من إلى»، المعروض أخيراً على «شاهد»، بطولة قصي خولي. شرطية لها كاريزما خاصة، مجتهدة وعنيدة.
العين على مشروع أضخم، تأمل علاوي في الاتفاق مع «الصبّاح» لتنفيذه: مسلسلها «بنت السريلانكية»، من كتابتها وبطولتها. إنه عمل من أعمدة نارها، و«من جحيم بسبع طبقات»، تذكر المعاناة بغصّة. «به أروي قصة حياتي من وجهة نظري». لكن، أليس من المبكر على ابنة الـ31 عاماً كتابة قصتها؟ لا تفكر قبل الجواب: «ما عشته يحتمل مسلسلاً من ثلاثة أجزاء. من أين أبدأ الكلام؟ من أين أتوقف؟ وكيف يصر المرء على النهوض من الدمار؟ أسئلة مُعذّبة».
التجربة لناسها لكنّ الدروس للجميع، فترفض ميا علاوي حديثاً يرتطم بالشفقة. الشابة مُلهمة بإصرارها على الاعتراف بجمال الحياة وإيمانها بالحب والعدالة. أي تفاصيل شخصية تُحوّل السياق عن الهدف. والهدف تشارك تجارب إنسانية تُضاعف الحمد وترتقي بالنفس.
نسألها عن المشروع المقبل وخطط المستقبل، فيأتي الرد: «لم يعد يهمني التخطيط، ولا التقدم كل يوم. ما يعنيني هو الإصرار والأمل».
تشرح ميا علاوي القصد: «لطالما كنت ملتزمة في الدراسة والعمل. كنت في قبضة السيستم قبل تغيير زوايا رؤيتي للحياة. لم أملك مالاً وسيارة باهظة، فكنتُ أتساءل إن زادت أموالي هل سأحافظ على الشغف؟ هل سيظل لدي ما أحلم به؟ هل سأكون أنا نفسي، أم سيصبح المال هو الهدف؟ طموحي التمثيل، وسأنطلق في اتجاهه انطلاقة صاروخية».
قد يُلمح في الحديث نَفس غرور، فتصحح: «بل إنها الغصة. أتكلم من حرقة». للمرة الأولى، تصوّب النظر نحو الهدف الكبير، لا المخططات الصغيرة: «سأفعلها. سأجتهد ولن أحدّ نفسي».
إنه الداخل وهو يبلغ النضج، فلا يعود يكترث للواجب والمفروض. تفرد جناحيها في السماء فيحملانها إلى حيث تستحق بالجدارة أن تكون.
اجتياز هذه المراحل لا تقوده أقدام من هناء، بل تلك النازفة بعد رحلة الشوك. تحلم ميا علاوي بالطيران، لا ليراها الجميع في المكان العالي، إنما لتكفّ عن القول: «أنا هنا، أنا موجودة، لماذا لا تروني؟».
حين فعلت ذلك ولم تلقَ استجابة، تعلمت أن بعض الخطط لا يسير كالمكتوب على الورق. تفك القيود وتقول للنفس: «هيا».
تتقلّص نظرات عنصرية تطاردها من ماضيها إلى حاضرها، من دون أن تنعدم. إدانة لجنسية أمها، ثمة مَن يستخف: «بنت السريلانكية مفكرة حالها رح توصل». بدورين فرضت موهبتها وستنجح.
ميا علاوي: سأحلّق في التمثيل كصاروخ
الممثلة اللبنانية تكتب «بنت السريلانكية» من جحيم ماضيها
ميا علاوي: سأحلّق في التمثيل كصاروخ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة