مفارقات فبركة النصر في أوكرانيا

صورة لدبابة روسية محترقة التقطت في خاركيف الأحد (أ.ب.أ)
صورة لدبابة روسية محترقة التقطت في خاركيف الأحد (أ.ب.أ)
TT

مفارقات فبركة النصر في أوكرانيا

صورة لدبابة روسية محترقة التقطت في خاركيف الأحد (أ.ب.أ)
صورة لدبابة روسية محترقة التقطت في خاركيف الأحد (أ.ب.أ)

يقول ميشال إلتشانينوف في كتابه «داخل عقل بوتين»، إن جدّ بوتين كان يطهو لفلاديمير لينين، ومن بعده جوزف ستالين، لكنّ هذا لا يؤشّر أبداً إلى رأيه السياسي. يتابع الكاتب ليقول إن بوتين نفسه لم يؤمن يوماً بالشيوعيّة، فهي نتاج ألماني، صُدّرت إلى روسيا، حتى إن المجتمعات في عقل بوتين لا يمكن لها أن تكون أبداً كما بشّرت بها الشيوعية، أي مجتمعات دون طبقات.
ويرى الكاتب أن روسيا مجتمع عسكري بامتياز، مع ثقافة عسكريّة متأصلة في جينات الشعب الروسيّ. فخلال الحرب الباردة مثلاً، كانت روسيا دولة عسكريّة، والكلّ يعمل من أجل الجيش. وكان للجيش دولة بدل أن يكون للدولة جيشاً، إذ إن 70 في المائة من ميزانيّة الاتحاد السوفياتي كانت مخصصة للمجهود العسكريّ.
لم يحارب بوتين في أي حرب، لكنه بالتأكيد خاض معارك وحروباً متعدّدة، تبدأ من الشيشان، وهي اليوم في أوكرانيا، وذلك مروراً بجورجيا وسوريا. لكن الأخطر على روسيا وبوتين هي هذه الحرب التي تخاض في محيط روسيا المباشر.
يرى بوتين أن العالم الغربي لم يحفظ لروسيا الجميل. فروسيا هي التي قاتلت النازيّة، وهي التي دفعت ملايين الشهداء، وذلك من حصار لينينغراد وحتى ستالينغراد، مروراً بمعارك متفرّقة ومُكلفة، أهمّها في خاركيف عام 1943، وهو الإقليم الذي استردته أوكرانيا من الجيش الروسي مؤخراً.

- فبركة النصر
إن أكثر ما يميّز خطاب «الضمّ» الأخير لبوتين هو ذلك الكره للغرب، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركيّة. فقد وصفها بالاستعماريّة، وهو محقّ في ذلك. لكن الاستعمار الأميركي له صفات مختلفة عن الاستعمار الفرنسي أو الإنجليزي. غير أن الرئيس بوتين نسي أن يذكر الاستعمار الروسيّ، المتميّز عن الاستعمار الغربي بأنه استعمار داخلي للشعوب والأقليات، كما أنه استعمار دول المحيط المباشر لروسيا، خصوصاً في الحقبة السوفياتيّة.
وإذا كانت القوّة البحريّة هي الوسيلة الأهم للغرب لاستعمار العالم، فإن الاستعمار الروسي ارتكز على مثلثّ ذهبي يقوم على: الجندي، ورجل الأعمال، والكاهن. الجندي للقتال والإخضاع، ورجل الأعمال للربط الاقتصاديّ. أما الكاهن فهو لنشر العقيدة المسيحية الأرثوذكسية. يكره بوتين الغرب، لكنّ روسيا لا تنظر إلا إلى الغرب. هكذا يقول التاريخ، من إيفان الرهيب إلى بطرس الأكبر وكاترين الكبرى، وكذلك القيادات السوفياتيّة، خصوصاً ستالين. ألا ينظر اليوم الرئيس بوتين نفسه في حربه على أوكرانيا إلى الغرب؟
يسعى الرئيس بوتين عبر الضمّ إلى فرض لعبة جديدة، مع قواعد جديدة يكون هو فيها اللاعب الأقدر، خصوصاً أن اللعبة القديمة بعد تحرير الجيش الأوكراني لإقليم خاركيف لم تعطه إلا دور ردّة الفعل. فالاندفاعة وزمام المبادرة هما بيد زيلينسكي.

- ما مفارقات قرار الضمّ؟
• بدل أن يحتلّ الرئيس بوتين الأقاليم في أوكرانيا، فإن قرار الضمّ يغيّر المعادلات والأطر. فمع قرار الضمّ، أصبح الجيش الروسي مُحرّراً لأرض محتلّة من أوكرانيا.
• بعد قرار الضمّ، أصبحت الأقاليم الأربعة أرضاً روسيّة، وهذا أمر يضعها تحت حماية المظلة النوويّة الروسيّة. من هنا تهديد الرئيس بوتين باستخدام النوويّ، والتذكير بأن تهديده ليس خدعة هذه المرّة. فهل كان خدعة في المرّات السابقة؟

- الوضع الميداني
من يسمع خطاب الرئيس بوتين يستنتج أن البُعدين العسكري والسياسي في استراتيجيّة بوتين الكبرى غير متطابقين. فالحرب هي السياسة لكن بوسائل أخرى. إذاً، لا بد من التجانس بينهما في فترة، والتمايز في فترات أخرى (السياسة، الحرب). فهما يأكلان بعضهما من بعض، إذ كلما حقّقت الحرب إنجازاً، تتدخّل السياسة لقياس النجاح وتقدير الكلفة، ومن ثمّ المقارنة مع الأهداف السياسيّة العليا، وذلك لإيقاف الحرب والانتقال إلى البُعد الدبلوماسي لشرعنه النصر في حال تحققت هذه الأهداف، أو تعديل الاستراتيجيّة في حال الفشل العسكريّ.
في الخطاب يقول الرئيس بوتين إن الضم هو قرار نهائي لا رجوع عنه. وبهذا يكون قد أغلق الباب الدبلوماسي لأي حلّ سياسيّ. أليست السياسة هي فن الممكن، حسب المستشار الألماني الراحل أوتو فون بسمارك؟
وإذا أراد الرئيس بوتين كلّ شيء، فقد لا يصل في النهاية إلى تحقيق أي شيء.
حقّقت القوات الأوكرانيّة إنجازاً عسكريّاً تزامن مع خطاب الرئيس بوتين الأخير، عبر استرداد مدينة ليمان. وهي حسب قرار الضمّ تعد أرضاً روسيّة. إذاً، هناك هجوم على وحدة الأرض الروسيّة. فكيف سيكون الردّ؟
اقترح الزعيم الشيشاني رمضان قديروف على الرئيس بوتين استعمال النووي التكتيكي في أوكرانيا. وهذا أمر يناقض المبدأ العسكري الذي يقول بتناسب قيمة الهدف مع الوسائل المستعملة. فسقوط مدينة ليمان لا يُقارن مطلقاً بحجم تأثير وتداعيات استعمال النووي على المسرح الأوكراني والأوروبيّ، كما العالميّ.
إذاً، متى يستعمل الرئيس بوتين النوويّ؟
يقول بعض الخبراء إن قرار استعمال النووي هو من ضمن منظومة روسيّة لعمليّة اتخاذ القرار. وتقوم هذه المنظومة على قرار من بوتين، وموافقة من كلٍّ من وزير الدفاع ورئيس الأركان. أيضاً إن الاستعمال لا يحصل في فراغ. فالولايات المتحدة وجّهت رسائل تحذير سرّيّة مؤخراً إلى الرئيس بوتين. كما أن استعمال النووي في أوكرانيا له تداعيات سلبيّة جدّاً على الداخل الروسيّ. أليست أوكرانيا وروسيا حسب الرئيس بوتين شعباً واحداً منذ أكثر من ألف سنة؟ هذا عدا التأثير الإشعاعي السلبي على الأرض الروسيّة، كما على الجيش الروسي الذي يقاتل في أوكرانيا (وهو حتماً غير مُجهّز لحرب نوويّة).
فهل انهيار الجيش الروسي في الأقاليم الأربعة وفي شبه جزيرة القرم، بطريقة دراماتيكيّة ومُذلّة، قد يؤدّي إلى استعمال النوويّ؟
بعض الأسئلة حول سقوط مدينة ليمان:
• كيف تسقط المدينة وفيها 5000 جندي روسي؟ فهم يدافعون، وعلى المهاجم أن يؤمّن بالحدّ الأدنى 3 أضعاف عدد المُدافع، أي 15 ألف جندي. فهل قاتل الجيش الأوكراني بهذا العدد؟ لا أعتقد.
• أين الطيران الروسيّ، وأين المدفعيّة الروسية، التي قال عنها مرّة الزعيم جوزف ستالين، إنها إلهة المعركة؟
ماذا بعد؟
لا أستذكر كردٍّ على هذا السؤال سوى ما قاله مرة ونستون تشرشل عن روسيا: «لا أستطيع أن أنبئكم بأفعال روسيا. إنها لغز مغلف بالسر داخل أحجية. لكن قد يكون هناك مفتاح. هذا المفتاح هو مصالح روسيا القومية».


مقالات ذات صلة

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
TT

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)

ضرب الإعصار «شيدو» صباح اليوم السبت أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي حيث أُعلنت حالة التأهب القصوى مع توقع اشتداد الرياح المصاحبة له والتي تجاوزت سرعتها 180 كيلومترا في الساعة.

وضرب الإعصار جزيرة بوتيت تير في شرق الأرخبيل حيث يخشى أن تصل سرعة الرياح «إلى 200 و230 كلم/ساعة»، بحسب آخر نشرة للأرصاد الجوية الفرنسية، متوقعة رياحا مدمرة أشد من تلك التي صاحبت الإعصار «كاميسي» عام 1984.

وتسببت الرياح بانقطاع الكهرباء مع سقوط أعمدة كهرباء واقتلاع أشجار وتطاير أسقف منازل مصنوعة من الصفيح.

غيوم في سماء مايوت (أ.ف.ب)

وفي مدينة أوانغاني، قال رئيس البلدية يوسف أمبدي إنه يخشى «الأسوأ... لا يمكننا الخروج ولكن ما نشاهده يفوق الوصف».

ومنذ الصباح الباكر، أصدرت السلطات تحذيرا أرجوانيا وهو ما يعني لزوم جميع السكان منازلهم وعدم الخروج بما يشمل أجهزة الطوارئ والأمن وجميع عناصر الإنقاذ.

وقالت فاطمة التي تعيش في ماجيكافو-كوروبا وما زالت تذكر الإعصار الذي ضرب جزر القمر المجاورة عندما كانت طفلة «نحن خائفون جدا».

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية أمطارا شديدة الغزارة مع خطر تشكل السيول والفيضانات وارتفاع أمواج البحر التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الساحل.

وحُظرت حركة المرور على الطرق العامة في جزيرتي غراند تير وبوتيت تير، وأغلق مطار دزاوودزي منذ مساء الجمعة.

ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية الفرنسية تحسنا في الأحوال الجوية خلال اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.