عودة رئيس وزراء البشير إلى السودان تثير جدلاً

أنصاره يعتبرونها «فتحاً» والمعارضة تعدها «محاولة لتقوية الفلول»

جانب من الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني في السودان (أ.ب)
جانب من الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني في السودان (أ.ب)
TT

عودة رئيس وزراء البشير إلى السودان تثير جدلاً

جانب من الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني في السودان (أ.ب)
جانب من الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني في السودان (أ.ب)

أثارت عودة محمد طاهر أيلا، آخر رئيس وزراء في عهد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، إلى السودان، جدلاً بين مؤيديه ومعارضيه، خصوصاً في مدينة بورتسودان على البحر الأحمر؛ حيث موطن أيلا. وفي حين أشعلت عودة أيلا مخاوف في أوساط المعارضة من عودة تيار الإسلام السياسي إلى الحكم، اعتبر أنصار البشير العودة «فتحاً جديداً» يساعدهم في تجاوز أزمة فقدانهم الحكم في أبريل (نيسان) 2019. وتراوحت المواقف من عودة الرجل المثير للجدل بين الترحيب والرفض، فمن جهة أثارت تلك العودة دهشة البعض، ومن الجهة الأخرى أثارت شكوك الآخرين، فيما رحب به الإسلاميون وأفراد «عشيرته» الذين رتبوا له مهرجان استقبال ضخم في مداخل مدينة بورتسودان الساحلية.
ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بسقوط الحكومة، قرر البشير، في فبراير (شباط) 2019 عزل رئيس وزرائه حينها معتز موسى، وعيَّن مكانه رجل شرق السودان المقرَّب منه محمد طاهر أيلا، لعلّه يفلح في مواجهة الاحتجاجات التي عمّت البلاد وهددت بسقوط النظام، لكن أيلا لم يستطع إنقاذ الموقف، وسقطت مع البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019 قبل أن تكمل شهرين. وفور سقوطها اختفى الرجل، ثم ظهر لاحقاً في العاصمة المصرية القاهرة، حيث أقام أكثر من ثلاث سنوات دون أن يُلحظ له أي نشاط سياسي لافت. وبعد اختفائه أصدرت نيابة المال العام في ولاية البحر الأحمر «أمر قبض» ضد رئيس الوزراء السابق باتهامات فساد لا تزال سارية، لكن سلطات النيابة العامة لم تقم بأي إجراءات لتنفيذ أمر القبض ضده.
واستُقبل أيلا بحشد كبير من أنصار نظام البشير وأبناء عشيرته، وهو ما أثار موجة الدهشة والتناقض في المواقف. ورحب «مؤتمر البجا»؛ وهو أكبر تنظيم سياسي في شرق البلاد، بتلك العودة.
وقال عبد الله أوبشار، الناطق الرسمي باسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن عودة أيلا مرحَّب بها كأحد أبناء الإقليم الذين تقلدوا مناصب سياسية وتنفيذية كبيرة؛ لأن «الرجل له داعمون ومعجبون كُثر، لذلك قُوبل بحشد كبير. ونأمل أن تشهد الفترة المقبلة تجاوز الخلافات السابقة والوصول لرؤية توافقية تحل كل القضايا التي كانت سبباً في التراجع المريع خلال السنوات الثلاث الماضية».
ودعا أوبشار إلى ما سماه «التسامي فوق الجراح»، وتقديم كل الأفراد الذين ارتكبوا جرائم وأخطاء، للعدالة، قائلاً: «لا أحد فوق القانون، ومن قادوا فترة النظام السابق ولم يرتكبوا أخطاء فنحن نرحب بهم».
وأرجع الاستقبال الكبير إلى دور المجتمعات المحلية، بقوله «ربما المجتمعات المحلية مع بعض القيادات أسهمت في هذا الاستقبال، لكن لا بد من احترام رأيهم وتقديرهم، لذلك رحّبنا بالدكتور محمد طاهر أيلا».
واستنكر أوبشار اعتبار استقبال أيلا نكوصاً عن شعارات «ثورة ديسمبر»، قائلاً: «نحن لم نتخلّ عن الثورة، فهي بدأت في البحر الأحمر، وتحديداً من مدينة بورتسودان، ونحن بحاجة لرؤية توافقية تخرجنا إلى بر الأمان».
وجدد القيادي الأهلي التنديد بـ«مسار شرق السودان» الذي نصت عليه اتفاقية سلام جوبا، ودورها في الشقاق الذي يشهده الإقليم، بقوله: «زادت من معاناة أهل شرق السودان بعد الثورة».
من جهة أخرى، أعلنت لجان المقاومة الشعبية في منطقة البحر الأحمر رفضها عودة أيلا واستقباله، واعتبرته تمهيداً لعودة للنظام المعزول من البوابة الخلفية. وقالت، في بيان، أمس، إن «لجان المقاومة تعبر عن رفضها لزيارة المدعو محمد طاهر أيلا الوالي الأسبق لولاية البحر الأحمر ورئيس مجلس الوزراء لحكومة الإنقاذ المبادة بقرار الشعب على طريقتها الخاصة».
ونفت لجان المقاومة حدوث انشقاقات داخلها بشأن الموقف من عودة الرجل، بقولها: «تابعتم في الساعات الأخيرة أذيال النظام التي تروِّج لبعض المعلومات المضللة عن انشقاقات داخل اللجان».
وأشارت اللجان إلى أن استقبال أيلا جرى الترتيب له بـ«ذات أساليب النظام البائد، من تحشيد قبلي وإثني، وبعضها مدفوع الثمن»، مضيفة أن «مكتسبات ثورة ديسمبر التي حققها الشعب السوداني بدماء أبنائه، لن تضيع هدراً، ولن نستلقي حتى إنفاذ العدالة وحكم القانون».
بدوره، قال المتحدث باسم تحالف المعارضة «الحرية والتغيير» ومقرر لجنة إزالة التمكين المجمدة وجدي صالح، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن عودة أيلا إلى السودان وتنظيم المواكب لاستقباله «محاولة لهزيمة الثوار نفسياً، لكن الثوار لن يُهزموا، والثورة نفَسها طويل وستحقق غاياتها».
وأوضح صالح أن تنظيم الاستقبال بهذا الشكل يمثل إعادة وتسويق رموز النظام السابق للمشهد السياسي مجدداً، قائلاً إن «التهليل بعودة أيلا تشبه إطلاق سراح القيادي في المؤتمر الوطني (حزب البشير) وزير الخارجية السابق إبراهيم غندور».
ووصف صالح استقبال أيلا بأنه «استقبال جهوي» وليس استقبالاً سياسياً، مضيفاً أن «نفس هذه الحشود كانت موالية للناظر محمد الأمين ترك، ثم انفضّت من حوله، وهو أمر لا يجب أن يأخذ أكبر من حجمه».
واعتبر صالح السماح باستقبال أيلا وعدم مساءلته عن الاتهامات الموجهة له، بأنه «تحدٍّ واستفزاز».


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تشكيك فرنسي بـ«التزام الجزائر» إحياء العلاقات الثنائية

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (د.ب.أ)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (د.ب.أ)
TT

تشكيك فرنسي بـ«التزام الجزائر» إحياء العلاقات الثنائية

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (د.ب.أ)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (د.ب.أ)

أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الأحد، أن بلاده تساورها «شكوك» حيال رغبة الجزائر في التزام إحياء العلاقات الثنائية، معرباً عن مخاوفه بشأن قضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال الموقوف منذ أسابيع.

وقال بارو في مقابلة مع إذاعة «آر تي إل» الخاصة: «لقد وضعنا في 2022 (...) خريطة طريق (...) ونود أن يتم الالتزام بها».

وأضاف: «لكننا نلاحظ مواقف وقرارات من جانب السلطات الجزائرية أثارت لدينا شكوكاً حيال نية الجزائريين التزام خريطة الطريق هذه. لأن الوفاء بخريطة الطريق يقتضي وجود اثنين».

الكاتب الجزائري بوعلام صنصال (أ.ب)

وأضاف بارو: «مثل رئيس الجمهورية، أعرب عن القلق البالغ إزاء رفض طلب الإفراج الذي تقدم به بوعلام صنصال ومحاموه».

وصنصال (75 عاماً) المعارض للسلطة الجزائرية والمولود من أم جزائرية وأب ذي أصول مغربية، موقوف منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) بتهمة «تعريض أمن الدولة للخطر».

وأوضح بارو: «أنا قلق بشأن حالته الصحية و(...) فرنسا متمسكة جداً بحرية التعبير وحرية الرأي، وتعتبر أن الأسباب التي قد دفعت السلطات الجزائرية إلى احتجازه باطلة».

وتناول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للمرة الأولى، الأحد الماضي، قضية توقيف الكاتب بالجزائر، واصفاً إياه بـ«المحتال... المبعوث من فرنسا».

وأوقِف مؤلف كتاب «2084: نهاية العالم» في نوفمبر بمطار الجزائر العاصمة، ووُجهت إليه تهم بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، التي تعدّ «فعلاً إرهابياً أو تخريبياً (...) كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)

وأشار الوزير الفرنسي إلى أن بلاده «ترغب في الحفاظ على أفضل العلاقات مع الجزائر (...) لكن هذا ليس هو الحال الآن».

وسحبت الجزائر سفيرها من باريس في يوليو (تموز) الماضي، بعد تبني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المقترح المغربي بمنح حكم ذاتي للصحراء الغربية المتنازع عليها تحت سيادة المملكة، قبل أن يزور الرباط في نهاية أكتوبر (تشرين الأول).