أفغانستان... عام تحت حكم «طالبان»

المحطات الإذاعية أوقفت بث الأغاني... وساد الصمت في المقاهي

احتفالات «طالبان» بمرور عام على سيطرتهم على عموم أفغانستان
احتفالات «طالبان» بمرور عام على سيطرتهم على عموم أفغانستان
TT

أفغانستان... عام تحت حكم «طالبان»

احتفالات «طالبان» بمرور عام على سيطرتهم على عموم أفغانستان
احتفالات «طالبان» بمرور عام على سيطرتهم على عموم أفغانستان

كانت في الخامسة من عمرها فقط عندما سيطرت «طالبان» على أفغانستان في المرة الأولى. لم يتردد والداها في اتخاذ القرار: فمع إصرار المتشددين على فرض شكل متشدد من الإسلام، حزم أفراد الأسرة حقائبهم وهربوا خارج البلاد. لكن عندما عادت «طالبان» إلى السلطة أواخر صيف عام 2021 بدت الأفغانية نيلاب مترددة، وهي الآن تبلغ من العمر 30 عاماً وأم لطفلين.
سارعت الحكومة الجديدة إلى تقديم تأكيدات أن هذه المرة ستكون مختلفة وأنه لن تكون هناك حملة قمع وحشية ضد نساء أفغانستان.

قالت نيلاب لنفسها: «ربما كانوا يقولون الحقيقة». كانت تأمل ذلك، وكانت قد عادت إلى وطنها وهي مراهقة بعد عقد من الزمان في المنفى، ولم تكن مستعدة لتكرار التجربة.
لكن بعد ذلك أنهى المسلحون تعليم الفتيات بعد الصف السادس. أرفي، ابنة نيلاب البالغة من العمر 13 عاماً كانت تبكي كل صباح وهي تراقب شقيقتها الصغرى، رحيل (11 عاماً) تستعد للمدرسة. لذا، أخرجت نيلاب ابنتها رحيل من المدرسة أيضاً، إلى أن «تجد حلاً»، على حد تعبيرها، كما أوضح تقرير «لنيويورك تايمز» كتبته الصحافة والمصورة الكندية كيان هياري التي أقامت في أفغانستان ثماني سنوات كمراسلة لـ «نيويورك تايمز» و«ناشيونال غرافيك».

بعد ظهيرة أحد الأيام في أوائل أغسطس (آب)، وقفت نيلاب أمام المرآة مرتدية العباءة وسط أفراد الأسرة. وفي غضون ساعات قليلة، ستستقل هي وبناتها، ومعهم ثلاث حقائب ودميتان طائرة لتغادر أفغانستان - هذه المرة، على حد قولها، إلى الأبد. في الغرفة المجاورة، سقطت والدة نيلاب على الأرض وبكت. ركضت نيلاب لتهدئ من روعها ووعدت بأنهما سوف تجتمعان مرة أخرى ذات يوم.
مع اقتراب رحيلهن، تجولت بناتها من غرفة إلى أخرى، وظلت رحيل تعانق جدتها وعماتها. وجدت أرفي ركناً هادئاً حيث يمكنها أن تبكي من قلبها. وجلست نيلاب على الأرض وربطت حذاءها، وقاومت دموعها، وقالت: «لم أكن أعرف أبداً أنني سأصبح لاجئة مجدداً، لكنني لا أريد أن تتذوق بناتي المرارة نفسها». فقد أمضت السنوات الثماني الماضية في أفغانستان. ولدت في إيران وترعرعت في كندا، وكبرت لتنظر إلى البلاد على أنها وطن.

صالة حفلات وزفاف في العاصمة كابل

في 15 أغسطس 2021، وهو اليوم الذي سقطت فيه كابل، «غادرت منزلي في الساعة الرابعة صباحاً وتوجهت إلى المطار» لتصور الأفغان وهم يحاولون يائسين مغادرة البلاد قبل أن تضع «طالبان» البلاد في قبضتها. لكن بحلول وقت مبكر من المساء، استولى مقاتلو «طالبان» على القصر الرئاسي، وبقلب مكسور وصراع مع النفس، ركبت طائرة عسكرية وغادرت.
بعد ستة أسابيع، عادت، وخلال العام الماضي عملت على توثيق الحياة في ظل حكم «طالبان». (من أجل سلامتهم وسلامة عائلاتهم، يتحدث غالبيتهم شرط عدم الكشف عن هويتهم). وخلال العام الماضي، كانت تجد صعوبة في فهم ما ضاع لكن الأمور لم تكن واضحة دائماً.
شاهدت مجموعة من الشباب يؤدون رياضة «الباركور» وسط حشد في كابل ضم مقاتلي «طالبان»، وشاهدت صوراً لشعراء وسياسيين وفنانين وموسيقيين في مقهى في كابل. لكن شرطة الرذيلة والفضيلة طالبت بإزالة صور النساء».
بعض التغييرات التي حدثت جاءت صارخة، لكن البعض الآخر لا يظهر إلا بعد تدقيق. وفي بعض الأحيان، تمكنك نظرة فاحصة من اكتشاف الأساليب التي تمكن بها بعض الأفغان من تحدي القيود التي فرضها المسلحون. لكن على السطح تستمر الحياة.

شراء الأقمشة في أحد الأسواق الشعبية بالعاصمة كابل 

تنبض أسواق الشوارع بالضجيج، ولكن ربما ليس بالمقدار الذي كانت عليه من قبل بسبب الاقتصاد المنهار. فالمقاهي التي تمكنت من إبقاء أبوابها مفتوحة تستضيف موظفين يأتون لتناول فنجان من الشاي. لكن غالباً ما يكون كوب الشاي هادئاً - فقد ضغطت «طالبان» على المقاهي للتوقف عن تشغيل الموسيقى ومنعت حتى محطات الراديو والتلفزيون، وأي غناء في قاعات الزفاف.
استبدلت المحطات الإذاعية بالأغاني قراءات من القرآن، وساد الصمت في المقاهي. لكن في قاعات الأفراح بدت الأمور أكثر تعقيداً.
في إحدى أمسيات الخميس الأخيرة، رافقت معروف (32 عاماً) عندما كان يستقل سيارة مستأجرة مزينة من محلات «فلاور ستريت» في كابل وتوجه إلى صالون التجميل على بعد بضع بنايات لاصطحاب عروسه.
داخل الصالون، كشف جانب مخفي من أفغانستان عن نفسه: كانت النساء، من كل الأعمار يرتدين زياً ملوناً باهظ الثمن ويضعن مكياجاً متقناً.
عندما ذهبنا إلى قاعة الزفاف، كان المزاج مختلفاً. ففي قسم الرجال، جلس الضيوف بهدوء حول الطاولات بملابس بيضاء. وقام مصور الفيديو بتصوير رجال كبار السن يتحاورون بينما كان الصغار يحدقون في أفواههم.
كانت هناك حياة أيضاً في مجتمع النساء. كان ضوء الديسكو ينبض بألوان مختلفة، وعزف «دي جي» أغاني شعبية وكانت النساء يتراقصن. فقد تجاهلت العديد في قاعات الأفراح حظر الموسيقى لثقتهم أن شرطة الفضيلة لا يمكنها الدخول دون إذن.
في الأيام التي أعقبت سيطرة «طالبان»، تولت إحدى قاعات الزفاف، «ستارز بالاس»، التي تقع مباشرة على الجانب الآخر من مطار كابل الدولي، دوراً جديداً. مبنى شبيه بالقصر الأبيض بأضواء ذهبية جرى استخدامه كنقطة التقاء لمجموعات الأفغان الذين أجلتهم القوات الأجنبية، ما وفر ملاذاً آمناً قبل الاندفاع اليائس إلى بوابة المطار.

نساء يتظاهرن ضد حكم «طالبان»

بعد مرور عام، تتذكر مسعودة، التي أجبرت على البقاء في مأوى هناك، حالة الفوضى. كانت مسعودة، وهي مواطنة أفغانية كندية، قد عادت إلى أفغانستان قبل سنوات قليلة مع أطفالها، وهم مواطنون كنديون. قالت: «أردت أن يعيدوا الاتصال بجذورهم». ولكن عندما وصل مقاتلو «طالبان» إلى بوابات كابل، طالبتهم مسعودة أن يحزموا حقائبهم قائلة: «علينا أن نذهب. لم تعد الحياة آمنة لنا».
لقد تغير البلد الذي يحاولون مغادرته تغيراً جذرياً عن البلد الذي سيطر عليه المسلحون قبل عام واحد فقط. فوزارة شؤون المرأة هي الآن «وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، والمعهد الوطني الأفغاني للموسيقى هو الآن قاعدة لـ«طالبان»، وتم تحويل السفارة البريطانية إلى مدرسة دينية إسلامية للشباب.
كان على الناس أيضاً إعادة تعريف أنفسهم بين عشية وضحاها، وخصوصاً أفراد القوات المسلحة القديمة وموظفي الحكومة السابقة. وأولئك الذين كانوا يرتدون زياً رسمياً أو بدلات ويتجولون في المدينة في عربات مصفحة يجدون أنفسهم الآن يرتدون الملابس الأفغانية التقليدية ويقودون سيارة متواضعة، أو حتى يدفعون عربة خضار.


مقالات ذات صلة

غوتيريش: أفغانستان أكبر مأساة إنسانية في العالم

العالم غوتيريش: أفغانستان أكبر مأساة إنسانية في العالم

غوتيريش: أفغانستان أكبر مأساة إنسانية في العالم

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، أن الوضع في أفغانستان هو أكبر كارثة إنسانية في العالم اليوم، مؤكداً أن المنظمة الدولية ستبقى في أفغانستان لتقديم المساعدة لملايين الأفغان الذين في أمّس الحاجة إليها رغم القيود التي تفرضها «طالبان» على عمل النساء في المنظمة الدولية، محذراً في الوقت نفسه من أن التمويل ينضب. وكان غوتيريش بدأ أمس يوماً ثانياً من المحادثات مع مبعوثين دوليين حول كيفية التعامل مع سلطات «طالبان» التي حذّرت من استبعادها عن اجتماع قد يأتي بـ«نتائج عكسيّة». ودعا غوتيريش إلى المحادثات التي تستمرّ يومين، في وقت تجري الأمم المتحدة عملية مراجعة لأدائها في أفغانستان م

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
العالم «طالبان» ترفض الادعاء الروسي بأن أفغانستان تشكل تهديداً أمنياً

«طالبان» ترفض الادعاء الروسي بأن أفغانستان تشكل تهديداً أمنياً

رفضت حركة «طالبان»، الأحد، تصريحات وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الذي زعم أن جماعات مسلحة في أفغانستان تهدد الأمن الإقليمي. وقال شويغو خلال اجتماع وزراء دفاع منظمة شنغهاي للتعاون يوم الجمعة في نيودلهي: «تشكل الجماعات المسلحة من أفغانستان تهديداً كبيراً لأمن دول آسيا الوسطى». وذكر ذبيح الله مجاهد كبير المتحدثين باسم «طالبان» في بيان أن بعض الهجمات الأخيرة في أفغانستان نفذها مواطنون من دول أخرى في المنطقة». وجاء في البيان: «من المهم أن تفي الحكومات المعنية بمسؤولياتها». ومنذ عودة «طالبان» إلى السلطة، نفذت هجمات صاروخية عدة من الأراضي الأفغانية استهدفت طاجيكستان وأوزبكستان.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
العالم جهود في الكونغرس لتمديد إقامة أفغانيات حاربن مع الجيش الأميركي

جهود في الكونغرس لتمديد إقامة أفغانيات حاربن مع الجيش الأميركي

قبل أن تتغير بلادها وحياتها بصورة مفاجئة في عام 2021، كانت مهناز أكبري قائدة بارزة في «الوحدة التكتيكية النسائية» بالجيش الوطني الأفغاني، وهي فرقة نسائية رافقت قوات العمليات الخاصة النخبوية الأميركية في أثناء تنفيذها مهام جبلية جريئة، ومطاردة مقاتلي «داعش»، وتحرير الأسرى من سجون «طالبان». نفذت أكبري (37 عاماً) وجنودها تلك المهام رغم مخاطر شخصية هائلة؛ فقد أصيبت امرأة برصاصة في عنقها، وعانت من كسر في الجمجمة. فيما قُتلت أخرى قبل وقت قصير من سقوط كابل.

العالم أفغانيات يتظاهرن ضد اعتراف دولي محتمل بـ«طالبان»

أفغانيات يتظاهرن ضد اعتراف دولي محتمل بـ«طالبان»

تظاهرت أكثر من عشرين امرأة لفترة وجيزة في كابل، أمس، احتجاجاً على اعتراف دولي محتمل بحكومة «طالبان»، وذلك قبل يومين من اجتماع للأمم المتحدة، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. وسارت نحو 25 امرأة أفغانية في أحد شوارع كابل لمدة عشر دقائق، وردّدن «الاعتراف بـ(طالبان) انتهاك لحقوق المرأة!»، و«الأمم المتحدة تنتهك الحقوق الدولية!».

«الشرق الأوسط» (كابل)
العالم مظاهرة لأفغانيات احتجاجاً على اعتراف دولي محتمل بـ«طالبان»

مظاهرة لأفغانيات احتجاجاً على اعتراف دولي محتمل بـ«طالبان»

تظاهرت أكثر من 20 امرأة لفترة وجيزة في كابل، السبت، احتجاجاً على اعتراف دولي محتمل بحكومة «طالبان»، وذلك قبل يومين من اجتماع للأمم المتحدة. وسارت حوالي 25 امرأة أفغانية في أحد شوارع كابل لمدة عشر دقائق، ورددن «الاعتراف بطالبان انتهاك لحقوق المرأة!» و«الأمم المتحدة تنتهك الحقوق الدولية!». وتنظم الأمم المتحدة اجتماعاً دولياً حول أفغانستان يومَي 1 و2 مايو (أيار) في الدوحة من أجل «توضيح التوقّعات» في عدد من الملفات. وأشارت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد، خلال اجتماع في جامعة برينستون 17 أبريل (نيسان)، إلى احتمال إجراء مناقشات واتخاذ «خطوات صغيرة» نحو «اعتراف مبدئي» محتمل بـ«طالبان» عب

«الشرق الأوسط» (كابل)

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
TT

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)

قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنحاء العالم عام 2023، معظمهن بأيدي أفراد عائلاتهنّ، وفقاً لإحصاءات نشرتها، (الاثنين)، الأمم المتحدة التي رأت أن بلوغ جرائم قتل النساء «التي كان يمكن تفاديها» هذا المستوى «يُنذر بالخطر».

ولاحظ تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك أن «المنزل يظل المكان الأكثر خطورة» للنساء، إذ إن 60 في المائة من الـ85 ألفاً اللاتي قُتلن عام 2023، أي بمعدّل 140 كل يوم أو واحدة كل عشر دقائق، وقعن ضحايا «لأزواجهن أو أفراد آخرين من أسرهنّ».

وأفاد التقرير بأن هذه الظاهرة «عابرة للحدود، وتؤثر على كل الفئات الاجتماعية والمجموعات العمرية»، مشيراً إلى أن مناطق البحر الكاريبي وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الأكثر تضرراً، تليها آسيا.

وفي قارتَي أميركا وأوروبا، يكون وراء غالبية جرائم قتل النساء شركاء حياتهنّ، في حين يكون قتلتهنّ في معظم الأحيان في بقية أنحاء العالم أفرادا من عائلاتهنّ.

وأبلغت كثيرات من الضحايا قبل مقتلهنّ عن تعرضهنّ للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وفق بيانات متوافرة في بعض البلدان. ورأى التقرير أن «تجنّب كثير من جرائم القتل كان ممكناً»، من خلال «تدابير وأوامر قضائية زجرية» مثلاً.

وفي المناطق التي يمكن فيها تحديد اتجاه، بقي معدل قتل الإناث مستقراً، أو انخفض بشكل طفيف فقط منذ عام 2010، ما يدل على أن هذا الشكل من العنف «متجذر في الممارسات والقواعد» الاجتماعية ويصعب القضاء عليه، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي أجرى تحليلاً للأرقام التي استقاها التقرير من 107 دول.

ورغم الجهود المبذولة في كثير من الدول فإنه «لا تزال جرائم قتل النساء عند مستوى ينذر بالخطر»، وفق التقرير. لكنّ بياناً صحافياً نقل عن المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، شدّد على أن هذا الواقع «ليس قدراً محتوماً»، وأن على الدول تعزيز ترسانتها التشريعية، وتحسين عملية جمع البيانات.