الفسفور... احرص على تناوله من المنتجات الغذائية الطبيعية

مضافاته إلى أنواع الأطعمة تتسبب بأضرار في الكليتين

الفسفور... احرص على تناوله من المنتجات الغذائية الطبيعية
TT

الفسفور... احرص على تناوله من المنتجات الغذائية الطبيعية

الفسفور... احرص على تناوله من المنتجات الغذائية الطبيعية

عرض باحثون من جامعات كل من ماساتشوستس لويل ونورث كارولينا ونيو هامبشاير وفيرجينيا وديوك، في دراسة لهم، جانباً من نتائج «دراسة جاكسون للقلب (JHS)»، حول علاقة مستوى الفسفور في الجسم بمدى كفاءة وظائف الكلى لدى الأصحاء من الناس، وليس فقط مرضى الكلى.

الفسفور المضاف
ووفق ما نشر ضمن عدد 4 أغسطس (آب) الماضي من «المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية (Am J Clin Nutr)»، أفاد الباحثون، في خلفية الدراسة، بأن التناول العالي للفسفور له آثار سلبية على وظائف الكلى، لكن ذلك التأثير السلبي يختلف تبعاً لمصادر دخول الفسفور الجسم. ومصادر الفسفور في الجسم إما الفسفور الطبيعي الموجود في المنتجات الغذائية الطبيعية، وإما الفسفور المُضاف الذي يعزز به بعض أنواع الأطعمة التي يتناولها المرء. وهذا الفسفور المُضاف تمتصه الأمعاء بكميات عالية، مقارنة بالفسفور الطبيعي. لذا ذكر الباحثون في نتائج دراستهم أن الأمر الضارّ بالكلى هو الفسفور المُضاف، وليس الفسفور الطبيعي الموجود في المنتجات الغذائية الطبيعية.
و«دراسة جاكسون للقلب» هي متابعة طويلة الأمد (بدأت منذ 25 سنة) لمعرفة تأثير العوامل البيئية والوراثية المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى الأميركيين من أصل أفريقي.
وضمن مراجعتهم الطبية بعنوان «الدور المتنامي للفسفور في صحة الإنسان»، المنشورة في عدد 15 أبريل (نيسان) 2021 من مجلة «أبحاث التغذية المتقدمة Adv Food Nutr Res»، قال باحثون كنديون إن «تناول الفسفور من قبل عامة السكان في جميع أنحاء العالم يقارب ضعف الكمية المطلوبة للحفاظ على الصحة. وتُعزى هذه الزيادة إلى المضافات الغذائية المحتوية على الفوسفات، في الأطعمة المصنعة التي يشتريها المستهلكون».
وتتوافق نتائج «دراسة جاكسون للقلب» مع التقرير الحديث لـ«المجلس الدولي للمُضافات الغذائية (IFAC)»، المستند إلى نتائج دراستين علميتين نُشرتا هذا العام في مجلة المغذيات «Nutrients»، حول محتوى الفسفور في الأطعمة وتأثيرات تناول الفسفور الغذائي على صحة الإنسان ووظائف أعضائه.

تناول ضار
وقال الباحثون في ملخص نتائج الدراسة الأولى: «كان تناول الفسفور الغذائي في الولايات المتحدة أكبر باستمرار من الكمية المنصوح بها يومياً (RDA). ويفيد كثير من الدراسات بارتباط ارتفاع تناول الفسفور مع مخاطر صحية لدى الأشخاص الأصحاء ولدى المرضى المصابين بأمراض الكلى المزمنة». وأضافوا أن ثمة انخفاضاً في تناول الفسفور المُضاف خلال السنوات الماضية. ولكن تظل المشروبات الغازية وعدد من المخبوزات الحلوة (الكعك، والفطائر، واللفائف، والبسكويت) وأنواع من الجبن، تمثل مصدر 45 في المائة من نسبة الفسفور المضاف.
والدراسة الأخرى بعنوان: «ارتباط الفسفور الكلي والمضاف والطبيعي مع المؤشرات الحيوية للحالة الصحية والوفيات لدى البالغين الأصحاء في الولايات المتحدة». وقال الباحثون في ملخصها: «ارتبطت مستويات الفوسفات المرتفعة في الدم، والمعروفة باسم (فرط فوسفات الدم Hyperphosphatemia)، بالتغيرات في الحالة الصحية، وبالتأثيرات الضارة الملحوظة على صحة القلب والأوعية الدموية وصحة الكلى». وأضافوا: «توفر النتائج تباين المآخذ الصحية بين الفسفور الطبيعي والمضاف. وارتبطت زيادة تناول الفسفور المضاف بانخفاض مستويات الكولسترول الحميد (أو الكولسترول الثقيل HDL) عند كل من الرجال والنساء. في حين كان تناول الفسفور الطبيعي مرتبطاً بانخفاض خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة 3 في المائة».

الفسفور الطبيعي
* عنصر ضروري: ويُصنف الفسفور (Phosphorus) بعد الكالسيوم بصفته أكثر المعادن (Minerals) وفرة في الجسم. ورغم أنه موجود في كل خلية من خلايا الجسم، فإن معظمه (85 في المائة) يتركز في العظام. ويستخدمه الجسم لبناء عظام وأسنان قوية، وللحفاظ على توازن الحالة الحامضية الطبيعية في الدم (Blood pH)، وهي عملية حيوية على درجة عالية من الأهمية الصحية.
ويدخل الفسفور ضمن ضبط عمل الكليتين، ولتوصيل الأكسجين إلى الأنسجة، وتحويل الطعام إلى طاقة، وإنتاج المركبات الكيميائية التي يستخدمها الجسم لتخزين الطاقة. وله دور حيوي في الحفاظ على عمل الأوعية الدموية. وكذلك ينظم الفسفور الوظيفة الطبيعية للأعصاب والعضلات؛ بما في ذلك القلب، وتحديداً في ضبط انقباضات العضلات، وتقليل آلام العضلات بعد التمرين الرياضي، وضبط إيقاع نبض القلب، وتسهيل سرعة التوصيل داخل شبكة الأعصاب. كما يلعب دوراً مهماً في كيفية استخدام الجسم الكربوهيدرات والدهون. كما أنه عنصر أساسي في مكونات المركبات التي تحتوي على الكولسترول بأنواعه. هذا كله بالإضافة إلى أنه ضروري في إنتاج البروتين اللازم لنمو الخلايا والأنسجة وصيانتها وإصلاحها، وهو أيضاً لبنة أساسية في بناء الحمض النووي للجينات الوراثية.
* الأطعمة الغنية بالفسفور: ويوجد الفسفور الطبيعي بشكل أساسي في الأطعمة الغنية بالبروتين مثل اللحوم والدواجن والأسماك الطبيعية (طازجة أو مجمدة) والجبن الطبيعي ومنتجات الألبان الطبيعية، وكذلك في الحبوب الكاملة والفول والعدس والمكسرات. فيما يوجد بكميات أقل في الخضراوات والفواكه.
وعند تناول الإنسان منتجات غذائية طبيعية يحصل الجسم على كمية الفسفور التي يحتاج إليها من خلال وجبات الغذاء اليومية.
* احتياجات الجسم: وللتوضيح، فإن كمية الفسفور التي يحتاج إليها الجسم من الطعام، تعتمد على مقدار العمر. والأطفال والمراهقون ما بين 9 سنوات و18 سنة أعلى احتياجاً له. وتحديداً؛ فإن احتياجهم ضعف احتياج البالغين. والبالغون يحتاجون إلى 700 مليغرام (ملغم) في اليوم. ولكن وفق ما تفيد به الإحصاءات الطبية، يبلغ متوسط تناول الشخص البالغ الفسفور بالولايات المتحدة، وفي مناطق كثيرة من العالم، نحو 1400 ملغم في اليوم؛ أي ضعف الكمية المطلوبة، والسبب الرئيسي لذلك، كما يفيد الباحثون من «كلية هارفارد للطب»، هو تناول الأطعمة التي يضاف إليها الفسفور خلال عملياتها الإنتاجية، من خلال التعزيز باستخدام المضافات الغذائية الفوسفاتية.
* أطعمة الفسفور المضاف: وتشمل الأطعمة الشائعة التي تحتوي الفسفور المُضاف كلاً من: الجبن ومنتجات الألبان الأخرى، والمشروبات الغازية غامقة اللون، ومواد المخابز، واللحوم المصنعة، والأطعمة السريعة، والأطعمة الجاهزة، والمشروبات المعلبة والمعبأة.
وهذا الفسفور يضاف إلى الطعام على شكل مادة مضافة أو مادة حافظة (الفسفور غير العضوي Inorganic Phosphorus) في الأطعمة. والإشكالية الصحية لهذا الفسفور غير العضوي (الذي يضاف إلى الأطعمة الطبيعية)، هي أن كميته تفوق حاجة الجسم، وأنه يُمتص بالكامل في الأمعاء. وبجانب تسبب هذا الامتصاص الكامل له في رفع كمية الفسفور بالجسم، فإن هذا الفسفور المضاف يتسبب، من الناحية الصحية، في تأثيرات فسيولوجية سلبية داخل الجسم، تختلف عن التأثيرات الصحية الإيجابية للفسفور العضوي الطبيعي الموجود في المنتجات الطبيعية. لذا تشير الإحصاءات العالمية إلى أن غالبية الناس يتناولون كميات فائضة من الفسفور.
والسبب الآخر لزيادة امتصاص الأمعاء الفسفور من الأطعمة، وارتفاع كميته في الجسم، هو عدم تناول الأطعمة المحتوية كميات كافية من الكالسيوم؛ لأن وجود الكالسيوم في الطعام، ووجوده بكميات كافية في الجسم، يُقلل امتصاص الأمعاء الفسفور ويُسهّل إزالة فائض الفسفور إلى خارج الجسم. كما تتسبب أمراض ضعف الكلى في زيادة تراكم الفسفور بالجسم. ومع ذلك، يمكن أن تتسبب بعض الحالات الصحية (مثل السكري) أو تناول أدوية خفض حموضة المعدة، في انخفاض مستويات الفسفور في الجسم بشكل كبير. ويمكن أن تتسبب مستويات الفسفور المرتفعة جداً أو المنخفضة جداً في حدوث مضاعفات طبية.

مرضى الكلى والحرص على نظام غذائي منخفض الفسفور

> تقول راشيل ماجوروفيسز، خبيرة التغذية والحمية في «مايو كلينك»: «الفسفور هو أحد المعادن التي توجد بشكل طبيعي في كثير من الأطعمة، ويُضاف كذلك إلى العديد من الأغذية المُصنّعة. وعند تناول الأطعمة المحتوية الفسفور، يدخل معظم كمية الفسفور الدم، ثم تتخلص الكُلى السليمة من الفسفور الزائد في الدم. ولكن في حالة عجز الكُلى عن أداء وظيفتها على نحو سليم، قد يزداد مستوى الفسفور في الدم؛ الأمر الذي تنجم عنه زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب وضعف العظام وألم المفاصل».
ولذا تختلف احتياجات الجسم من الفسفور وفقاً لمدى كفاءة عمل الكُلى. والمصابون بضعف الكلى (خصوصاً في المرحلة النهائية من مرض الكُلى)، أو الذين يُجرى لهم غسل الكُلى، يلزمهم الحد من تناول الفسفور. ولكن قد يكون من الصعب الالتزام بذلك؛ حيث تحتوي جميع الأطعمة تقريباً على نسبة معينة من الفسفور.
وتوضح راشيل ماجوروفيسز: «توصي الإرشادات الحالية بتناول الأطعمة الطبيعية بدلاً من المصنعة التي يُضاف إليها عنصر الفسفور. وقد يضيف بعض الشركات الغذائية مركبات الفسفور إلى الأطعمة المُصنعة من أجل زيادة سُمكها أو تحسين مذاقها أو منع حدوث تغيّر للونها أو الحفاظ عليها. والجسم يمتص الفسفور من الأطعمة الطبيعية بنسبة أقل، مقارنة بالأغذية المُصنعة، إلى جانب أن الأطعمة الطبيعية أفضل تغذية على الإطلاق».
وتضيف: «وعلى مدى سنوات عديدة، كان الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحد من تناول الفسفور يُنصحون بتقليل تناول بعض الأغذية الصحية، مثل الحبوب الكاملة والبقوليات... وغيرها من الأغذية النباتية. ولكن كشفت الأبحاث مؤخراً عن أن ذلك لم يكن ضرورياً».
وفي المقابل تنصح بالخطوات التالية: «تُعد أفضل طريقة للحد من الفسفور في الأنظمة الغذائية هي التقليل من تناول الأطعمة الغنية به، بما في ذلك:
- الوجبات السريعة، والأطعمة التي تباع في محطات الوقود... وغيرها من الأطعمة المعلبة، والأطعمة سهلة التحضير.
- الجبن الأميركي، والجبن المطبوخ القابل للدهن المعبأ في عُلب، ومنتجات الجبن المُعدّة على شكل قوالب.
- اللحوم الطازجة أو المجمدة التي يُضاف إليها بعض النكهات أو السوائل للحفاظ على رطوبتها.
- مشروبات الكولا والبيبر (Pepper) الغازية، وكثير من أنواع المياه المنكّهة، والشاي المعبأ في زجاجات أو عُلب، ومشروبات الطاقة أو المشروبات الرياضية، والعديد من الكوكتيلات المسحوقة التي تُمزج بالماء لإعداد المشروبات».
وإذا واجه المريض صعوبات في ذلك، فإنها تنصح بـ:«استشارة اختصاصي تغذية معتمد للمساعدة في وضع خطة غذائية تلبي احتياجاتك الشخصية؛ إذ يمكنه ضمان حصولك على القدر الكافي من العناصر الغذائية أثناء اتباعك توصيات الطبيب المعالج الطبية».

* استشارية في «الباطنية»


مقالات ذات صلة

لمحاربة «اكتئاب ما بعد الولادة»... مارسي الرياضة لأكثر من ساعة أسبوعياً

صحتك الأمهات الجدد يمكنهن استئناف ممارسة الرياضة بالمشي «اللطيف» مع أطفالهن (رويترز)

لمحاربة «اكتئاب ما بعد الولادة»... مارسي الرياضة لأكثر من ساعة أسبوعياً

تشير أكبر دراسة تحليلية للأدلة إلى أن ممارسة أكثر من ساعة من التمارين الرياضية متوسطة الشدة كل أسبوع قد تقلل من شدة «اكتئاب ما بعد الولادة».

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
عالم الاعمال «فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

«فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

اختتمت مجموعة «فقيه» للرعاية الصحية، الأربعاء، أعمال مؤتمرها السنوي الثالث، الذي عقد بمشاركة نخبة من الخبراء السعوديين والدوليين المتخصصين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك النوم خلال اليوم قد يشير إلى أنك معرّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف (أرشيفية - رويترز)

النوم خلال اليوم قد يشير إلى ارتفاع خطر إصابتك بالخرف

إذا وجدت نفسك تشعر بالنعاس خلال اليوم، أثناء أداء أنشطتك اليومية، فقد يشير ذلك إلى أنك معرَّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف، وفقاً لدراسة جديدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق جانب من «مؤتمر الطبّ التجميلي» الذي استضافته الرياض (الشرق الأوسط)

جراحات التجميل للرجال في السعودية... إقبالٌ لافت لغايات صحّية

احتلّت السعودية عام 2023 المركز الثاني عربياً في عدد اختصاصيي التجميل، والـ29 عالمياً، في حين بلغ حجم قطاع الطبّ التجميلي فيها أكثر من 5 مليارات دولار.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
صحتك بعض الأطعمة يسهم في تسريع عملية الشيخوخة (رويترز)

أطعمة تسرع عملية الشيخوخة... تعرف عليها

أكدت دراسة جديدة أن هناك بعض الأطعمة التي تسهم في تسريع عملية الشيخوخة لدى الأشخاص بشكل ملحوظ، داعية إلى تجنبها تماماً.

«الشرق الأوسط» (روما)

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها
TT

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها

تظل العبارة الذهبية طبياً: «النهج العلاجي الأفضل هو إجراء ما هو ملائم ومفيد للمريض». كما تبقى السمة الأبرز للتوصية في اختيار المقاربات الجراحية هي: «تخصيص الإجراء للمريض، بدلاً من (تخصيص) المريض وفقاً للإجراء».

تصميم نهج المعالجة

ولذا؛ عند التعامل العلاجي مع واقع الحالة المرضية القلبية، فإن «الشيء يُبنى على مقتضاه». ويتم النظر أولاً إلى المعطيات الصحية لدى المريض، وجوانب عدة من الحالة المرضية لديه، ثم عليها يُبنى تصميم نهج المعالجة.

وما يحاول طبيب القلب فعله هو «تدوير الزوايا الحادة» التي تفرضها أمراض القلب على صحة المريض في المديين المنظور والبعيد. وكلما تناقصت «حدة الزوايا» المرضية تلك، ارتفعت فرص تحسين جودة الحياة اليومية والتوقعات المستقبلية لدى المرضى. وهو ما يتم تطبيقه بدقة عند النظر في معالجة أمراض شرايين القلب التاجية.

وعلى الرغم من الاعتماد الأساسي على «المعالجات التحفظية» Conservative Management بالأدوية وتبني السلوكيات الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، فإن ذلك قد لا يُفلح في بعض حالات أمراض شرايين القلب المتقدمة، لتخفيف أو إزالة عبئها المرضي على سلامة القلب ومعاناة المريض منها. وهو الأمر الذي يضطر الطبيب إلى الاستعانة إما بالمعالجات التدخلية Invasive Management من خلال القساطر التي تصل إلى داخل القلب، أو الاستعانة بالتدخل الجراحي المباشر، لإعادة أوضاع حالة القلب إلى النصاب الذي يُمكّن المريض من تجاوز الانتكاسات الصحية وعودته إلى ممارسة حياته الطبيعية بأقصى قدر ممكن.

جراحات القلب والشرايين التاجية

ودون الحديث عن المعالجات الجراحية لأمراض صمامات القلب أو العيوب الهيكلية أو العيوب الخلقية في القلب، إليك المعلومات التالية عن الجراحات القلبية لأمراض الشرايين التاجية الأكثر شيوعاً:

1. جراحة القلب. هي أي عملية جراحية تتضمن القلب أو الأوعية الدموية المتصلة به مباشرة. وتُجرى لتصحيح مشاكل القلب وتحسين طريقة عمله، حينما تكون الجراحة هي الطريقة الأفضل أو الوحيدة لذلك.

ويعتمد نوع جراحة القلب التي يخضع لها المريض، على المشكلة القلبية الأساسية أو مجموعة المشاكل القلبية لديه. وهي جراحة معقدة، وتتطلب عمل فريق طبي واسع، ذي خبرة متخصصة. وهي أيضاً حدث رئيسي في حياة المريض، يمنحه فرصة جديدة تماماً للحياة.

وفي كل عام، يخضع أكثر من مليونَي شخص حول العالم لجراحة القلب المفتوح لعلاج مشاكل القلب المختلفة، وخصوصاً الشرايين التاجية. لكن يظل مصطلح «جراحة القلب» مبهماً لدى المرضى في جوانب عدة منها، وخصوصاً مع التطورات المتلاحقة فيها. والأهم، مع اختلاف تفضيلات جراحي القلب للمقاربات الجراحية عند التخطيط لطريقة إجراء العملية، وفق معطيات مختلفة لدى كل مريض على حدة. وهذا ما يجعل ذكر «جراحة القلب» مثيراً للتوتر، وربما التخوف والتحاشي، لدى بعض المرضى. وما يثير أيضاً تساؤلات عن دواعي اختلاف طرق إجرائها على الرغم من أن الخطوط الرئيسية لإجراء الأنواع المختلفة من عمليات القلب، واضحة في الخطوات والمسارات الرئيسية.

2. فريق طبي متمرس. يتطلب النجاح في جراحة القلب وجود فريق طبي متجانس مارس عدداً كبيراً من الحالات، من أجل الوصول إلى أفضل النتائج. وتتنافس مراكز القلب في تكوين هذا الفريق الذي يضم أطباء تشخيص وعلاج ومتابعة أمراض القلب لمرحلة ما قبل الجراحة، ثم فريق غرفة العمليات المكون من الجراحين والتقنيين واختصاصيي التخدير، ثم فريق مرحلة ما بعد الجراحة المكون من أطباء الرعاية الحرجة، وطاقم الرعاية الصحية المساعدة خلال ما بعد العملية إلى حين الخروج من المستشفى. وبعد أن يغادر المريض المستشفى، هناك فريق أطباء القلب لضمان استمرار المتابعة في تقديم الرعاية القلبية.

وقبل الجراحة، يطلب طبيب القلب إجراء فحوص واختبارات عدة، لتحديد نوع جراحة القلب التي تناسب المريض بشكل أفضل. واعتماداً على مشكلة القلب لدى المريض والمعطيات الصحية الأخرى لديه، يقرر جراح القلب الطريقة التي سيُجري بها الجراحة، وفق احتياج معالجة المريض. ثم يتولى عرض الأمر بتفاصيله على المريض لأخذ الموافقة المشفوعة بالعلم منه.

طرق جراحية لإصلاح القلب

3. في العموم، يمكن علاج الكثير من أمراض القلب بإحدى الطرق الجراحية الملائمة. وإضافة إلى معالجة أمراض الشرايين التاجية، ثمة ما يلي من العلاجات الاخرى:

- إصلاح أو استبدال صمامات القلب التي تضبط تدفق الدم عبر حجرات القلب

- إصلاح الهياكل غير الطبيعية أو التالفة في أجزاء عدة من القلب

- إصلاح العيوب الخلقية في أجزاء مختلفة من القلب والأوعية الدموية الكبيرة المتصلة به

- إصلاح تمدد الأوعية الدموية (انتفاخات في جدران الشرايين)

- زرع أجهزة طبية تساعد في التحكم في ضربات القلب أو أجهزة دعم وظيفة القلب وضمان تدفق الدم

- استبدال القلب التالف بقلب سليم من متبرع (زراعة القلب)

وكما هو الحال مع أي نوع من الجراحة التي تشمل القلب، هناك بعض المخاطر. وبالنسبة للكثير من الأشخاص، تكون نتائج جراحة القلب ممتازة. ويمكن لجراحة القلب تقليل الأعراض وتحسين نوعية الحياة وتحسين فرص البقاء على قيد الحياة. لكن تكون المخاطر أعلى عموماً إذا أجريت الجراحة في حالة طارئة (كعلاج نوبة قلبية). وأيضاً تكون المخاطر أعلى مع تواجد أمراض مرافقة عميقة التأثير صحياً (مرض السكري، ضعف الكلى، أمراض مزمنة في الرئتين، وغيرها).

جراحة الشرايين التاجية

4. معالجة مرض شرايين القلب التاجية جراحياً. وهي تُسمى جراحة «التخطي» Heart Bypass Surgery أو «مجازة الشريان التاجي» CABG. ومرض القلب التاجي يحدث عندما لا تستطيع الشرايين التاجية Coronary Arteries توصيل ما يكفي من الدم، الغني بالأكسجين، إلى القلب.

واعتماداً على مدى خطورة حالة المريض وأعراضه، يُلجأ إلى التدخل الجراحي. وللتوضيح، يُحاول أطباء القلب التعامل مع تضيقات أو انسدادات الشرايين التاجية، إما بالعلاج الدوائي، أو بالعلاج التدخلي من خلال القسطرة لتركيب دعامات معدنية تضمن تدفق الدم من خلال تلك الشرايين. وعندما لا يُفلح الأمر، أو لأن التضيقات ذات طبيعة من الصعب التغلب عليها بالدعامات، يتم اللجوء إلى الجراحة، ويتم أيضاً تحديد الطريقة الأفضل للمريض في إجراء الجراحة.

وهذا أمر يُناقشه أطباء القلب وأطباء جراحة القلب، ثم يُعرض على المريض ما يستقر عليه الرأي الطبي في معالجة شرايين القلب التاجية لديه. وفي هذه الجراحة تُستخدم الأوعية الدموية السليمة المأخوذة من جزء آخر من الجسم، وتُربط بالأوعية الدموية أعلى وأسفل الشريان المسدود أو المتضيق بشدة. وهذا يوفر طريقاً جديدة لتدفق الدم، تتجاوز مناطق الضيق أو السدد. والأوعية الدموية المُستخدمة، عادة ما تكون شرايين إما موجودة داخل القفص الصدري أو شرايين مأخوذة من الساعد، أو أوردة مأخوذة من الساقين. وثمة طرق عدة لإجراء عملية شرايين القلب، كما سيأتي.

طرق جراحة القلب المفتوح

5. جراحة مجازة الشريان التاجي التقليدية، وتسمى أيضاً جراحة القلب المفتوح بشق الصدر Open-Heart Surgeries. ويُجري الجرَّاح في العادة شقاً طويلاً في منتصف الصدر، يشمل الجلد وطول عظمة «القص» الأمامية Sternum Bone. ثم يفتح الجرَّاح القفص الصدري للكشف عن القلب والعمل عليه مباشرة.

وفي الطريقة الأولى للجراحة، يتم وبعد فتح الصدر، وبالتزامن إيقاف عمل القلب مؤقتاً بفعل البوتاسيوم والأدوية وتبريد القلب، وتشغيل جهاز مضخة القلب والرئة Heart Lung Machine. وهذا الجهاز يعمل على ضخ الدم للجسم (عند الإيقاف المتعمد للقلب) بشكل مؤقت (خلال العملية فقط)؛ كي يحافظ على تدفق الأكسجين إلى كل أنحاء الجسم أثناء الجراحة. ويطلق على هذه الطريقة الأولى للجراحة، جراحة مجازة الشريان التاجي بالمضخات On-Pump.

وبعد انتهاء الجراحة في القلب نفسه، يعيد الجراح إلى القلب قدرة النبض عبر الإنعاش، وهو ما يأخذ بعض الوقت. ثم يوقف جهاز مضخة القلب والرئة الخارجي بالتدرج، وفق تدرج عودة القلب إلى سابق قوته. ثم تبدأ مرحلة الإقفال الجراحي، حيث يستخدم الجرَّاح خيطاً جراحياً معدنياً لإغلاق عظم الصدر (الذي يظل طوال العمر تحت الجلد في الجسم بعد التئام العظم). ثم يتم إقفال فتحة الجلد الطويلة بخيط قابل للامتصاص أو الإزالة لاحقاً. وعادةً، تستغرق جراحة مجازة الشريان التاجي من ثلاث إلى ست ساعات تقريباً.

وتتوقف مدة جراحة القلب المفتوح على عدد الشرايين المسدودة، وإذا ما كان ثمة صمامات قلبية تحتاج إلى الزراعة.

أما الطريقة الثانية، فهي إجراء جراحة مجازة الشريان التاجي «دون مضخة» Off-Pump. وهي خطوات جراحة القلب المفتوح نفسها مع عدم استخدام آلة لضخ الدم، وإبقاء القلب ينبض بشكل طبيعي. وهي أحد أنواع جراحات القلب النابض. لكن هذا النوع من الجراحة قد يكون صعباً، بسبب استمرار القلب في الحركة، على الرغم من استخدام الجراح آلة لتثبيت القلب. وهي ليست من الخيارات المناسبة لكل المرضى، لأسباب عدة.

الجراحة بالمنظار أو الروبوت

6. جراحة بالمنظار. وهذه هي الطريقة الثالثة، وهي إجراء جراحة مجازة الشريان التاجي من النوع «الأقل توغلاً» Minimally Invasive، بالمنظار أو بشكل مباشر. وهنا لا يتم إجراء شق الصدر من الأمام بفتحة كبيرة وشق عظمة القص الأمامية. أي لا تنطوي هذه الطريقة على كسر العظام أو إحداث شق جلدي كبير في أمام الصدر. بل يتم إجراء شقوق جراحية صغيرة جانبية، غالبا صغيرة وربما أحدها أكبر، وفق متطلبات طرق متعددة في هذا النهج الجراحي. ثم قد تتم الجراحة المباشرة أو الجراحة بالمنظار.

وعادة تكون «دون مضخة» الجهاز القلبي الرئوي، وفي أحيان أخرى باستخدام المضخة عبر فتحات شريانية ووريدية من مناطق أخرى من الجسم. ويُتم جراح القلب إجراء الخطوات الجراحية المطلوبة لعلاج الشرايين التاجية المريضة. لكن من الضروري التنبه إلى أن جراحات القلب «الأقل توغلاً»، لا تلائم، أو ليس بالإمكان إجراؤها لكثير من حالات أمراض القلب التي تتطلب الجراحة، للكثير من الأسباب التقنية والأسباب المرضية لدى المريض. وهذا جانب تتم مناقشته مع المريض. ويظل الأساس أن بالعمليات «الأقل توغلاً» تصبح المدة الإجمالية للإقامة في المستشفى أقصر. كما تصبح مدة استخدام جهاز التنفس الاصطناعي أقصر، ويقل معها ألم ما بعد العملية، وتتدنى كمية النزيف الدموي بشكل كبير، وتقل احتمالية الإصابة بعدوى، واحتمالات الإصابة باضطراب عابرة في إيقاع نظم نبض القلب بعد الجراحة. وتقل أيضاً مدة البقاء في وحدة العناية المركزة.

وكذلك، فإن هذه الطريقة أفضل من الناحية التجميلية الخارجية لحجم ندبة الجرح. ويبلغ إجمالي مدة الإقامة في المستشفى نحو ثلاثة أيام. وتتحسن جودة الحياة بشكل عام، مع إمكانية العودة إلى العمل في وقت أسرع (العودة في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من الجراحة).

7. جراحة الروبوت. والطريقة الرابعة هي إجراء جراحة مجازة الشريان التاجي بمساعدة الروبوت. والروبوتات هي أحدث ما توصلت إليه الجراحات «الأقل توغلاً». لكن كونها الأحدث لا يعني تلقائياً أنها الأفضل للمريض، أو أنها مناسبة لكل مريض، أو أنها الأفضل في النتائج قريبة وبعيدة المدى، مقارنة بالطرق الجراحية الأخرى.

والروبوت في الحقيقة مكوّن من ثلاث أذرع، تمثل امتداداً ليد الجراح، وذراع رابعة تمثل كاميرا تنقل الصورة داخل الصدر إلى شاشة وحدة التحكم أمام الجراح. ويتطلب النجاح في جراحة القلب الروبوتية وجود فريق متجانس، والأهم أنه مارس عدداً كبيراً من الحالات، من أجل الوصول إلى أفضل النتائج. ويقوم بالعملية جراحان اثنان غالباً. أحدهما بجانب طاولة العمليات، والآخر أمام وحدة التحكم.

وثمة دواعٍ محددة لقدرة إجراء عمليات جراحة مجازة الشريان التاجي روبوتياً. وهناك كثير من المرضى الذين لا يمكنهم الخضوع لجراحة القلب الروبوتية. وخصوصاً عندما يكونون في حاجة إلى إجراءات متعددة، كمجموعة من جراحة المجازة التاجية والصمامية، فإن هذا قد يفوق قدرة الروبوت. ويُشار إلى أن المرضى الذين خضعوا لجراحة قلبية سابقة، أو الذين خضعوا لعملية سابقة تتضمن شقّاً في الجانب الأيسر من الصدر، قد لا يكونون مؤهلين أيضاً للخضوع للجراحة باستخدام الروبوت في الوقت الحالي. وقد لا يكون المرضى المصابون بزيادة الوزن أو السمنة المفرطة أو أمراض مزمنة ومؤثرة على وظائف الرئة أو أمراض الأوعية الدموية الطرفية الشديدة، مؤهلين لإجراء هذه العمليات أيضاً لأسباب عدة. وتختلف المراكز الطبية العالمية في قدرات الفريق الجراحي في كل منها، في إجراء أنواع محددة من الجراحات القلبية.