«سيرة القاهرة»... رائحة الماضي ممزوجة بحياة المصريين

عبر فيلم توثيقي ومعرض لرسام أسكوتلندي

جانب من المعرض الذي تضمن لوحات روبرت هاي والفنانة شيماء فتحي (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض الذي تضمن لوحات روبرت هاي والفنانة شيماء فتحي (الشرق الأوسط)
TT

«سيرة القاهرة»... رائحة الماضي ممزوجة بحياة المصريين

جانب من المعرض الذي تضمن لوحات روبرت هاي والفنانة شيماء فتحي (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض الذي تضمن لوحات روبرت هاي والفنانة شيماء فتحي (الشرق الأوسط)

استحضرت «مبادرة سيرة القاهرة» ضمن احتفاليتها التي أقامتها أمس (الاثنين) بالتعاون مع «مكتبة الإسكندرية» في بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب، رائحة حواري المحروسة وتاريخ ملوكها وسلاطينها ورجالها وأمراء جيوشها، ومزجتها بتفاصيل الحياة اليومية للمصريين في أيامهم الحالية.
وفي «من دروبها العامرة» الفيلم الوثائقي الذي تم عرضه خلال الفعاليات توالت حكايات المماليك الذين سعوا لتسريبها على ألسنة المصريين مستغلين روحهم الشعبية وإيمانهم بقدراتهم الخارقة، ولم تغب أرواح التجار، وحكايات الدروب والأسبلة والقصور والمساجد والوكالات والحمامات القديمة وحتى قراء الكف والطالع أمثال مشيد بيت السناري «إبراهيم كتخدا السناري» وهو من الذين تحولوا بما لديهم من شهرة وإمكانيات خاصة لمكانة كبيرة وصاروا رموزا ومستشارين يستعين بهم الحكام قبل اتخاذ أي من خطواتهم.
وقال عبد العزيز فهمي الباحث في التراث وأحد مؤسسي المبادرة لـ«الشرق الأوسط»: «نسعى لإلقاء الضوء على دور المجتمع المدني في حقل التراث ومجالاته، من هنا يأتي احتفال المبادرة بمرور عامين على انطلاقها لتوثيق تاريخ القاهرة وأثارها التي لا تعد ولا تحصى، وعقدنا ندوات عديدة وقمنا بجولات لاكتشاف وبحث ما وراء سطور قرأناها في كتب قديمة وصفت القاهرة وتحدثت عن عصورها وتاريخ ممالكها».
ويضيف: «نحاول أن نرى كيف تجسدت القاهرة في بنايات وأحياء عاش فيها المصريون أيامهم، وكيف انطبعت سيرتهم في دروب وأماكن أغوت كل من مر بها من رحالة وعلماء وحجاج ومستشرقين جاءوا لها من كل البقاع وأسرتهم بعمارتها ومحاسنها ولياليها الملاح فهي كانت وما زالت «أصل التفاريح» بحاراتها وتفاصيلها المعمارية العظيمة».
ومزجت الفعاليات التي تنوعت بين عروض الفيديو التوثيقية والتصوير الفوتوغرافي والحكايات بين سنوات مجد المماليك وحياتهم وبين حياة المصريين الحالية، وتحدثت عن فنانيها عادل إمام وشادية وسهير المرشدي الذين عاشوا في حي الحلمية قبل انطلاقهم إلى عالم الفن والشهرة.

استعرض الفيلم الوثائقي «من دروبها العامرة» وبمصاحبة موسيقى تعبق برائحة التاريخ مناطق القاهرة النابضة بالتاريخ والأثار والعمران مثل تقاطع شارع الصليبة مع شارع القصبة العظمى، كما وثق لخانقاه الأمير شيخون والذي يعتبر المنشأة الأبرز في الشارع، والذي «يتقاطع أيضاً مع شارع الركبية الذي تخصص لصنع الحدوات الحديد التي يضع فيها ركاب الأحصنة أقدامهم وهو ينطلقون بها»، حسب قول الباحث عبد العزيز فهمي.
وتجول الفيلم بين شارع السيوفية والذي كان يشتهر ببيع السيوف، وبين باب الفتوح وحي السيدة نفيسة وسبيل أم عباس، والذي كان مصدر إلهام لكثير من الفنانين وتم توثيقه في العديد من اللوحات والصور الفوتوغرافية من أواخر القرن التاسع عشر وحتى بداية العشرين، ولم يغب عن بال صانعي الفيلم استعراض تاريخ منطقة «بركة الفيل» والتي كانت تضم أجمل قصور أمراء وبيوت المماليك، في حي أرستقراطي يجمع بين أصحاب المال والنفوذ والسلطة. وقد ربط الفيلم كل هذا وما تم تقديمه من أعمال درامية وسينمائية خاصة مسلسل «ليالي الحلمية»، كما أشار إلى رمزية الصراع بين عباس حلمي خديو مصر وبكوات المماليك، حيث أزال العديد من أثارهم وبني قصرا أهداه لابنه ثم ورثته حفيدته، وبعد ذلك تم هدمه في أوائل القرن الماضي، ومحو حدائقه وبيعت أرضه، وتوزعت في بيوت وشوارع شكلت حي الحلمية الجديدة.
ولم تتوقف فعاليات الاحتفالية عن حدود التوثيق الفيلمي للقاهرة القديمة والشعر والغناء في محبتها، لكن أقيم أيضاً على هامش كل ذلك معرض فوتوغرافي للوحات الرسام الإسكتلندي روبرت هاي والتي رسمها لمعالم القاهرة في منتصف القرن 19، جاورتها لقطات فوتوغرافية معاصرة لنفس اللوحات للفنانة شيماء فكرى، كان الغرض منها حسب ما قالت لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت خلق نوع من التحاور والمقارنة بين الأثر وملامحه التي رعاها الرسام الأسكوتلنديين وهو يرسم لوحاته وبين الصور التي قمت بالتقاطها، وكان همي أن أخلق نوعا من المحاكاة بين النسخ المرسومة والصور الفوتوغرافية التي كانت عبارة عن 9 لقطات فوتوغرافية».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

عدّدت مصر «إنجازاتها» في ملف حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، قبل مناقشة «تقرير المراجعة الشاملة» أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، في يناير (كانون الثاني) المقبل، وأكدت القاهرة «هدم السجون (غير الآدمية) وإقامة مراكز إصلاح حديثة».

وتقدمت الحكومة المصرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بتقريرها الرابع أمام «آلية المراجعة الدورية الشاملة» التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي، تمهيداً لمناقشته الشهر المقبل، وهو تقرير دوري تقدمه مصر كل 4 سنوات... وسبق أن قدّمت القاهرة 3 تقارير لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في أعوام 2010، و2014، و2019.

وقال عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» بمصر، رئيس «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» (مؤسسة حقوقية)، عصام شيحة، إن «الحكومة المصرية حققت (قفزات) في ملف حقوق الإنسان»، وأشار في تصريحات تلفزيونية، مساء الخميس، إلى أن «السنوات الأخيرة، شهدت قنوات اتصال بين المنظمات الحقوقية والمؤسسات الحكومية بمصر»، منوهاً إلى أن «مصر هدمت كثيراً من السجون القديمة التي كانت (غير آدمية) وأقامت مراكز إصلاح حديثة».

وأوضح شيحة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الجمعة، أن «الحكومة المصرية تبنت فلسفة عقابية جديدة داخل السجون عن طريق الحد من العقوبات السالبة للحريات، وأنها هدمت نحو 15 سجناً، وقامت ببناء 5 مراكز إصلاح وتأهيل وفق أحدث المعايير الدولية، وتقدم برامج لتأهيل ودمج النزلاء».

عادّاً أن تقديم مصر لتقرير المراجعة الدورية أمام «الدولي لحقوق الإنسان» بجنيف، «يعكس إرادة سياسية للتواصل مع المنظمات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان».

وشرعت وزارة الداخلية المصرية أخيراً في إنشاء «مراكز للإصلاح والتأهيل» في مختلف المحافظات، لتكون بديلة للسجون القديمة، ونقلت نزلاء إلى مراكز جديدة في «وادي النطرون، وبدر، و15 مايو»، وتضم المراكز مناطق للتدريب المهني والفني والتأهيل والإنتاج، حسب «الداخلية المصرية».

ورغم الاهتمام الحكومي بملف حقوق الإنسان في البلاد، وفق مراقبين؛ فإن عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» يرى أن «هناك ملفات تحتاج إلى تحرك مثل ملف الحبس الاحتياطي في التهم المتعلقة بالحريات».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستعرض التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» في مصر (الرئاسة المصرية)

وفي وقت سابق، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استجابته لتوصيات مناقشات «الحوار الوطني» (الذي ضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين وسياسيين) بشأن قضية الحبس الاحتياطي، داعياً في إفادة للرئاسة المصرية، أغسطس (آب) الماضي، إلى «أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس، وتطبيق بدائل مختلفة للحبس الاحتياطي».

ويرى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب أيمن أبو العلا، أن «الحكومة المصرية حققت تقدماً في تنفيذ محاور (الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان) التي أطلقتها عام 2021»، ودلل على ذلك بـ«إلغاء قانون الطوارئ، وتشكيل لجان للعفو الرئاسي، والسعي إلى تطبيق إصلاح تشريعي مثل تقديم قانون جديد لـ(الإجراءات الجنائية) لتقنين الحبس الاحتياطي».

وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد عرض على الرئيس المصري، الأربعاء الماضي، التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، متضمناً «المبادرات والبرامج التي جرى إعدادها للارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي».

وحسب إفادة للرئاسة المصرية، وجه الرئيس المصري بـ«استمرار جهود نشر الوعي بحقوق الإنسان في مؤسسات الدولة كافة، ورفع مستوى الوعي العام بالحقوق والواجبات»، وشدد على «تطوير البنية التشريعية والمؤسسية لإنجاح هذا التوجه».

عودة إلى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بـ«النواب» الذي قال إن ملف حقوق الإنسان يتم استغلاله من بعض المنظمات الدولية سياسياً أكثر منه إنسانياً، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ازدواجية في معايير بعض المنظمات التي تغض الطرف أمام انتهاكات حقوق الإنسان في غزة ولبنان، وتتشدد في معاييرها مع دول أخرى».