تنقل أمواج بحر بيروت تمتمات مدينة لا تزال قادرة على الجَمع. في الاستراحة الخارجية لفندق «الموفمبيك» المطل على اتساع الأفق استعداداً لاحتواء قرص الشمس، تجمع إعلاميون بكاميراتهم وهواتفهم. يضرب «التلفزيون العربي» موعداً مع الصحافة لإطلاق شبكة «برامج الخريف» من العاصمة اللبنانية الهائم في سمائها هواء عذب يُحلي الأمسية. بعد امتلاء المكان بالمدعوين، يصل الفنان مروان خوري مع ممثل قناة «العربي الثانية» جوزيف الحسيني فيشاركان أملهما بأن يُكتب للطموح النجاح.
بدأت الموسيقى الكلاسيكية تتصاعد، قبل أن يغلبها تصفيق لمروان خوري وهو يهم لإلقاء كلمة مختصرة يطلق فيها الموسم الرابع من برنامجه «طرب مع مروان» عبر قناة «العربي الثانية»، المولود الجديد بعد «التلفزيون العربي» الإخباري. من صخب العالم إلى مُتنفس الثقافة والفن، تكون القناة التي انطلق بثها من لندن، فالدوحة مع بداية العام الحالي مساحة خاصة لمتذوقي الترفيه المُطعم بالمعنى، وفق ما يشدد الحسيني لـ«الشرق الأوسط». برأيه، «الثقافة مَهمة صعبة في زمننا السريع. نحن كمَن يخوض معركة».
توشك الشمس على الاستلقاء في حضن المغيب، كأنه سكينتها. حين اعتلى فنان «كل القصايد» المنبر للكلام، راح يفيض منه امتنان ترجمه بكلمات: «أشكر الجَمعة الحلوة. لسنا جميعاً في مزاج يتيح التجمع للاحتفال. لم نعد كالسابق». بدا سعيداً بمَن حوله، يقودهم إلى نقطة البداية: «الأمر يشبه الصدفة. لم أتوقع دخولي عالم تقديم البرامج. الأشياء التي ستحدث لن يقف شيء في طريقها».
برنامجه «طرب مع مروان» مرآة شخصيته: «أراهن فيه على عفويتي». هو الصيغة التي توصل و«التلفزيون العربي» إليها، بعدما منحه الثقة. ضيفة الحلقة الأولى الفنانة السورية العائدة إلى المقابلات بعد غياب ميادة الحناوي، على أن يحاور بالطرب والعزف أسماء بينها العراقية رحمة رياض واللبناني المتواري في مساحته إلياس كرم.
تكرر سؤاله عمَن يود استضافتهم ولم تلتقِ الجسور بعد، فكان جواب تسبقه ابتسامة: «كاظم الساهر فيجمعنا حوار موسيقي؛ زياد الرحباني فأسأله ما لم يُسأل؛ مارسيل خليفة، وفنانون من الخليج». تقربه الشاشة من الناس كما تفعل أغنياته وألحانه، «إنما بصيغة جديدة»، فيها يكون العازف والفنان والمُحاور. لا يمانع في استضافة نجوم سبق أن استضافهم في مواسم فائتة، فالعراقيل أمامه محدودة، يتصدرها، بقوله، استيفاء الحقوق القانونية لاستعمال الأغنيات.
يخرق هدير طائرة تعبُر الجو، هدوء المساء بعد هبوط العتمة. مروان خوري راضٍ على تجربة المواسم الثلاثة ويستعد ليمنح الموسم الرابع كثيراً من ذاته. خشي أن يشكل البرنامج هاجساً أشبه بسجن ولم يترقب الاستمرار أكثر من موسم. حمسته البداية، فتابع طريقاً يريد منه منح الناس استراحة طربية من قلق أيامهم وتسارُع الأحداث، ومن طاقة سلبية تهطل فوق الرؤوس كالمطر. لا يصنف نفسه مقدماً، «بل أنا مُضيف، أستضيف نجوماً يغادرون بابتسامة»، يقول مَن يتروى في عمله ليُتقنه، فتلومه ماجدة الرومي التي يحضر لها لحناً، «أنتَ بطيء يا مروان!».
يتذكر قصته مع صاحبة «عم أحلمك يا حلم يا لبنان» ويضحك. فيما عازفة كمان تطلق أنغاماً على مسافة أمتار مما يقف للرد على أسئلة الصحافيين، يتمهل أمام سؤال «الشرق الأوسط» عن هاجس التكرار في الفن وتقديم البرامج، هل يهاب سهامه؟
يجيب أنه شبح يخيف أي فنان، «فالموضوعات الفنية ليست جديدة، وما يختلف من نجم إلى آخر هي طريقة صوغها وتقديمها بلحن أو كلمة أو حضور على المسرح، وأيضاً بـ26 حلقة من برنامجي في كل موسم. متى تقبل الناس فكرة الأصالة، أصبحت مظلة تتحرك تحتها أغنيات الزمن الجميل وأغنيات فنانين لهم أثرهم، كما مواهب جديدة تستحق الضوء، أغنت القديم أم أتت بأغنياتها الخاصة».
نطرح سؤالاً ليلخص من خلاله نظرته التقويمية للمشهد الفني اليوم. يتحسر مروان خوري على عصر «هو ليس ذهبياً ويبتعد عنه كثيراً»، ويكمل: «المسألة لا تتعلق بالفن وحده، بل مردها إلى اختلاف المعايير والوسائل. تفرض السوشيال ميديا سلطانها على زمننا وتكرس السهل نقيض الإبداع، فتنضم الموسيقى إلى دائرة التأثر. فرص النجاح لا تزال ممكنة، وثمة مَن يقدمون ما يؤكد تحليهم بالموهبة، وإن كانوا قلة».
حين تولى مدير البرامج في «العربي الثانية» جوزيف الحسيني، الكلام، عدد بعض ما ينتظر مشاهديها، إلى «طرب مع مروان»: «شبكة منوعة تُرفه، وفي آن تُثقف، كبرنامج (ضفاف) اليومي وهو يغطي الأحداث المرتبطة بالفنون والثقافة؛ وبرنامج (مقامات) المتخصص بإحياء التراث الموسيقي العربي؛ و(مشوار ستي) المهتم بالإرث الشفوي للغناء الفلسطيني؛ (صباح النور)، مجلة صباحية تشمل الأحداث المتفاعلة في مواقع التواصل، كما السينما والرياضة والطبخ والمحطات التاريخية... إلى العديد من البرامج الأخرى».
يُذكر الحسيني بهدف إطلاق «العربي الثانية»: مزج الثقافة بالترفيه، ويُخبر «الشرق الأوسط» أن أي برنامج لا يستوفي بند الثقافة ضمن خطه الترفيهي، «نُخرجه من حساباتنا». لكنه يميز بين جمود إنْ طرأ على البرنامج الثقافي أحاله بارداً عصياً على الجذب، وبين ضرورة تحلي الثقافة بروح حية. برأيه، «إنها مسألة شاقة أن يكون لنا حضور في مواقع التواصل ضمن أولويات الجيل الشاب، وفي الوقت عينه، نهتم بمحتوى جدي». الحسيني المنتقل إلى «العربي» بعد تجارب لم تدم في تلفزيونات تجارية لبنانية يصوب على الهم الكبير: «نحاول أن نكون محطة تجمع العائلة، والتفاهة لا تجمع».
«التلفزيون العربي» ومروان خوري يطلقان شبكة «برامج الخريف»
«طرب مع مروان» يعود بموسم رابع يمزج الثقافة بالترفيه
«التلفزيون العربي» ومروان خوري يطلقان شبكة «برامج الخريف»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة