خامنئي يظهر بعد فترة غياب واحتدام النقاش بشأن خلافته

أنباء عن رفض نجله بين مراجع قم... رئيسي يحافظ على حظوظه... وميول «إصلاحية» لحفيد الخميني

خامنئي لدى حضوره مراسم دينية صباح السبت (رويترز)
خامنئي لدى حضوره مراسم دينية صباح السبت (رويترز)
TT

خامنئي يظهر بعد فترة غياب واحتدام النقاش بشأن خلافته

خامنئي لدى حضوره مراسم دينية صباح السبت (رويترز)
خامنئي لدى حضوره مراسم دينية صباح السبت (رويترز)

وسط احتدام النقاش بشأن هوية المرشد الإيراني الثالث، وضع المرشد الحالي علي خامنئي، حداً لغياب دام أكثر من أسبوع، وشارك أمس في احتفال ديني، حضره أنصاره من طلاب الجامعات الإيرانية.
ونشر الموقع الرسمي لخامنئي صوراً من حضوره خلال المراسم التي حضرها حشد من طلاب الجامعات الإيرانية في حسينية الخميني التابعة لمكتب خامنئي. وأظهر التلفزيون الحكومي، خامنئي (83 عاماً) واقفاً، وهو يتحدث بصوت ثابت للحاضرين الذين افترشوا الأرض عن أهمية ذكرى الأربعين.
وهي مراسم تقام في مراسم إحياء أربعينية الإمام الحسين. واستغرقت كلمة خامنئي في المراسم سبع دقائق، حسب التسجيل الصوتي الذي نشره موقعه.
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»، الجمعة، نقلاً عن أربعة أشخاص مطلعين على الوضع الصحي لخامنئي، إن الزعيم الأعلى ألغى جميع الاجتماعات والمظاهر العامة الأسبوع الماضي، بعد تعرضه لوعكة صحية شديدة، مضيفة أنه طريح الفراش في الوقت الراهن ويخضع لمراقبة الأطباء.
وانتقد مقربون من مكتب خامنئي تقرير الصحيفة الأميركية. واحتج مستشار الفريق المفاوض النووي، محمد مرندي، علی تقریر الصحيفة، معتبراً ما نقتله عن مصادر إيرانية أنه «يفتقد للمصداقية». ويترأس والد مرندي الفريق الطبي الخاص بالمرشد الإيراني منذ سنوات.
في السياق نفسه، قالت «رويترز»، إن مصدرين وصفتهما بالمقربين من خامنئي، نفيا الجمعة تدهور حالته الصحية، رداً على أسئلة بشأن وضعه الصحي.
أتى ظهور خامنئي، صاحب كلمة الفصل في النظام، بعدما انشغل الإيرانيون على مدار الأسابيع الأخيرة بتقارير وتكهنات عن حالته الصحية، وسط ترقب بشأن مستقبل المحادثات المتعثرة بشأن إحياء الاتفاق النووي، ومخاوف من تفاقم الأزمة الاقتصادية والاستياء الشعبي من تدهور الوضع المعيشي.
ويعود آخر ظهور علني لخامنئي إلى 3 سبتمبر (أيلول) الحالي، حيث التقى المشاركين في مؤتمر ديني دولي نظمته السلطات الإيرانية.


المرشد الإيراني خلال مؤتمر الثالث من سبتمبر الذي غاب بعده أسبوعين عن الأنظار (موقع خامنئي)
وتداولت الوكالات الرسمية الإيرانية، الأسبوع الماضي، تقارير عن لقائه بحشد من الرياضيين، دون أن ينشر موقعه الرسمي أي صورة أو خبر من اللقاء.
وفي حدث نادر، لم يستقبل خامنئي أعضاء مجلس خبراء القيادة نهاية الأسبوع الماضي، وهو اجتماع ينعقد كل ستة أشهر بعد نهاية اجتماعات تمتد لـ48 ساعة بين رجال الدين المتنفذين في السلطة.
ومن بين مهام المجلس الذي يتكون من 88 رجل دين منخرطين في الأنشطة السياسية والدينية، تسمية خليفة للمرشد الإيراني في حال وفاته، أو تعذر ممارسة مهامه، بالإضافة إلى تقييم الأداء، وهي أدوار معطلة إلى حد بعيد، وفق كثير من المحللين. وكان لافتاً دفاع رئيس مجلس خبراء القيادة أحمد جنتي، (95 عاماً) عن أداء خامنئي على مدى ثلاثة عقود، معتبراً أن «ولاية الفقيه أنقذت البلاد من الأحداث والأزمات الكبيرة».
شغل خامنئي منصب المرشد الإيراني، بعد وفاة المرشد المؤسس (الخميني) في 1989، وكان خامئني حينذاك يشغل منصب الرئيس الإيراني. ولعب الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان رئيساً للبرلمان، دوراً رئيساً في ترشيح خامنئي للمنصب.

توريث خامنئي
تسبب غياب اللقاء التقليدي بين خامنئي ومجلس خبراء القيادة في دفعةٍ من السجال الدائر حول احتمال توريث أحد أبناء المرشد الحالي، تحديداً نجله الأوسط، مجتبى خامنئي (53 عاماً) الشخصية الغامضة التي تمسك بزمام الأمور في مكتب والده.
في 8 من أغسطس (آب) الماضي، حذر الزعيم الإصلاحي الإيراني مير حسين موسوي، الخاضع للإقامة الجبرية منذ فبراير (شباط) 2011، من «مؤامرة توريث» منصب المرشد.
وأشار موسوي في مدونة نشرها موقعه الرسمي إلى ما تقوله بعض الأوساط عن إمكانية تولي «أبناء قائد الشيعة بعد وفاته». وكان موسوي يشير إلى تركيز المواقع المؤيدة لخامنئي في الآونة الأخيرة على نشر الروايات حول نقل الإمامة من الآباء للأبناء لدى الشيعة الاثني عشرية.
بعد نحو ثلاثة أسابيع، أخذ تحذير موسوي منحاً جدياً، بعدما استخدم موقع حوزة قم العملية، لقب «آية الله» لأول مرة في تسمية مجتبى خامنئي. وتسمية «آية الله» لقب ديني يطلق على رجال الدين من المرتبة الأولى حسب التسلسل الهرمي في إيران، وهو ما اعتبر مؤشراً إلى احتمال توريثه منصب المرشد.
وكان استخدام التسمية بمناسبة إعلان عن فتح أبواب التسجيل أمام الطلبة الراغبين بحضور دروس مجتبى خامنئي لـ«فقه الخارج»، أي المرحلة الأخيرة في النظام الحوزي للحصول على مرتبة «الاجتهاد».

عرقلة من المراجع
في أعقاب إلغاء اجتماع خامنئي ومجلس خبراء القيادة، جرى تداول منشورات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حول «عدم اكتمال نصاب» اجتماع مجلس خبراء القيادة إثر غياب 30 من أعضاء المجلس.
وحسب إحدى الروايات، فإن نجل خامنئي التقى عدداً من كبار المراجع في حوزة قم العلمية، بما في ذلك مكارم شيرازي. وتفيد المصادر بأن المراجع «شددوا على ضرورة تحول ولاية الفقيه إلى شورى القيادة، وإبعادها عن الحالة الفردية (ولاية الفقيه المطلقة)، وهو ما تسبب في صدمة كبيرة».
وأعادت هذه الرواية، اعتقال أحد المقربين من المرجع مكارم شيرازي، بتهمة «الفساد وتلقي رشوة» خلال الأسبوع الماضي، إلى «ضغوط» ضده إثر موقفه من نجل خامنئي. وقالت إن المرجع الديني «أحبط الضغوط والدعاية ضده عندما دحض أي ارتباط عائلي بينه وبين الشخص الموقوف بتهمة الفساد».
وتقول المصادر إن «جهود المراجع ومشاورات بعض أعضاء مجلس خبراء القيادة أدتا إلى مقاطعة 30 عضواً، وعرقلة الاجتماع الذي يعقد كل ستة أشهر». وقالت أيضاً إن «رسالة الدعوة لحضور الاجتماع كانت تشير إلى إعلان نتائج لجنة التحقيق التي تحمل على عاتقها انتخابات المرشح التالي لولاية الفقيه». وأضافت أن «هذا الحدث كشف عن خلاف كبير في معسكرهم».
ولم يعلق مكتب خامنئي على تحذير مير حسين موسوي، لكن وسائل الإعلام التابعة لـ«الحرس الثوري» هاجمته بشدة بسبب انتقاداته للتدخل الإيراني في الحرب الداخلية السورية، دون التطرق لقضية التوريث.
وليس من الواضح مدى جدية اهتمام بيت المرشد الإيراني بقضية التوريث، لكن من المرجح أن تلاقي الفكرة ترحيباً لدى صقور المحافظين، وكبار جنرالات «الحرس الثوري» الذين عملوا عن كثب مع نجل خامنئي.


مجتبى خامنئي وقاسم سليماني (فارس)

رجل الظل
سلطت الأضواء على دور مجتبى في مكتب والده في الانتخابات الرئاسية لعام 2005، عندما وجه الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي، رسالة إلى خامنئي يحذر فيها من تدخل مجتبى خامنئي في الانتخابات لصالح أحد المرشحين، في إشارة إلى محمود أحمدي نجاد في تلك الانتخابات.
وفي انتخابات 2009، طرح اسم مجتبى خامنئي على نطاق أوسع، وهذه المرة واجه اتهامات بقمع المحتجين والتدخل في الانتخابات، وردد المشاركون في احتجاجات الحركة الخضراء هتافات حادة ضده.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2018، وجه كروبي رسالة حادة إلى خامنئي، مطالباً إياه بتحمل مسؤولية أعماله على مدى 30 عاماً، وقال فيها «طلبت أن تمنع نجلك، ولم تمنعه، ورأيت ماذا فعل في 2009 بدعمه للتيار الانقلابي، وماذا فعل بالنظام والثورة».
وفي 2012 يناير (كانون الثاني)، وجه الناشط الإصلاحي مجتبى تاج زاده، تهماً مباشرة إلى مجتبى خامنئي، مباشرة، بالوقوف وراء اعتقاله واعتقال وزوجته، وأطلق سراحه في 2016، وأعادت السلطات اعتقال تاج زاده الذي شغل منصباً أمنياً رفيعاً في حكومة محمد خاتمي، في يوليو (تموز) الماضي بتهمة التجمع والتآمر ضد الأمن القومي والدعاية ضد النظام.
درس مجتبی خامنئي في مدرسة «علوي» بمدينة قم، وهي المدرسة التي تخرج غالبية رجال الحكم في إيران من بينهم الرئيس الحالي. وهو صهر غلام علي حداد عادل، المستشار الثقافي للمرشد الإيراني.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على نجل خامنئي، ضمن تسعة مسؤولين من الحلقة الضيقة حول خامنئي، وشملت نجله مجتبى، بالإضافة إلى الرئيس الحالي.

نقاط تشابه
من الواضح أن فكرة التوريث خطفت اهتمام المتابعين لقضية خلافة المرشد والتكهنات عن المرشحين المحتملين لخلافته، وذلك بعدما ارتفعت حظوظ إبراهيم رئيسي لتولي منصب المرشد الثالث.
وفاز رئيسي في الانتخابات الرئاسية، العام الماضي، دون أن يزاحمه منافس حقيقي، إثر إبعاد وجوه التيار الإصلاحي من السباق. وكان منصب الرئاسة ثاني منصب يتولاه رئيسي خلال خمس سنوات بعد توليه رئاسة القضاء بمرسوم صادر من خامنئي.
وفي الواقع، دخل رئيسي قائمة المرشحين المحتملين بعدما اختاره خامنئي في نهاية 2015، رئيساً لهيئة «آستان رضوي»، التي تشرف على إدارة مرقد الإمام الثامن لدى الشيعة في مدينة مشهد التي يتحدر منها كل من خامنئي ورئيسي. وتملك الهيئة التابعة لمكتب خامنئي مجموعة من الشركات الثرية النشطة في الاقتصاد الإيراني.
وبدأت وسائل إعلام «الحرس الثوري» في استخدام لقب «آية الله» لرئيسي، كما جمع لقاء نادر في أبريل (نيسان) 2016 بين قائدي «الحرس الثوري» حينذاك محمد علي جعفري، وقاسم سليماني، وقدم القائدان تقريراً إلى رئيسي عن أنشطة «الحرس» داخلياً وإقليمياً. وفسرت الخطوة بأنها «بيعة من قادة الحرس لمرشح صاعد يتدرب على أدبيات المرشد الإيراني».
وفي الذكرى الأولى لانتخاب رئيسي، دافع خامنئي الشهر الماضي بشدة عن أداء الحكومة ضد الانتقادات الموجهة لها بتفاقم التدهور الاقتصادي وإطالة المحادثات الرامية لاستعادة الاتفاق النووي.
ويتوقع أن يتوجه رئيسي، الأسبوع المقبل، إلى نيويورك، للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويحاول رئيسي إعادة التذكير بخطاب خامنئي عندما كان رئيساً للبلاد في 22 سبتمبر 1987، في ذروة «حرب الناقلات» بين إيران والولايات المتحدة في الخليج.
وقال معتقلون سابقون في إيران، هذا الأسبوع، إنهم بصدد تحريك دعوى في محاكم نيويورك ضد رئيسي لدوره السابق في الجهاز القضائي الإيراني. وجاء الإعلان بعد دعوات ومناشدات للإدارة الأميركية بعدم منح رئيسي تأشيرة السفر للولايات المتحدة لدوره في «لجنة الموت» المسؤولة عن تنفيذ إعدامات 1988، بناءً على فتوى المرشد الأول (الخميني).
ورغم نقاط التشابه بين رئيسي وخامنئي قبل توليه المنصب، إلا أن بعض المحللين يعتقدون أن أداء رئيسي الحالي يمكن أن يؤدي إلى تراجع حظوظه في الوصول إلى أعلى منصب في البلاد.

شبح الإصلاحي
يهدد شبح المرشح المدعوم من التيار الإصلاحي التطلعات الحالية لتولي أحد المقربين من خامنئي، إذ يعد حفيد المرشد الإيراني الأول، حسن خميني، الذي تربطه علاقات وثيقة بصقور المعسكر الإصلاحي، مرشحاً ثالثاً لتولي المنصب.


حسن خميني وحسن روحاني في ذكرى رفسنجاني في 2019 (غيتي)
إضافة إلى المعسكر الإصلاحي، يحظى حسن خميني، بتأييد الأوساط الدينية المقربة من مؤسسة جده، خصوصاً المراجع الذين يتحفظون على أسلوب حكم خامنئي.
وحاول حسن خميني، تعزيز دوره في الأوساط الدينية عبر الترشح لانتخابات مجلس خبراء القيادة التي جرت في فبراير (شباط) 2016، لكنه استبعد من الانتخاب بدعوى عدم اكتمال أوراقه. وسعى خميني ثانية لشغل منصب سياسي من بوابة الانتخابات الرئاسية لعام 2021، لكن خامنئي أوصاه بأن ترشحه للانتخابات «لن يكون في مصلحة النظام».
ويعول أنصار نهج الخميني، بما في ذلك أنصار العودة إلى «شورى القيادة»، والتيار الإصلاحي، على ترشيح حسن خميني. ويعد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، والرئيس السابق حسن روحاني، ونائبه إسحاق جهانغيري، أبرز وجوه هذا التوجه.
وخلال الأيام الأخيرة، زاد روحاني وجهانغيري من تحركاتهما السياسية. وبادر روحاني الشهر الماضي لتهنئة خلفه رئيسي على نهاية العام الأول من رئاسته. وذكرت صحيفة «جام جم» التابعة لهيئة التلفزيون الرسمي، أن تيار روحاني «يمهد الطريق للعودة إلى الساحة السياسية عبر التركيز على الانتخابات البرلمانية» المتوقع إجراؤها في فبراير 2023، وقالت الصحيفة، «يحاول أن يقوم بدور القادة لتيار الإصلاحيات، وطرح نفسه بديلاً لهاشمي رفسنجاني».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

احتجز «الحرس الثوري» الإيراني، أمس، ناقلة نقط في مضيق هرمز في ثاني حادث من نوعه في غضون أسبوع، في أحدث فصول التصعيد من عمليات الاحتجاز أو الهجمات على سفن تجارية في مياه الخليج، منذ عام 2019. وقال الأسطول الخامس الأميركي إنَّ زوارق تابعة لـ«الحرس الثوري» اقتادت ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما إلى ميناء بندر عباس بعد احتجازها، في مضيق هرمز فجر أمس، حين كانت متَّجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي قبالة خليج عُمان. وفي أول رد فعل إيراني، قالت وكالة «ميزان» للأنباء التابعة للسلطة القضائية إنَّ المدعي العام في طهران أعلن أنَّ «احتجاز ناقلة النفط كان بأمر قضائي عقب شكوى من مدعٍ». وجاءت الو

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».