صالح والمشري... صفقات مؤقتة للحصول على «مكاسب سياسية»

اتفاقهما على استبعاد شروط الترشح للرئاسة أثار جدلاً كبيراً في ليبيا

من لقاء سابق بين ويليامز وصالح والمشري في جنيف (البعثة الأممية لدى ليبيا)
من لقاء سابق بين ويليامز وصالح والمشري في جنيف (البعثة الأممية لدى ليبيا)
TT

صالح والمشري... صفقات مؤقتة للحصول على «مكاسب سياسية»

من لقاء سابق بين ويليامز وصالح والمشري في جنيف (البعثة الأممية لدى ليبيا)
من لقاء سابق بين ويليامز وصالح والمشري في جنيف (البعثة الأممية لدى ليبيا)

قبل ثمانية أشهر من الآن، دعت المستشارة الأممية السابقة لدى ليبيا، ستيفاني ويليامز، النخبة السياسية في البلاد للتوقف عما سمَّته «لعبة الكراسي الموسيقية»، في معرض انتقادها للتجاذب الشديد بين مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»، وما تسفر عنه من تعطيل للمسار السياسي.
ومنذ توقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب قبل قرابة سبعة أعوام، لم تخلُ العلاقة بين المجلسين من مناكفات حول طبيعة الاختصاصات والصلاحيات التشريعية، ما اعتبره سياسيون وأكاديميون «سبباً في تمديد المرحلة الانتقالية، ومن ثم تعطيل إنجاز الانتخابات العامة».
والمجلسان اللذان رأت ويليامز قبل مغادرة منصبها أن مدة التفويض الممنوحة لهما «انتهت بموجب انتخابهما قبل سبع وعشر سنوات»، يسعيان من طريق رئيسيهما عقيلة صالح وخالد المشري لتجاوز العثرات القانونية والخلافات الدائمة، وإن كان بخطى يراها المراقبون «بطيئة للغاية».
غير أن المناكفات السياسية هذه لم تمنع صالح والمشري من عقد «مباحثات سرية» خارج ليبيا، وهو ما اعتبره البعض في إطار «صفقات» تستهدف الحصول على «مكاسب سياسية»؛ لكن الطرفين يؤكدان دوماً أن لقاءاتهما ترمي إلى إحداث توافق حول ما تبقى من نقاط الخلاف على الدستور الليبي.
وسبق أن عقد صالح والمشري «اجتماعات سرية» في المغرب والقاهرة، لم يُفصح عنها في حينه؛ لكن كواليس هذه اللقاءات كشفت أن النقاشات تمحورت حول «المناصب السيادية»، وما تبقى من نقاط خلافية حول «المسار الدستوري».
وفي هذا السياق، قال مصدر مقرب من صالح إن «لقاءات صالح والمشري في القاهرة، الشهر الماضي، تعثرت بسبب عدم اتفاقهما حول موقف الدستور من مزدوجي الجنسية، ومشاركة العسكريين في الترشح، والتصويت في الانتخابات».
وسبق للمستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب، عبد الحميد الصافي، أن صرح في الخامس من أغسطس (آب) الماضي، بأن اللقاء الذي جمع صالح والمشري في القاهرة: «لم يكتمل»؛ مشيراً إلى أنه «تم الاتفاق على أن يعودا إلى مجلسيهما لمزيد من التشاور، والوصول إلى الاتفاق النهائي لمسودة الدستور فيما يخص المسار الدستوري».
وجاء لقاء صالح والمشري في القاهرة بعد لقاءين: الأول في 18 من يونيو (حزيران) الماضي في القاهرة أيضاً، وكان برعاية أممية، والثاني احتضنته جنيف في الشهر ذاته. وكان يفترض أن يعود صالح والمشري لإكمال المباحثات في مصر مجدداً، وفق ما صرحت به مصادر مقربة منهما لـ«الشرق الأوسط». لكن الأول فاجأ نواب البرلمان، عندما قال خلال انعقاد مجلسه في بنغازي نهاية الأسبوع الماضي، إنه اتفق مع رئيس المجلس الأعلى للدولة على «استبعاد شروط الترشح للرئاسة من القاعدة الدستورية، وترك هذه المسألة للجسم التشريعي الجديد».
مفاجأة صالح التي أثارت جدلاً في الأوساط السياسية، وعدَّها البعض بمثابة إلقاء حجر في المياه الراكدة، والتي لم يعلق عليها المشري، اعتبرها البعض «صفقة» يتم بمقتضاها إجراء الانتخابات، على أن يتم استبقاء حكومة عبد الحميد الدبيبة، مع إجراء تعديلات وزارية عليها، مقابل فتح الطريق لعقيلة صالح ليترأس المجلس الرئاسي، ومنحه هو أيضاً حق التعديل على حكومة الدبيبة.
لكن هذا الحديث المتداول عبر وسائل إعلام محلية اعترض عليه برلماني مقرب من القيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، قال لـ«الشرق الأوسط» محتجاً: «نحن ضد استبقاء حكومة منتهية الصلاحية بأي حال»، في إشارة إلى حكومة الدبيبة؛ مضيفاً أنه «إذا تمت تسوية سياسية تعود بالنفع على البلاد، وتسرّع من إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، فإننا سنؤيدها؛ لكن غير ذلك يعتبر هراء، ولا نعقّب عليه».
وكانت قناة «ليبيا الأحرار» قد نقلت عن عضو مجلس النواب، زياد دغيم، قوله إن «صالح يريد إجراء انتخابات برلمانية دون الرئاسية، بشرط أن يترأس المجلس الرئاسي الجديد لمدة ثلاث سنوات، وهو الأمر الذي نفاه المتحدث باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، قائلاً إن «الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستكون متزامنة، ولا صحة لما يتردد عكس ذلك».
ويقع صالح والمشري تحت ضغط دولي؛ إذ سبق أن حث مندوب الولايات المتحدة في كلمته أمام مجلس الأمن، نهاية أغسطس الماضي، كلاً من رئيسي مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» على ضرورة التعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والتوافق حول الإطار الدستوري اللازم لإجراء الانتخابات. كما حذر المندوب الأميركي حينها من أن «ليبيا على حافة الهاوية»، بسبب استمرار حالة الانسداد السياسي الراهنة، ولذلك دعا الأطراف كافة إلى ضرورة العمل معاً، من أجل إنجاز العملية السياسية وتنظيم الانتخابات.


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

ماذا ينتظر الليبيون من إحاطة خوري أمام «مجلس الأمن»؟

خوري في لقاء سابق مع ممثلي الأحزاب السياسية الليبية (البعثة الأممية)
خوري في لقاء سابق مع ممثلي الأحزاب السياسية الليبية (البعثة الأممية)
TT

ماذا ينتظر الليبيون من إحاطة خوري أمام «مجلس الأمن»؟

خوري في لقاء سابق مع ممثلي الأحزاب السياسية الليبية (البعثة الأممية)
خوري في لقاء سابق مع ممثلي الأحزاب السياسية الليبية (البعثة الأممية)

تستعرض القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري، الاثنين، إحاطتها الدورية الرابعة أمام مجلس الأمن الدولي عن الأوضاع بالساحة الليبية.

ويتطلع الليبيون إلى أن تحمل هذه الإحاطة المرتقبة، مبادرة أو خريطة طريق تنهي حالة الجمود والانسداد الراهنين اللذين تمر بهما العملية السياسية والدفع قدماً نحو إجراء الانتخابات.

وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، أجرت المبعوثة الأممية بالإنابة لقاءات ومباحثات مكوكية مع الأطراف الرئيسية والفاعلة بالساحة الليبية وسفراء غربيين، وهو ما عدّ محاولة لتأسيس أرضية من التوافق وحشد الدعم لمبادرتها المرتقبة التي قد تعلنها أمام مجلس الأمن.

ورغم هذا الجهد المرصود، فإن توقعات وآراء سياسيين ومراقبين حيال ما ستطرح خوري، انقسمت بين مَن ذهب إلى أنها ستعتمد على آليات مشابهة سبق واعتمدها أسلافها من المبعوثين الأمميين وبالتبعية سينتهي مآلها مثل مبادراتهم بـ«التعثر أو الفشل»، ومَن عوّل على تدشينها مساراً جديداً يمهد فعلياً لإجراء الانتخابات.

عضو مجلس النواب الليبي، جلال الشويهدي، انضم للطرح الأول، مستبعداً «أن تحقق خوري أي جديد بالمشهد السياسي». وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» توقع أن تعتمد خوري «آليات مشابهة لما اعتمدته المبعوثة السابقة، ستيفاني وليامز، وهي تشكيل لجنة حوار سياسي تضم أعضاء من مجلسي النواب والأعلى للدولة، بالإضافة إلى مشاركة ممثلي مكونات وتيارات أخرى بالمجتمع، وهو ما لن يؤدي لأي اختراق حقيقي».

وكانت وليامز رعت «ملتقى حوار سياسي» أسفر عن انتخاب حكومة «الوحدة الوطنية» والمجلس الرئاسي. إلا أنه فشل في إحراز توافق حول الإطار القانوني للانتخابات مما زاد من تعقيد المشهد السياسي.

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس بالغرب مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية، وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني»، خليفة حفتر.

بالمقابل ووفقاً لقراءاته للقاءات التي عقدتها خوري قبل إحاطتها، يتوقع عضو مجلس الأعلى للدولة، علي السويح، أن تمهّد تلك الإحاطة «لمسار ومشهد سياسي جديد».

وقال السويح لـ«الشرق الأوسط» إن البعثة أعلنت عبر بياناتها الأخيرة عزمها إطلاق عملية سياسية شاملة؛ وخوري تبدو جادة في مسعاها؛ و«لكنها في الأغلب لن تتجه لتشكيل لجنة حوار سياسي كما يردد بعضهم، وإنما لجان فنية، تضم خبراء بمجالات عدة لدراسة وتجاوز العقبات التي تعترض إجراء الانتخابات».

وأضاف: «ربما ستكون هناك لجنة لحسم الخلاف والجدل حول القوانين الانتخابية التي أنتجتها لجنة (6+6) المشتركة من أعضاء مجلسي (النواب) و(الدولة)، التي أقرها البرلمان قبل أكثر من عام، وأيضاً لجان اقتصادية وأمنية»، متابعاً: «تلك اللجان ستقدم توصيات تتبنى البعثة تنفيذها لاحقاً بالتنسيق مع الجهات المعنية».

من جهته، أكد المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، أن «المجتمع الدولي عبر البعثة الأممية، سيضع ضمانات تستهدف الوصول إلى إجراء الانتخابات رئاسية وتشريعية بالبلاد، قبل أن يسمح بتشكيل تلك الحكومة، مع الحرص بالوقت ذاته على عدم حدوث أي اختراق للآلية التي سيتم من خلالها اختيار رئيس تلك الحكومة».

ويتوقع محفوظ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لن يُسمح بأن تكون الحكومة المقبلة تكراراً لصفقة تقاسم السلطة بين فرقاء الأزمة سرعان ما تنهار ويتجدد الخلاف بينهم».

ووفقاً لرؤيته فإن خوري «قد تعلن عن خريطة طريق يتم تنفيذ مراحلها بداية العام المقبل، من بينها تشكيل لجنة محدودة العضوية، تنحصر مهمتها في إحداث التوافق المفقود حول القوانين الانتخابية، وتشكيل الحكومة».

ورغم ما عقدته خوري من لقاءات مع عدد من السفراء الغربيين في محاولة لحشد الدعم الدولي لمبادرتها المرتقبة، يرى محفوظ أن ذلك «لن يقلل من حجم التحديات التي ستواجهها».

بدوره، أشار مدير «مركز الأمة للدراسات الاستراتيجية»، محمد الأسمر، إلى أن الدول الغربية الداعمة لخوري وتحديداً بريطانيا «قد تعزز مبادرتها بطرح مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي بمواجهة معرقلي العملية السياسية في ليبيا بعقوبات رادعة».

ويرى الأسمر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن إحاطة خوري ربما تتضمن تشكيل «لجنة رفيعة المستوى تضم ممثلين عن الحكومتين ومجلسي النواب والدولة والجيش الوطني، وممثلي بعض التيارات السياسية والثقافية والاجتماعية تضطلع في الأغلب بمهمة تشكيل الحكومة».

وبغض النظر عن شكل الحكومة المقبلة سواء من السياسيين أو التكنوقراط، يشدد الأسمر على أن عمر ولايتها يجب ألا يقل عن عامين، وأشار إلى «الحاجة لمعالجة البنود الخلافية في القوانين الانتخابية؛ الذي قد يستغرق الكثير من الوقت، ثم إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور، كما تنادي بعض الأصوات، بالإضافة لمحاولة توحيد القوى العسكرية والأمنية».