النظام السوري يحاول إعادة هندسة مناطق التسويات في درعا

يتحجج بوجود «داعش» من أجل فرض سيطرته الفعلية عليها

دورية للشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري في أحد شوارع درعا البلد (المرصد السوري)
دورية للشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري في أحد شوارع درعا البلد (المرصد السوري)
TT

النظام السوري يحاول إعادة هندسة مناطق التسويات في درعا

دورية للشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري في أحد شوارع درعا البلد (المرصد السوري)
دورية للشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري في أحد شوارع درعا البلد (المرصد السوري)

لم تتوصل المفاوضات في مدينة جاسم، شمال درعا، بين مسؤول جهاز الأمن العسكري في جنوب سوريا، لؤي العلي، وقادة محليين ووجهاء من المدينة، إلى اتفاق بعد. فلجنة النظام المفاوِضة تصرّ على مطلب خروج الغرباء المتهمين بالانتماء لتنظيم «داعش» من المدينة. فيما يؤكد المفاوضون أن المدينة خالية من الغرباء، وأنهم موافقون على الوقوف ضد من يثبت تورطه بأعمال مخلة باتفاق التسوية العام في المنطقة أو التعامل مع «داعش». لكن لجنة النظام تكرر الحديث عن وجود خلايا لـ«داعش» وتلوّح باستخدام عمليات عسكرية إذا ما استمر وجودهم فيها.
واعتبر ناشطون أن ما تقوم به الأجهزة الأمنية في درعا، من استقدام لتعزيزات عسكرية وتهديد لبعض مناطق التسويات المعروفة بتمردها على النظام السوري حتى بعد التسويات، هي سياسة جديدة تتبعها هذه الأجهزة لفرض سيطرتها الفعلية على هذه المناطق التي تعتبر سيطرتها فيها شكلية منذ دخولها اتفاق التسوية في العام 2018. وخصوصاً بعدما وقفت مناطق التسويات في أكثر من مناسبة ضد أعمال الأجهزة الأمنية ورغباتها في المنطقة، الرامية إلى اعتقال المعارضين السابقين من قادة وعناصر الفصائل. هؤلاء لم يغادروا معظم مناطق التسويات في درعا مع تطبيق اتفاق التسوية، على عكس ما حدث في بقية مناطق سوريا التي خضعت لاتفاق التسوية، وتم تهجير معظم قادة وعناصر المعارضة منها.
ولفت آخرون إلى أن عمليات النظام العسكرية التي يهدد فيها مناطق التسويات مؤخراً، كما حدث في طفس، بريف درعا، ويحدث في جاسم شمالها، ما هي إلا إعادة هندسة لاتفاق التسوية الذي حصل بين الفصائل المعارضة والجانب الروسي عام 2018. ونصّ الاتفاق في حينه على احتفاظ الفصائل بسلاحها الفردي وتسليم الثقيل منه.
ومع استمرار محاولات انتهاك اتفاق التسوية، وتعرض مواقع ونقاط عسكرية تابعة للنظام لهجمات واستهداف مجهول، وجد الأخير أن السلاح الذي بقي مع الفصائل هو المسؤول عن تنفيذ عمليات ضد مواقعه في مناطق التسويات. فحاول في صيف العام الماضي إنهاء وجوده، من خلال التهديد بعمليات عسكرية أو تسليم قطع منه كانت اللجنة الأمنية التابعة له تحدّد عددها من كل منطقة. وما ترفض من هذه المناطق، أو تدّعي عدم وجود عدد قطع السلاح المطلوب تسليمه، كانت تُفرض عليها غرامة مالية باهظة بقيمة السلاح المطلوب. فمثلاً، دفعت مدينة جاسم حينها ما يقارب 50 مليون ليرة سورية للجنة الأمنية مقابل عدم تسليم السلاح، وغرامة على عدم وجود القطع المطلوب تسليمها للنظام السوري.
ولأنه لا بد أن تحتاج عمليات النظام الأخيرة بفرض حالة جديدة في مناطق التسويات، إلى تبرير للضامن الروسي، وُجد من خلايا «داعش» في المنطقة واعتراف التنظيم بتنفيذ عمليات في المنطقة الجنوبية، حجة لعملياته وفرض معادلة جديدة على هذه المناطق المتمردة مثل طفس وجاسم.
ويرى فريق أن خلايا «داعش» ظهرت جنوب سوريا عقب التسويات. وهي تتكون من عناصر سابقة في جيش خالد بن الوليد، الذي كان ينتشر في منطقة حوض اليرموك، غرب درعا، بين عامي 2016 - 2018، وتمكنوا من الخروج منها قبيل سيطرة النظام بدعم روسي عليها عام 2018. منهم من وصل البادية السورية، وقتل في المعارك التي دارت هناك في تلك الفترة. وآخرون فضلوا البقاء في مناطق التسويات التي لم تدخلها قوات النظام السوري، وباتت السيطرة عليها شكلية، وأغلبهم من أبناء المنطقة الذين تورطوا بالتعامل سابقاً مع «داعش» ولم تُقبل تسوية أوضاعهم لدى الأجهزة الأمنية، حتى الفصائل المحلية التي كانت تلاحقهم بعد التسويات، فوجدوا أن بقاءهم متوارين في بعض المناطق هو السبيل الوحيد لحياتهم. ومن المرجح أن هؤلاء الأشخاص حاول التنظيم إعادة نشاطهم، فأرسل لهم القيادي أبو سالم العراقي المسؤول الأول للتنظيم في جنوب سوريا، الذي قتل مؤخراً في ريف درعا الغربي. كما شهدت المنطقة الغربية مقتل 4 آخرين من عناصر «داعش» سابقاً، منهم محمد العودات الذي اعترف في شريط مصور على مجموعة أسماء كانت تنفذ اغتيالات وعمليات أمنية في المنطقة. كما أن الأجهزة الأمنية اعتقلت في عام 2018 عدداً من عناصر التنظيم، وأفرجت عنهم في 2019 بصفقات مشبوهة أو لتنفيذ أجندة معينة، لكن خروجهم كان صادماً للمنطقة.
وتعاني محافظة درعا، جنوب سوريا، حالة من الانفلات الأمني المستمر منذ سنوات، تتمثل بعمليات قتل واغتيال شبه يومية، تستهدف قادة وعناصر سابقة في فصائل محلية كانت معارضة، وآخرين من فصائل التسويات التي انضمت إلى تشكيلات عسكرية تابعة للنظام عقب اتفاق التسويات، وعمليات تستهدف عناصر وضباطاً من الجيش والأجهزة الأمنية السورية.
كما تعاني المنطقة من انتشار المخدرات وعمليات السلب والسطو المسلح وانتشار السلاح.
ووفقاً لإحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن حصيلة الاستهدافات في درعا، منذ مطلع شهر يناير (كانون الثاني)، بلغت 371 استهدافاً، جميعها جرت بطرق وأساليب مختلفة، وتسببت بمقتل 312 شخصاً، هم 149 مدنياً، بينهم 4 سيدات، و5 أطفال، و127 عسكرياً تابعون للنظام ومتعاونون مع الأجهزة الأمنية وعناصر «التسويات»، و21 مقاتلاً سابقاً ممن أجروا تسويات ولم ينضموا إلى أي جهة عسكرية بعدها، و4 عناصر سابقين في «داعش»، و7 مجهولي الهوية، و4 عناصر من الفيلق الخامس والمسلحين الموالين لروسيا.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.