سجون لبنان «قنابل موقوتة»: متى تنفجر؟

سجناء في سجن رومية قرب بيروت (أ.ف.ب/غيتي)
سجناء في سجن رومية قرب بيروت (أ.ف.ب/غيتي)
TT

سجون لبنان «قنابل موقوتة»: متى تنفجر؟

سجناء في سجن رومية قرب بيروت (أ.ف.ب/غيتي)
سجناء في سجن رومية قرب بيروت (أ.ف.ب/غيتي)

«نحن أموات لكننا نتحرّك بين جدران أربعة»... بهذه العبارة لخّص أحد السجناء حالته مع آلافٍ من زملائه الموزّعين على السجون اللبنانية، حيث لا قيمة للإنسان بداخلها، تماماً كما هو حال المواطن خارجها؛ كونه يعيش في وطنٍ بات أشبه بالسجن الكبير.
لم يعد همّ نزلاء السجون العودة إلى الحريّة، ولا العيش مع أبنائهم وعائلاتهم تحت سقف واحد، لقد أصبحوا في صراع البقاء على قيد الحياة، وتجنّب الموت في الزنازين نتيجة الأوبئة والأمراض وحتى بالجوع، كما يروي السجين يوسف عبد الكريم لـ«الشرق الأوسط» معاناته مع كثيرين مثله من نزلاء السجون اللبنانية. يسأل عبد الكريم «هل يعقل أن يقبع 18 سجيناً في غرفة واحدة (زنزانة) لا تتسع لأكثر من خمسة أشخاص نتقاسم فيها ساعات النوم رأساً على عقب؟». ويضيف «المشكلة ليست بضيق الغرفة وعدم القدرة على النوم فقط، بل بـ(القرف) المجبرين على تقبّله والتأقلم معه، من غياب النظافة، وانبعاث الروائح الكريهة من الحمامات (دورات المياه) المفتوحة على الزنزانات، وحرماننا من الاستحمام لفقدان المياه لأوقات طويلة، والتقنين في وجبات الطعام وغيرها من المشاكل».
ويقول يوسف عبد الكريم، وهو اسم مستعار لأحد السجناء ألقابعين في سجن طرابلس، ويحاكم بمحاولة قتل، إن «ما يزيد الطين بلّة هو تراجع زيارات الأهل لأبنائهم، بسبب إضراب القضاة وامتناع النيابات العامة عن إعطاء التصاريح لهذه الزيارات، عدا عن تكاليف انتقال أهلنا من مكان إقامتهم إلى السجن... ولا أحد يُظهر أي رحمة». واعتبر أن ذلك «حرمنا من الطعام المنزلي الذي اعتدنا عليه وكذلك من الأدوية التي تصلنا دورياً». ويخلص إلى القول «أغلب السجناء، ما عدا (المدعومين)، بات محكوماً عليهم بالإعدام ليس نتيجة أحكام قضائية، بل بسبب الأوبئة وفقدان الأدوية والطعام»، مشيراً في المقابل إلى أن «هناك موقوفين أو محكومين ينزلون في سجون 5 نجوم لأنهم محسوبون على أحزاب وسياسيين».
شهادة هذا الشخص، تمثّل عيّنة صغيرة عن أزمة السجون التي عادت لتتصدّر الأزمات التي يغرق فيها البلد، خصوصاً مع ازدياد عدد الوفيات بداخلها نتيجة تفشّي الأوبئة والفيروسات، وتراجع الخدمات الطبية إلى الحدود الدنيا، ولامبالاة المنظمات الدولية وهيئات المجتمع المدني. ويُنذر هذا الوضع بحصول تحرّك داخل السجون، وربما خارجها، بما يجعلها «قنابل موقوتة جاهزة للانفجار»، على حدّ تعبير رئيس لجنة حقوق الإنسان النائب ميشال موسى. وتمثّلت الإشارة الأبرز إلى هذا الخطر باعتداء عدد من السجناء على عناصر قوى الأمن في سجن رومية؛ ما أدى إلى إصابة عنصرين.
ورغم استشعار الدولة بصعوبة الوضع، فهي تظهر عجزها عن إيجاد الحلول حتى المؤقتة. وأكد عضو لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب عماد الحوت، أن ملفّ السجون «شائك ومعقّد ويتطلّب تحرّكاً عاجلاً للحدّ من خطورته وتداعياته». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن البرلمان «يدرس اقتراح قانون يلحظ تخفيض السنة السجنيّة لمرّة واحدة، ما يتيح إطلاق عدد كبير من السجناء، في ظلّ الشلل الذي يضرب عمل القضاء وغياب الرعاية الصحية». وتحدث الحوت عن اقتراح قانون جديد للعفو العام «ينصف من يجب إنصافه». وقال «بدأنا عملاً جدياً لتسريع وتيرة قانون العفو يختصر الطريق لإقراره، لا أن يغرق في اللجان النيابية مرّة جديدة».
ويقرّ المهتمون بملّف السجون بأن «مطالب السجون باتت أكبر من القدرة على تحقيقها، وتكاد الأمور تخرج عن السيطرة». ورأى مصدر أمني بارز، أن «معضلة السجون قديمة، لكنّ مع تفاقهما أضحت أشبه بالمأساة نتيجة الانهيار الكبير الذي يعانيه البلد». وأكد المصدر الأمني لـ«الشرق الأوسط»، أن «اختناق السجون بآلاف المحكومين والموقوفين يزيد من الأعباء وهذا الاختناق يترافق مع غياب الصيانة للمباني السجون والزنازين، واهتراء مجاري الصرف الصحي ودورات المياه وغياب التهوئة والتكييف نتيجة انقطاع التيار الكهربائي».
وفي حين تتوزّع السجون الرسمية على مختلف الأراضي اللبنانية، يجمعها همّ واحد يتمثّل بالاكتظاظ الذي يفوق قدرتها على الاستيعاب، وتعذّر إجراء المحاكمات في مواعيدها. وكشف المصدر الأمني، عن أن «سجون لبنان الرسمية يبلغ عددها 25 سجناً تضمّ نحو 8000 نزيل، وأكبرها سجن روميه المركزي الذي يضمّ 3700 محكوم وموقوف، في حين أن قدرته الاستيعابية لا تتعدى الـ1500 سجين». وأشار إلى أن «عدد المحكوم عليهم الذين يقضون عقوباتهم في كلّ السجون يتراوح بين 13 و15 في المائة، والنسبة المتبقية (نحو 85 في المائة) هي لموقوفين لم تستكمل محاكمتهم». وقال «المؤسف أن تراكم الأزمات ناتج من أمور عدّة، أهمها توقّف المحاكمات والتحقيقات التي بدأت مع انتشار وباء كورونا، واستكملت بإضراب القضاة المفتوح، وتأجيل المحاكمات لأوقات طويلة لعدم توفّر آليات لقوى الأمن الداخلي لنقل الموقوفين من السجون إلى المحاكم ودوائر التحقيق». وتحدّث عن معضلة أخرى «تتمثّل بتوقّف عمل (لجنة تخفيض العقوبات) منذ أكثر من ثمانية أشهر، وهذه اللجنة يرأسها قاضٍ وتضمّ ضابطاً في الأمن الداخلي وطبيباً نفسياً ومعالجاً اجتماعياً، وهي تخفّض عقوبات من أمضى أكثر من نصف العقوبة المحكوم بها إذا كان السجين صاحب سلوك حسن». وعزا السبب إلى أن «وزارة العدل لم تعيّن طبيباً نفسياً ولا معالجاً اجتماعياً، وتبيّن أن الأطباء والمعالجين الاجتماعيين يرفضون تعيينهم في مثل هذه اللجنة لتدنّي بدلهم المادي نتيجة انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية». وعبّر المصدر الأمني عن أسفه «لغياب التقديمات التي كانت تؤمّنها بعض المنظمات الدولية؛ لأن مساعداتها تحوّلت إلى أوكرانيا غداة اندلاع الحرب الروسية على هذا البلد».
وجدد رئيس اللجنة النيابية لحقوق الإنسان النائب ميشال موسى تحذيره من تفاقم أزمة السجون، وقال في تصريح له «على مدى سنوات طويلة حذرنا من واقع السجون كقنبلة جاهزة للانفجار، لقد بلغ الاكتظاظ أوجه في السجون والنظارات دون حلول تخفف منه، والمحاكمات تسير ببطء كبير، حيث عدد المسجونين غير المحكومين إلى ازدياد، إضافة إلى استسهال التوقيف عند البعض، وهناك كلام عن التقصير في التقديمات المعيشية والطبية، وتهديد الملتزمين بوقف تزويد السجون بالمواد الغذائية»، محذراً من «تزايد عدد الوفيات نتيجة تقصير طبي أو مشاكل داخل السجن». وطالب موسى وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي والحكومة بـ«الإسراع في إيجاد الحلول لهذه الأزمة المتفاقمة وإجراء تحقيق شفاف في حالات الوفاة ومعاقبة المقصرين، وتأمين ظروف معيشية وصحية أفضل لأناس ظلمتهم الحياة أو ظلموا أنفسهم».
من جهته، أعلن عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن في تغريدة له عبر «توتير»، أن «واقع السجون لم يعد يُحتمل، وما يعانيه السجناء على كل المستويات وآخرها الأوبئة مقلق جداً». ودعا أبو الحسن كل المعنيين إلى «مؤازرة وزير الداخلية خصوصاً لجهة استقطاب المساعدات من المنظمات الدولية ولإعادة طرح قانون العفو العام»، معتبراً أن «الإنسانية تبقى فوق كل الاعتبارات السياسية».

وزير الداخلية للسجناء: طولوا بالكم
> تعهد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسّام المولوي بـ«السعي لإيجاد حلول واضحة» لأزمة السجون. وقال في كلمة ألقاها في عيد الأمن العام، إن قضية السجون «لها شقّان، الأول يتعلق بالإمكانية الضعيفة، والشق الآخر والأهم هو اكتظاظ السجون وبالتالي عدم الانضباط». وتوجه إلى السجناء بالقول «طولوا بالكم».
وتحدث وزير الداخلية عن الانتقادات لجهاز الأمن العام، قائلاً «لن نقبل بالتعدي على الأمن العام؛ لأنها مؤسسة وطنية، تمتلك تاريخاً عريقاً في الدولة، وهدفها الحفاظ على المؤسسات وبناء الدولة».

وزارات تتنازع الصلاحية على سجون «مهترئة»
> وُضعت كلّ الدراسات التي أعدتها الدولة اللبنانية لتطوير السجون في أدراج النسيان، وحتى الاعتمادات التي رصدتها منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لإنشاء ثلاثة سجون جديدة وحديثة لم تأخذ طريقها للتنفيذ بسبب البيروقراطية المعتمدة في لبنان، والخلافات المزمنة والمستحكمة على إدارة السجون «المهترئة» بين وزارتَي الداخلية والعدل، والتي يدفع ثمنها السجناء وذووهم.
وأشار الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين إلى أن السجون الرسمية «تنتشر في كلّ المحافظات ومراكز الأقضية، ويبلغ عددها 25 سجناً، ما عدا النظارات ومراكز التوقيف المؤقت». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «أحدث السجون هو سجن روميه، الذي أنشئ قبل ما يقارب ستين عاماً، وبني على أساس قدرة استيعابية لا تتعدّى الـ1500 سجين في حين يحوي الآن على أكثر من 3500».
وأفاد شمس الدين، بأن «أبرز السجون وأكبرها تسلسلاً: سجون روميه المركزي، بعبدا، الريحانية، جبيل وبيت الدين (جبل لبنان)، طرابلس، حلبا، البترون وأميون (شمال لبنان)، صيدا، جزّين، مرجعيون، بنت جبيل والنبطية (جنوب لبنان)، زحلة، بعلبك وراشيا (البقاع)». وهناك سجن للنساء في ثكنة بربر الخازن في بيروت وسجن بعبد للنساء في جبل لبنان. وتحدث المصدر الأمني عن استحداث سجن جديد في منطقة ضهر الباشق القريبة من رومية، مخصص للفتيات القاصرات.
وفي الواقع، لا يتوقّف رقم السجناء والموقوفين عند حدود الـ8000 سجين الذين تحدث عنهم المصدر الأمني، بل يبدو أن الرقم أعلى من ذلك بكثير؛ إذ قال الباحث محمد شمس الدين؛ إن «نظارات قصور العدل، والنظارات التابعة لمخافر وفصائل قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والشرطة العسكرية، تحوي مئات الموقوفين احتياطياً بقرارات تتخذها النيابات العامة بانتظار استكمال التحقيقات الأولية». ولفت إلى أن «التوقيفات في النظارات والمخافر مؤقتة، وهي خاضعة للزيادة والانخفاض بين يوم وآخر».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

مستشفيات غزة مهددة بالتوقف عن العمل... و19 قتيلاً في القصف الإسرائيلي

جنازة فلسطينيين قُتلوا في غارة إسرائيلية في مدينة غزة (رويترز)
جنازة فلسطينيين قُتلوا في غارة إسرائيلية في مدينة غزة (رويترز)
TT

مستشفيات غزة مهددة بالتوقف عن العمل... و19 قتيلاً في القصف الإسرائيلي

جنازة فلسطينيين قُتلوا في غارة إسرائيلية في مدينة غزة (رويترز)
جنازة فلسطينيين قُتلوا في غارة إسرائيلية في مدينة غزة (رويترز)

أفاد الدفاع المدني في غزة صباح السبت، بمقتل 19 شخصاً، بينهم أطفال، في غارات ليلية إسرائيلية وقصف مدفعي عنيف على مناطق مختلفة في القطاع الفلسطيني، فيما حذرت وزارة الصحة في القطاع أمس (الجمعة)، من توقف كل مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود؛ إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع المدمر الذي تشن عليه حرباً منذ أكثر من عام، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل لوكالة الصحافة الفرنسية «استشهد 19 مواطناً وأصيب أكثر من 40 آخرين وغالبيتهم في ثلاث مجازر في سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة بعد منتصف الليل وحتى صباح اليوم على قطاع غزة».

وأفاد التلفزيون الفلسطيني في وقت سابق بمقتل ستة أشخاص وإصابة عدد آخر بجروح في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً بحي الزيتون شرق مدينة غزة.

وذكرت وزارة الصحة في غزة أن القصف الإسرائيلي على مناطق متفرقة من القطاع منذ فجر يوم الجمعة قتل 38 شخصاً.

وتتواصل ردود الفعل الدولية بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية الخميس مذكرات توقيف في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق في حكومته يوآف غالانت، وقائد «كتائب عز الدين القسام» الجناح المسلح لـ«حماس» محمد الضيف، بشبهة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في النزاع الدائر في غزة منذ أن شنت «حماس» هجوماً غير مسبوق على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال المدير العام للمستشفيات الميدانية الطبيب مروان الهمص: «نوجه الإنذار العاجل ونحذر من أن مستشفيات قطاع غزة كاملة ستتوقف عن العمل أو تقلص من خدماتها خلال 48 ساعة بسبب عرقلة الاحتلال إدخال الوقود».

من جانبه، أعلن الدفاع المدني انتشال جثث اثني عشر قتيلاً وعشرات الجرحى إثر غارتين إسرائيليتين استهدفتا منزلين أحدهما شرق مدينة غزة والآخر في جنوبها.

وأعلن الجيش الإسرائيلي الجمعة أنه قتل في القطاع خمسة من عناصر «حماس» ضالعين في هجوم 7 أكتوبر 2023.

وأدت هذه الضربة إلى مقتل وفقدان العشرات حسب مصادر طبية فلسطينية.

من جهتها، أبدت منظمة الصحة العالمية «قلقاً بالغاً» على وضع 80 مريضاً، بينهم ثمانية في العناية المركزة، وعلى العاملين في «مستشفى كمال عدوان»، أحد المستشفيين الوحيدين اللذين يعملان جزئياً في شمال غزة.

وبحسب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، فإن المستشفى استُهدف بهجوم بمسيّرة الخميس؛ ما أدى إلى إتلاف مولد كهرباء وخزان مياه.

وقال مدير المستشفى حسام أبو صفية لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن مؤسسته استُهدفت مرة أخرى بغارات إسرائيلية الجمعة، حيث أصيب طبيب واحد ومرضى.

وباشر الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية برية كبيرة في شمال قطاع غزة في السادس من أكتوبر لمنع مقاتلي «حماس» من إعادة تشكيل صفوفهم على ما أفاد.

«أطفال أبرياء»

وقال بلال في إحدى قاعات «المستشفى الأهلي العربي» حيث نُقل الضحايا: «أهلي كلهم قُتلوا، أنا الوحيد المتبقي من العائلة. أوقفوا الظلم».

وقال رجل آخر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» وهو جالس قرب فتى ممدد بلا حراك على سرير مستشفى: «كان هناك أطفال أبرياء (...) ما ذنبهم؟!».

وأسفرت حملة الجيش الإسرائيلي في غزة حتى الآن عن ما لا يقل عن 44056 قتيلاً، معظمهم مدنيون من النساء والأطفال، وفق بيانات وزارة الصحة التي تديرها «حماس» وتعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.

وكان هجوم «حماس» على إسرائيل قد خلف 1206 قتلى، غالبيتهم مدنيون، حسب تعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية.

كذلك، احتُجز خلال الهجوم 251 شخصاً رهائن ونُقلوا إلى غزة، ولا يزال 97 منهم في القطاع، ويقدر الجيش الإسرائيلي أن 34 من هؤلاء الرهائن المتبقين ماتوا.

«سابقة خطيرة»

بعد مرور أكثر من عام على بدء الحرب، أثار قرار المحكمة الجنائية الدولية الخميس غضب إسرائيل.

وأكد نتنياهو مساء الخميس أنه «ما من قرار فاضح مُعادٍ لإسرائيل بإمكانه أن يمنعنا، وتحديداً أنا، من مواصلة الدفاع عن بلدنا بأيّ طريقة»، مضيفاً: «لن نستسلم للضغوط».

ورأى غالانت في القرار «سابقة خطيرة (...) تشجع على الإرهاب».

أما الرئيس الأميركي جو بايدن فندد بالقرار، معتبراً أنه «مشين»، في حين قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الجمعة إنه سيدعو نتنياهو إلى زيارة المجر، في «تحدٍّ» للقرار.

ورحب نتنياهو بموقف أوربان، معتبراً أنه ينم عن «وضوح أخلاقي».

وقالت فرنسا الجمعة إنها «أخذت علماً» بقرار المحكمة.

والدول الـ124 الأعضاء في «الجنائية الدولية»، وبينها المجر، ملزمة نظرياً بتوقيف المسؤولين الثلاثة في حال دخولهم أراضيها.

من جانبها، لمّحت الحكومة البريطانية الجمعة إلى أن نتنياهو يمكن أن يُعتقَل بموجب مذكرة التوقيف.

وأعلن رئيس الوزراء الآيرلندي سايمون هاريس أن بلاده ستعتقل نتنياهو إذا زار البلاد.

ورداً على سؤال للتلفزيون العام «آر تي آي» عما إذا كانت آيرلندا، عضو «الجنائية الدولية»، ستعتقل نتنياهو إذا زار البلاد، قال: «نعم، بالتأكيد».

وأعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الجمعة أن وزراء خارجية «مجموعة السبع» سيناقشون خلال اجتماعهم الاثنين والثلاثاء قرب روما مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة.

في المقابل، رأت إيران في القرار «موتاً سياسياً للكيان الصهيوني»، في حين دعت الصين المحكمة إلى «موقف موضوعي وعادل».

ورحبت «حماس» بقرار المحكمة، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».