جبهة نار من 40 كيلومترا في فرنسا

باريس تعوّل على المساعدة الأوروبية وهطول الأمطار لاحتواء الحرائق

رجلا إطفاء يكافحان حريقاً في منطقة جيروند، جنوب غربي فرنسا (رويترز)
رجلا إطفاء يكافحان حريقاً في منطقة جيروند، جنوب غربي فرنسا (رويترز)
TT

جبهة نار من 40 كيلومترا في فرنسا

رجلا إطفاء يكافحان حريقاً في منطقة جيروند، جنوب غربي فرنسا (رويترز)
رجلا إطفاء يكافحان حريقاً في منطقة جيروند، جنوب غربي فرنسا (رويترز)

لا الأخطار النووية المحتملة من أوكرانيا ومن موقع زابوريجيا تحديداً، ولا تسارع نسبة الغلاء المستفحل، ولا تفتيش منتجع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في فلوريدا، أو غير ذلك من أزمات ومشاكل العالم، ما يهم المواطن الفرنسي والوسائل الإعلامية. موضوع واحد أوحد له الأولوية والأفضلية اليوم على أي ملف آخر. والسبب أصبح معلوماً للقاصي والداني: إنها الحرائق التي تضرب البلاد في هذا الصيف بالغ الحرارة التي وصلت إلى معدلات غير مسبوقة إلا نادراً منذ أن بدأت خدمات الطقس تقيم سجلاً للتبدلات الحرارية.
ولا تتوقف الأمور عند هذا الحد. فالصيف الجاف والحار له انعكاساته على مستوى الينابيع والأنهار. ينابيع انخفض منسوبها وأنهار أصبحت شبه جافة لا بل إن بعض محطات إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية توقفت عن العمل وتسببت في نقص في إمدادات الطاقة.
هذا الواقع يدفع شركة كهرباء فرنسا إلى الاستعانة بدول الجوار تشتري منها نسبة من احتياجات البلاد بأسعار مرتفعة تعمد الدولة إلى تخفيف وطأتها على المواطن من خلال دعم هذه السلعة الأساسية بالتوازي مع دعوة الإدارات العامة والبلديات والمناطق إلى تخفيف الاستهلاك. وقبل ذلك، عمدت عدة مناطق واقعة جنوب شرقي البلاد وجنوب غربيها إلى تقنين استهلاك المياه.
بيد أن الهم الأكبر اليوم هو قطعاً الحرائق. ولأن جهود أفواج رجال الإطفاء الفرنسيين الممتهنين والمتطوعين لم تكن كافية حتى اليوم من أجل السيطرة على الحرائق المندلعة في أكثر من منطقة، فإن باريس تنتظر الفرج من الخارج الأوروبي حيث بدأت طلائع طائرات محاربة النيران والإطفائيين بالوصول إلى المواقع الأكثر سخونة. كذلك ينتظر الفرنسيون الفرج من السماء، آملين أن يتغير الطقس وتتساقط الأمطار.
ووفق توقعات المرصد الوطني، فإن الأمطار الرعدية سوف تبدأ بالهطول على الواجهة البحرية الغربية لفرنسا ويستمر تساقطها يوم الأحد مع تراجع درجات الحرارة التي جاورت في الأيام الأخيرة الأربعين درجة. كذلك سوف تتساقط الأمطار في شمال البلاد وشمالها الغربي. والأهم في هذه الصورة أن المنطقة الأكثر اشتعالاً أي منطقة جيروند التي تضم مدينة بوردو ومحيطها سوف تستفيد من هطول الأمطار، ما يشكل خبراً جيداً لكل العاملين على مواجهة الحرائق وإطفائها.
وبانتظار خيرات السماء، فإن الفرنسيين يعولون على المساعدة الأوروبية ما يشكل سابقة بالنسبة لدولة تمتلك كافة المقومات العلمية والفنية والصناعية حتى تكون متمكنة من محاربة النيران التي تندلع كل صيف. ولليوم الثاني، كتب الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يمضي عطلته الصيفية في حصن بريغونسون المطل على مياه المتوسط تغريدة شكر فيها «ألمانيا واليونان وبولندا وفي الساعات المقبلة رومانيا النمسا»، وهي البلدان التي عجلت في التجاوب مع تفعيل باريس للآلية الأوروبية للمساعدة المدنية لإطفاء الحرائق. وأكد ماكرون أن «شركاءنا يأتون لمساعدة فرنسا في مواجهة الحرائق» مضيفاً، في تغريدة أخرى، أنه «كما حصل في يوليو (تموز) الماضي، تبقى إيطاليا متضامنة مع فرنسا»، ومشيرا إلى أن عدداً من طائرات رش المياه الكندية تصل إلى دعم رجال الإطفاء الفرنسيين والأوروبيين على أراضينا.
ثمة أربعة مواقع رئيسية تتطور فيها النيران في إطار موجة الحر الاستثنائية الثالثة التي تضرب فرنسا هذا الصيف. وتعد منطقة جيروند الواقعة جنوب غربي فرنسا الأكثر تأثراً بالحرائق التي التهمت ما لا يقل عن ثمانية آلاف هكتار من الغابات. ولمن زار المنطقة، لا بد أنه يتذكر الهضبة الرملية الأعلى في أوروبا المسماة «لو بيلا» التي تطل على خليج أركاشون. في الأيام العادية، يتدفق الفرنسيون والسياح بالآلاف لزيارة هذا الموقع الأخاذ والتمتع برمله الذهبي الناعم. والحال أن «لو بيلا» أصبحت أثراً بعد عين بعد أن التهمت النيران الغابة المحيطة بها. أما الرمل الناعم، فقد غطته قشرة من الرماد الأسود.
وما زالت الحرائق المندلعة في الغابات القريبة من محلة لونديراس وأوستان تبعث بدخانها ورمادها. وبسبب المخاوف من تمدد النيران، عمدت السلطات إلى إجلاء عشرة آلاف شخص من منازلهم وأفادت تقارير فوج الإطفاء في المنطقة بأن 1100 إطفائي فرنسي يسعون بالتناوب ليل نهار إلى احتواء النيران، والتحق بهم صباح أمس 361 إطفائياً أوروبياً مع عرباتهم بينهم ألمان وبولنديون ونمساويون تدعمهم طائرات «كندا أير» لمحاربة الحرائق من اليونان والسويد. وأشارت إلى ذلك المفوضية الأوروبية في بيان أصدرته أمس. وقالت الرئاسة الفرنسية إن بولندا سترسل 146 رجل إطفاء إلى جنوب البلاد.
والشهر الماضي، التهمت النيران في المنطقة نفسها 14 ألف هكتار من الغابات ما يعد كارثة وطنية. ويحارب رجال الإطفاء على جبهة تمتد إلى أربعين كلم الأمر الذي يبين صعوبة المهمة التي يواجهونها.
خلال الأيام القليلة الماضية، التهمت النيران أكثر من عشرة آلاف هكتار قسمها الأكبر في منطقة جيروند. لكن ثمة ثلاث مناطق أخرى تعاني بدورها من الحرائق. ففي شرق البلاد وتحديداً في منطقة أجورا القريبة من الحدود السويسرية، بلغت مساحة الغابات المحترقة 700 هكتار. كذلك احترقت حتى عصر أمس مساحة مماثلة واقعة بين منطقتي لوزير وأفيرون (جنوب فرنسا). وبعكس الجنوب الغربي، فإن هطول الأمطار غير متوقع في هذه المناطق.
وأخيراً، فإن حريقاً كبيراً اندلع في منطقة بروتاني (غرب) قريباً من مدينة رين حيث التهم ما يقارب الـ250 هكتاراً. وتعمل طائرتان سويديتان، إلى جانب رجال الإطفاء الفرنسيين، على إخماد النيران المشتعلة التي لم تعتد المنطقة على مشاهدتها، ما يشكل مؤشراً آخر للتغيرات المناخية وعلى حدة الحرارة في هذا الصيف التي تتسبب بجفاف كبير يسهل اندلاع الحرائق.
وبحسب الإحصائيات الفرنسية، فإن المساحات المحترقة حتى اليوم والتي بلغت، وفق المسح الأوروبي بفضل الأقمار الصناعية، 50 ألف هكتار، تزيد بأضعاف على المعدل العادي الذي عرفته البلاد في السنوات الأخيرة والذي لا يزيد على 15 ألف هكتار.


مقالات ذات صلة

«زهرة الثلج» تتفتح قبل الأوان... وشتاء موسكو يفقد لسعته المميزة

بيئة نبات «زهرة الثلج» (أرشيفية)

«زهرة الثلج» تتفتح قبل الأوان... وشتاء موسكو يفقد لسعته المميزة

لم تعد فصول الشتاء الباردة الشهيرة في روسيا كالسابق، بدليل الازدهار المبكر لنبات «زهرة الثلج» وعدم تجمد البحيرات، وكلها علامات غير مرغوب فيها على تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقرينته ميلانيا في آشفيل (أ.ب)

ترمب يعلن أنه قد يلغي الوكالة الفيدرالية لإدارة الكوارث

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه سيعمد «ربما إلى إلغاء» الوكالة الفيدرالية لإدارة الأعاصير والحرائق والكوارث الأخرى.

«الشرق الأوسط» (آشفيل)
الولايات المتحدة​ مايكل بلومبرغ المبعوث الخاص للأمم المتحدة بشأن الطموح والحلول المناخية (رويترز)

بلومبرغ يتعهد بتمويل وكالة المناخ التابعة للأمم المتحدة بعد «انسحاب ترمب»

أعلن الملياردير وإمبراطور الإعلام الأميركي مايكل بلومبرغ، أن مؤسسته الخيرية ستقدم تمويلا للمساعدة في تغطية مساهمة أميركا في وكالة المناخ التابعة للأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ كيت ألكساندريا أنشأت صفحة على موقع «جو فند مي» لجمع التبرعات بعد احتراق شقتها في ألتادينا بكاليفورنيا (رويترز)

سكان لوس أنجليس يبحثون عن مأوى بعد حرائق مدمرة

وجد الآلاف من سكان مدينة لوس أنجليس الأميركية أنفسهم وسط منافسة شرسة للعثور على مكان يعيشون فيه بأسعار معقولة، وذلك بعد أن فقدوا منازلهم.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
تكنولوجيا تعتمد النوافذ الذكية على جسيمات نانوية دقيقة تتلاعب بالضوء والحرارة من خلال عمليات التبعثر والامتصاص (أدوبي)

نوافذ ذكية تنظّم نقل الضوء والحرارة

تُعدل جسيمات نانوية دقيقة من شفافية وخصائص النوافذ الحرارية في الوقت الفعلي.

نسيم رمضان (لندن)

كيف غيّر وصول ترمب لسدة الرئاسة بأميركا العالم؟

TT

كيف غيّر وصول ترمب لسدة الرئاسة بأميركا العالم؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال الجلسة العامة لقمة حلف شمال الأطلسي شمال شرقي لندن يوم 4 ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال الجلسة العامة لقمة حلف شمال الأطلسي شمال شرقي لندن يوم 4 ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)

يؤدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب، اليوم (الاثنين)، اليمين الدستورية بصفته الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. أما التأثير العالمي لولايته الثانية فقد بدأ يُشعر به بالفعل قبل انطلاق العهد الجديد. فمن القدس إلى كييف إلى لندن إلى أوتاوا، غيّر فوز ترمب الانتخابي وتوقع أجندة ترمب الجديدة حسابات زعماء العالم، حسبما أفادت شبكة «بي بي سي» البريطانية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال إلقائهما كلمة مشتركة بالبيت الأبيض في واشنطن بالولايات المتحدة يوم 28 يناير 2020 (رويترز)

اتفاق وقف النار في غزة

لقد أحدث دونالد ترمب تأثيراً على الشرق الأوسط حتى قبل أن يجلس في المكتب البيضاوي لبدء ولايته الثانية بصفته رئيساً. قطع الطريق على تكتيكات المماطلة التي استخدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتحالف مع شركائه في الائتلاف القومي المتطرف، لتجنب قبول اتفاق وقف إطلاق النار الذي وضعه سلف ترمب جو بايدن على طاولة المفاوضات في مايو (أيار) الماضي. ويبدأ ترمب ولايته الثانية مدعياً الفضل، مع مبرر معقول، في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وفق «بي بي سي».

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال لقاء في الأمم المتحدة في نيويورك يوم 25 سبتمبر 2024 (رويترز)

قلق الحكومة البريطانية

ترمب وفريقه مختلفان هذه المرة، وأكثر استعداداً، وربما بأجندة أكثر عدوانية، لكن سعادة ترمب بإبقاء العالم في حيرة واضحة. فهذا الغموض المصاحب لترمب هو ما تجده المؤسسة السياسية البريطانية صادماً للغاية.

حصلت سلسلة من الاجتماعات السرية «للحكومة المصغرة» البريطانية، حيث حاول رئيس الوزراء كير ستارمر، والمستشارة راشيل ريفز، ووزير الخارجية ديفيد لامي، ووزير الأعمال جوناثان رينولدز «التخطيط لما قد يحدث»، وفقاً لأحد المصادر.

قال أحد المطلعين إنه لم يكن هناك الكثير من التحضير لسيناريوهات محددة متعددة للتعامل مع ترمب؛ لأن «محاولة تخمين الخطوات التالية لترمب ستجعلك مجنوناً». لكن مصدراً آخر يقول إنه تم إعداد أوراق مختلفة لتقديمها إلى مجلس الوزراء الموسع.

قال المصدر إن التركيز كان على «البحث عن الفرص» بدلاً من الذعر بشأن ما إذا كان ترمب سيتابع العمل المرتبط ببعض تصريحاته الأكثر غرابة، مثل ضم كندا.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعقدان اجتماعاً ثنائياً في قمة زعماء مجموعة العشرين في أوساكا باليابان يوم 28 يونيو 2019 (رويترز)

صفقة محتملة

في الميدان الأوكراني، يواصل الروس التقدم ببطء، وستمارس رئاسة ترمب الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق بين روسيا وأوكرانيا. وهناك حقيقة صعبة أخرى هنا: إذا حدث ذلك، فمن غير المرجح أن يكون بشروط أوكرانيا، حسب «بي بي سي».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (حينها مرشحاً رئاسياً) يصعد إلى المنصة لإلقاء كلمة حول التعليم أثناء عقده تجمعاً انتخابياً مع أنصاره في دافنبورت بولاية أيوا بالولايات المتحدة يوم 13 مارس 2023 (رويترز)

سقوط ترودو في كندا

يأتي عدم الاستقرار السياسي في أوتاوا في الوقت الذي تواجه فيه كندا عدداً من التحديات، وليس أقلها تعهد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع الكندية.

حتى وقت قريب، بدا جاستن ترودو عازماً على التمسك برئاسته للوزراء، مشيراً إلى رغبته في مواجهة بيير بواليفير - نقيضه الآيديولوجي - في استطلاعات الرأي. لكن الاستقالة المفاجئة لنائبة ترودو الرئيسية، وزيرة المالية السابقة كريستيا فريلاند، في منتصف ديسمبر (كانون الأول) - عندما استشهدت بفشل ترودو الملحوظ في عدم أخذ تهديدات ترمب على محمل الجد - أثبتت أنها القشة الأخيرة التي دفعت ترودو للاستقالة. فقد بدأ أعضاء حزب ترودو أنفسهم في التوضيح علناً بأنهم لم يعودوا يدعمون زعامته. وبهذا، سقطت آخر قطعة دومينو. أعلن ترودو استقالته من منصب رئيس الوزراء في وقت سابق من هذا الشهر.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال لقائه الرئيس الصيني شي جينبينغ في قمة زعماء مجموعة العشرين في أوساكا باليابان يوم 29 يونيو 2019 (رويترز)

تهديد الصين بالرسوم الجمركية

أعلنت بكين، الجمعة، أن اقتصاد الصين انتعش في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، مما سمح للحكومة بتحقيق هدفها للنمو بنسبة 5 في المائة في عام 2024.

لكن العام الماضي هو واحد من السنوات التي سجلت أبطأ معدلات النمو منذ عقود، حيث يكافح ثاني أكبر اقتصاد في العالم للتخلص من أزمة العقارات المطولة والديون الحكومية المحلية المرتفعة والبطالة بين الشباب.

قال رئيس مكتب الإحصاء في البلاد إن الإنجازات الاقتصادية التي حققتها الصين في عام 2024 كانت «صعبة المنال»، بعد أن أطلقت الحكومة سلسلة من تدابير التحفيز في أواخر العام الماضي.

وفي حين أنه نادراً ما فشلت بكين في تحقيق أهدافها المتعلقة بالنمو في الماضي، يلوح في الأفق تهديد جديد على الاقتصاد الصيني، وهو تهديد الرئيس المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على سلع صينية بقيمة 500 مليار دولار.