أمضت العاصمة الليبية طرابلس ليلة غلب عليها الذعر والهلع، بعد تجدد الاشتباكات الدامية بين اثنتين من الميليشيات المسلحة ليل الخميس - الجمعة، ما تسبب في وقوع عدد من القتلى والجرحى بين المدنيين، والمتحاربين، ما دفع بمصلحة الطيران المدني إلى تغيير مسارات الرحلات الجوية، وإجلاء الأُسر العالقة.
وبدأت شرارة الاقتتال، الذي استخدم فيه الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في مناطق مدنية مكتظة بالسكان، بـ«جزيرة الفرناج» بطرابلس قبل أن يتسع نطاق الاشتباكات، وتصل إلى «طريق الشوك» خلف مركز طرابلس الطبي، ومنه إلى عين زارة، و«السبعة»، ثم إلى وسط طرابلس بالقرب من فندق «راديسون بلو»، وهي منطقة تضم مقرات عديد من الأجهزة الحكومية والوكالات الدولية والبعثات الدبلوماسية.
وتصدّرت الاشتباكات العنيفة عناصر من «جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة» التابع للمجلس الرئاسي، وأخرى تابعة لكتيبة «ثوار طرابلس» بقيادة أيوب أبوراس، آمر جهاز الحرس الرئاسي، على خلفية اتهام الأخير بخطف عنصر يتبع للأول رداً على اعتقال الأول لعنصر يتبع للثاني.
وقال متابعون للأحداث إن قوات أبوراس كانت قد خطفت العقيد عصام الهروس، رداً على خطف «جهاز الردع» عصام دغمان. وأمام تزايد أعمال القصف المدفعي، سارعت إدارة مطار معيتيقة الدولي إلى تغيير مسار الرحلات الجوية إلى مطار مصراتة الدولي، على بعد قرابة 200 كيلومتر، تفادياً لوقوع أي كوارث إضافية محتملة.
ورفض المتقاتلون في بداية الاشتباكات الوساطة التي عرضها «اللواء 444 قتال» التابع لمنطقة طرابلس العسكرية، في وقت تضاربت الأنباء عن عدد القتلى والجرحى، لكن مواطنين من منطقة الفرناج تداولوا أسماء أربع ضحايا بينهم طفل، بالإضافة إلى عدد من القتلى والجرحى في صفوف المتقاتلين.
وهرعت فرق الإسعاف والطوارئ إلى إخلاء المبيت الجامعي في منطقة الفرناج من الطلاب، وتمكنت من إجلاء 60 طالباً فجر اليوم، حسب وسائل إعلام محلية، بالإضافة إلى محاولات لإخراج عديد الأسر التي علقت داخل قاعات الأفراح بالمناطق المحيطة بالاشتباكات، وسط حالة من الرعب بين الأهالي.
ومع تصاعد حدة الاقتتال فجر اليوم، وما يتداول عن سيطرة «جهاز الردع» على مقر جهاز المخابرات الليبية بمنطقة السبعة بطرابلس، عبر المجلس الرئاسي الليبي عن انزعاجه الشديد، مطالباً بصفته القائد الأعلى للجيش، النائب العام والمدعي العام العسكري، بفتح تحقيق شامل في أسباب الاشتباكات التي وصفها بأنها «تسببت في إرهاب المواطنين الآمنين في بيوتهم».
وحث المجلس الرئاسي، وزيري الدفاع والداخلية في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، على اتخاذ التدابير اللازمة التي من شأنها فرض الأمن داخل العاصمة، مطالباً «جميع أطراف الصراع بوقف إطلاق النار، والعودة إلى مقراتهم فوراً».
وفي سياق التدابير الأمنية، طالب محمود محمد السقوطري، عميد بلدية مصراتة، أمس (الخميس)، مدير مديرية أمن مصراتة، بإعداد خطة طوارئ أمنية لتأمين المدينة، ورفع درجة الاستعداد، على خلفية «الوضع الراهن والحساس الذي تمر به البلدية».
وأمام تصاعد المخاوف المحلية من عودة الاقتتال الأهلي، أعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا عن عميق قلقها من اندلاع الاشتباكات، التي تدور رحاها في مناطق سكنية مزدحمة، الأمر الذي يُنذر بتعميق الأزمة وانتشار الفوضى مما يعرض ممتلكات وأرواح الناس للخطر.
وقالت المنظمة في بيان اليوم، إن المدنيين في البلاد يعانون من عدم توفر الحماية والرعاية التي تفرضها قواعد حقوق الإنسان بموجب الإعلان العالمي والبروتوكولات الملزمة لصياغة حق الحياة، مشيرة إلى أنها من المصادر المطلعة وثّقت سقوط أربع ضحايا مدنيين، وثلاثة مسلحين من ضمن القوات المتحاربة، وعدداً من الجرحى في صفوفهم، بجانب تضرر عدد من المنازل.
ودعت المنظمة حكومة «الوحدة الوطنية» للعمل وتكثيف جهودها لتهدئة النزاع المسلح (بين أجهزتها الرسمية) واستعادة الأمن بمنطقة النزاع وحماية المدنيين وممتلكاتهم، مؤكدة أن التحشيد العسكري لطرفي النزاع سيؤدي إلى خسائر بشرية غير محدودة، خصوصاً مع انتشار السلاح على نحو واسع، وانتشار الميليشيات المسلحة المناطقية التي يعاني جميعها من نقص في الانضباط.
وعبرت عن خشيتها من اغتنام «الجماعات الإرهابية» حالة هشاشة النظام الأمني لتنفيذ هجمات انغماسية أو أعمال إرهابية تربك المشهد وتعمق الأزمة، داعية المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته، وضرورة العمل على ملاحقة كل منتهكي قواعد القانون الدولي الإنساني.
طرابلس تعيش «ليلة رعب» تحت مدفعية الميليشيات
سقوط قتلى وجرحى... وتغيير لمسار الخطوط الجوية... و«الرئاسي» يطالب بالتحقيق
طرابلس تعيش «ليلة رعب» تحت مدفعية الميليشيات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة