لم يكترث أنصار سيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، كثيراً بماضيه، بالنظر لما تتناقله وسائل إعلام غربية راهناً عن سيرته الأولى، قبل اندلاع ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، فهم يرون أن الرجل، الذي طرح نفسه لخوص الانتخابات الرئاسية في بلاده يتعرض «لمؤامرة دولية» تريد النيل منه وإقصاءه عن المشهد السياسي لصالح منافسين آخرين.
ولا تزال حياة سيف الإسلام، الذي قبِع في مدينة الزنتان، (بغرب ليبيا) عشر سنوات قبل خروجه إلى العلن، قادرة على إثارة دوامات من الدهشة، وكشف مزيد من الأسرار والأخبار، وفق ما أفادت به صحيفة «غارديان» البريطانية أمس.
وأوردت الصحيفة تقريراً عن فترة من حياة سيف القذافي، في لندن، قبل اندلاع «ثورة 17 فبراير» أفاد بأنها اتسمت بالسهرات الفخمة، وقالت إنها «اطّلعت على مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني والوثائق سلطت الضوء على أنشطة (الحاكم المحتمل) في وقت كان يدخل فيه الحياة العامة، ويقود التقارب مع الحكومات الغربية». تقدم المراسلات بين سيف ورفاقه لمحة نادرة عن قلب نظام القذافي، خلال لحظة محورية في العلاقات الليبية - البريطانية.
ونقل التقرير، عن منظِّم أحد الحفلات آنذاك، قائلاً يبدو أنها «الأكثر روعة على الإطلاق في بونتا ديل إستي»، منتجع ساحلي ساحر في أوروغواي. وعرض على (العميل) الاستعانة في الحفل بنظام صوت، و«دي جي»، والاستعانة بمتخصصين بمجال الديكور، وكذلك ألعاب نارية، و«عارضات عاريات يسبحن في المسبح». إلا أن (العميل) الوسيط الذي على صلة وثيقة بحكام ليبيا رفض الألعاب النارية.
وتابع التقرير: «يبدو أن (الوسيط) أرسل للمنظم 34300 دولار، وطلب منه تسليم خروف كامل مشوي يومياً إلى الفيلا التي تستضيف الحفل خلال الفترة بين 30 ديسمبر (كانون الأول) 2006 و6 يناير (كانون الثاني) 2007. وكان مقرراً أن ينضم إليه هناك رفاقه الليبيون ورئيسه، سيف الإسلام، الذي كان من المقرر أن يأتي جواً من جنوب أفريقيا».
ورفض خالد الغويل، مستشار اتحاد القبائل الليبية للشؤون الخارجية، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، ما تضمنه التقرير، وقال: «هذه النوعية من الكتابات تهدف إلى ضرب شعبية سيف الإسلام القذافي، بعدما طرح نفسه كمنافس قوي في الانتخابات الليبية التي أُفشلت».
وعند امتناع القضاة بمحكمة سبها الابتدائية عن عقد جلسة النظر في الطعن المقدم ضد قرار المفوضية العليا للانتخابات باستبعاده من الماراثون كتب لأنصاره في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021:
وسيف الإسلام المولود في 25 يونيو (حزيران) عام 1972 هو النجل الأكبر للقذافي من زوجته الثانية صفية فركاش البرعصي. وثاني أولاد العقيد الراحل التسعة.
وتطالب المحكمة الجنائية الدولية بمثول سيف القذافي أمامها لمحاكمته بتهمة «ارتكاب جرائم ضد الإنسانية»، خلال اندلاع «الثورة» التي أطاحت حكم والده.
ورأى المحلل السياسي الليبي أحمد جمعة أبو عرقوب، أن سيف الإسلام، وشقيقه المعتصم بالله، عُرف عنهما «حب السهر والنساء»، بالإضافة إلى أنهما كانا يتنافسان على النفوذ ووراثة حكم والدهما.
وأضاف أبوعرقوب في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن سيف القذافي استطاع أن يقدم نفسه كشخصية ليبرالية إصلاحية، في وقت كان «يحارب نفوذ قبيلة القذادفة وفي الوقت ذاته يقرّب منه أبناء قبيلة البراعصة (أخواله)».
وخرج سيف الإسلام إلى العلن بعد عِقد مضى قضاه في الزنتان، متشحاً بعباءة سوداء مذهّبة، ووشاح ملفوف بشكل مهندم حول رأسه، ويجلس على مقعد فخم، طارحاً نفسه كمرشح للانتخابات.
ورداً على ما إذا كانت هناك «مؤامرة» تستهدف مستقبل سيف الإسلام السياسي، رد أبو عرقوب، قائلاً: «الهدف من كتابة التقرير واضح، وهو النيل من سيف»؛ «لكن هذا الكلام قد يجدي مع من لا يعرفه أصلاً، فالأخير كان يهوى النساء والسهر».
وقال التقرير إن سيف كانت لديه بالفعل أسباب تدعو للاحتفال، ذلك أنه كان الوريث الواضح لديكتاتورية والده معمر القذافي ووجهها الدولي المقبول، فقد تولى قيادة المفاوضات مع بريطانيا بشأن حادث تفجير (لوكيربي)، وأطلق عليه المنتدى الاقتصادي العالمي لقب «القائد العالمي الشاب».
وقلل أبو عرقوب من تأثير ما نُشر عن سيف الإسلام بخصوص حظوظه الانتخابية، وقال: «سيف الإسلام يتزعم تيار النظام السابق وسوف يحصد جميع أصواته؛ وكذلك الكثير من أصوات من يحنّون إلى الاستقرار الذي كان يسود الدولة الليبية إبان حكم العقيد القذافي»، مستدركاً: «ولكن يجب أن يعلم الليبيون أن سيف الإسلام 2010 ليس سيف الإسلام 2022، وليبيا 2010 ليست ليبيا 2022».
وأورد التقرير أنه عندما انتقل سيف إلى لندن عام 2002، اجتمع فريق من المسؤولين والمقربين لإدارة شؤونه. وحسب مصدر هناك، جرى التعامل مع الأمور الإدارية من الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية في لندن. أما الأنشطة غير التقليدية، فقد تولى إدارتها مجموعة من الشباب الليبيين بينهم فيصل الزواوي، الذي تولى تنظيم حفل «بونتا ديل إستي»، وكان يعمل حينها مع الاتحاد الليبي لكرة القدم. كانت أوروغواي مجرد محطة واحدة من بين الكثير من مغامرات الترفيه الأخرى. وتولى الزواوي إدارة التعامل مع يخوت في البحر الأبيض المتوسط، ونوادٍ في البحر الكاريبي، والاستعانة بطائرة خاصة وتوجيه الدعوة لفتيات.
وقال أحد مشايخ قبيلة القذاذفة، لـ«الشرق الأوسط» إن هناك «مؤامرة تترصد (الدكتور) منذ إعلانه ترشح للانتخابات الرئاسية في ليبيا».
وأضاف الشيخ، الذي رفض ذكر اسمه، متعللاً بأن لـ«(الدكتور) فريق عمل، يجب الرجوع إليهم»: «الجميع شاهد كيف ارتعد جميع المتنافسين مع سيف في الانتخابات، وتحركوا لتعطيل الانتخابات».
وحسب التقرير، «يقال إن سيف بدأ بطلب شقة في ضاحية بلغرافيا الراقية في لندن من الشخص المعنيّ بإدارة شؤونه من الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، قبل أن يتسع نطاق الطلبات ليشمل المزيد من الشقق وخادماً شخصياً وسائقاً وأفراد أمن. وتولى ذلك المسؤول سداد التكاليف، بما في ذلك الإيجار، ثم كان يرسل الفاتورة إلى مكتب سيف في ليبيا، وهي دولة كان متوسط الدخل فيها نحو ثلث متوسط الدخل في بريطانيا».
وذكر المسؤول أنه رافق سيف في لقاء مع ضباط من وكالة الاستخبارات البريطانية (إم آي 6) حول أمنه الشخصي. كما التقى سيف مع مسؤولين حكوميين، وكان لديه الكثير ليناقشه. عام 2003، وبعد مفاوضات مطوّلة، أعلن أن ليبيا «ستقبل المسؤولية» عن حادث لوكيربي وستدفع 2.7 مليار دولار كتعويض لأسر الضحايا.
بعد ذلك تحول اهتمام سيف إلى تأمين الإفراج المبكر عن عبد الباسط المقرحي، المدان بتفجير (لوكيربي)، والذي جرى تشخيصه بالإصابة بسرطان البروستاتا في أثناء سجنه في غلاسغو. وجرت الاستعانة بوكلاء لتدشين موقع إلكتروني لحملة الإفراج عن المقرحي.
ونقل التقرير عن أحد الوكلاء أنه «عُقدت لقاءات مع مسؤولين مختلفين عبر مختلف وسائل الإعلام بأكملها»، كما استعان معاونو سيف كذلك بمساعدة أطباء.
وفي 24 يوليو (تموز) 2009 تلقى سيف رسالة عبر البريد الإلكتروني من كارول سيكورا، أستاذ الأورام في لندن، كتب فيها: «أعتقد أن المسار المرضي للمقرحي سيئ للغاية. السبيل الأفضل لإقناع سلطات المملكة المتحدة بالسماح له بالعودة إلى الوطن لأسباب إنسانية، أن يلتقيه طبيبان ويوافق خبير ثالث على النتائج التي خلصا إليها».
واقترح سيكورا نفسه كرئيس للمجموعة المكونة من ثلاثة أشخاص. وقال إنه اتفق مع سيف على تقاضي أجر يتوافق مع معدل الأجر المقرر من جانب وزارة الصحة البريطانية للخبراء الطبيين -القانونيين، نظير عمله. وبعد ذلك، زار المقرحي في السجن، وقيّم أن الرجل أمامه ثلاثة أشهر ليعيشها، وقدم تقييمه إلى السفارة الليبية في لندن. وقبلت السلطات الاسكوتلندية هذا التقييم.
كما ضغط سيف على حكومة جوردون براون. وتكشف رسائل البريد الإلكتروني أن الزواوي استأجر يختاً إلى كورفو بين 1 و3 أغسطس (آب). وتوجه سيف إلى كورفو خلال تلك الفترة والتقى بيتر ماندلسون، أكبر وزراء حكومة براون آنذاك، حيث أمضى ليلة في فيلا جاكوب روتشيلد المطلة على البحر. وذكر أحد الأشخاص -كان في الفيلا- أن سيف ذهب مع ماندلسون إلى مكان منعزل في الحديقة، وأثار قضية المقرحي. وقال المتحدث باسم ماندلسون عام 2009 إن الاثنين ناقشا قضية لوكيربي في محادثة «عابرة».
ولدى الاتصال به للحصول على تعليق لهذا المقال، قال ماندلسون إنه لم يضطلع «بأي دور على الإطلاق» في مفاوضات الإفراج عن المقرحي، مضيفاً أنه «لم يطلب مني سيف ولا أحد الممثلين عنه التصرف في هذه القضية». وفي 20 أغسطس 2009، أصدر وزير العدل الاسكوتلندي كيني ماكاسكيل، قراره بإطلاق سراح المقرحي.
وحسب الوثائق، فإنه بعد ذلك بيوم بعث سيف رسالة إلى الوزير الأول في اسكوتلندا، أليكس سالموند، يعرب فيها عن «تقديره العميق لتفهمه واستعداده لاتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتيسير قرار الوزير ماكاسكيل». أما سالموند، فقال إنه «لا يذكر حتى رؤية الرسالة». وأضاف أن حكومة المملكة المتحدة «لم يكن لها أي تأثير» على قرار ماكاسكيل، الذي جرى اتخاذه «بشكل صحيح تماماً وبما يتماشى مع الإجراءات القانونية المتبعة».
وفي نفس اليوم، صاغ سيف رسالة مماثلة إلى سايمون ماكدونالد، مستشار السياسة الخارجية لجوردون براون، يعرب فيها عن «تقديره الصادق والعميق لدعمكم خلال الأشهر الكثيرة الماضية في تأمين الإفراج عن المقرحي».
أما ماكدونالد، فأكد من جانبه، حسب التقرير، أنه جرى تعيينه من براون ليكون المسؤول الرئيسي في المفاوضات. وأضاف: «على حد علمي، كنت الشخص الوحيد الذي كان سيف الإسلام يتعامل معه في الحكومة البريطانية. كانت قناة واحدة تتألف مني أنا وسيف الإسلام». وأشار إلى أنه لم يشعر بغرابة في التعامل مع ابن الديكتاتور الليبي، رغم افتقاره إلى منصب رسمي، «لأنه تلقى تعليمات واضحة من والده بإعادة سجين ليبي مريض بمرض عضال إلى الوطن».
وانتهى التقرير إلى أن حياة سيف لم تخلُ من السلوكيات الغريبة. ففي صيف عام 2009، حجز الزواوي يختاً بتكلفة 55400 يورو، وبعد ذلك تواصل مع وكالة لتأجير المرافقات.
وتحتوي سلسلة البريد الإلكتروني على صور من وكالة لنساء عاريات في أوضاع مثيرة. كتبت جهة الاتصال بالوكالة: «هؤلاء فتيات جيدات في الأداء الفردي، أما إذا أردت الاستعانة بأزواج، فإننا نوصي بليوني مع سزليفي أو شانيل مع مارشا».
واختلط سيف كذلك بنخبة المجتمع. ففي مايو (أيار) 2010 تلقى رسالة عبر البريد الإلكتروني يبدو أنها من العارضة الشهيرة ناعومي كامبل تخبره فيه أن غسلين ماكسويل، تصفها بأنها «صديقة مقربة»، تود الذهاب إلى ليبيا بقاربها «للتنزه» في سبتمبر (أيلول)، وتطلب من سيف جعل هذا ممكناً. ووقّعت الرسالة في نهايتها بعبارة «كثير من الأحضان”. وأجاب سيف: «مرحباً ناعومي، صديقتك مرحّب بها في ليبيا. من فضلك أخبريها أن تتواصل مع محمد» -اليد اليمنى لسيف. من ناحيته، قال المتحدث باسم كامبل: «السيدة كامبل لا تذكر هذا التبادل الإلكتروني المزعوم».