لبنان: الأزمة المالية تعطل نقل الموقوفين من السجون إلى المحاكم

انقطاع البنزين وغياب الميزانية لإصلاح عربات قوى الأمن

TT

لبنان: الأزمة المالية تعطل نقل الموقوفين من السجون إلى المحاكم

باتت مآسي اللبنانيين حالة معممة على كلّ الفئات والمجتمعات والمناطق، ولعلّ الصورة الأكثر سواداً، تعبّر عن واقعها مؤسسات الدولة الآخذة في التحلل يوماً بعد يوم، وفي مقدّمها السلطة القضائية التي كانت ملاذ الناس لإنصافهم وإحقاق الحقّ، وباتت الآن بحاجة لمن ينصفها ويخفف عنها أثر الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي يصيب قضاتها وموظفيها المصرّين على تأمين سير العدالة ولو بالحدّ الأدنى.
صحيح أن الدوائر القضائية جزء من القطاعات المصابة بالشلل شبه التام، غير أن تضحيات قضاة ومساعدين قضائيين رافضين الاستسلام للواقع تذهب سُدى، في ظلّ تعطيل جلسات المحاكمة جراء التوقّف عن سَوق الموقوفين إلى قصور العدل، وهذا ما يعمّق الظلم اللاحق بالمتقاضين خصوصاً الموقوفين منهم، لذلك أطلق موظفون في قصر العدل في بيروت صرخة احتجاجية، رفضاً لاستمرار تعطيل الجلسات، نتيجة تعذّر نقل الموقوفين من السجون إلى قصر العدل.
وأكد مصدر قضائي بارز لـ«الشرق الأوسط» أن جلسات التحقيق والمحاكمة الخاصة بالموقوفين «معطّلة منذ بداية الأسبوع الحالي لعدم توفر مادة البنزين للآليات التي تقلّ الموقوفين من السجون إلى المحاكم، وهذا يفاقم المشكلة على أبواب العطلة القضائية التي تبدأ في 15 يوليو (تموز) الحالي وتستمر حتى منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل، والتي تتوقف معها المحاكمات إلا في إطار المناوبة الضيقة».
وتعاني سجلات النيابات العامة وقضاة التحقيق والمحاكم من تراكم الدعاوى وارتفاع أرقامها، مقابل تراجع الإنتاجية والتأخير في إصدار القرارات والأحكام، في ظلّ ظروف قاهرة ما زالت ترخي بثقلها على واقع القضاء، منها اعتكاف القضاة والموظفين وجائحة «كورونا» التي تسببت بالإقفال لأشهر طويلة. وشدد المصدر القضائي على أن «توقّف الجلسات في هذا الوقت يضرّ بالقضاة الذين يحضرون إلى مكاتبهم لإنجاز الملفّات الملحّة جداً، كما يلحق ضرراً أكبر بالموقوفين الذين تجاوزت مدة توقيفهم الاحتياطي الحدّ الأقصى»، كاشفاً عن أن «عشرات الجلسات تعطلت منذ بداية الأسبوع، وهذا ما يعمّق الأزمة الإنسانية للموقوفين، ويزيد من الاختناق القضائي وتراكم الملفّات»، معتبراً أن «تجاهل المسؤولين لهذه النواحي الإنسانية غير مقبول».
وتشهد السجون اللبنانية اكتظاظاً هائلاً، باعتبار أن عدد نزلائها يفوق قدرتها الاستيعابية بثلاثة أضعاف، وأضاف المصدر القضائي: «يفترض أن تكون صدرت عشرات الأحكام قبل عطلة عيد الأضحى، وكان من شأنها أن تفضي إلى إطلاق سراح عشرات السجناء، لكنّ التعطيل بقي سيّد الموقف»، مذكّراً بأن «بين الموقوفين من لديهم حالات صحيّة لا تحتمل التأخير وتعرّض حياتهم للخطر في ظروف توقيف صعبة، وتراجع العناية الطبية في السجون وأماكن التوقيف». وتتولّى سرية السوق في قوى الأمن الداخلي مهمّة نقل الموقوفين من السجون إلى قصور العدل في المحافظات كافة، للمثول أمام المحاكم وقضاة التحقيق، وقد حالت عوامل متعددة دون إتمام هذه المهمّة بشكل فوري ومنتظم. وأوضح مصدر أمني مطلع على هذا الملفّ أن «مشكلة السوق تنحصر بجزئها الأكبر بموقوفي سجن روميه المركزي»، مبرراً ذلك بـ«تعطّل غالبية الآليات التي تنقل الموقوفين». واعترف المصدر لـ«الشرق الأوسط»، بأن المشكلة تتمثّل في أن 70% من الآليات المخصصة لنقل السجناء متوقفة نهائياً بسبب الأعطال الميكانيكية، وهناك 5 شاحنات (boxes) فقط صالحة وتستخدم لهذه المهام، بينها اثنتان متفرغتان لنقل الموقوفين إلى جلسات غسيل الكلى، وآليتان لنقل الموقوفين إلى المحكمة العسكرية، وآلية واحدة مخصصة لنقل السجناء إلى كل قصور العدل، وتابع: «لذلك نتفهّم الصرخة المحقّة لكن هذا هو واقعنا»، لافتاً إلى «عدم توفّر الأموال بـ(فريش دولار) لإصلاح الآليات المعطلة والتي تزيد على الـ200 ألف دولار».
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر متابعة أن «نقل الموقوف بات يخضع للواسطة حتى لا تتأخر محاكمته ويطول زمن اعتقاله»، ولم يخفِ المصدر الأمني وجود ضغوط واتصالات من هذا النوع، إلا أنه أكد أن «القاعدة المعتمدة في ظلّ هذه الأزمة، عدم إحضار موقوف جميع الجلسات، مقابل تعطيل سَوْق آخر إلى كلّ الجلسات، نحن نعتمد مبدأ المداورة». وأوضح أن «ما بين صيف 2021 وصيف 2022 جرى تكليف سرية السوق بـ250 ألف عملية سوق، نفّذنا 60% منها، والباقي تعطلت بسبب جائحة كورونا وقطع الطرق وإضراب القضاة والأعطال التي طرأت على الآليات وغياب الإمكانيات المالية لإصلاحها».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

اتهامات لحكومة نتنياهو بـ«تجويع الفلسطينيين»

أطفال نازحون يبحثون في صندوق قمامة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)
أطفال نازحون يبحثون في صندوق قمامة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)
TT

اتهامات لحكومة نتنياهو بـ«تجويع الفلسطينيين»

أطفال نازحون يبحثون في صندوق قمامة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)
أطفال نازحون يبحثون في صندوق قمامة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تحذر فيه «منظمة العمل الدولية» من انهيار الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية، بفعل الفقر المدقع والجوع، كشفت مصادر أمنية في تل أبيب عن أن قيادة الجيش وأجهزة الأمن الأخرى تحاول إقناع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإعادة منح تصاريح العمل لنحو 150 ألفاً من سكان الضفة للعمل في إسرائيل، ولكن من دون جدوى.

وقالت هذه المصادر إن قادة أجهزة الأمن يحاولون، منذ عدة شهور، إعادة العمال، لكن اليمين الاستيطاني المتطرف في الحكومة بقيادة وزير المالية، بتسلئيل سموترتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، يعارض ذلك بشدة متذرعاً بأسباب أمنية، وهو ما يعده قادة الجيش «وقاحة فظة»، فالمفترض أن الجيش والمخابرات هما اللذان يحددان ماهية الأسباب الأمنية. وعلاوة على ذلك فإن هناك 22 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية يعملون حالياً في المستوطنات الإسرائيلية القريبة من بلدات سكنهم. فلماذا لا يشكل هؤلاء خطراً أمنياً، بينما في إسرائيل نفسها يشكلون خطراً؟ ويزداد قلق قادة الأجهزة الأمنية في عقاب قرار منظمة العمل الدولية إجراء مداولات حول الموضوع.

وبحسب صحيفة «هآرتس»، فإن منظمات عمالية دولية قدمت مؤخراً لمنظمة العمل الدولية (آي إل أو) التابعة للأمم المتحدة، شكوى ضد إسرائيل، تتهمها فيها بالعمل منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على منع ملايين الفلسطينيين من العمل وكسب الرزق والعيش بكرامة. وفي إطار نقاش الهيئة القضائية الخاصة التي تم تشكيلها لهذا الغرض، يتم التدقيق في احتمال خرق إسرائيل لمواثيق دولية وقعت عليها، على رأسها ميثاق ضمان الحق في الحصول على الأجر الأساسي (العمل).

وتقول هذه المنظمات إن العمال الفلسطينيين يوجدون منذ 14 شهراً في حالة غير طبيعية وهم في نظر القانون ما زالوا يعدون مشتغلين ويستحقون أجورهم، لأنهم يحرمون بشكل قسري من الذهاب إلى أماكن عملهم.

ويقول الكاتب والباحث في الشؤون الدولية، إساف ش. بوندي: «رغم أنه لا توجد صلاحية لمنظمة العمل الدولية لفرض عقوبات مادية، فإن الجلسة التي يتوقع عقدها تدل على حجم الكارثة، ويمكن أن تؤثر على مكانة إسرائيل في العالم المتقدم، وفي الوقت نفسه في إسرائيل هناك صمت مدوٍ. يتجاهلون حقيقة أن مسؤولية إسرائيل عن إعالة الفلسطينيين تنبع من السيطرة العسكرية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة».

وأضاف: «خلال عشرات السنين رسخت سياسة الحكومة اعتماد الفلسطينيين على سوق العمل في إسرائيل، مع المنع المتعمد والمنهجي لتطور الاقتصاد الفلسطيني. الوسائل هي تقييد وحشي لحركة البضائع والأشخاص، ومنع تطوير إقليمي صناعي، الأمر الذي حول العمل في إسرائيل إلى البديل الأكثر فائدة والمفضل لدى الكثيرين. ولهذا كله، يعد منع دخول الفلسطينيين إلى أماكن عملهم في إسرائيل، التي أقيلوا منها بغير إرادتهم، والتي يعتمدون عليها في كسب الرزق، خرقاً للمواثيق الدولية، وعلى رأسها ميثاق توفير الحماية للأجور من عام 1949. هذا الخرق خطير بشكل خاص في حال طال أمده».

وتابع بوندي: «إزاء صدمة الموت والجوع والفقر في غزة، فإن هذه الحقائق القاسية تصبح باهتة. ولكن الدمج بين (الصور) يكشف السياسة التي لا تخلق الجوع في غزة فقط، بل عملياً هي تجوع الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضاً. هذه السياسة لا يوجد لها أي منطق أمني أو اقتصادي».

وأكد: «في جهاز الأمن قالوا في الفترة التي أعقبت 7 أكتوبر إنه يجب السماح للعمال الفلسطينيين بالدخول للعمل في إسرائيل لتخفيف الأزمة في المناطق ومنع الغليان الاجتماعي النابع منها. أيضاً المشغلون هم بحاجة إلى العمال في فرع البناء والصناعة والتمريض والسياحة. ومحاولة الحكومة تجنيد مهاجري عمل أجانب بوصفه بديلاً فشلت. دعوات المشغلين لإعادة العمال الفلسطينيين يبدو أنها جبهة أخرى فشلت فيها الحكومة، والنصر المطلق الوحيد الذي يلوح في الأفق هو النصر على الاقتصاد الإسرائيلي نفسه». ودعا الخبير الدولي الإسرائيليين إلى الاستيقاظ من غفوتهم، والعمل على «تغيير هذه السياسة المدمرة».