الأمم المتحدة: أبو عاقلة قُتلت بنيران إسرائيلية

الكونغرس يطالب بتحقيق مستقل في الحادثة

شيرين أبوعاقلة بعد اغتيالها في 11 مايو الماضي (أ.ف.ب)
شيرين أبوعاقلة بعد اغتيالها في 11 مايو الماضي (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة: أبو عاقلة قُتلت بنيران إسرائيلية

شيرين أبوعاقلة بعد اغتيالها في 11 مايو الماضي (أ.ف.ب)
شيرين أبوعاقلة بعد اغتيالها في 11 مايو الماضي (أ.ف.ب)

أعربت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أمس الجمعة، عن استهجانها القرار الإسرائيلي الامتناع عن فتح تحقيق جنائي حول قضية اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة برصاص جنود إسرائيليين. وقالت إن تحقيقاً مستقلاً، اعتمد أيضاً على التحقيقات الإسرائيلية، وجد أن الصحافية قتلت في 11 مايو (أيار) بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل مؤكد، وفي ظروف تستدعي تحقيقاً ملائماً ومحاسبة.
وقالت الناطقة بلسان المفوضية، رافينا شمدساني، في مؤتمر صحافي في جنيف، إن «جميع المعلومات التي جمعناها - بما في ذلك من الجيش الإسرائيلي والنائب العام الفلسطيني - تؤكد حقيقة أن الطلقات التي قتلت أبو عاقلة وجرحت زميلها علي السمودي، صدرت عن قوات الأمن الإسرائيلية وليست طلقات عشوائية صادرة عن فلسطينيين مسلحين كما قالت السلطات الإسرائيلية في البداية». وأضافت: «لقد أنجزنا في المفوضية الرصد المستقل للحادثة. وجميع المعلومات التي جمعناها - بما في ذلك المعلومات الرسمية من الجيش الإسرائيلي والنائب العام الفلسطيني - تتفق مع النتيجة التي مفادها أنه لا توجد أي معلومات تشير إلى وجود نشاط لمسلحين فلسطينيين بالقرب من الصحافيين مباشرة».
- فحص الأدلة
وأشارت شامدساني إلى أنه «وفقاً لمنهجنا العالمي لرصد حقوق الإنسان، قام مكتبنا بفحص الصور ومقاطع الفيديو والمواد الصوتية، وزار الموقع، واستشار الخبراء، واستعرض الاتصالات الرسمية، وأجرى مقابلات مع شهود عيان. ووفقاً لنتائجنا، فقد وصل في ذلك اليوم بعد الساعة السادسة صباحاً، سبعة صحافيين بمن فيهم شيرين أبو عاقلة، إلى المدخل الغربي لمخيم جنين للاجئين في شمال الضفة الغربية المحتلة لتغطية عملية اعتقال من قبل القوات الإسرائيلية والمواجهات التي تلت ذلك. وقال الصحافيون إنهم اختاروا طريقاً جانبياً لتجنب موقع تواجد المسلحين الفلسطينيين داخل المخيم، وإنهم ساروا ببطء من أجل جعل وجودهم مرئياً للقوات الإسرائيلية المنتشرة في الشارع. وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أنه لم يتم إصدار أي تحذيرات، ولم يكن هناك إطلاق نار في ذلك الوقت وفي ذلك المكان».
ولفتت إلى أنه «في نحو الساعة السادسة والنصف صباحاً، عندما تحول أربعة من الصحافيين إلى الشارع المؤدي إلى المخيم، مرتدين خوذات وسترات واقية من الرصاص مكتوب عليها كلمة صحافة باللغة الإنجليزية، تم إطلاق عدة رصاصات تبدو جيدة التصويب نحوهم من اتجاه القوات الإسرائيلية. وأصابت رصاصة واحدة علي السمودي في كتفه، وأخرى أصابت أبو عاقلة في رأسها وقتلتها على الفور. كما تم إطلاق عدة رصاصات أخرى عندما حاول رجل أعزل الاقتراب من أبو عاقلة وصحافية أخرى غير مصابة كانت تحتمي خلف شجرة. واستمر إطلاق النار حيث تمكن هذا الشخص في النهاية من نقل أبو عاقلة».
- محاسبة الجناة
وأكدت شامدساني أن مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت، تواصل حث السلطات الإسرائيلية على فتح تحقيق جنائي في مقتل أبو عاقلة، وفي جميع عمليات القتل والإصابات الخطيرة الأخرى التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة. وقالت إنه «منذ بداية العام فقط، تحقق مكتبنا من أن قوات الأمن الإسرائيلية قتلت 58 فلسطينياً في الضفة الغربية، من بينهم 13 طفلاً». وشددت المتحدثة باسم المفوضة السامية على أن «القانون الدولي لحقوق الإنسان يتطلب إجراء تحقيق سريع وشامل وشفاف ومستقل ونزيه في جميع استخدامات القوة التي تؤدي إلى الوفاة أو الإصابة الخطيرة»، مضيفة «يجب محاسبة الجناة».
وقد رفضت إسرائيل بشكل قاطع موقف المفوضية معتبرة أنه «معادٍ لإسرائيل». وقال وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان: «أنا لا أدري على أي أسس اعتمد هذا التقرير الحقير المرفوض. نحن كنا قد اقترحنا تسوية معقولة للموضوع ولكن الطرف الآخر، وبشكل غير مفاجئ، رفض عرضنا. جيشنا سيواصل العمل وسيحظى دائماً بمساندة القيادتين السياسية والعسكرية». وقال الناطق بلسان الجيش إنه يعود ويطالب بتسليمه الرصاصة التي وجدت في جسد أبو عاقلة، والرفض الفلسطيني لطلبنا يبين حقيقة معاييرهم. وأضاف الجيش أنه «في كل الأحوال، لا يمكن أن تكون الرصاصة التي قتلت الصحافية أبو عاقلة قد أطلقت بشكل متعمد من طرفنا، ولا يمكن القطع بأنها صدرت عن إطلاق نار من مسلحين فلسطينيين أو من إطلاق عشوائي من جندي إسرائيلي». وفي السياق، تطرق القائد العام للشرطة الإسرائيلية، يعقوب شبتاء، إلى الاعتداء الذي قامت به عناصر شرطته في القدس على جنازة شيرين أبو عاقلة والتي كادت توقع التابوت من شدة الضرب الذي تعرض له حاملوه أمام الكاميرات في بث حي ومباشر، قائلاً: «هذا العمل لم يكن تماماً. لكننا لن نقطع رؤوس من قام به».
- مجلس الشيوخ الأميركي
من جهة أخرى، طالب 24 ديمقراطياً في مجلس الشيوخ بمشاركة الولايات المتحدة في التحقيق بمقتل الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة. وكتب هؤلاء رسالة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي سيزور إسرائيل والضفة الغربية منتصف الشهر المقبل، للتأكيد على أهمية إجراء تحقيق مستقل وشامل وشفاف، مع التشديد على ضرورة مشاركة الولايات المتحدة فيه للحرص على ثقة الأطراف كافة بنتائجه.
وتقول الرسالة، التي شارك في كتابتها السيناتور الديمقراطي كريس فان هولان، مع 23 من زملائه: «مضى أكثر من شهر على إطلاق النار على المواطنة الأميركية والصحافية شيرين أبو عاقلة ما أدى إلى وفاتها خلال تغطيتها للعملية الإسرائيلية العسكرية في مدينة جنين في الضفة الغربية. ومنذ ذلك الوقت لم يحصل أي تقدم بارز لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة وشفافة وشاملة في مقتلها». واعتبر المشرعون أن الحكومة الأميركية لديها التزام للسعي إلى حصول تحقيق شفاف ومحايد ومفهوم في مقتلها، مع الحرص على أن تكون نتائجه محط ثقة الأطراف كافة.
وأشارت الرسالة إلى أنه من الواضح «أن الفرقاء على الأرض لا يثقون ببعضهم البعض لإجراء تحقيق مستقل وموثوق به، ولهذا السبب نعتقد أن الطريقة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف هو عبر مشاركة الولايات المتحدة مباشرة في التحقيقات». وختم المشرعون بالقول: «بهدف حماية حرية الصحافة، يجب إجراء تحقيق شامل وشفاف برعاية أميركية للتوصل إلى الحقيقة ومحاسبة قاتلي المواطنة الأميركية».
وكان 57 نائباً قد طالبوا الشهر الماضي وزارة الخارجية ومكتب التحقيقات الفيدرالي بإجراء تحقيق مستقل برعاية أميركية في مقتل أبو عاقلة، وبهذا يكون أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون قد ضموا صوتهم إلى زملائهم في مجلس النواب على أمل الضغط على الإدارة الأميركية في هذا الملف.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي «مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

«مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

قتلت إسرائيل 3 فلسطينيين في الضفة الغربية، الخميس، بعد حصار منزل تحصنوا داخله في نابلس شمال الضفة الغربية، قالت إنهم يقفون خلف تنفيذ عملية في منطقة الأغوار بداية الشهر الماضي، قتل فيها 3 إسرائيليات، إضافة لقتل فتاة على حاجز عسكري قرب نابلس زعم أنها طعنت إسرائيلياً في المكان. وهاجم الجيش الإسرائيلي حارة الياسمينة في البلدة القديمة في نابلس صباحاً، بعد أن تسلل «مستعربون» إلى المكان، تنكروا بزي نساء، وحاصروا منزلاً هناك، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة في المكان انتهت بإطلاق الجنود صواريخ محمولة تجاه المنزل، في تكتيك يُعرف باسم «طنجرة الضغط» لإجبار المتحصنين على الخروج، أو لضمان مقتلهم. وأعلنت وزارة

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

في وقت اقتطعت فيه الحكومة الإسرائيلية، أموالاً إضافية من العوائد المالية الضريبية التابعة للسلطة الفلسطينية، لصالح عوائل القتلى الإسرائيليين في عمليات فلسطينية، دفع الكنيست نحو مشروع جديد يتيح لهذه العائلات مقاضاة السلطة ورفع دعاوى في المحاكم الإسرائيلية؛ لتعويضهم من هذه الأموال. وقالت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، الخميس، إن الكنيست صادق، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يسمح لعوائل القتلى الإسرائيليين جراء هجمات فلسطينية رفع دعاوى لتعويضهم من أموال «المقاصة» (العوائد الضريبية) الفلسطينية. ودعم أعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي ومن المعارضة، كذلك، المشروع الذي يتهم السلطة بأنها تشجع «الإرهاب»؛

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

دخل الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب وقصف بدباباته موقعاً في شرق مدينة غزة، أمس الثلاثاء، ردّاً على صواريخ أُطلقت صباحاً من القطاع بعد وفاة القيادي البارز في حركة «الجهاد» بالضفة الغربية، خضر عدنان؛ نتيجة إضرابه عن الطعام داخل سجن إسرائيلي.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

صمد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ، فجر الأربعاء، منهيا بذلك جولة قصف متبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية استمرت ليلة واحدة (أقل من 24 ساعة)، في «مخاطرة محسوبة» بدأتها الفصائل ردا على وفاة القيادي في «الجهاد الإسلامي» خضر عدنان في السجون الإسرائيلية يوم الثلاثاء، بعد إضراب استمر 87 يوما. وقالت مصادر فلسطينية في الفصائل لـ«الشرق الأوسط»، إن وساطة مصرية قطرية وعبر الأمم المتحدة نجحت في وضع حد لجولة القتال الحالية.

كفاح زبون (رام الله)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.