ماكرون الخاسر الأكبر في الانتخابات التشريعية (تحليل)

خيبة أمل على وجوه أحد أنصار حزب ماكرون لدى إعلان نتائج الانتخابات التشريعية (إ.ب.أ)
خيبة أمل على وجوه أحد أنصار حزب ماكرون لدى إعلان نتائج الانتخابات التشريعية (إ.ب.أ)
TT

ماكرون الخاسر الأكبر في الانتخابات التشريعية (تحليل)

خيبة أمل على وجوه أحد أنصار حزب ماكرون لدى إعلان نتائج الانتخابات التشريعية (إ.ب.أ)
خيبة أمل على وجوه أحد أنصار حزب ماكرون لدى إعلان نتائج الانتخابات التشريعية (إ.ب.أ)

مني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأسوأ فشل سياسي يمكن أن يحل به في الانتخابات التشريعية التي أجريت جولتها الثانية والحاسمة اليوم الأحد. فقد عجز التكتل السياسي المسمى «معاً»، الذي يضم الأحزاب الداعمة له، عن الحصول على الأكثرية المطلقة في البرلمان، ما يؤشر لصعوبات كبيرة في سعيه لتنفيذ برنامجه الرئاسي ووعوده الانتخابية. وبحسب النتائج الرسمية النهائية، فإن تكتل ماكرون المسمى «معاً» بات بعيدا جداً عن الأكثرية المطلقة التي تتطلب الحصول على 289 نائباً، إذ حصل على 245 مقعداً. الأمر الذي سيلزمه بالبحث عن «حلفاء» جدد في البرلمان الجديد. وفي أي حال، ما زال ماكرون يتمتع بأكثرية نسبية بمعنى أن تكتله قد حاز على أكبر عدد من النواب، لكن وضعه اليوم لا يمكن مقارنته إطلاقاً بما كان عليه في البرلمان السابق، حيث كان يتمتع بدعم 360 نائباً من أصل 577 نائباً.
البرلمان الجديد، قطعاً، فريد من نوعه، ونادراً ما فشل رئيس منتخب حديثاً في الحصول على أكثرية نيابية. وبالمقابل، فإن تحالف اليسار والبيئويين برئاسة المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون، حقق نجاحاً مهماً، ولكنه نسبي، نظراً لطموحات الأخير الذي أراد أن تكون الانتخابات التشريعية مطية لوصوله إلى رئاسة الحكومة. لكن ميلونشون بحصوله على ثاني أكبر عدد من النواب «من مائة وخمسين إلى ما فوق» فرض نفسه المعارض الأول للرئيس. وفي كلمة مطولة بعد الإعلان عن النتائج، شدد ميلونشون على أن تحالفه أسقط ماكرون عن عرشه بأن حرمه من الحصول على الأكثرية المطلقة، معتبراً أن نتائج الانتخابات تمثل اقتصاصاً منه ومن طريقة حكمه الفوقية. وبفضل المجموعة النيابية اليسارية الكبرى التي ستدخل البرلمان، فإن معارضة شرسة سوف تنتظر الحكومة التي سيعيد ماكرون النظر بتركيبتها لأخذ الحقائق السياسية بعين الاعتبار، خصوصاً أن عدداً من الوزراء المرشحين سقطوا في الامتحان الانتخابي، وعليهم الاستقالة من الحكومة وفق التقليد المعمول به.
بيد أن الفائز الأكبر هو قطعاً حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي تقوده المرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبن، إذ إنه قد حصل على 89 مقعداً، بحيث سيشكل القوة السياسية الثالثة في البلاد. وما توفر له هو بلا شك إنجاز تاريخي، إذ لم يسبق لليمين المتطرف الفرنسي تحت مسمياته المختلفة أن دخل بهذه القوة إلى الندوة البرلمانية. وفي تعليقها على نتائج الانتخابات، قالت لوبن، إن الكتلة البرلمانية الجديدة هي «الأكثر عدداً بفارق كبير في تاريخ عائلتنا السياسية». ولا شك أن هذه النتائج ستمكن لوبن من العودة بقوة إلى الواجهة السياسية بعد الهزيمة الرئاسية الثانية التي منيت بها بوجه ماكرون بحصولها على 42 في المائة من الأصوات. وفي البرلمان الأسبق، لم يكن لحزب لوبن سوى سبعة نواب. وطيلة الأسابيع الماضية، توقعت لها استطلاعات الرأي أن تتمكن من النجاح في تشكيل مجموعة نيابية مستقلة (المطلوب 15 نائباً). والحال أن ما حصلت عليه يجعلها القوة السياسية والنيابية الثالثة على مستوى البلاد.
حقيقة الأمر أن الصيغة الجديدة للبرلمان ستجعل عمل حكومات عهد ماكرون الثاني بالغة الصعوبة لاضطراره البحث دوماً عن حلفاء من أجل توفير الأكثرية الضرورية للتصويت على مشاريع القوانين. ويبدو البرلمان الجديد عصياً على القيادة بسبب وجود قوى متنافرة ومعارضة يمينية ويسارية مستشرسة وساعية لتحييد عمل ماكرون، الذي فشل العديد من المقربين منه في الفوز، منهم رئيس البرلمان ريشار فيران ورئيس حزبه ستانيسلاس غيريني وثلاثة من وزرائه المقربين. ولأن صيغة البرلمان الجديد هي على هذا النحو، فإن ماكرون سيكون مضطراً للتقارب مع نواب اليمين الذين يمثلون حزب «الجمهوريون» الذين حصل على 61 مقعداً. ومنذ هذا المساء، بدأت الرسائل الضمنية توجه لفريق ماكرون من أجل بلورة ورقة عمل مشتركة للعمل الحكومي المقبل. لكن انقسامات عميقة تعتمل هذا الحزب الذي خسر مكانته السابقة، كما خسر العديد من قادته الذين التحقوا بـماكرون، آخرهم رئيس مجموعتهم النيابية في البرلمان داميان آباد، الذي كافأه ماكرون بتعيينه وزيراً.
منذ الأمس، دخلت فرنسا منعطفاً سياسياً جديداً عنوانه المشاحنات والنزاعات السياسية الدائمة، فيما التحديات التي تواجهها في الداخل والخارج تتطلب من رئيسها وحكومتها ونوابه العمل يداً بيد، لمواجهة تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا وغلاء المعيشة والتضخم وتناقص القدرة الشرائية، خصوصاً للشرائح الأكثر هشاشة، وتجنب اندلاع حركات احتجاجية على غرار ما عرفته البلاد مع «السترات الصفراء».


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.