«عمال حفائر الآثار»... خبرات نفيسة لا تعرضها المتاحف

TT

«عمال حفائر الآثار»... خبرات نفيسة لا تعرضها المتاحف

تحت أشعة الشمس الساطعة، وبين الرمال الذهبية، يعمل هؤلاء في صمت تام، ينتظرون تلك اللحظة التي تقع أعينهم فيها على قطع فريدة، مدفونة وسط الرمال، أو داخل المقابر، لتتعالى صيحاتهم ابتهاجاً بما توصلوا إليه، إنهم «عمال حفائر الآثار»، الجنود المجهولون في معظم الاكتشافات الأثرية المصرية، والخبرات النفيسة التي لا تعرضها المتاحف، ولا يمكن تعلمها في مدرسة أو جامعة، فهم اكتسبوها بالممارسة وورثوها عن الآباء والأجداد.
ورغم اختلاف وتعدد جنسيات البعثات الأثرية العاملة في مجال الحفائر في معظم أنحاء مصر، فإن عمال الحفائر المصريين هم الثابت الوحيد بين كل تلك البعثات.
فعادة أي بعثة أثرية تضم مجموعة متنوعة من الأثريين وعدداً من أصحاب التخصصات العلمية المختلفة أثناء عمليات التنقيب، وفقاً للدكتور هشام حسين، رئيس البعثة الأثرية المصرية في جنوب سيناء، المشرف العام على شؤون المجلس الأعلى للآثار بالمحافظة، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «أي بعثة أثرية يجب أن تضم بين أعضائها أثريين من تخصصات علمية عديدة، منها مفتشو آثار، ومساح (الذي يقوم بتنفيذ شبكية الموقع وربطه بالخرائط)، وفريق من تخصصات مختلفة، بينها ترميم أثري دقيق، وترميم معماري، ومتخصصون في العظم البشري والحيواني، والنباتات، وآخرون في الفخار، ورسام قطع أثرية، ورسام معماري، ومصورون فوتوغرافيون، وغيرهم للصور ثلاثية الأبعاد، بجانب عمال الحفر».
ويقوم العمال والفنيون بدور بارز في عمليات الحفر والتنقيب، تتنوع مهامهم، وتتضمن العديد من المهن، منها فني الحفر، والعمال العاديون الذين يتولون إزالة الركام ونقله باستخدام الغَلَق (المقطف)، وآخرون يعملون على «الغربال»، حيث تتم غربلة الرمل الذي يتم استخراجه من الأرض، بجانب الكثير من المهام الأخرى بحسب طبيعة المنطقة.
سيد عبد العال (51 سنة)، والذي يقيم بمدينة القنطرة شرق (شمال سيناء)، بدأ العمل منذ سن صغيرة عاملاً عادياً يتولى نقل الركام داخل مواقع التنقيب، ومع خبرات السنين أصبح فنياً يتولى عمليات الحفر والتنقيب في محافظتي شمال وجنوب سيناء، يقول عبد العال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحفر عمل دقيق جداً، ونستخدم أدوات دقيقة، منها فأسان صغيرتان جداً، بمقاسات مختلفة، ومسطرين دقيق مدبب، وفرشاة صغيرة، ومشرط صغير، حيث كل طبقة من الأرض تتطلب طريقة مختلفة في الحفر تزداد دقة كلما تعمقنا».
ويشرح عبد العال أسباب استخدام الغربال، قائلاً «هو غربال كبير، يغربل ناتج الحفر؛ تحسباً لاحتوائه على خرز أو تمائم صغيرة، وتتم هذه العملية بدقة، فالموقع مقسّم إلى أجزاء نسميها بالحروف الأبجدية، فإذا كنت أنا أعمل في المربع ألف يكون أي مقطف لدي مكتوب عليه اسم المربع».
وعلى مدار السنين، اكتسب عمال الحفائر في مدينتي أسوان والأقصر (جنوب مصر)، خبرات متراكمة تتوارثها بعض العائلات. يقول الدكتور عبد المنعم سعيد، مدير عام أثار أسوان والنوبة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مدينة قفط بمحافظة قنا، تعد من بين أشهر القرى التي توجد بها عائلات تتوارث مهن الحفر والتنقيب مع البعثات الأثرية منذ خمسينات القرن الماضي، وينقلونها إلى الأجيال التالية، فهم من أكثر أعضاء البعثة أهمية، ويتمتعون بمهارة وخبرة كبيرة، ويوجد في كل موقع رئيس للعمال، يتولى توجيه العمال الفنيين للحفر، وبقية أنواع العمالة الأخرى».
من بين أبناء العائلات التي توارثت المهنة عبر أجيال، عبيد أحمد علي (45 سنة)، عامل فني حفر، الذي عمل مع العديد من بعثات التنقيب، إلى أن أصبح رئيساً للعمال مع البعثة المصرية السويسرية في أسوان، وقد ورث المهنة أباً عن جد، يقول عبيد لـ«الشرق الأوسط»: «نتوارث المهنة في العائلة منذ أجيال، وتعلمت كل مهاراتي من والدي»، مضيفاً، يجب أن يكون لدى العامل الفني رؤية بجانب الخبرة والمهارة؛ إذ يمكنني بمجرد النظر فقط أن أعرف ما إذا كانت طبقة الرديم تراباً عادياً أم وصلنا إلى الطبقة الأثرية.
ويشير عبيد إلى أن «معرفة العامل الفني بموقع الحفر وطبيعة التربة لها تأثير كبير، فمع الخبرة أصبحت أعرف أن أي آثار يونانية بالمنطقة ستكون على بعد مترين من سطح الأرض، والفرعونية على بعد نحو 4 أمتار».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
TT

جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)

تشهد العاصمة بكين جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين، على مستوى وزيري خارجية البلدين، وذلك لتعميق التعاون، وتبادل الرؤى بشأن المستجدات الإقليمية والدولية.

ووصل وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى بكين، مساء الأربعاء، وأشارت وزارة الخارجية المصرية في إفادة لها، إلى «عقد الجولة الرابعة من آلية الحوار الاستراتيجي بين مصر والصين».

والتقى عبد العاطي، الخميس، رموز الجالية المصرية في الصين، وأبرز اعتزاز بلاده بأبناء الجاليات المصرية في الخارج؛ «نظراً لدورهم المهم في تعزيز روابط الصداقة مع مختلف الدول، بما يسهم في توطيد تلك العلاقات حكومة وشعباً، خصوصاً مع شريك اقتصادي مهم مثل الصين».

وحثّ الوزير عبد العاطي، رموز الجالية المصرية في بكين، للمشاركة في النسخة المقبلة من «مؤتمر المصريين بالخارج» في أغسطس (آب) 2025، والذي من المقرر أن يشارك فيه عدد من الوزراء، بما يجعله بمثابة «منصة للحوار المستمر بين الجاليات المصرية في الخارج والوزارات الخدمية»، وفق «الخارجية المصرية».

وتُقدر عدد الشركات الصينية العاملة في مصر بنحو 2066 شركة في قطاعات متنوعة، ويصل حجم استثماراتها إلى نحو 8 مليارات دولار، وفق تصريح لنائب رئيس الهيئة العامة للاستثمار المصرية، ياسر عباس، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 50.8 جنيه في البنوك المصرية).

الرئيس الصيني خلال استقبال نظيره المصري في بكين مايو الماضي (الرئاسة المصرية)

ووفق نائب وزير الخارجية المصري الأسبق، نائب رئيس «جمعية الصداقة المصرية - الصينية»، السفير على الحفني، فإنه «لدى مصر والصين حرص دائم على تعميق العلاقات، واستمرار التشاور فيما يتعلق بعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، تعكس الإرادة المستمرة لتبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف بين البلدين».

وأعلن الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي، والصيني شي جينبينغ، في بكين، مايو (أيار) الماضي، عن تدشين عام «الشراكة المصرية - الصينية» بمناسبة مرور 10 سنوات على إطلاق «الشراكة الاستراتيجية الشاملة».

وأكد الحفني أن «(الحوار الاستراتيجي المصري - الصيني) يأتي في ظل مناخ إقليمي ودولي مضطرب»، عادّاً أن «الحوار ضروري بين القاهرة وبكين، من منطلق وضع الصين قوةً دولية، وعضواً دائماً بمجلس الأمن الدولي، وبهدف تنسيق المواقف بشأن التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية، والمستجدات في غزة ولبنان وسوريا والسودان ومنطقة البحر الأحمر».

وتدعم الصين «حل الدولتين» بوصفه مساراً لحل القضية الفلسطينية، ودعت خلال استضافتها الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لـ«منتدى التعاون الصيني - العربي» في مايو الماضي، إلى «عقد مؤتمر للسلام لإنهاء الحرب في غزة».

ويرى خبير الشؤون الآسيوية في المجلس المصري للشؤون الخارجية، ضياء حلمي، أن «الملفات الإقليمية، وتطورات الأوضاع في المنطقة، تتصدر أولويات زيارة وزير الخارجية المصري لبكين»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن اتساع رقعة الصراع بالشرق الأوسط، والتوترات التي تشهدها دول المنطقة، تفرض التنسيق المصري - الصيني في هذه المرحلة، وإطلاع الجانب الصيني على ما تقوم بها مصر على الصعيد السياسي، للتهدئة في المنطقة».

وأشار حلمي إلى أن هناك تقارباً في المواقف المصرية - الصينية تجاه صراعات المنطقة، وضرورة التهدئة، لافتاً إلى أن «الملفات الاقتصادية تحظى باهتمام من جانب الدولة المصرية لزيادة حجم الاستثمارات الصينية، ورفع معدلات التبادل التجاري بين الجانبين».

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين نحو 13.9 مليار دولار خلال 2023، مقابل 16.6 مليار دولار خلال عام 2022، وفق إفادة جهاز التعبئة والإحصاء المصري، في مايو الماضي.