لا يخفى على متابع الشأن الصيني في العاصمة الأميركية واشنطن، أن بكين كثفت من تحذيراتها للولايات المتحدة و«حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، متهمة إياهما بزيادة وجودهما العسكري في منطقة المحيطين الهادي والهندي؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. ووفق الأنباء الواردة من بكين، فإن الصين ترى بشكل متزايد أن الحرب في أوكرانيا، وأدوار الولايات المتحدة وحلفائها في «الناتو» في دعم كييف ضد موسكو، تعكس التوترات المستقبلية بين التحالف الغربي وبكين في المنطقة.
في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وين بين، إن «(الناتو) منظمة عسكرية في شمال الأطلسي، جاء في السنوات الأخيرة إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي لإلقاء ثقله وإثارة الصراعات». وأضاف: «(الناتو) أفسد أوروبا. هل يحاول الآن إفساد منطقة آسيا والمحيط الهادي؛ وحتى العالم؟».
وتركز الصين على التوترات المستقبلية في ظل تخوفها من تركيز الولايات المتحدة وحلف «الناتو» جهودهما على بكين، بعد تصريحات العديد من المسؤولين الأميركيين والغربيين، التي وصفت الصين بأنها المنافس الاستراتيجي وليست روسيا. وفيما اتخذت الصين موقفاً حذراً من الحرب الروسية - الأوكرانية، يرى البعض أن بكين قد لا تكون متضررة من تلك الحرب، التي من شأنها أن تؤدي إلى تشتيت موارد الغرب في مواجهتها. ويعتقد على نطاق واسع أن بكين لم تتخل مطلقاً عن تقديم الدعم لروسيا؛ عسكرياً واقتصادياً، منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير (شباط) الماضي، تحقيقاً لهذا الهدف.
في المقابل، ترى واشنطن أن الحرب الأوكرانية من شأنها أن توفر لها ميزة غير متوقعة على المدى الطويل، من خلال قرار القادة الأوروبيين زيادة إنفاقهم الدفاعي، وإضعاف روسيا، مما يسمح لها بتسريع تركيزها وزيادة مواردها في مواجهة الصين، بحسب تقرير لوكالة «بلومبرغ» قبل أيام.
دروس مختلفة للحرب في أوكرانيا
ويحذر الخبراء والمسؤولون الغربيون من أن بكين تراقب من كثب الرد على الغزو الروسي، وتستخلص دروساً محتملة لأي توترات بشأن تايوان، التي تدعي الصين أنها أراضيها وهددت بغزوها إذا رفضت الخضوع لسيطرتها. ويرى الصينيون أنها «مسألة وقت فقط» قبل حدوث المواجهة مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن إدارة بايدن شددت على أن «المنافسة» مع الصين لا تعني الحرب.
ومن نافل القول إن أوجه التشابه بين استراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادي وتوسع «الناتو» في أوروبا، ليست جديدة، حيث أكدت كل من الصين وروسيا هذه النقطة في الوثيقة المشتركة التي صدرت في فبراير (شباط) بعد القمة التي جمعت الزعيم الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإعلانهما عن شراكتهما «بلا حدود». وعبّرت الوثيقة عن معارضتهما «توسيعاً إضافياً لـ(حلف شمال الأطلسي)»، وتعهدت بـ«البقاء متيقظين للغاية بشأن التأثير السلبي لاستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي».
وفي حين تعتقد إدارة بايدن أن التحرك نحو آسيا أمر بالغ الأهمية وقد طال انتظاره، حذرت واشنطن بشكل متزايد من إساءة استغلال الصين نفوذها العسكري والاقتصادي في المنطقة، مشيرة إلى تحركاتها لممارسة سيطرة أكبر على هونغ كونغ، وتوسيع وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي، وقمع حقوق الإنسان في مقاطعة شينجيانغ؛ التي شهدت اعتقال أكثر من مليون من الأويغور والكازاخيين وغيرهم من الأقليات المسلمة داخل معسكرات.
ويرى خبراء أن لدى الأميركيين والصينيين نتائج مختلفة من حرب أوكرانيا. فالمسؤولون الأميركيون يواصلون النظر إلى زيادة الإنفاق الدفاعي في أوروبا، وكذلك انضمام كل من فنلندا والسويد إلى عضوية «الناتو»، على أنهما تطورات أمنية إيجابية يمكن أن تسمح للولايات المتحدة بتركيز جهودها نحو آسيا. وهي الاستراتيجية التي كشف عنها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، والتي تعدّ بشكل متزايد أن الصين، وليس روسيا، هي الخصم العسكري الرئيسي للبلاد.
في المقابل؛ يركز الصينيون على «الاختلافات» في المصالح الاقتصادية والسياسية بين الأوروبيين والأميركيين في منطقة آسيا، للدفع بسياسات أوروبية «أكثر استقلالية» عن واشنطن. ودعمت بكين «الاستقلال الذاتي الاستراتيجي»، وهو المفهوم الذي رفعه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، داعياً أوروبا إلى لعب دور أكثر استقلالية في دفاع يعتمد بشكل أقل على الولايات المتحدة. ودفع الزعيم الصيني شي في مكالمة هاتفية مع ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز قبل أيام، الرئيس الفرنسي والقادة الأوروبيين الآخرين إلى أخذ الأمن «بأيديهم». وعلى الرغم من عدم وضوح التداعيات طويلة المدى للحرب الأوكرانية، فإن بكين تراهن على أن زيادة التباعد بين الأوروبيين والأميركيين، في ظل المشكلات الاقتصادية التي سببتها الحرب في أوكرانيا، وصعوبة التخلي عن النفط والغاز الروسيين، قد تؤدي إلى انقسام دائم بينهما، ويمكن أن تؤخر التركيز الاستراتيجي للولايات المتحدة عليها.
على ماذا تراهن بكين لإحباط استراتيجية واشنطن؟
(تحليل إخباري)
على ماذا تراهن بكين لإحباط استراتيجية واشنطن؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة