يعد شهر رمضان المبارك أهم شهور العام عند المسلمين في جميع أنحاء العالم على المستوى الروحي، وأيضاً على المستوى الاجتماعي، نظراً لحفلات الإفطار الجماعية في معظم العائلات. ورغم عدم وجود إلزام بالصيام (Fasting) على الأطفال، إلا أنهم بطبيعة الحال يرغبون في بدء تجربة الصيام، وهو الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي على حالتهم النفسية.
وليس هناك عمر معين يمكن أن يكون مناسباً لكل الأطفال لبدء الصيام، ولكن من الناحية الطبية يفضل أن يكون للأطفال الأصحاء مع بداية البلوغ على الأقل.
- صيام الأطفال
يجب على الآباء عدم الترحيب بصيام الأطفال بشكل كامل قبل عمر العاشرة، حتى لو رغب الطفل في ذلك، لأن الحرمان من الطعام وشرب الماء يمكن أن يسبب مشكلات طبية لهم، حيث إنهم لا يزالون في مراحل النمو الأولى، وبالتالي يحتاج الجسم، وبشكل خاص المخ، إلى كمية كبيرة من الغلوكوز الذي يعد بمثابة الوقود لجميع أجزاء الجسم. كما أن تناول السوائل بشكل كافٍ ضروري لحماية الجسم من الجفاف، وعندما يتم حرمان الجسم من السعرات الحرارية تنخفض مستويات الغلوكوز في الدم (hypoglycemia) في خلال ساعات قليلة مما يستلزم إمداد الجسم بكميات جديدة حتى يمكن الحفاظ على مستوى ثابت من السكر في الدم.
وفي غياب مصدر الطاقة (الطعام) الذي يتحول بعد امتصاصه في الجهاز الهضمي إلى غجلوكوز، لا يتمكن الجسم من القيام بوظائفه بشكل طبيعي، ولا يصل السكر بكمية كافية للمخ، مما يؤدي إلى ضعف التركيز والشعور بالدوار والخمول، وهو الأمر الذي يدفع الجسم إلى اللجوء إلى تحويل الغليكوجين الموجود في الكبد إلى غلوكوز (glycogenolysis). وعادة يتم تخزين الغلوكوز الزائد عن حاجة الجسم في الكبد على شكل نشا «غليكوجين» لحين الحاجة إليه.
وكلما كانت فترة الصيام أطول كلما احتاج الجسم إلى كميات أكبر من الغلوكوز، مما يؤدي إلى تحويل مصادر أخرى إلى سكر مثل البروتين الموجود في العضلات، ثم يتم تحويل الدهون إلى غلوكوز أيضاً. وفي الوقت نفسه يؤدي عدم تناول الطفل لكمية كافية من السوائل إلى زيادة العطش، وتقل كمية البول إلى حدوث جفاف، ويمكن أن يؤدي في بعض الأحيان النادرة إلى حدوث تشنجات عضلية.
بالنسبة للأطفال الأكبر عمراً، يفضل أن يكون الصيام بشكل متدرج. وعلى سبيل المثال يمكن أن يقوم الطفل بالإفطار في حالة الشعور بالجوع في اليوم الأول، ثم يتم زيادة 15 دقيقة كل يوم، لكي تكون هناك فرصة للجسم لاعتياد الحرمان من الطعام بشكل متدرج وليس مفاجئاً. ويجب على الآباء أن يخبروا أطفالهم بأنه لا داعي للإحساس بالحرج في حالة الإفطار بشكل مبكر عن البالغين، حتى لا يكون هناك عبء نفسي عليهم. وفي المقابل يتم تشجيعهم على أي فترة يستطيعون الصيام فيها مهما كانت قصيرة في نظر الآباء، خصوصاً أثناء الدراسة في الأجواء الحارة.
- نصائح رياضية وغذائية
يجب نصح الأطفال بتجنب الألعاب التي تتطلب تمارين عنيفة أثناء الصيام، مثل كرة القدم والسباحة، ويجب أن يتم تأجيل المسابقات التنافسية لما بعد الإفطار حتى لا يزيد الاحتياج للغلوكوز.
ويفضل بعد الإفطار تناول الكثير من السوائل للاحتفاظ بالجسم في حالة رطبة (hydrated)، ولكن ليس بشكل مبالغ فيه، لأن الماء الزائد عن حاجة الجسم يتم التخلص منه عن طريق البول ولا يتم الاستفادة منه.
ويجب أن يحرص الآباء على أن يتناول أطفالهم وجبة السحور حتى لو تم إيقاظهم من النوم، لأنها تعد جزءاً أساسياً من تحمل الصيام للأطفال، ويجب أن تتضمن هذه الوجبة الأطعمة الغنية بالألياف مثل حبوب القمح الكاملة والبقوليات والفواكه والخضراوات.
تعد اللحوم الخالية من الدهون، والبيض، من أهم المصادر الجيدة للبروتين الحيواني، ولذلك يجب أن تكون موجودة في وجبتي الإفطار والسحور، وكذلك منتجات الألبان.
ويفضل أن يتجنب الأطفال الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر مثل المربى أو العصائر المصنعة، لأن ذلك سوف يجعلهم يشعرون بالجوع بشكل سريع لسرعة امتصاص السكر، كما أن قيمتها الغذائية ليست مثل قيمة البروتين. وكذلك يجب الحد من الأطعمة التي تحتوي على كميات كبيرة من الملح لتجنب العطش.
يفضل وقت الإفطار أن يتم تقسيم الطعام إلى وجبتين، تفصل بينهما فترة زمنية قصيرة، بحيث لا يتم تناول كمية كبيرة من الطعام في وقت بسيط مما يؤدي إلى حدوث عسر هضم وانتفاخ وآلام في البطن بعض الأحيان. ويجب أن يكون التركيز الأساسي في وجبة الإفطار على البروتين، سواء الحيواني أو النباتي.
وفي حالة استخدام زيوت يفضل أن تكون صحية مثل زيت الزيتون أو بذرة الكتان، يفضل تجنب أو تناول كميات قليلة من المشروبات الغازية والحلويات واستبدالها بالفاكهة أو العصائر الطبيعية بدون إضافة سكريات.
ويمكن بعد الإفطار تناول المكسرات بكميات صغيرة، وهي تحتوي على سعرات حرارية كبيرة، نظراً لأهميتها لاحتوائها على مضادات الأكسدة (antioxidant) بكميات كبيرة.
لتجنب الإرهاق أثناء الصيام، يفضل أن ينام الطفل بعد العودة من المدرسة وقبل الإفطار فترة قيلولة بسيطة، ويمكن أن يأوي الأطفال إلى الفراش في المساء مبكراً حتى يتمكنوا من الاستيقاظ أثناء السحور بعد أن ينالوا قسطاً وافراً من الراحة حتى لا يؤثر على تركيزهم في اليوم التالي، خصوصاً أنه يفضل بعد السحور أن يقضي الأطفال فترة بسيطة قبل النوم بشكل مباشر بعد تناول الطعام.
- استشاري طب الأطفال