وجود الغازات في أجزاء الجهاز الهضمي هو أمر طبيعي، وإخراجها هو أمر طبيعي آخر. وهذا يشمل: الغازات في المعدة، والغازات في الأمعاء الدقيقة، والغازات في قولون الأمعاء الغليظة.
- مصادر الغازات
الغازات التي يسبب بقاؤها، وإخراجها، إزعاجاً لكثيرين، ليس مصدرها الرئيسي غازات المعدة التي يبتلعها المرء مع مضغ الطعام، أو مضغ العلك، أو مع اللعاب، أو ضمن مكونات المشروبات الغازية؛ لأن الجسم يعمل على إخراجها عبر التجشؤ، وما يتسرب منها إلى الأمعاء الدقيقة يتم امتصاصه، ولا يصل من تلك الغازات إلى القولون إلا كميات ضئيلة.
والمصدر الرئيسي للغازات هو ما يتم تكوينه في القولون بفعل البكتيريا الصديقة. وآلية ذلك أن من بين ما تتغذى عليه تلك البكتيريا، كميات قليلة من أنواع معينة من السكريات المعقدة التي تصل إلى القولون بهيئة كاملة، حينما لا تقوى الأمعاء الدقيقة للإنسان على هضمها. ونتيجة لذلك، تتكون كميات من الغازات الناتجة عن عملية هضم البكتيريا الصديقة في القولون لأنواع تلك السكريات النباتية المعقدة.
والجوانب التي تهم في شأن إخراج الغازات، هي: أنواع السكريات التي يؤدي وجودها في القولون إلى زيادة تكوين الغازات، وأنواع الأطعمة التي يتسبب تناولها في زيادة كمية الغازات، وأسباب حصول الرائحة الكريهة في الغازات، ووسائل تخفيف تكوين الغازات وتسهيل إخراجها، ومتى تكون الغازات مشكلة صحية تجدر مراجعة الطبيب من أجلها.
- السكريات والألياف
تشير المصادر الطبية إلى أن بعض أنواع الأطعمة التي تتسبب في تكوين الغازات لدى شخص ما، ليس بالضرورة أن تتسبب في ذلك الأمر لشخص آخر. ومع ذلك، من المعروف أن تناول بعض الأطعمة المحتوية على أنواع من المركبات السكرية، الحلوة أو غير الحلوة في طعمها، قد يتسبب في مستويات عالية من تكوين الغازات المعوية. وأنواع تلك السكريات المتسبب وجودها بالقولون في تكوين الغازات، تشمل:
* سكر الفركتوز، الذي يُوجد في بعض الفواكه، كالتفاح والمشمش والتين والمانغو والكمثرى والبطيخ.
* سكريات الرافينوز (Raffinose)، وهي سكريات معقدة، يفتقر البشر إلى الإنزيم اللازم لهضمها. وعندما تحاول البكتيريا في الأمعاء هضمها، فإنها تطلق كثيراً من الغاز. وهي سكريات توجد بوفرة في كثير من المنتجات النباتية الصحية، مثل الفول، والفاصوليا الجافة، واللوبيا الجافة، والحمص، والعدس، والحبوب الكاملة، والهليون، والبروكلي، والملفوف.
* السوربيتول (Sorbitol)، وهو أحد أنواع السكريات الكحولية المُنتجة من سكر الغلوكوز، وتُستخدم كمحليات صناعية، وتُضاف إلى أنواع العلك والحلويات.
* أنواع الألياف القابلة للذوبان في الماء، كالتي توجد في الفاصوليا المجففة والفول والحمص والمكسرات، وأنواع من الفاكهة المجففة والطازجة.
* الألياف غير القابلة للذوبان في الماء، كالتي توجد في الخضراوات الجذرية ونخالة القمح، وعدد آخر من المنتجات النباتية.
* نشا الكربوهيدرات المعقدة، الموجودة في الذرة والقمح والبطاطس.
* وبالإضافة إلى السكريات، هناك الأطعمة والمشروبات عالية المحتوى بالكبريت، وهي التي قد يؤدي الإكثار من تناولها إلى زيادة تكون غازات ذات رائحة كريهة، مثل الثوم والبصل، وخضراوات القنبيط والبروكلي. وكذلك الحال مع بعض المشروبات، مثل البيرة التي تحتوي كمية عالية من الكبريت.
هذا يحصل في الحالات الطبيعية، أي أن الإنتاج الطبيعي للغازات في قولون الأمعاء الغليظة، يحدث نتيجة تناول منتجات غذائية صحية في الغالب.
- اضطرابات صحية
وهناك بالمقابل حالات أخرى، يحصل فيها وصول أنواع أخرى من السكريات البسيطة أو المعقدة، التي بالأصل لدى الأمعاء الدقيقة قدرة على هضمها، ولكن لأسباب عدة، تتعلق باضطرابات عمل أو أمراض الجهاز الهضمي، تصل إلى القولون دون أن يتم هضمها وتفتيتها وامتصاصها في الأمعاء الدقيقة.
ويحصل ذلك عندما تكون ثمة أمراض في أجزاء الجهاز الهضمي المسؤولة عن هضم السكريات. ومن ذلك:
* حالات التهابات بطانة الأمعاء، ونقص إنتاج الإنزيمات الخاصة بهضم السكريات، أو أن تكون ثمة اضطرابات في سرعة وصول الطعام إلى القولون، أو طول بقاء فضلات الطعام فيه، مع الإمساك المزمن المرافق للقولون العصبي. وهذه الحالات قد تتطلب مراجعة الطبيب، أي عندما يرافق زيادة إخراج الفضلات أعراض أخرى في عمل الجهاز الهضمي.
* حالتا «عدم تحمّل الطعام» (Food Intolerance) و«الحساسية من الطعام» (Food Sensitivity) اللتان يُمكن أن تحصل فيهما زيادة في تكوين الغازات مع تغير لرائحتها. وعلى سبيل المثال، فإن الأشخاص المُصابين بحالة «عدم تحمّل الحليب» (Lactose Intolerance) لديهم اضطراب في قدرة هضم سكريات اللكتوز بالحليب، ما يؤدي إلى هضم البكتيريا له في القولون، وبالتالي زيادة إنتاج الغازات.
والحقيقة أن نحو 70 في المائة من البالغين على مستوى العالم، لا توجد لديهم قدرة كاملة على إنتاج ما يكفي من الإنزيم الذي يساعد على هضم سكر الحليب ومشتقات الألبان بشكل تام، ولذا يمكن أن يسبب تناولهم منتجات الألبان انزعاجاً كبيراً نتيجة زيادة تكوين الغازات والانتفاخ والإسهال، ولهؤلاء ربما يكون الحل هو تناول لبن الزبادي.
* حساسية من مادة الغلوتين (Gluten Intolerance) تؤدي أيضاً إلى مشكلة زيادة تكوين الغازات نفسها، مع تغير رائحتها لدى الأشخاص الذين لديهم حساسية من الغلوتين، وهي مادة بروتينية موجودة في أنواع من الحبوب. ولدى أولئك المرضى تنشأ زيادة في التفاعل المناعي بجهاز مناعة الجسم مع تلك النوعية من البروتينات الغذائية، وبالتالي تحصل التهابات في الأمعاء عند تناول تلك البروتينات، وهو ما يتسبب بعدد من الأعراض المرضية، والتي منها زيادة إخراج غازات ذات رائحة كريهة، إضافة إلى الإعياء البدني وانتفاخ البطن والإسهال وفقدان الوزن. ونتيجة للالتهابات في الأمعاء، لا يتم هضم السكريات بكفاءة في الأمعاء الدقيقة، ما يُؤدي إلى وصولها إلى القولون.
* مرضى متلازمة القولون العصبي، التي يُعاني منها نحو 15 في المائة من البالغين، كذلك هم أكثر عُرضة للمعاناة من الغازات عبر آليات عدة، إضافة إلى الأعراض الأخرى لتلك الحالة، كالإسهال أو الإمساك، أو تعاقبهما، أو ألم البطن، أو انتفاخ البطن.
كما أن ثمة حالات من الأمراض والاضطرابات في عمل الجهاز الهضمي، قد يُرافقها إخراج غازات كريهة الرائحة، مثل الإمساك المزمن، وسرطان القولون، وأنواع من الالتهابات المزمنة في القولون، التي يرافقها تراكم نمو الميكروبات فيه، وبالتالي زيادة احتمالات تكوين الغازات.
- رائحة الكبريت
أما بالنسبة إلى رائحة الغازات، فإن غالبية مكونات غازات البطن التي تنتجها البكتيريا عند هضم السكريات، هي غازات لا رائحة لها بالأصل. ولكن نسبة ضئيلة جداً منها، لا تتجاوز 1 في المائة، قد تتسبب في إعطاء الغازات التي يتم إخراجها رائحة كريهة، نتيجة احتوائها على عنصر الكبريت الذي له رائحة شبيهة برائحة البيض الفاسد.
ومن أنواع الخضراوات الغنية بالكبريت: البروكلي، وملفوف الكرنب، وهليون الأسبرغس، والثوم، والبصل. وهناك أيضاً أطعمة غير نباتية غنية بالكبريت، مثل أنواع من الجبن الأصفر المطبوخ، كجبن الشيدر، والبيض، وأنواع من اللحوم والأعضاء الحيوانية كالكبد، وأنواع من لحوم الأسماك.
وتناول بعض أنواع الأدوية قد يتسبب إما في زيادة إخراج الغازات وإما في تغير رائحة الغازات عبر آليات عدة، كتأثير تناول أنواع من المضادات الحيوية في تغير البيئة البكتيرية داخل القولون. وقد يتسبب في زيادة الغازات وسوء رائحتها تناول أدوية خفض الوزن التي تعمل على خفض امتصاص الأمعاء للدهون، وأدوية ضبط السكر التي تعيق امتصاص الأمعاء للسكريات، وأدوية مضادات الالتهاب اللاستيرودية المسكنة الألم (NSAID) كالبروفين، وبعض أنواع أدوية تليين الإخراج، وبعض أنواع أدوية خفض الكولسترول.
- التعامل الطبي مع حالات زيادة الغازات
تعتمد معالجة زيادة تكوين الغازات على معرفة سبب حصول ذلك:
> إذا كانت من سوء الهضم (Maldigestion) و- أو سوء الامتصاص (Malabsorption)، الناجم عن مرض بطانة الأمعاء، فيجب تحديد نوعية المرض، وغالباً عبر أخذ عينة من بطانة الأمعاء الدقيقة.
> وإذا كان السبب هو عرقلة إفراغ المعدة، أو سرعة مرور الطعام والسوائل والغاز من خلال الأمعاء الدقيقة، أو فرط نمو البكتيريا في الأمعاء، فيجب إجراء المعالجة اللازمة، دوائية كانت أو جراحية.
> وإذا كان السبب النقص في إنزيمات معينة، كإنزيم هضم الحليب، فإن من المفيد تناول مكملات إنزيم اللاكتيز الغذائية.
> وفي غير الحالات المرضية، يتم علاج الغازات بتغيير نوعية مكونات التغذية، أو بتناول أنواع من الأدوية. وأولى الخطوات هي محاولة المرء التعرف على الأطعمة التي تتسبب في حدوث مشكلات الغازات لديه، والتخفيف من تناولها. ورغم أنها أطعمة صحية، فقد يُفيد الامتناع المؤقت عن تناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الألياف، ثم البدء بتناولها بشكل متدرج مرة أخرى على مدى عدة أسابيع. كما قد يُفيد البعض تقليل تناول الحليب ومشتقات الألبان، وتناول لبن الزبادي بدلاً منها. وأيضاً الامتناع عن تناول الأطعمة المقلية أو الدسمة. وكذلك الحرص على الأكل ببطء، ومضغ الطعام جيداً، وتقليل مضغ العلكة ومص الحلويات الصلبة، والشرب من خلال الماصة، والامتناع عن التدخين، وممارسة التمارين الرياضية؛ لأن النشاط البدني يساعد في تحريك الغازات خلال القناة الهضمية.
أما بالنسبة للأدوية فهناك عدد كبير منها، وتتوفر في الصيدليات بأسماء مختلفة، قد يُفيد بعضها بعض الناس دون آخرين.
- 10 حقائق عن غازات البطن
> إخراج غازات البطن عملية فسيولوجية طبيعية، أسوة بتناول الأكل والتنفس، والهدف منها تخفيف ألم ضغط كمية الغازات تلك على توسع جدران القولون.
> معظم كمية الغازات التي يتم إخراجها مصدرها القولون، أما الغازات التي يتم بلعها مع الطعام أو مضغ العلك أو اللعاب، فيتخلص الجهاز الهضمي منها قبل وصولها إلى القولون.
> تعتمد كمية الغازات التي يتم إخراجها على مستوى نشاط بكتيريا القولون في هضم أنواع من السكريات المعقدة التي لم تهضمها الأمعاء.
> سكريات «رافينوز» هي سكريات معقدة يفتقر البشر إلى الإنزيم اللازم لهضمها، وتوجد في الفول، والفاصوليا الجافة، واللوبيا الجافة، والحمص، والعدس، وغيرها.
> كمية الغازات التي يُمكن أن يتم إخراجها في 24 ساعة تتراوح ما بين 0.6 و1.8 لتر. ولا يُوجد فارق مهم فيما بين كمية غازات البطن لدى الصغار مقارنة بالكبار في السن، كما لا يُوجد فارق مهم في كمية الغازات ما بين الذكور والإناث.
> يتراوح عدد مرات إخراج الغازات لدى الإنسان الطبيعي ما بين 12 إلى 25 مرة في اليوم، وربما يزيد عدد المرات تلك وفق نوعية مكونات الطعام اليومي، كما يُمكن أن يختلف ذلك العدد من يوم لآخر لدى الشخص نفسه، وفق اختلاف نوعية مكونات طعامه اليومي.
> يُخرج الناس كمية أكبر من الغازات لا شعورياً عندما يكونون نائمين، دون أن يتأثر لديهم بذلك الاستغراق في النوم.
> نقع البقول، كالفول والفاصوليا الجافة والحمص، في الماء لمدة تتراوح ما بين 24 و48 ساعة قبل الطهي، يُسهم في تحلل السكريات التي لا تقوى أمعاء الإنسان على هضمها، والتي منها تُصدر بكتيريا القولون غازات البطن، وهي الوسيلة الأفضل لتقليل احتمالات تسبب تناولها في الغازات.
> 99 في المائة من الغازات التي يتم إخراجها مكونة من النيتروجين والأوكسجين وثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والميثان، وهي في الغالب ليست لها رائحة أصلاً.
> الرائحة الكريهة للغازات سببها أحد مكوناتها من الغازات التي لا تتجاوز نسبتها في الغالب 1 في المائة، ومن أمثلة تلك الغازات سلفيد الهيدروجين (Hydrogen Sulfide).