«جينات الحظ» تحمي من بعض تداعيات السمنة

اختلاف توزيع الشحوم في أرجاء الجسم له تأثيرات صحية مختلفة

«جينات الحظ» تحمي من بعض تداعيات السمنة
TT

«جينات الحظ» تحمي من بعض تداعيات السمنة

«جينات الحظ» تحمي من بعض تداعيات السمنة

إحدى الحقائق المُلاحظة، أن بعض الأفراد الذين يعانون من السمنة قد يتمتعون بصحة جيدة نسبياً رغم ارتفاع كمية الشحوم في الجسم لديهم وزيادة وزنه الإجمالي، بخلاف غيرهم الذين تتسبب لهم السمنة بمضاعفات صحية متعددة، غالبها مرتبط بتداعيات أيضية ذات صلة بالعمليات الكيميائية الحيوية للتمثيل الغذائي داخل الجسم.

- فرضية جديدة
وتظل هذه الملاحظة الشائعة محيّرة للكثيرين منا، ويصعب علينا فهمها. ولكن أحد الفرضيات المطروحة اليوم تفيد بأن الأمر له علاقة بوجود «جينات الحظ» Lucky Genes لدى البعض دون غيرهم؛ ما يجعلهم في أمان من بعض تداعيات ومضاعفات السمنة. وقد يكون هذا التعليل صحيحاً، على الأقل وفق ما توصلت إليه دراسة جينية واسعة ومتعمقة لباحثين من عدد من مراكز البحث العلمي في المملكة المتحدة، وتم نشرها ضمن عدد 25 يناير (كانون الثاني) من مجلة «إي لايف» eLife العلمية. ومُوّلت هذه الدراسة من قِبل منظمة السكري في المملكة المتحدة، ومجلس البحوث الطبية في المملكة المتحدة، والصندوق العالمي لأبحاث السرطان، والمعهد الوطني للسرطان.
ومن ضمن نتائج هذه الدراسة الطبية، أفاد الباحثون بملاحظتهم أن من بين الأشخاص المصابين بالسمنة، ثمة لدى البعض منهم «جينات الحظ» التي ورثوها. وتبعاً لهذا «الحظ»؛ كان لديهم توزيع «مُفضّل» للدهون في الجسم. ونتيجة لذلك؛ كانوا أقل عرضة للإصابة بـ11 مرضاً متعلقاً بالتأثيرات الأيضية Metabolic للدهون. وذلك مقارنة بالأشخاص الذين لم يرثوا «جينات الحظ» تلك، وكانت لديهم متغيرات جينية غير مواتية للسمنة.
وأوضحوا سبب وصفها بأنها «غير مواتية للسمنة» هو تأثيرها على آلية توزيع تراكم الشحوم في مناطق الجسم المختلفة. ذلك أنه بالإضافة إلى خزن الدهون تحت الجلد في جميع أنحاء الجسم لدى عموم منْ لديهم سمنة، فإن الذين لم يرثوا «جينات الحظ» يكون لديهم أيضاً خزن مزيد من الدهون في «أماكن خطأ» داخل الجسم. وتحديداً فيما حول عدد من أعضاء الجسم، وكذلك في داخل عدد من أعضاء الجسم، مثل البنكرياس والكبد والعضلات والقلب. وتراكم الشحوم هذا (حول وفي داخل عدد من أعضاء الجسم)، هو ما يرتبط بزيادة عُرضة الإصابة بالاضطرابات المرضية لعمليات التمثيل الغذائي، والتي من أهم أمثلتها كل من أمراض القلب ومرض السكري من النوع 2.
وفي المقابل، كان الأشخاص الذين لديهم متغيرات جينية «مواتية للسمنة» Favorable Adiposity Gene Variants، يخزنون الدهون تحت الجلد بكميات أكثر، ولا تتراكم لديهم الشحوم في «أماكن خطأ» داخل أجسامهم.

- تنوع خزن الشحوم
ووفق ما تفيد به المصادر الطبية، فإن الذين لديهم سمنة مع زيادة محيط البطن بالذات، هم أعلى عُرضة لارتفاع مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، نتيجة ارتفاع كميات الدهون المتراكمة على هيئة «شحوم حشوية» Visceral Fat و«شحوم مُنتبذة» Ectopic Fat. وذلك بخلاف الذين تتراكم الشحوم لديهم في مناطق الأرداف والفخذين وتحت الجلد في بقية مناطق الجسم. وتضيف تلك المصادر، أن تخزين الفائض من الشحوم في الجسم على هيئة «شحوم حشوية» حول أعضاء تجويف البطن والصدر، مثل الكبد والبنكرياس والكلى والأمعاء والقلب، هو أمر غير طبيعي وله تأثيرات صحية سلبية مباشرة. وكذلك من غير الطبيعي أن تتراكم الشحوم على هيئة «شحوم مُنتبذة» لتُخزن في داخل أنسجة أعضاء الجسم، مثل الكبد والعضلات والقلب والبنكرياس والكلى. وهي الأعضاء التي من المفترض طبيعياً ألا تتراكم فيها الدهون. وتؤكد نتائج العشرات من الدراسات الطبية، أن زيادة تراكم «الشحوم الحشوية» و«الشحوم المُنتبذة» إحدى الآليات الرئيسية في تطور الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، وكذلك الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وفي نتائج إحدى الدراسات السابقة، تم نشرها في سبتمبر (أيلول) 2019 من مجلة «القلب» الأوروبية، لباحثين من كلية ألبرت آينشتاين للطب بولاية نيويورك، فإن الوظائف البيولوجية للأنسجة الدهنية تختلف باختلاف المكان الذي تتراكم فيه الشحوم داخل الجسم. ولذا تتسبب الشحوم في الجزء العلوي من الجسم (جذع الجسم) والشحوم في الجزء السفلي من الجسم، في آثار صحية متناقضة، أي ضارة في مقابل مفيدة. وثمة الكثير من الأدلة العلمية على أن ارتفاع كتلة شحوم البطن والصدر والظهر (جذع الجسم) هو عامل قوي في التسبب باضطراب عمليات التمثيل الغذائي، والتي من أوضح أمثلتها حالة ارتفاع مقاومة أنسجة الجسم لمفعول هرمون الأنسولين Insulin Resistance. وكلما زادت مقاومة أنسجة الجسم للأنسولين، ارتفعت خطورة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. بينما يصاحب ارتفاع تراكم الشحوم في الأرداف والفخذ والساق، انخفاض في خطر حصول اضطرابات عمليات التمثيل الغذائي الأيضية Metabolic Disturbances، وبالتالي انخفاض احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

- «جينات دهنية»
وعلّق الباحثون في الدراسة البريطانية الجديدة بقولهم «بعض الناس لديهم جينات دهنية سيئة الحظ، مما يعني أنهم يخزنون مستويات أعلى من الدهون في كل مكان، بما في ذلك تحت الجلد وحول الكبد والبنكرياس. وهذا مرتبط بارتفاع مخاطر الإصابة بأمراض مثل مرض السكري من النوع 2. والبعض الآخر أكثر حظاً لأن لديهم جينات تعمل على ارتفاع خزن الدهون تحت الجلد، مع انخفاض تراكم الدهون في الكبد، وانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض مثل مرض السكري من النوع 2».
وهدف الباحثون بشكل رئيسي إلى التفرقة ما بين تداعيات ومضاعفات السمنة التي لها علاقة باضطراب عمليات الأيض الكيميائية الحيوية، وبين تداعيات ومضاعفات السمنة ذات العلاقة فقط بزيادة كتلة الجسم.
ومن بين 37 مرضاً مزمناً مرتبطاً بالسمنة، وجد الباحثون أن التأثيرات الأيضية Metabolic للسمنة هي على الأرجح السبب الرئيسي للأمراض الـ11 التالية: مرض السكري من النوع 2، متلازمة تكيس المبايض، مرض الشرايين التاجية للقلب، أمراض الشرايين الطرفية، ارتفاع ضغط الدم، السكتة الدماغية، قصور ضعف القلب، والرجفان الأذيني AF، وأمراض الكلى المزمنة، وسرطان الكلى، والنقرس.
وفي الوقت نفسه بالمقابل، تتسبب زيادة الوزن نفسها بارتفاع الإصابات بـ9 أمراض أخرى مرتبطة بالسمنة ولا علاقة لها بشكل مباشر مع اضطرابات التأثيرات الأيضية للسمنة Nonmetabolic، وهي: روماتزم المفاصل (الفصال العظمي) OA، والتهاب المفاصل الروماتويدي RA، وهشاشة العظام، وارتجاع أحماض المعدة إلى المريء GERD، وحصى المرارة، والربو الذي يبدأ لأول مرة بعد البلوغ Adult - Onset Asthma، والصدفية، وتجلط الأوردة العميقة، والجلطات الدموية الوريدية.
وقال الباحثون «الأشخاص المصابون بالسمنة ولديهم متغيرات جينية غير مواتية للسمنة، معرّضون لخطر أكبر للإصابة بجميع الأمراض العشرين؛ لأنهم يتعرضون لضربة مضاعفة من جهتين لكل من: التأثيرات الميكانيكية لزيادة الوزن، والتأثيرات الأيضية السلبية للسمنة». ولكنهم استدركوا، أن امتلاك البعض الآخر منهم للجينات الجيدة (جينات الحظ) ليس بديلاً عن ضرورة إتباع النمط الصحي في سلوكيات الحياة اليومية، وذلك بقولهم «في حين أنه من المهم أن نحدد أسباب الأمراض المرتبطة بالسمنة، فإن الجينات الجيدة لا تحل محل اتباع أسلوب حياة صحي». وأضافوا «الأشخاص الذين لديهم متغيرات جينية أكثر ملاءمة للسمنة، ما زالوا معرّضين لخطر الإصابة بالأمراض التسعة التي لا تسببها التأثيرات الأيضية بل الناجمة عن تأثير الوزن الزائد» بحد ذاته.

- تأثيرات اختلاف توزيع تراكم الشحوم في مناطق الجسم
> العلامة الرئيسية للسمنة هي زيادة كتلة الشحوم في الجسم، وليس زيادة وزن كتلة العضلات، أو كتلة الهيكل العظمي، أو حجم أعضاء الجسم الطبيعية، أو كمية الماء في الجسم. واليوم، يتقدم الفهم الطبي لحالة السمنة، من 3 نواح رئيسية، هي: أسباب الإصابة بالسمنة، كيفية التعامل العلاجي معها، وآلية حصول تداعياتها ومضاعفاتها.
وخلال العقود الماضية، أفادت نتائج المئات من الدراسات الطبية الاكلينيكية والدراسات الوبائية، في تكوين فهم متسلسل لآلية حصول تداعيات ومضاعفات السمنة وعلاقتها بزيادة تواجد الشحوم في الجسم، وذلك من خلال النقاط التالية:
- كتلة الأنسجة الشحمية في عموم أرجاء الجسم، هي «عضو»، أسوة بالجلد وكتلة الأنسجة العظمية وكتلة العضلات وغيرها. وتُصنف كتلة الشحوم ككل، ضمن منظومة الغدد الصماء في الجسم.
- «العضو الشحمي» لا يعمل فقط كمستودع لخزن الطاقة على هيئة دهون، بل يقوم بعدد من الوظائف البيولوجية المهمة ذات التأثيرات الحيوية.
- كتلة الأنسجة الشحمية لا تتواجد في مكان واحد، بل تتوزع في أرجاء الجسم على هيئات مختلفة، وهي «شحوم تحت الجلد»، و«شحوم حشوية»، و«شحوم مُنتبذة».
- الوظائف البيولوجية للأنسجة الشحمية المتوزعة في الجسم، تختلف حسب أماكن تراكمها في أجزاء الجسم المختلفة. وهذا الاختلاف الوظيفي هو نتيجة لاختلاف «الخصائص التشريحية» لمكونات شحوم المناطق المختلفة بالجسم، من نواحي نوعية الخلايا الدهنية والمكونات الأخرى للنسيج الشحمي.
- هذا الاختلاف في أماكن تواجد الشحوم، يعني أن ليست كل الشحوم المتراكمة في الجسم «متشابهة التأثير» في احتمالات رفع الإصابات بأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري.
- «الشحوم الحشوية» و«الشحوم المُنتبذة» (يتم قياسها إكلينيكياً بدقة بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسيMRI)، هي عامل خطر مستقل لاحتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري والوفيات بسببهم.
- لا يجدر الاعتماد فقط على مقدار عدد كيلوغرامات الجسم، أو «مؤشر كتلة الجسم» BMI؛ لأن ذلك لا يُقيم كيفية توزيع الشحوم في أجزاء الجسم. ولكن زيادة «محيط الخصر» Waist Circumflex هي عامل خطورة للإصابة بأمراض القلب، حتى لو كان مؤشر كتلة الجسم ومقدار وزن الجسم ضمن المعدلات الطبيعية.

- توزيع تراكم الشحوم في منطقة البطن وتأثيراته
> في غالبية حالات السمنة يزيد تراكم الشحوم في منطقة البطن. وبالتدقيق التشريحي لتطور عمليات التراكم تلك، تتوزع الشحوم في ثلاث مناطق بالتسلسل التالي:
- يبدأ أولاً تراكم الشحوم البيضاء «تحت» جلد جدار البطن.
- ثم تبدأ الشحوم الحشوية بالتراكم فيما «حول» الأعضاء داخل تجويف البطن (وداخل تجويف الصدر).
- ثم بعد ذلك تبدأ الشحوم المُنتبذة بالتراكم «داخل» أعضاء البطن، كالكبد والبنكرياس والكلى والعضلات، (وكذلك القلب في الصدر).
ووفق ما تفيد به المصادر الطبية، الشحوم التي تحت جلد جدار البطن، ليست مرتبطة بشكل «مباشر» بزيادة الإصابة بالأمراض المزمنة. ولكن الشحوم الحشوية والمُنتبذة في داخل تجويف البطن هي التي قد تتسبب بالضرر كتداعيات ومضاعفات للسمنة.
وللتوضيح، فإن «الشحوم الحشوية» نشطة جداً في العمليات الكيميائية الحيوية ذات التأثيرات السلبية؛ لأنها تحتوي على خلايا وأوعية دموية وأعصاب أكثر من الشحوم البيضاء الموجودة تحت الجلد. ونتيجة لذلك النشاط السلبي، تنتج «الشحوم الحشوية» عدداً من الهرمونات والبروتينات الالتهابية ومواد كيميائية أخرى. وهذه ضارة لأنها تتسبب بزيادة مقاومة الأنسولين (الذي ينظم مستويات السكر في الدم)، ونشاط عمليات الالتهابات. وهي عوامل ترفع خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، أمراض القلب والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكوليسترول، وغيره.
و«الشحوم المُنتبذة» بتواجدها الخاطئ «في أماكن غير طبيعية»، أي داخل أعضاء لا تحتوي في الحالات الطبيعية على تلك الكميات من الدهون (كالكبد والقلب والبنكرياس والكلى والعضلات)، فإنها تتسبب بتأثيرات «موضعية» ضارة في داخل العضو التي تتواجد فيه، وتأثيرات «عامة» ضارة على الجسم.
وعلى سبيل المثال، حينما تراكم الشحوم في خلايا الكبد، أو ما يُعرف بـ«الكبد الدهني» Fatty Liver، فإن ذلك قد يتسبب بارتفاع احتمالات التهاب الكبد الدهني Steatohepatitis، وتليّف الكبد Liver Fibrosis ونمو ندبات ليفية داخل الكبد Liver Scarring.


مقالات ذات صلة

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك فوائد الرياضة قد ترجع إلى زيادة تدفق الدم للدماغ وتحفيز المواد الكيميائية المعروفة باسم الناقلات العصبية (رويترز)

دراسة: ممارسة الرياضة لنصف ساعة تساهم في تحسين الذاكرة

يعتقد العلماء الآن أن النشاط البدني ليس مجرد فكرة جيدة لتحسين اليوم القادم؛ بل يمكن أن يرتبط بزيادة طفيفة في درجات عمل الذاكرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم «البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

​يبدو أن مركب «البنزول» المسمَّى أيضاً «البنزول الحلقي» ظهر في كل مكان خلال السنوات الأخيرة. معقِّمات بمواد مسرطنة أولاً، كانت معقمات اليدين التي تحتوي على …

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أواني الطهي البلاستيكية السوداء قد تكون ضارة بالصحة (رويترز)

أدوات المطبخ البلاستيكية السوداء قد تصيبك بالسرطان

أصبحت أواني الطهي البلاستيكية السوداء عنصراً أساسياً في كثير من المطابخ، لكنها قد تكون ضارة؛ إذ أثبتت دراسة جديدة أنها قد تتسبب في أمراض مثل السرطان.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
الولايات المتحدة​ روبرت كينيدي جونيور مع الرئيس المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب: روبرت كينيدي سيبحث في الصلة المحتملة بين اللقاحات و«التوحد»

قال الرئيس المنتخب دونالد ترمب إن روبرت كينيدي جونيور، مرشحه لمنصب وزير الصحة، قد يحقّق في وجود صلة مفترضة بين اللقاحات ومرض التوحّد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

جانب من الحضور
جانب من الحضور
TT

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

جانب من الحضور
جانب من الحضور

تُختتم في العاصمة الإماراتية، أبوظبي، مساء الخميس 12 ديسمبر (كانون الأول)، أعمال مؤتمر جائزة الشيخ زايد العالمية بعنوان «المؤتمر الدولي للطب التقليدي والتكميلي ودوره في مستقبل الرعاية الصحية»، بالإعلان عن الفائزين بالجائزة في دورتها الثالثة، وذلك بعد 3 أيام حافلة بالمناقشات العلمية العميقة وعروض الدراسات المبتكرة، التي تركزت جميعها على دور الطب التقليدي والتكميلي في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة والمستدامة.

جائزة الشيخ زايد العالمية

في حفل بهيج ومتميز وبمشاركة نخبة من العلماء والباحثين والخبراء من مختلف أنحاء العالم، تم توزيع جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي (TCAM)، التي جاءت كإشادة بالجهود العالمية المتميزة في هذا المجال، مسلطة الضوء على إنجازات الأفراد والمؤسسات التي ساهمت في تطوير الطب التقليدي والتكميلي ودمجه مع الممارسات الصحية الحديثة.

تُعد هذه الجائزة منصة عالمية تهدف إلى تعزيز أهمية الطب التقليدي والتكميلي ودوره المستقبلي في النظم الصحية. تم توزيع الجوائز على الفائزين في 5 فئات رئيسية، وهي:

- الباحثون: تكريم للأبحاث التي أحدثت فرقاً ملموساً في تطوير العلاجات التقليدية والتكميلية.

- الأكاديميون: الذين ساهموا في تعليم وتطوير الطب التقليدي والتكميلي عبر برامج تدريبية مبتكرة.

- الممارسون المرخصون: تقديراً لجهودهم في تقديم رعاية طبية آمنة وفعّالة.

- الشركات المصنعة: التي ساهمت في تطوير منتجات عشبية ومكملات غذائية مستدامة وآمنة.

- الهيئات الإعلامية: التي ساهمت في نشر الوعي الصحي بأسلوب فعال ملهم ومؤثر.

أكدت الجائزة على أهمية الابتكار والبحث العلمي في تعزيز التكامل بين الطب التقليدي والحديث، مما يعكس رؤية القيادة في تحقيق مستقبل صحي أكثر استدامة.

جانب من الحضور

أبرز الدراسات في المؤتمر

في إطار التطور العالمي المتسارع في الطب التقليدي والتكميلي، تبرز الدراسات العلمية كأداة رئيسية لفهم أثر هذا المجال في تحسين الرعاية الصحية. يعكس هذا الاهتمام الدولي أهمية الطب التقليدي والتكميلي كجزء من النظم الصحية المتكاملة.

فيما يلي، نستعرض مجموعة من الدراسات العلمية المتنوعة التي نوقشت في المؤتمر والتي تقدم رؤى عميقة حول التطبيقات السريرية والفوائد الصحية للطب التقليدي والتكميلي:

* تقنية النانو في تحسين الأدوية الطبيعية. استعرض الأستاذ الدكتور شاكر موسى، وهو زميل الكلية الأميركية لأمراض القلب والكيمياء الحيوية وزميل الأكاديمية الوطنية للمخترعين، في دراسته التي قدمها في المؤتمر، الدور الرائد لتقنية النانو في تحسين فاعلية الأدوية الطبيعية وتطوير المستحضرات الصيدلانية. أوضح أن خصائص تقنية النانو في الطب تتمثل في تصميم جزيئات دقيقة جداً (تتراوح بين 1-100 نانومتر)، مما يمنحها خصائص فريدة، مثل:

- القدرة على استهداف المناطق المصابة بدقة: بفضل صغر حجم الجسيمات النانوية، يمكنها التغلغل بسهولة في الخلايا والأوعية الدقيقة.

- التفاعل الحيوي العالي: تمتاز الجسيمات النانوية بقدرتها على تحسين امتصاص الأدوية الطبيعية في الجسم، مما يزيد من فاعليتها.

- التخصيص الدقيق: تتيح هذه التقنية تصميم مستحضرات طبية يمكنها التفاعل مع مستقبلات محددة على سطح الخلايا المريضة فقط.

أوضح الدكتور موسى كيف يمكن لتقنية النانو تعزيز كفاءة الأدوية الطبيعية من خلال:

- زيادة الامتصاص الحيوي: تعمل الجسيمات النانوية على تحسين امتصاص المركبات الطبيعية مثل الكركمين والبوليفينول، والتي عادةً ما يتم امتصاصها بصعوبة في الجهاز الهضمي.

- تقليل الجرعات العلاجية: من خلال إيصال الدواء مباشرة إلى الأنسجة المستهدفة، يمكن تقليل الجرعات المستخدمة، وبالتالي تقليل السمية والآثار الجانبية.

- تعزيز فاعلية الأدوية المضادة للأمراض المزمنة: أظهرت الدراسة أن تقنية النانو قادرة على تحسين العلاجات الطبيعية المستخدمة لمكافحة السرطان وأمراض القلب، مما يتيح تأثيراً أكبر بجرعات أقل.

وأشارت الدراسة إلى أن أحد أهم فوائد تقنية النانو، الحد من الأضرار التي تلحق بالخلايا السليمة أثناء العلاج. على سبيل المثال:

- في العلاج الكيميائي التقليدي، يعاني المرضى عادة من تأثير الأدوية على الخلايا السليمة.

- باستخدام تقنية النانو، يمكن تصميم جزيئات تستهدف فقط الخلايا السرطانية، مما يقلل من الآثار الجانبية ويزيد من راحة المرضى.

واختتم الدكتور موسى محاضرته بتوصيات هامة:

- زيادة الاستثمار: دعا إلى تعزيز الاستثمار في أبحاث تقنية النانو وتطوير مختبرات متخصصة.

- التعاون الدولي: أشار إلى أهمية تعزيز التعاون بين الجامعات ومراكز الأبحاث لتسريع تطوير العلاجات الطبيعية المعتمدة على تقنية النانو.

- التنظيم والتشريعات: شدد على ضرورة وضع لوائح تنظيمية واضحة لضمان سلامة وفاعلية الأدوية المعتمدة على تقنية النانو.

علاج الغرغرينا السكرية بالأعشاب

* علاج الغرغرينا السكرية بالأدوية العشبية وباستخدام العلق الطبي. استعرض البروفيسور س. م. عارف زيدي تجربة سريرية مبتكرة لعلاج الغرغرينا السكرية، وهي حالة شائعة لدى مرضى السكري تتطلب في كثير من الأحيان بتر الأطراف. ركزت الدراسة على استخدام مستخلصات عشبية مثل النيم، المعروفة بخصائصها المضادة للميكروبات، مع العلاج بالعلق الطبي، وهو أسلوب يستخدم العلق لتحسين الدورة الدموية بفضل اللعاب الخاص الذي يحتوي على مضادات تخثر وإنزيمات تساعد في تنظيف الجروح وتحفيز الشفاء. أظهرت النتائج شفاءً كاملاً لمريضة خلال 3 أشهر، مع تحسن ملحوظ في الحالة الصحية العامة وتقليل الألم والالتهابات. وخلصت الدراسة إلى أن هذا النهج يمكن أن يكون بديلاً فعالاً للعمليات الجراحية، ويوفر حلاً منخفض التكلفة مقارنة بالإجراءات التقليدية.

الرياضة والتدليك

* تمارين رياضية لتقوية عضلات قاع الحوض لعلاج سلس البول. استعرضت الدكتورة عائشة بروين فاعلية تمارين تقوية عضلات قاع الحوض كعلاج طبيعي لسلس البول لدى النساء. ركزت الدراسة على مجموعة من التمارين المستهدفة التي تهدف إلى تحسين مرونة وقوة العضلات الداعمة للمثانة. أظهرت الدراسة أن النساء اللواتي التزمن بالتمارين سجلن تحسناً ملحوظاً في تقليل تسرُّب البول وتحسين جودة حياتهن. كما أكدت أن هذه التمارين تعد خياراً آمناً وغير جراحي، يناسب النساء من مختلف الأعمار. وأوصت الدراسة بتطوير برامج تدريبية على مستوى المراكز الصحية لتوعية النساء بفاعلية هذه التمارين، مع توفير الإرشادات اللازمة لضمان تطبيقها بطريقة صحيحة.

* تقنيات العلاج التدبيري للاضطرابات العضلية الهيكلية. قدم الدكتور محمد أنور دراسة حول استخدام الحجامة والتدليك في علاج الاضطرابات العضلية الهيكلية، مثل التهاب المفاصل وآلام أسفل الظهر. تضمنت الدراسة تحليلاً لنتائج المرضى الذين تلقوا العلاج بالحجامة والتدليك إلى جانب العلاج الطبيعي الحديث. أظهرت النتائج انخفاضاً كبيراً في مستويات الألم وتحسناً في حركة المفاصل، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على الأدوية المسكنة التي قد تسبب آثاراً جانبية طويلة الأمد. وأوصى الدكتور أنور بدمج هذه العلاجات التقليدية مع الأساليب الحديثة، مشيراً إلى أن مثل هذا التكامل يمكن أن يحقق فوائد علاجية أكبر ويعزز من راحة المرضى ويقلل من تكلفة الرعاية الصحية.

العجوة غذاء ودواء

* القيمة الغذائية والدوائية لتمر العجوة. قدمت الأستاذة الدكتورة سعاد خليل الجاعوني دراسة متعمقة حول الخصائص الغذائية والطبية لتمر العجوة، أحد أبرز أنواع التمور في العالم الإسلامي. ركزت الدراسة على التحليل الكيميائي لمكونات العجوة التي تشمل نسباً عالية من الفيتامينات مثل B1 وB2، والمعادن كالبوتاسيوم والمغنسيوم، والألياف الغذائية التي تعزز صحة الجهاز الهضمي. أوضحت الدكتورة سعاد الجاعوني أن تمر العجوة يحتوي على مضادات أكسدة قوية مثل البوليفينولات، التي تعمل على مكافحة الجذور الحرة، مما يحمي الخلايا من التلف ويقلل من الالتهابات المرتبطة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب. كما سلطت الدراسة الضوء على فاعلية العجوة في تعزيز صحة الكبد؛ حيث أظهرت التجارب المخبرية أن مستخلصات التمر تعمل على تخفيف التهابات الكبد وتقليل تراكم الدهون عليه. وأوصت باستخدام تمر العجوة في الصناعات الغذائية والدوائية لتطوير مكملات غذائية ومستحضرات علاجية طبيعية تهدف إلى تعزيز المناعة وتحسين الصحة العامة.

* دمج المعرفة التقليدية مع الممارسات الحديثة. قدمت الدكتورة آمي ستيل نموذجاً مبتكراً لدمج المعرفة التقليدية مع الطب الحديث. ركزت على تطوير إطار عمل يعتمد على استخدام النصوص والممارسات التقليدية كأساس لتصميم بروتوكولات علاجية حديثة. أظهرت الدراسة أن تكامل الطب التقليدي مع الطب الحديث يمكن أن يعزز فاعلية العلاجات ويقلل من الآثار الجانبية، مع التركيز على أهمية التوثيق العلمي للمعرفة التقليدية لتصبح مقبولةً في الأوساط الطبية العالمية. وأوصت الباحثة بتشجيع التعاون بين ممارسي الطب التقليدي والحديث، وإطلاق مشاريع بحثية مشتركة لاستكشاف الفوائد العلاجية لممارسات الطب التقليدي.

* مخاطر الغش في المنتجات العشبية. حذّر الأستاذ الدكتور محمد كامل من المخاطر الصحية الناجمة عن الغش في المنتجات العشبية؛ حيث يتم أحياناً إضافة مركبات دوائية غير معلن عنها مثل السيلدينافيل، المستخدم في علاج ضعف الانتصاب، والفلوكستين، المستخدم كمضاد للاكتئاب، إلى بعض المنتجات العشبية. سلطت الدراسة الضوء على الآثار الجانبية الخطيرة لهذه الإضافات، مثل ارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات الجهاز العصبي، خاصة عند تناولها دون وصفة طبية. وأوصى الدكتور كامل بضرورة تعزيز آليات الرقابة على المنتجات العشبية، وإلزام الشركات المصنعة بالإفصاح الكامل عن جميع المكونات لضمان سلامة المستهلكين، مع زيادة الوعي بين الأفراد حول شراء المنتجات من مصادر موثوقة.

تحديات وفرص الطب التقليدي والتكميلي

رغم الإنجازات الكبيرة التي حققها الطب التقليدي والتكميلي، يواجه هذا المجال تحديات كبيرة، مثل:

نقص الأدلة السريرية: الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتوثيق الفوائد والآثار الجانبية.

التشريعات الموحدة: لضمان سلامة وجودة المنتجات العشبية.

التكامل مع الطب الحديث: تعزيز التعاون بين الممارسين والعلماء من مختلف الأنظمة الطبية.

واختتم المؤتمر الدولي للطب التقليدي والتكميلي أعماله بعد رحلة علمية مميزة أثرت النقاشات العالمية حول هذا المجال الواعد. من خلال الأبحاث والعروض التقديمية. وتم تسليط الضوء على الإمكانيات الكبيرة للطب التقليدي في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة.

تُبرز هذه الفعالية أهمية تعزيز التعاون الدولي وتطوير التشريعات والبحوث لضمان استفادة البشرية من هذا التراث الطبي الغني، مما يمهد الطريق لمستقبل صحي أكثر استدامة.