عيد الحب في لبنان... باقات التفاح بدل الورود

الحفلات الغنائية تشهد إقبالاً كبيراً بالمناسبة

استبدال باقات الورد الأحمر بباقات التفاح تحت عنوان «انت الحب»
استبدال باقات الورد الأحمر بباقات التفاح تحت عنوان «انت الحب»
TT

عيد الحب في لبنان... باقات التفاح بدل الورود

استبدال باقات الورد الأحمر بباقات التفاح تحت عنوان «انت الحب»
استبدال باقات الورد الأحمر بباقات التفاح تحت عنوان «انت الحب»

يصل عيد الحب هذه السنة إلى لبنان متجدداً من حيث أنواع الهدايا المتبادلة، لم تعد تتألف من الإكسسوارات الباهظة الثمن كالعطور وساعات اليد والمجوهرات. كما يغيب التهافت على الدببة المزينة بالقلوب الحمراء، وكذلك نفتقد باقات الورد الحمراء التي أصبح سعرها يناهز أجر موظف في شركة أو مصرف. وتحت عنوان «أنت الحب» أطلق الإخوان الثلاثة فراس وأدونيس وإسكندر عماد، حملة لدعم إنتاج التفاح اللبناني. وترتكز الحملة على استبدال باقات الورد بباقات التفاح وإيصالها إلى أي مكان يريده الزبون.
يقول إسكندر أحد الإخوة الثلاثة، أصحاب المبادرة المذكورة، إن الفكرة استوحوها من المثل المعروف «الحاجة أم الاختراع». ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نعيش أزمة اقتصادية قاسية، والمزارع اللبناني هو واحد من أكثر المتضررين فيها. ومن هذا المنطلق فكرنا بتنظيم مبادرة لتشجيعه. كما أننا من خلالها نروج لمنتج لبناني مشهور يشهد كساداً في تصريفه في الفترة الأخيرة».
باقات التفاح التي يوضبها الإخوان الثلاثة من آل عماد بمشاركة شباب جامعيين تطوعوا لمساعدتهم، وكذلك مجموعة من ربات المنازل، استقطبت أيضاً أصحاب محلات الزهور. فأعمالهم لم تعد تشهد الرواج المطلوب في ظل ارتفاع أسعار الورد على أصنافه.
وبثلاثة أحجام مختلفة تتراوح أسعارها ما بين الـ100 و200 ألف ليرة للباقة الواحدة، ينشغل الإخوان في تأمين طلبات الزبائن منذ أوائل شهر فبراير (شباط). وهم يتوقعون أن تتضاعف هذه الطلبات مع اقتراب عيد الحب في 14 فبراير من كل عام. ويتابع إسكندر: «التفاح نشتريه اليوم من البرادات، لأن موسم قطافه يقع في الصيف. ولكننا اخترنا أجود أنواع التفاح الأحمر لتتألف منه باقات «انت الحب». وهو يقطف من مناطق جبلية عالية كالباروك وكفرسلوان وعين دارة وغيرها».
ويمكن للزبون أن يوصي على باقة تتألف من تفاحة واحدة كبيرة يصل وزنها إلى 600 غرام. كما في استطاعته أن يشتري باقة تفاح أحمر من الحجم المتوسط وفيها 12 حبة من هذه الفاكهة بطعمته الجبلية المقرمشة. ومن يرغب في التعبير عن حبه بباقة إكسترا يبلغ سعرها مع أجرة التوصيل نحو 200 ألف ليرة، فهو بذلك يقدم للحبيب 8 تفاحات من الحبة الكبيرة والتي يصل وزنها إلى نحو 2 كيلوغرام.
ويعلق إسكندر: «مع هذه المبادرة وبالإضافة إلى تصريف إنتاج التفاح اللبناني، تؤمن الحملة فرص عمل لأكثر من 500 شاب وشابة، فضلاً عن تأمين العمل لأصحاب سيارات الأجرة، ومهمتهم إيصال باقات التفاح إلى المنازل».
«الورد بينشم والتفاح يؤكل» هو الشعار الذي رفعه أصحاب الحملة لحث اللبنانيين على استبدال باقات الورد المهداة في عيد الحب، بباقات التفاح لأنها تحمل استفادة أكبر.
أما أسواق الزهور، فتشهد من ناحيتها ركوداً ملحوظاً في مناسبة عيد الحب. ويقول داني صاحب محل زهور في منطقة الأشرفية إن أسعار الورود الحمراء نار، وهي تتخطى في بعض المحلات الكبيرة والمشهورة مبلغ المليون ليرة للباقة الواحدة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «أنا شخصياً أبيع باقة الورد الأحمر بمبلغ 350 ألف ليرة، ومع ذلك لم أتلق حجوزات كبيرة حتى الآن، سوى من قبل عدد محدود من المقاهي والمطاعم». ويرى داني هذا السعر يلحق به، أحياناً، أجرة التوصيل إلى المنزل وتبلغ نحو 50 ألف ليرة، لأن أسعار الوقود ارتفعت. ويختم: «باقة زهر التوليب لا يزال سعرها مقبولاً، ويبلغ نحو 200 ألف ليرة لـ10 زهرات. ولكني لا أذيع سراً إذا قلت إني أفكر بإقفال محلي مع نهاية العام الحالي، إذا ما بقيت حركة البيع متراجعة. فما أتكلفه لدفع إيجار محل واشتراك مولد كهربائي ونقود لشراء الورود، يتجاوز ربحي الشهري. فأنا أتحمل خسارة شهرية بنحو 7 ملايين ليرة، ولن أستطيع الإكمال بمهنتي في ظل ظروف اقتصادية رديئة إلى هذا الحد».
شريحة من اللبنانيين اتجهت نحو الحفلات الغنائية المنظمة في بعض الفنادق والمجمعات السياحية، اعتبرتها هدية تليق بالشريك ومتنفساً تحتاجه للشعور ببعض الفرح، بعد سنتين من الحجر المنزلي وقلة في المدخول. تقول ستيفاني التي فاجأت زوجها ببطاقة لشخصين من أجل حضور حفل الفنان مروان خوري في كازينو لبنان: «انتقدني الكثير من أصدقائي لأنني دفعت مبلغاً من المال يناهز 3 ملايين ليرة لشراء البطاقتين. ولكني كنت أخذت وعداً على نفسي بأن أول ورقة 100 دولار تصلني من شقيقي في أميركا سأصرفها على عيد الحب».
ويقيم الفنان مروان خوري حفلة غنائية في مناسبة عيد الحب في كازينو لبنان مساء الأحد 13 الجاري. ويقول أحد الموظفين في قسم الحجوزات بأن بطاقات هذا الحفل أصبحت شبه نافدة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «عندنا حتى اللحظة طاولة واحدة تتسع لثمانية أشخاص بسعر مليون ونصف للبطاقة الواحدة، وأخرى بسعر مليونين ونصف المليون ليرة للبطاقة الواحدة. وآلاف من الراغبين في الحضور عليهم أن يحجزوا مقاعدهم ضمن خانة الـ«في أي بي» أي بسعر 200 دولار للبطاقة الواحدة». ويشارك في إحياء حفل خوري الكوميدي ماريو باسيل الذي يقدم اسكتشات انتقادية ساخرة بمعية زميليه شادي مارون وتاتيانا مرعب.
ويشهد كازينو لبنان أيضاً حفلة للمطربين آدم ومحمد المجذوب وذلك مساء السبت 12 فبراير في صالة السفراء. ويبلغ سعر البطاقة الواحدة لهذا الحفل مليونا و500 ألف ليرة مع عشاء ووردة حمراء.
من ناحيته يحيي الفنان جوزيف عطية حفلة بمناسبة عيد الحب في مجمع «Orizon» بجبيل يشاركه فيها المغني حسين الديك وذلك مساء يوم غد السبت. وتتراوح أسعار البطاقات التي أصبحت شبه نافدة، كما أكد لنا موظف الحجوزات في المجمع ما بين 70 و100 و125 دولاراً. ويمكن للراغبين في حضور هذه السهرة الدفع بالعملة الصعبة أو بما يوازي سعر صرف الدولار أمام الليرة في الأسواق. وفي مطعم بلازا بالاس حيث يحيي الفنان أمير يزبك حفلة عيد الحب يتراوح سعر البطاقة للشخص الواحد ما بين 600 ومليون ليرة. وتجدر الإشارة إلى أن جميع أصحاب صالات الحفلات يتقيدون بحضور لا يتجاوز الـ50 في المائة من قدرة استيعاب الصالة، مطبقين الشروط المفروضة من قبل الدولة اللبنانية للحد من انتشار الجائحة.


مقالات ذات صلة

«الفلانتين المصري» يبرز «سوشيالياً» ويغيب في الشارع

يوميات الشرق منشورات لعيد الحب المصري على «السوشيال ميديا» (صفحة «في حب مصر» على «إكس»)

«الفلانتين المصري» يبرز «سوشيالياً» ويغيب في الشارع

برز «الفلانتين المصري»، أو عيد الحب، على «السوشيال ميديا»، وتصدّر «الترند» على «غوغل» بمصر، الاثنين، بينما اختفت مظاهره في الشارع.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الحب يمكن أن يجعل الناس غافلين عن أخطاء الشريك (رويترز)

بمناسبة «الفالنتاين»... هكذا «يؤثر» الحب في عقولنا

يؤثر الوقوع في الحب في العقل، إذ يستهلك أفكارنا، ويشحن عواطفنا، وأحياناً يجعلنا نتصرف بطريقة لا تتفق مع شخصيتنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تصدّر كولومبيا الزهور إلى نحو 100 دولة (أ.ف.ب)

700 مليون زهرة من كولومبيا إلى العالم في عيد الحب

صدّرت كولومبيا، المُنتِج الرئيسي للزهور في القارة الأميركية، أكثر من 700 مليون زهرة بمناسبة عيد الحب، إلى دول عدة، أبرزها الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)
يوميات الشرق برنار سوفا أشعل حنين اللبنانيين (ستار سيستم)

برنار سوفا يفتتح حفلات الحب بلبنان بسهرة تعبق بالحنين

لفح الحنين اللبنانيين إلى أيام خلت مع أغنيات لم تفارق ذاكرتهم للفرنسي برنار سوفا. وعلى مدى 90 دقيقة، ردّدوا معه كلماتها الرومانسية، فنقلتهم إلى الماضي القريب.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق شيرين تُحيي «عيد الحب» ليلة 17 فبراير في «فوروم دو بيروت» (إنستغرام)

«عيد الحب» في بيروت... منافسة ساخنة بين الحفلات

تُواصل إعلانات حفلات «عيد الحب» في لبنان اكتساح الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي. فهي تُقام في بيروت، كما في مناطق أدما وجبيل وريفون وغيرها.

فيفيان حداد (بيروت)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)