تطعيم الصغار بلقاح «كورونا» يعزز مناعتهم ضد الأمراض

ملتقى جدة العلمي الرابع: تحديات «صحة الأطفال»

شعار الملتقى
شعار الملتقى
TT

تطعيم الصغار بلقاح «كورونا» يعزز مناعتهم ضد الأمراض

شعار الملتقى
شعار الملتقى

يساور قلقٌ شديدٌ وخاص كلاً من منظمة الصحة العالمية واليونيسيف إزاء الحاجة الملحّة للتصدي بشكل أفضل للمشاكل التي تواجه صحة أطفال العالم والمراهقين. فالاكتئاب سبب رئيسي من أسباب المرض والعجز بين المراهقين، كما أن الانتحار هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة بينهم.
وأتت جائحة «كوفيد - 19» لتبرز الثغرات الهائلة التي تتخلل إتاحة خدمات الصحة والعافية والتغذية للأطفال وفئات السكان الضعيفة، ما يستوجب على المنظمتين تعزيز النظم الصحية والغذائية، والاستثمار في مجالي الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي للأطفال في كل بلد من بلدان العالم من أجل ضمان إبقاء الأطفال على قيد الحياة وترعرعهم واستفادتهم من بيئة آمنة ونظيفة، وضمان حصول جميع أطفال العالم على ما يلزمهم من خدمات صحية أساسية، بما فيها خدمات التحصين، ومنها تطوير وتوفير اللقاحات المضادة لـ«كوفيد - 19» في إطار ركيزة اللقاحات لمبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة «كوفيد - 19» بين كل الأعمار، ومنها مؤخراً اعتماد تطعيم الأطفال ابتداء من سن الخامسة، فقد أثبتت الجائحة أن أحداً لن ينعم بالأمن إلى أن ينعم به الجميع.

- ملتقى علمي
ينعقد اليوم الجمعة 14 يناير (كانون الثاني) الجاري في مدينة جدة ولمدة ثلاثة أيام، الملتقى العلمي الرابع لصحة الطفل (4th Health Paediatric Forum) الذي ينظمه قسم الأطفال في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز بجدة بالتعاون مع الكلية الملكية البريطانية، لبحث آخر المستجدات في صحة الطفل.
وأوضح رئيس الملتقى أستاذ أمراض الأطفال والغدد الصماء والسكري بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز البروفسور عبد المعين بن عيد الأغا، أنّ الملتقى يناقش، عبر 29 متحدثاً و18 رئيساً للجلسات العلمية، كل ما يتعلق بصحة الأطفال، من خلال أبحاث عديدة لنخبة من الأطباء المتخصصين والمتميزين محلياً وعالمياً، مشيراً إلى أنه تم اعتماد 24 ساعة تعليم طبي مستمر للملتقى من هيئة التخصصات الصحية و8 ساعات للورش المصاحبة، إلى جانب ندوة مصغرة عن التمريض.
وأشار إلى أن هذا الملتقى العلمي الرابع للأطفال وصحة الطفل، يسعى لتبادل التجارب وإثراء المحتوى العلمي والخبرات المهنية والبحثية، إذ تعد مثل هذه الملتقيات العلمية ركيزة مهمة لما من شأنه تطوير البحث العلمي، والتي تسهم في تقدمه ونشره لكل المهتمين في هذا المجال، وفق أسس علمية ومنهجية واضحة.
وتابع أن الملتقى بجانب ما يتضمنه من أبحاث يقدمها نخبة من علماء الطب من المملكة العربية السعودية، يعقد عدة ورش عمل تضمن أساليب التدريس السريري والتعليم الطبي؛ بهدف رفع مستوى الأطباء المتدربين، إلى جانب دورات تدريبية للكوادر الصحية.

- لقاح {كورونا} للأطفال
وفي لقاء خاص لـ«ملحق صحتك بالشرق الأوسط»، أوضح البروفسور عبد المعين عيد الأغا، أن الملتقى يناقش أهمية لقاح «كوفيد - 19» للأطفال، إذ تكمن أهمية التحصين في أربع نقاط مهمة؛ وهي:
- الوقاية من الفيروس الأساسي «كوفيد - 19» والسلالات والمتحورات التي تنتج عنه.
- تقوية مناعة الأطفال ضد مواجهة الأمراض، وتحديداً الفيروسات سواء كورونا أو الإنفلونزا الموسمية؛ فمعروف أن الأطفال وكبار السن من الفئات أصحاب المناعة الضعيفة، وبالتالي هناك أهمية لتحصينهم.
- مع استمرار نشاط فيروس كورونا إلى الآن في جميع دول العالم، رغم حملة التطعيمات والتحصينات لأفراد جميع المجتمعات؛ فإن إعطاء التطعيم للأطفال ضرورة حتمية لمنع وجود أي ثغرات تتغلغل من خلال الفيروس ويستمر في نشاطه.
-الأطفال صغار السن أكثر احتكاكاً في المجتمع بالآخرين، وبالتالي فإن التحصين يعزز الحماية الوقائية أكثر.
وأكد البروفسور «الأغا» أن حصول الأطفال في سن الخامسة وما فوق على لقاح «كوفيد - 19» يساعد أيضاً في المشاركة بأمان في الألعاب الرياضية والأنشطة الجماعية الأخرى، مشيراً إلى أن فئة الأطفال الصغار واليافعين والمراهقين هم من أكثر فئات المجتمعات تحركاً ونشاطاً وخروجاً من المنزل لدوافع الدراسة أو الأنشطة الترفيهية، وبالتالي فإن التحصينات الوقائية تحميهم بإذن الله من المرض أو مضاعفاته.

- حماية صحة الأطفال
> السمنة والسكري. سوف يبحث عدداً من جلسات الملتقى علاقة انتشار سكري الأطفال من النمط الثاني مع السمنة، فخلال السنوات الأخيرة انتشرت السمنة بشكل كبير بين فئات الأطفال والبالغين والمراهقين والشباب في جميع أنحاء العالم بما في ذلك المجتمع السعودي، ما أدى إلى زيادة ظهور السكري من النمط الثاني لدى الفئات العمرية المختلفة. هذا النمط من السكري لم يكن معروفاً في العقود السابقة إلا في البالغين وكبار السن، ويرجع سببه الأساسي إلى انتشار السمنة.
وبجانب ذلك، فإن كثيراً من الدراسات الطبية أوضح أن كثيراً من أطفال مجتمعنا السعودي يعانون ارتفاعاً ملحوظاً في الوزن لا يتفق مع أطوالهم نتيجة زيادة تناول الوجبات السريعة، وعدم ممارسة أي نشاط رياضي، والجلوس ساعات طويلة على الأجهزة الإلكترونية، وتناول الأطعمة التي تحتوي على نسب عالية من الدهون، وزيادة تناول المشروبات الغازية.
> الرضاعة الطبيعية والمناعة. إن من أهم محاور الملتقى جانب خاص يناقش أهمية الرضاعة الطبيعية ودورها في المناعة، فمن المعروف، صحياً، أن حليب الأم هو الغذاء المثالي للطفل، فهو مصمم ليوفر له جميع العناصر الغذائية من أجل نمو صحي، إذ يتكيف حليب الثدي مع نمو الطفل لتلبية حاجاته المتغيرة، كما يحميه من الالتهابات والأمراض، إضافة إلى أن الحصول عليه سهل ومتاح كلما احتاج إليه الطفل، كما تسهم الرضاعة الطبيعية في خلق علاقة حميمية قوية بين الأم والطفل وإشعاره بالحنان والدفء.
حليب الأم يحتوي على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الطفل خلال الأشهر الستة الأولى، كما يحتوي على مجموعة من العوامل التي تحمي الطفل أثناء تطور الجهاز المناعي، ويساعد الطفل في مقاومة العدوى والأمراض، حتى في وقت لاحق من الحياة، ويقلل من خطر السمنة على المدى البعيد، كما يساعد في تطوير العينين والدماغ وأنظمة الجسم الأخرى، وبجانب ذلك تساعد الرضاعة الطبيعية في تطوير الفك، ونجد أيضاً أن الأطفال الذين تمتعوا برضاعة طبيعية في طفولتهم يحققون نتائج أفضل في اختبارات الذكاء.

- مشاكل صحية
> الإلكترونيات والأطفال. يناقش المؤتمر في أحد محاوره جانب وسائل الإعلام وصحة الأطفال، فمن أبرز التحديات التي تهدد صحة الأطفال هي الإلكترونيات، فهناك تجاوز كبير لعدد الساعات التي يجب أن يقضيها الأطفال مع الأجهزة، إذ حددت جمعية الأطفال الأميركية ساعتين فقط يومياً لاستخدام الأطفال للأجهزة.
لذا فإنه ينصح بضرورة تقنين استخدام الأجهزة الإلكترونية عند الأطفال بحيث لا تزيد على الساعتين، ومراقبة المواقع التي يزورها الطفل على شبكة الإنترنت والألعاب التي يمارسها، وتقنين مشاهدات الفيديوهات في مواقع الإنترنت من خلال تحديد وقت يومي للألعاب الإلكترونية والتصفح ومتابعة البرامج التعليمية والترفيهية والمفيدة وإجباره على الالتزام بكل ذلك، حتى لا يكون الأمر على حساب دراسته. كما تتوجب ضرورة تحفيز الطفل على ممارسة الرياضة والأنشطة الترفيهية الأخرى، وعدم السماح باستعمال الأجهزة الإلكترونية في غرف النوم قبل النوم نهائياً، كما يجب الحزم مع الأطفال عند عدم تنفيذ الضوابط، واتخاذ إجراء يمنع حدوث ذلك مستقبلاً.
> الأرق عند الأطفال. يقول البروفسور الأغا إن الملتقى يبحث أيضاً جانب الأرق عند الأطفال، فمعروف طبياً أن الأرق هو نوع من اضطرابات النوم والذي يمكن أن يحدث للأطفال الصغار والمراهقين، ويحدث معه صعوبة في النوم أو الاستيقاظ مبكراً جداً أو تقطع النوم خلال فترة الليل، فكل جهاز في جسم الإنسان يحتاج للنوم العميق أثناء الليل، فخلال هذه الفترة تتم إعادة شحن الجسم والدماغ، وإعادة ضبط الجهاز المناعي والجهاز الهضمي، كما تفرز الهرمونات بما في ذلك هرمون النمو.

- أمراض الأطفال
> الصرع عند الأطفال. ومن المواضيع التي يبحثها الملتقى مستجدات الصرع عند الأطفال، فمعروف أن الصرع حالة دماغية تسبب نوبات متكررة، والنوبات هي من الأعراض العصبية ناتجة عن تغيرات في النشاط الكهربائي للدماغ، والأطفال الذين يعانون من أنواع معينة من الصرع معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بمشاكل التعلم وضعف التحصيل العلمي، ويعد التشخيص المناسب وخطة العلاج مهمين لمساعدة الأطفال في تجاوز الصعوبات المحتملة الناجمة عن الصرع.
> الأطفال والسعال المزمن. تتطرق إحدى المحاضرات إلى مشكلة السعال المزمن عند الأطفال، إذ يعد السعال المزمن من أبرز المشاكل الصحية التي يعاني منها الأطفال، وتوجد عدة أسباب للإصابة بالسعال المزمن عند الأطفال، يتم تحديدها بالتشخيص الطبي ومنها الإصابة بعدوى فيروسية، والسعال الديكي، والربو، وتسييل أنفي، والتهاب الجيوب الأنفية، والسعال الارتجالي، والتهاب القصبات الهوائية المزمن، وانسداد مجرى الهواء.
> الكساح وفيتامين «دي». أوضح البروفسور الأغا أن الملتقى يناقش أيضاً موضوع الكساح عند الأطفال ودور فيتامين دي (D)، فالكساح من الأمراض الشائعة عند الأطفال وهو عبارة عن تليين العظام وضعفها عند الأطفال، وعادة بسبب النقص الحاد والمطول لفيتامين (دي)، كما يمكن أن تسبب مشاكل وراثية نادرة كساح الأطفال، فجسم الأطفال يحتاج إلى فيتامين (دي) لامتصاص الكالسيوم والفوسفور من الطعام، ويمكن أن يحدث الكساح إذا لم يحصل جسم الطفل على ما يكفي من فيتامين (دي) أو إذا كان جسمه يعاني من مشاكل في استخدام فيتامين (دي) بشكل صحيح، وفي بعض الأحيان، قد يؤدي عدم الحصول على ما يكفي من الكالسيوم أو نقص الكالسيوم وفيتامين (دي) معاً إلى الإصابة بالكساح.
ويختتم البروفسور عبد المعين الأغا حديثه إلى «ملحق صحتك» بالقول: هذا الملتقى يبحث كثيراً من المواضيع المهمة بصحة الأطفال سواء في جانب الجراحة أو الأدوية العلاجية، داعياً أن يخرج الملتقى بتوصيات عديدة تثري الساحة الطبية في مجال طب الأطفال، ما ينعكس أثره إيجاباً على خدمة الأطفال المرضى والاهتمام والاعتناء بصحتهم.

- {كورونا} والصحة العقلية للأطفال
> يشير تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 والذي يمثل أكبر دراسة أعدّتها «اليونيسيف» حول الصحة العقلية للأطفال واليافعين ومقدمي الرعاية في القرن الحادي والعشرين، إلى أنه يقدر، على الصعيد العالمي، أن أكثر من 1 من بين كل سبعة مراهقين، ممن تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاماً، تم تشخيصهم على أنهم مصابون باضطراب عقلي. كما يشير التقرير إلى أنه يموت نحو 46 ألف مراهق بسبب الانتحار كل عام، وهو من بين الأسباب الخمسة الأولى للوفاة بين أفراد هذه الفئة العمرية. وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك فجوات واسعة بين احتياجات الصحة النفسية وتمويل الصحة النفسية، حيث يتم تخصيص 2 في المائة فقط من ميزانيات الصحة الحكومية للإنفاق على الصحة العقلية، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
وحول تأثيرات جائحة كورونا على صحة الأطفال، يشير التقرير إلى أن الأشهر الـ18 الأولى للجائحة كانت ثقيلة جداً بالنسبة للجميع - خصوصاً الأطفال، فمع عمليات الإغلاق والقيود المفروضة على الحركة بسبب الجائحة، أمضى الأطفال شهوراً عصيبة بعيداً عن الأقارب والأصدقاء والفصول الدراسية واللعب - وهي العناصر الأساسية للطفولة نفسها.
وعليه، دعت المنظمة الحكومات وشركاءها، إلى تعزيز الصحة العقلية لجميع الأطفال والمراهقين ومقدمي الرعاية، وكذلك لحماية أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة أثناء رعاية الفئات الأكثر ضعفاً.
* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».