اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

رصد اختلافات تشريحية متعددة في بنية دماغ المراهقين

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات
TT

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة نُشرت في نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي في مجلة الرابطة الطبية الأميركية «JAMA Network Open»، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة المختلفة في سن مبكرة أثناء فترة المراهقة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب. وبالتالي يكون هؤلاء الأطفال مدفوعين لتعاطي هذه المواد أكثر من غيرهم الذين يتمتعون ببنية مخية طبيعية.

دراسة المخ

الدراسة التي تم تمويلها من المعاهد الوطنية الصحية (NIH) بالولايات المتحدة وقام بها باحثون من جامعة واشنطن Washington University بسانت لويس أجريت على ما يقرب من 10 آلاف مراهق من جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث تمت متابعتهم عن طريق تحليل بيانات تم جمعها من دراسة سابقة (وهي: دراسة التطور المعرفي لمخ المراهقين ABCD Study التي تُعد أكبر دراسة طولية لتطور المخ في الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة)، التي يدعمها المعهد الوطني لتعاطي المخدرات التابع للمعاهد الوطنية للصحة (NIDA).

قام الباحثون بعمل مراجعة وتقييم لأشعة الرنين المغناطيسي التي أجريت على المخ لـ9804 أطفال عندما كانت أعمارهم تتراوح بين 9 و11 عاماً. وبطبيعة الحال لم يكن هناك أي طفل قام بتجربة أي مادة مخدرة.

وبعد ذلك قام الباحثون بتتبع المشاركين على مدى ثلاث سنوات لمعرفة بدء تعاطي المواد المختلفة وركزوا على مراقبة تعاطي الكحول والنيكوتين و / أو نبات القنب بشكل أساسي؛ لأن هذه المواد على وجه التحديد تعد الأكثر شيوعاً في مرحلة المراهقة المبكرة في الولايات المتحدة. وهذه المتابعة كانت من خلال سؤال المراهقين وذويهم بشكل مباشر، أو من خلال السجلات التي تفيد بتورط هؤلاء الطلاب في تجربة هذه المواد.

وتضمنت الأسئلة استخدام أي مواد غير مشروعة أخرى (مثل الأدوية العصبية من دون وصفة طبية والأقراص المخدرة). ثم قام الباحثون بعمل مقارنة بين صور الرنين المغناطيسي الخاصة بالمراهقين الذين أبلغوا عن بدء تعاطي المواد المخدرة بأنواعها المختلفة قبل بلوغهم سن 15 عاماً بأقرانهم الذين لم يقدموا على تجربة المخدرات، لمعرفة إذا كانت هذه الفرضية (ارتباط تشريح المخ بزيادة القابلية للمخدرات) صحيحة أم لا.

وقال معظم الطلاب (90.2 في المائة) الذين شملتهم الدراسة إنهم قاموا بتجربة تناول الكحوليات مرة واحدة على الأقل قبل عمر الخامسة عشرة. وقالت نسبة كبيرة منهم إنهم قاموا بشرب الكحول بالتزامن مع التدخين سواء النيكوتين أو نبات القنب. وفي المقابل، قال الأطفال الذين قاموا بتجربة التدخين في البداية إنهم بدأوا أيضاً في تعاطي الكحول بعد فترة بسيطة من التدخين، ما يعني أن تجربة مادة معينة في الأغلب تؤدي إلى تجربة بقية المواد.

اختلافات تشريحية

قام العلماء بتقييم الاختلافات التشريحية الظاهرة في الأشعة تبعاً لمقاييس معينة مثل الحجم الكلي للمخ، والسمك، وكذلك النتوءات الموجودة، وعمق طيات المخ depth of brain folds واهتموا بشكل خاص بطبقات القشرة المخية، وهي الطبقة الخارجية من المخ المليئة بالخلايا العصبية. وهي مسؤولة عن العديد من العمليات الإدراكية والعاطفية، مثل التعلم والإحساس والذاكرة واللغة والانفعالات العاطفية واتخاذ القرار (من المعروف أن هذه المقاييس والخصائص ترتبط بالتباين في القدرات المعرفية وردود الفعل والتوصيلات العصبية من شخص لآخر).

ووجد الباحثون اختلافات واضحة في بنية خلايا المخ للمراهقين الذين أبلغوا عن بدء تعاطي المواد المخدرة قبل سن 15 عاماً وأقرانهم الذين لم يقوموا بتجربة المواد. وعلى سبيل المثال، كانت هناك زيادة في حجم المخ الكلي، وأيضاً زيادة في حجم القشرة المخية للمراهقين الذين قاموا بتعاطي المواد المختلفة، سواء المخدرات أو الكحوليات. وأيضاً كان هناك ما يقرب من 39 اختلافاً إضافياً بين مخ الذين جربوا المواد وأقرانهم في الكفاءة الوظيفية للخلايا وسمك القشرة المخية. وقال الباحثون إنهم وجدوا في بعض الحالات اختلافات في شكل الخلايا وبنيتها بطريقة فريدة من نوعها تبعاً لطبيعة المادة المستخدمة.

الإدمان لا يحدث فقط بسبب الانحراف السلوكي بل ربما لسبب قهري

وأظهر تحليل حديث آخر للبيانات الخاصة بالدراسة نفسها (التطور المعرفي لمخ المراهقين ABCD Study) أن أنماط التوصيلات العصبية في المخ في مرحلة المراهقة المبكرة يمكن أن تتنبأ ببدء تعاطي المواد المخدرة في الشباب، وهو الأمر الذي يؤكد أن إدمان هذه المواد ليس فقط بسبب الانحراف السلوكي والمشاكل النفسية، ولكن ربما لسبب قهري مرتبط بشكل المخ والخلل الوظيفي في خلاياه.

أوضحت الدراسة أن هذه النتائج تعد بالغة الأهمية في لفت النظر إلى ضرورة وضع الأسباب البيولوجية في الحسبان عند التعامل مع مشاكل إدمان المراهقين وإقدامهم على تجربة أنواع معينة من المواد الضارة، ونصحت الدراسة أيضاً بضرورة عمل مسح عن طريق أشعة الرنين المغناطيسي للأطفال، وتوفير الدعم النفسي للأطفال الأكثر عرضة لتجربة هذه المواد تبعاً للتغييرات التشريحية في مخهم، وعمل دورات توعية باستمرار لهم، وتحذيرهم من عواقب الإدمان، وعلاجهم في حالة تعرضهم بالفعل لهذه المواد.

وفي النهاية، أكد الباحثون أن بنية المخ وحدها لا يمكنها التنبؤ بتعاطي المواد المخدرة أثناء المراهقة، ولا يجب استخدام هذه البيانات بوصفها أداة تشخيص قاطعة، ولكن يجب أن يتم التعامل معها بوصفها عامل خطورة إضافياً مثل: «البيئة، والاستعداد الوراثي الجيني، والتعرض لأحداث مأساوية في الطفولة»، خاصة في حالة وجود اختلافات واضحة في بنية المخ التشريحية في مرحلة الطفولة، قبل أي استخدام لهذه المواد.

* استشاري طب الأطفال.


مقالات ذات صلة

الـ«سي آي إيه» تستخدم المسيّرات لتعقب كارتيلات المخدرات

الولايات المتحدة​ أفراد من الحرس الوطني المكسيكي خلال دورية قرب معبر حدودي مع الولايات المتحدة كجزء من رد الحكومة المكسيكية على طلب الرئيس دونالد ترمب اتخاذ إجراءات حازمة ضد الهجرة وتهريب المخدرات (رويترز)

الـ«سي آي إيه» تستخدم المسيّرات لتعقب كارتيلات المخدرات

وسَّعت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) نطاق رحلاتها السرية بالمسيّرات فوق الأراضي المكسيكية بحثاً عن معامل الفنتانيل، كجزء من الحرب ضد كارتيلات المخدرات.

علي بردى (واشنطن)
تكنولوجيا أعراض الانسحاب التي يعاني منها مدمنو التكنولوجيا تشبه تلك التي يعاني منها مدمنو المخدرات (رويترز)

أعراض انسحاب إدمان التكنولوجيا شبيهة بتلك الخاصة بالهيروين

قال متخصص إدمان بريطاني إن أعراض الانسحاب، التي يعاني منها مدمنو التكنولوجيا، تشبه تلك التي يعاني منها مدمنو المخدرات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر (إعلام التيار)

الصدر يتهم جهات حكومية بالتورط في تجارة المخدرات

في أقوى إشارة تصدر عن زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر لمشكلة المخدرات التي تفاقمت في العراق خلال العقدين الأخيرين، وجه الصدر اتهامات مباشرة لشخصيات مستفيدة

فاضل النشمي (بغداد) فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي السلطات العراقية تحرق أطناناً من المخدرات في موقع جنوب بغداد (أرشيفية - أ.ف.ب)

الأمن العراقي يتوعد تجار المخدرات

توعدت وزارة الداخلية العراقية، الجمعة، المتورطين بتجارة المخدرات بأن يكون العام الحالي هو «الأقسى عليهم»، مع استمرار حملة لمكافحة نشاطهم في عموم البلاد.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
أوروبا وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتالو (إ.ب.أ)

وزير داخلية فرنسا يحذر من «تسونامي الكوكايين»

رفعت وزارة الداخلية الفرنسية اليوم (الخميس)، شعاراً جديداً لمكافحة المخدرات، وهو «كل يوم يدفع الناس ثمن المخدرات التي يشترونها».

«الشرق الأوسط» (باريس)

مراوح التهوية تقضي على البكتيريا في دورات المياه

تحسين أنظمة التهوية في دورات المياه يقلل خطر استنشاق جزيئات البكتيريا الضارة (جامعة يورك)
تحسين أنظمة التهوية في دورات المياه يقلل خطر استنشاق جزيئات البكتيريا الضارة (جامعة يورك)
TT

مراوح التهوية تقضي على البكتيريا في دورات المياه

تحسين أنظمة التهوية في دورات المياه يقلل خطر استنشاق جزيئات البكتيريا الضارة (جامعة يورك)
تحسين أنظمة التهوية في دورات المياه يقلل خطر استنشاق جزيئات البكتيريا الضارة (جامعة يورك)

أظهرت دراسة صينية أن استخدام مراوح التهوية يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر استنشاق جزيئات البكتيريا الضارة في دورات المياه العامة بعد عملية تدفق المياه في المرحاض.

وأوضح الباحثون من جامعة الصين لعلوم الأرض أن استنشاق هذه الجسيمات الضارة قد يؤدي إلى تشنجات في البطن، وغثيان، وإسهال، وقيء. وقد نُشرت النتائج يوم الاثنين في دورية «Risk Analysis».

وتُستخدم مراوح التهوية لتحسين جودة الهواء في الأماكن المغلقة، من خلال طرد الهواء الملوث وإدخال هواء نقي من الخارج. وتساعد هذه المراوح في تقليل تركيزات الملوثات والجراثيم في البيئة، ما يُعزز صحة الأفراد الذين يوجدون في الأماكن المغلقة، مثل المكاتب والمنازل ودورات المياه العامة.

وأُجريت الدراسة في دورة مياه بمبنى إداري في الصين؛ حيث تم تحليل انبعاثات الجسيمات البكتيرية بعد استخدام مرحاض القرفصاء والمرحاض المزود بشطّاف، تحت ظروف مختلفة من التدفق والتهوية.

وكشفت النتائج أن تدفق مياه المرحاض يؤدي إلى انتشار تركيزات غير صحية من البكتيريا في الهواء، تتجاوز الحدود المقبولة التي حددتها المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).

التهوية الفعالة ليست مجرد عامل مريح بل هي عنصر أساسي للحد من المخاطر الصحية (الشرق الأوسط)

كما أظهرت النتائج أن مراحيض القرفصاء تُطلق تركيزات أعلى من البكتيريا؛ حيث كانت جسيمات المكورات العنقودية الذهبية (S.aureus) أعلى بنسبة 42-62 في المائة، وبكتيريا الإشريكية القولونية (E.coli) أعلى بنسبة 16-27 في المائة، مقارنة بالمراحيض المزودة بشطّاف.

ووجد الباحثون أن التدفق الأول للمرحاض الفارغ يؤدي إلى انخفاض تركيزات البكتيريا بنسبة تصل إلى 43 في المائة، مقارنة بالتدفق الثاني عند وجود فضلات. والأهم من ذلك، اكتشف الباحثون أن استخدام مروحة التهوية يُقلل خطر التعرض للبكتيريا بمعدل 10 أضعاف، ما يُقلل احتمال انتقال العدوى.

تحسين التهوية

وقال الباحثون إن هذه النتائج توفر دليلاً علمياً على أهمية تحسين أنظمة التهوية في دورات المياه العامة لتقليل انتشار الجسيمات البكتيرية الضارة.

وأضافوا أن تحسين أنظمة التهوية عبر تعزيز كفاءة مراوح الشفط ومعدلات تبادل الهواء يُمكن أن يقلل بشكل فعَّال من تركيزات البكتيريا والمخاطر الصحية المرتبطة بها.

وأشار الفريق إلى أن النتائج يمكن أن تُسهم في تشجيع صناع القرار على وضع إرشادات جديدة للصحة العامة، مثل إلزامية تشغيل مراوح التهوية في الأماكن العامة والمرافق المشتركة، خصوصاً في المستشفيات والمدارس والمكاتب.

ونوه الفريق بأن التهوية الفعالة ليست مجرد عامل مريح، بل هي عنصر أساسي للحد من المخاطر الصحية المرتبطة باستخدام المراحيض العامة.