قطاع اللحوم والألبان: استثمارات بالمليارات تتجاهل تغيُّر المناخ

قطاع اللحوم والألبان: استثمارات بالمليارات تتجاهل تغيُّر المناخ
TT

قطاع اللحوم والألبان: استثمارات بالمليارات تتجاهل تغيُّر المناخ

قطاع اللحوم والألبان: استثمارات بالمليارات تتجاهل تغيُّر المناخ

يشهد العالم طلباً متزايداً على اللحوم ومشتقات الحليب سنة بعد سنة، نتيجة النمو السكاني والاقتصادي. ولما كانت تربية الماشية تُسهم على نحو مؤثر في تغيُّر المناخ العالمي، بسبب ظروف تربيتها وأعلافها ومخلفاتها، فقد ارتفعت وتيرة المطالبات بضرورة قيام الدول الغنية بإجراء تخفيضات ضخمة في استهلاك اللحوم والألبان لمواجهة حالة الطوارئ المناخية.
- انبعاثات مدعومة بالاستثمارات
يأتي ثلث انبعاثات الميثان الناتجة عن النشاط البشري من تربية الماشية، لا سيما الحيوانات المجترة كالأبقار والأغنام والماعز. وتعادل هذه الانبعاثات نحو 14.5 في المائة من مجمل غازات الدفيئة التي يتسبب بها الإنسان، مما يجعل الميثان الناتج عن تجشؤ الماشية وروثها، خاصة الأبقار، مصدر قلق كبير. ومع أن فترة تأثير الميثان قصيرة، قياساً بثاني أكسيد الكربون، فإن فاعليته أكبر، ولهذا يمثل التحكم به فرصة مثالية لإبطاء الاحتباس الحراري. كما يتسبب قطع الغابات لإقامة المراعي وزراعة الأعلاف بخسارة أعداد ضخمة من الأشجار التي تمتص ثاني أكسيد الكربون وتنفث الأكسجين.
وتصل دورة حياة الميثان في الجو إلى 12.4 سنة قبل أن يتلاشى تأثيره، وهذه الفترة قصيرة نسبياً إذا ما قورنت بدورة حياة ثاني أكسيد الكربون التي تمتد إلى آلاف السنين. ولذلك، يعد الميثان من غازات الدفيئة الأكثر ضرراً، حيث يبلغ المكافئ الكربوني لكل طن واحد من الميثان 28 طناً من ثاني أكسيد الكربون، وإذا جرى تضمين الآثار غير المباشرة للميثان على تغيُّر المناخ يصبح مكافئه الكربوني 36 ضعفاً.
ويقترح تقرير علمي صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) أن التدابير التي تستهدف ملوثات المناخ القصيرة الأجل كالميثان يمكن أن تحقق نتائج إيجابية للمناخ ونوعية الهواء ورفاهية الإنسان خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً. وإلى جانب تخفيف الاستهلاك، والاعتماد على بدائل غذائية، تشمل خيارات تقليل انبعاثات الميثان في قطاع إنتاج اللحوم استعمال أعلاف بديلة للماشية، وتقليل فقد الأغذية وهدرها، وخفض الإنتاج، خاصة في البلدان ذات الدخل المرتفع التي توفر التمويل السخي لهذا القطاع. ويُعد إنتاج اللحوم أكثر ضرراً من إنتاج الحليب ومشتقاته لأنه يتطلب أعداداً أكبر من القطعان.
وكانت شركات اللحوم والألبان العالمية قد تلقت خلال الفترة بين 2015 و2020 تمويلاً استثمارياً يزيد على 478 مليار دولار، من نحو 2500 شركة استثمارية وبنوك وصناديق تقاعد يقع معظمها في أميركا الشمالية وأوروبا. وتوازي هذه الاستثمارات الوعود بمبلغ 100 مليار دولار سنوياً التي أخفقت الدول الغنية في توفيرها للدول النامية من أجل مساعدتها في التحوُّل إلى اقتصادات منخفضة الكربون، والتكيُّف مع أزمة المناخ. ويطالب ناشطون وعلماء المستثمرين بفرض شروط على صناعة المواشي، بحيث تعتمد بدائل في أساليب تربية القطعان تؤدي إلى تخفيف الانبعاثات، خاصة عن طريق تبديل الأعلاف، وتجميع غاز الميثان الناجم عن تخمُّر الروث والفضلات.
وفي حال استمر هذا المستوى من التمويل غير المشروط بقيود بيئية كافية، تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يرتفع إنتاج اللحوم من 325 مليون طن سنوياً في 2019، ليصل إلى 366 مليون طن بعد 10 سنوات، ما لم يحصل تغيُّر في السياسات. ومن المرجح أن تستأثر البلدان الأكثر إنتاجاً للحوم والألبان بأغلب هذه الزيادة، حيث ستبقى الولايات المتحدة والبرازيل وبلدان الاتحاد الأوروبي والصين والهند والأرجنتين وأستراليا موطناً لإنتاج 75 في المائة من اللحوم عالمياً.
وعلى نحو مماثل، تتوقع منظمة الأغذية والزراعة (فاو) استمرار الطلب المتزايد على الحليب، حيث سيرتفع عدد الأبقار الحلوب من مليار بقرة حالياً إلى 1.5 مليار في 2028 من أجل زيادة إنتاج الحليب سنوياً من 1.6 مليار طن إلى ملياري طن. ومن الطبيعي أن تُفاقم هذه الزيادة في قطاع إنتاج اللحوم والألبان مشكلات تغيُّر المناخ العالمي، لأن كل حيوان من المجترات يطلق يومياً ما بين 250 إلى 500 لتر من الميثان.
وتقوم تربية الحيوانات وزراعة الأعلاف على ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية حول العالم. وتبلغ مساحة الأراضي المخصصة لتربية الماشية في البرازيل وحدها 175 مليون هكتار، وهي مساحة تساوي تقريباً مجمل مساحة الأراضي الزراعية في الاتحاد الأوروبي.
ومن الناحية الهيكلية، يشهد قطاع إنتاج اللحوم والألبان في أكثر من مكان عمليات استحواذ واندماج متصاعدة، حيث تقوم الشركات الكبرى بشراء الشركات الأصغر لتقليل المنافسة. ويضع هذا المسار ضغوطاً كبيرة على نماذج إنتاج الأغذية الأكثر استدامة، مما يجعلها خارج السوق.
- زيادة العوائد وخفض الانبعاثات
وبصرف النظر عن المخاوف البيئية ومطالب المستهلكين والإجراءات التنظيمية، تعمل شركات التكنولوجيا الحيوية والعلماء والمزارعون في أكثر من مكان في العالم على تقليل الانبعاثات بهدف الحفاظ على الإنتاج وتحسينه لزيادة الغلة، سواء من الناحية الاقتصادية أو من حيث المنتجات النهائية. ويرتبط هذا التوجه بمبدأ أن تحرر الميثان عن عملية التخمر في معدة الحيوان المجتر يؤدي أيضاً إلى خسارة الطاقة المكتسبة من الأعلاف. وتبلغ هذه الخسارة نحو 6 في المائة من إجمالي الطاقة التي تحصل عليها البقرة الحلوب يومياً.
وتتراوح الحلول المحتملة لخفض الانبعاثات في مرحلة التربية من مكملات الأعلاف الجديدة، مثل الأعشاب البحرية وحبيبات الثوم والأحماض، إلى أقنعة الوجه التي ترتديها الأبقار، واللقاحات المضادة للميثان، والميكروبات التي تعيش في معدة الحيوان المجتر وتقلل إنتاج الميثان. ومن الأفكار الأخرى تربية الماشية لتصل إلى حجم الذبح بشكل أسرع، مما يعني انبعاث الميثان منها خلال فترة أقل، وتكاثر السلالات ذات الإنتاجية الأكبر والانبعاثات الأقل.
ولكن هذه الحلول تنطوي على كثير من الثغرات. فمن الناحية التقنية، لا يمكن مثلاً تغذية الماشية بالمكملات إلا في الحظائر، حيث لا جدوى من نثرها في المراعي. ومن الناحية المالية، تضاعف المواد المضافة كلفة الإنتاج، ولذلك من المتعذر حالياً استخدامها في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تساهم حيواناتها المجترة بنحو 70 في المائة من انبعاثات قطاع إنتاج اللحوم والألبان العالمي. ومن المتوقع أن تشهد كثير من هذه البلدان طفرة في عدد سكانها خلال العقود المقبلة، مع ما يعنيه ذلك من ارتفاع الطلب على الغذاء.
وتصبح خيارات خفض الانبعاثات أكثر واقعية في مرحلة الإنتاج والتخزين والنقل والتوزيع. وعلى سبيل المثال، تضع شركة «المراعي» السعودية مجموعة من الأهداف الاستراتيجية لخفض الانبعاثات حتى سنة 2025، قياساً بخط الأساس 2018، تشمل خفض استهلاك الطاقة في جميع أقسام التصنيع والمبيعات والتوزيع والخدمات اللوجيستية بنسبة 15 في المائة، وزيادة استخدام الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة في هذه الأقسام بنسبة 20 في المائة، وزيادة كفاءة استهلاك الوقود في أسطول النقل بنسبة 10 في المائة.
وعلى مستوى السياسات، لا يوجد بلد لديه هدف صريح للحد من الانبعاثات المرتبطة بالثروة الحيوانية أو استهلاك اللحوم، باستثناء نيوزيلندا التي أقرت تشريعات لخفض انبعاثات غازات الدفيئة من الماشية، فيما لا تزال انبعاثات قطاعات الزراعة بالمجمل تزداد على أراضيها. وعلى الرغم من التعهد الذي أعلنت عنه كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخفض انبعاثات الميثان بنحو الثلث في العقد المقبل، فإنهما لا يتقيدان بالتزام محدد تجاه قطاعات الزراعة.
وبالمثل، لا يشتمل الالتزام الرسمي من جانب بريطانيا بالحياد كربونياً بحلول 2050 أي أهداف محددة لقطاعات الزراعة، وإن كانت الخطة الحكومية لتحقيق هذا الهدف تقترح أن 75 في المائة من المزارعين سينخرطون في ممارسات منخفضة الكربون بحلول 2030.
وقد أقرت الدنمارك مؤخراً هدفاً ملزماً للحد من الانبعاثات المناخية من القطاعات الزراعية بنسبة 55 في المائة بحلول 2030، قياساً بمستويات 1990، ولكن لا شيء محدداً بشأن الثروة الحيوانية. وفي الولايات المتحدة، تستهدف ولاية كاليفورنيا خفض الانبعاثات من قطاع الثروة الحيوانية بنسبة 40 في المائة دون مستويات 2013 بحلول 2030، ولكنها ليست على المسار الصحيح لتحقيق هذا الهدف.
البرازيل والأرجنتين، وهما من أكبر منتجي لحوم الأبقار ومحاصيل العلف الحيواني في العالم، عارضتا بشدة توصيات الأمم المتحدة حول ضرورة تقليل استهلاك اللحوم من أجل خفض انبعاثات غازات الدفيئة. وعلى الرغم من عدم وجود أهداف مناخية تخص تربية الماشية في أوروبا، فإن هناك سياسات بيئية يمكن أن تدعم ذلك. وقد اضطرت هولندا مؤخراً إلى اقتراح خطط جذرية لخفض أعداد الماشية بمقدار الثلث تقريباً للمساعدة في تقليل انبعاثات الأمونيا.
إن خفض الانبعاثات في قطاع إنتاج اللحوم والألبان يمثل اختراقاً كبيراً في مواجهة تغيُّر المناخ العالمي، إذا أمكن تحقيق هذا بأساليب مجدية مالياً وتقنياً. ولحين إنجاز ذلك، يبقى التقليل من استهلاك اللحوم والألبان وخفض الكميات المهدرة أفضل خيار، ليس فقط للمساهمة في حماية الكوكب، بل حماية الصحة الشخصية أيضاً. فقد بيَّنت الأبحاث الطبية أن الاعتدال في استهلاك اللحوم يقلل من المخاطر الصحية والإصابة بالأمراض.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

لا تزال المداولات مستمرة في الساعات الأخيرة قبل اختتام مؤتمر «كوب 16» المنعقد بالرياض.

عبير حمدي (الرياض)
العالم «النينا» هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات (أرشيفية - رويترز)

خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ضعف ظاهرة «النينا»

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هناك مؤشرات على أنه ربما تتشكل ظاهرة «النينا» المناخية، ولكن بشكل ضعيف للغاية.

«الشرق الأوسط» (جنيف )
الاقتصاد حذّر البنك الدولي من أن موجات الجفاف قد تطول نحو نصف سكان العالم في عام 2050 (واس) play-circle 00:30

البنك الدولي: الجفاف الحاد ارتفع بنسبة 233% خلال 50 عاماً

قال البنك الدولي إن الجفاف الحاد ارتفع بنسبة 233% خلال 50 عاماً، موضحاً أن له تأثيرات البشرية والاقتصادية بعيدة المدى.

عبير حمدي (الرياض)
بيئة مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)

2024 يتجه لتسجيل أعلى درجة حرارة في تاريخ الأرض

سجلت درجة حرارة الأرض خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ثاني أعلى درجة حرارة في مثل هذا الشهر من أي عام.

«الشرق الأوسط» (برلين )

باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
TT

باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)

تشكل الفكرة القائلة إنّ «المناطق الزرقاء» المشهورة في العالم بطول عمر سكانها وارتفاع نسبة المعمرين فيها، مجرد خدعة تستند إلى بيانات غير صحيحة، كما يؤكد أحد الباحثين.

هذه العبارة التي استُحدثت للإشارة إلى منطقة من العالم يقال إن سكانها يعيشون لفترة أطول من غيرهم ويتمتعون بصحة أفضل من قاطني مناطق اخرى. وكانت جزيرة سردينيا الإيطالية أوّل منطقة تُصنّف «زرقاء» عام 2004.

أدت الرغبة في العيش لأطول مدة ممكنة إلى ظهور تجارة مزدهرة، مِن وجوهها نصائح غذائية، وأخرى لاتباع أسلوب حياة صحي، بالإضافة إلى كتب وأدوات تكنولوجية ومكملات غذائية يُفترض أنها تساهم في طول العمر.

لكنّ الباحث البريطاني في جامعة يونيفرسيتي كوليدج بلندن سول جاستن نيومان، يؤكد في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ البيانات المتوافرة عن الأشخاص الأكبر سنّا في العالم «زائفة لدرجة صادمة جدا».

ودقق بحثه الذي يخضع حاليا لمراجعة، في البيانات المتعلقة بفئتين من المعمّرين: أولئك الذين تتخطى أعمارهم مائة عام، ومَن يبلغون أكثر من 110 سنوات، في الولايات المتحدة وإيطاليا وإنكلترا وفرنسا واليابان.

وفي نتيجة غير متوقعة، وجد أن «المعمّرين الذين تتخطى أعمارهم 110 سنوات» هم عموما من مناطق قطاعها الصحي سيئ وتشهد مستويات مرتفعة من الفقر فضلا عن أنّ سجلاتها غير دقيقة.

يبدو أنّ السر الحقيقي وراء طول العمر هو في «الاستقرار بالأماكن التي تُعدّ شهادات الميلاد نادرة فيها، وفي تعليم الأولاد كيفية الاحتيال للحصول على راتب تقاعدي»، كما قال نيومان في سبتمبر (أيلول) عند تلقيه جائزة «آي جي نوبل»، وهي مكافأة تُمنح سنويا للعلماء عن أبحاثهم التي تُضحك «الناس ثم تجعلهم يفكرون».

كان سوجين كيتو يُعدّ أكبر معمّر في اليابان حتى اكتشاف بقاياه المحنّطة عام 2010، وتبيّن أنه توفي عام 1978. وقد أوقف أفراد من عائلته لحصولهم على راتب تقاعدي على مدى ثلاثة عقود.

وأطلقت الحكومة اليابانية دراسة بيّنت أنّ 82% من المعمّرين الذين تم إحصاؤهم في البلاد، أي 230 ألف شخص، كانوا في الواقع في عداد المفقودين أو الموتى. ويقول نيومان «إن وثائقهم قانونية، لقد ماتوا ببساطة».

فالتأكّد من عمر هؤلاء الأشخاص يتطلّب التحقق من المستندات القديمة جدا التي قد تكون صحتها قابلة للشك. وهو يرى أن هذه المشكلة هي مصدر كل الاستغلال التجاري للمناطق الزرقاء.

* سردينيا

عام 2004، كانت سردينيا أول منطقة تُصنّف «زرقاء». وفي العام التالي، صنّف الصحافي في «ناشونال جيوغرافيك» دان بوتنر جزر أوكيناوا اليابانية ومدينة لوما ليندا في كاليفورنيا ضمن «المناطق الزرقاء». لكن في أكتوبر (تشرين الأول)، أقرّ بوتنر في حديث إلى صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه صنّف لوما ليندا «منطقة زرقاء» لأنّ رئيس تحريره طلب منه ذلك، إذ قال له عليك أن تجد منطقة زرقاء في الولايات المتحدة.

ثم تعاون الصحافي مع علماء سكان لإنشاء «بلو زونز» التي أضيفت إليها شبه جزيرة نيكويا في كوستاريكا وجزيرة إيكاريا اليونانية.

إلا أنّ سجلات رسمية لا تنطوي على موثوقية كبيرة مثل تلك الموجودة في اليابان، أثارت الشك بشأن العمر الحقيقي للمعمّرين الذين تم إحصاؤهم في هذه المناطق.

وفي كوستاريكا، أظهرت دراسة أجريت عام 2008 أن 42% من المعمرين «كذبوا بشأن أعمارهم» خلال التعداد السكاني، بحسب نيومان. وفي اليونان، تشير البيانات التي جمعها عام 2012 إلى أن 72% من المعمرين ماتوا. ويقول بنبرة مازحة «بقوا أحياء حتى اليوم الذي يصبحون اعتبارا منه قادرين على الاستفادة من راتب تقاعدي».

ورفض باحثون مدافعون عن «المناطق الزرقاء» أبحاث نيومان ووصفوها بأنها «غير مسؤولة على المستويين الاخلاقي والأكاديمي». وأكد علماء ديموغرافيا أنهم «تحققوا بدقة» من أعمار «المعمرين الذين تتخطى اعمارهم 110 سنوات» بالاستناد إلى وثائق تاريخية وسجلات يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر.

لكنّ نيومان يرى أنّ هذه الحجة تعزز وجهة نظره، ويقول «إذا انطلقنا من شهادة ميلاد خاطئة منسوخة من شهادات أخرى، فسنحصل على ملفات مترابطة جيدا... وخاطئة بشكل تام».

ويختم حديثه بالقول «كي تعيش حياة طويلة، ما عليك أن تشتري شيئا. استمع إلى نصائح طبيبك ومارس الرياضة ولا تشرب الكحول ولا تدخن... هذا كل شيء».