من دبي إلى كينيا والبرازيل... لماذا ازدادت الأمطار والفيضانات حول العالم مؤخراً؟

شارع في دبي مغمور بمياه الأمطار 2 مايو الحالي (أ.ف.ب)
شارع في دبي مغمور بمياه الأمطار 2 مايو الحالي (أ.ف.ب)
TT

من دبي إلى كينيا والبرازيل... لماذا ازدادت الأمطار والفيضانات حول العالم مؤخراً؟

شارع في دبي مغمور بمياه الأمطار 2 مايو الحالي (أ.ف.ب)
شارع في دبي مغمور بمياه الأمطار 2 مايو الحالي (أ.ف.ب)

شهدت دول عدة حول العالم في الآونة الأخيرة انهمار مياه الأمطار والفيضانات التي وُصفت بالقاتلة، وتسببت تلك الأمطار في وفيات ودمار واسع، إضافة إلى عمليات إجلاء جماعية في قارات عدة، وتضرر كبير في البِنى التحتية.

وتعد تلك الأمطار والفيضانات في الأسابيع الأخيرة في مناطق حول العالم غير متوقعة سواء من حيث موقعها أو قوتها، وتثير التساؤلات حول أسبابها.

وأكد تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» أن الأمطار الغزيرة القوية هي نتيجة أنماط الطقس التي جرى شحنها بشكل كبير خلال عام قياسي لدرجات الحرارة العالمية؛ إذ إنه كلما زادت سخونة الكرة الأرضية، أصبحت أكثر رطوبة أيضاً. وبشكل أكثر بساطة، كلما كان الهواء أكثر دفئاً، زادت كمية الماء التي يمكنه الاحتفاظ بها.

لا يزال العلماء لا يعرفون ما إذا كانت هذه الحرارة العالمية القياسية التي استمرت مدة عام - والأمطار الغزيرة المصاحبة لها - تمثل إشارة إحصائية، وفي كل فيضان في شهر أبريل (نيسان) الماضي، اتحدت مجموعة معينة من الظروف الجوية القاسية معاً لتسبب العواصف، وفقاً لخبراء الأرصاد الجوية وعلماء المناخ.

مناطق متضررة

وتعد كمية الأمطار التي هطلت خلال هذه العواصف الربيعية غير عادية. فعلى سبيل المثال، هطلت أمطار في بلدان شرق أفريقيا يتراوح ارتفاعها من 4 إلى 20 بوصة خلال شهر أبريل، أي ما يصل إلى 6 أضعاف الكمية الطبيعية اعتماداً على المنطقة، وفقاً لبيانات مركز التنبؤ المناخي التابع لهيئة الأرصاد الجوية الوطنية.

وتسببت شدة الأمطار في الفوضى؛ إذ تعرضت نيروبي في كينيا، لما يقرب من 12 بوصة من الأمطار على مدى 7 أيام، ما أدى إلى تفجير السدود، ودفن البلدات في الوحل، وتحويل شوارع المدينة إلى أنهار قاتلة. ومن كينيا إلى دبي، سقط أكثر من 10 بوصات من الأمطار في يوم واحد، ما أدى إلى غمر مدارج مطارها الدولي.

يحاول السكان المحليون في قرية نغوندو في كينيا إنقاذ بعض ممتلكاتهم بعد استمرار هطول الأمطار الغزيرة (إ.ب.أ)

وغمرت الأمطار القياسية التي بلغ إجماليها 17 بوصة خلال الشهر مقاطعة قوانغدونغ بجنوب الصين، حيث انهار جزء من الطريق السريعة في منطقة جبلية، ما أسفر عن مقتل 48 شخصاً. تضم المقاطعة 127 مليون نسمة وكثيراً من عمالقة التكنولوجيا والتصنيع في الصين، والتي يقع معظمها على طول ساحلها الجنوبي.

صورة من أعلى تظهر المباني المتضررة في أعقاب إعصار في قرية بقوانغتشو بمقاطعة قوانغدونغ بالصين (رويترز)

وإلى البرازيل، حيث نشرت قواتها المسلحة في ولاية ريو غراندي دو سول بجنوب البلاد بعد هطول أمطار بلغ منسوبها 6 بوصات خلال 24 ساعة، ما تسبب في حدوث فيضانات جماعية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 55 شخصاً، وفقدان أكثر من 70 آخرين، وتشريد أكثر من 70 ألفاً آخرين.

ومع وصول أحد الأنهار الرئيسية في المنطقة إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، دُمرت الطرق والجسور، ما أدى إلى تعطيل المحاصيل في ثاني أكبر ولاية منتجة لفول الصويا في البلاد. بينما تُرك نحو نصف مليون شخص دون إمكانية الحصول على المياه النظيفة، و300 ألف شخص من دون كهرباء بعد انهيار سد صغير لتوليد الطاقة الكهرومائية، ما أدى إلى موجة من المياه الموحلة بارتفاع مترين اجتاحت القرى المحلية.

جانب من الفياضانات التي ضربت ريو غراندي دو سول جنوب البرازيل (أ.ف.ب)

أكثر سخونة... أكثر رطوبة

وأشار تقرير الصحيفة إلى أن الكوارث المرتبطة بهطول الأمطار هي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة العالمية؛ إذ إن الكرة الأرضية شهدت 10 أشهر متتالية من متوسط درجات الحرارة العالمية القياسية في الغلاف الجوي، و12 شهراً متتالياً من المتوسط العالمي القياسي لدرجات حرارة المحيطات.

على الرغم من أن الأسئلة لا تزال قائمة حول ما إذا كان الارتفاع في درجات الحرارة العالمية سيستمر، فإن الأمر المؤكد هو أن الغلاف الجوي الأكثر دفئاً يحمل مزيداً من الرطوبة التي تهطل لاحقاً على شكل أمطار، في حين أن المحيطات الأكثر دفئاً تبخر مزيداً من الماء إلى الهواء، وفقاً لسارة كابنيك، كبيرة العلماء في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في أميركا.

وتابعت كابنيك: «هطول الأمطار يحدث بشكل متكرر الآن في أماكن لا نعتقد أنها ممطرة، مثل دبي، لذلك يكون الأمر أكثر إثارة للدهشة عندما تحدث».

أمطار غزيرة سقطت في بورتو أليغيري جنوب البرازيل (رويترز)

وحدثت فيضانات بشرق أفريقيا الشهر الماضي خلال موسم الأمطار الذي يمتد من مارس (آذار) إلى مايو (أيار)، على الرغم من أن الكمية الفعلية للأمطار تختلف في سنة معينة. هذه المرة، حدث هطول الأمطار بشكل ضخم بسبب نمط الطقس المسمى «ثنائي القطب للمحيط الهندي». وفي مرحلته الإيجابية، يدفع ثنائي القطب المياه الدافئة نحو الساحل الشرقي لأفريقيا؛ وفي مرحلته السلبية، تندفع المياه الدافئة عائدة نحو أستراليا وإندونيسيا.

هذا العام، يكون ثنائي القطب أقوى من المعتاد، ما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة في مناطق على الجانب الغربي من المحيط الهندي، مثل كينيا، وفقاً لجويس كيموتاي، عالمة المناخ في كلية «إمبريال لندن» وعضو منظمة «وورد ويزر أتريبيوشن»، وهي منظمة تضم مجموعة من العلماء من الجامعات ومعاهد البحوث في أوروبا والولايات المتحدة.

ظاهرة «النينو»

ووفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تعد الفيضانات التي اجتاحت دبي الشهر الماضي، هي الأشد خطورة منذ 75 عاماً، وفقاً لتقارير إخبارية. في 15 فبراير (شباط)، سجلت دبي أعلى هطول يومي للأمطار منذ بدء التتبع في عام 1949.

وخلص تحليل نشرته مجموعة «وورد ويزر أتريبيوشن»، إلى أن كمية الأمطار التي هطلت في دبي تأثرت على الأرجح بظاهرة «النينو»، وهي نمط مناخي في المحيط الهادئ يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة المحيط في شرق المحيط الهادئ، ويمكن أن يؤثر على أنماط الجفاف وهطول الأمطار.

وبدأت ظاهرة «النينو» الحالية في عام 2023، وهي تتضاءل ببطء، على الرغم من أنها لا تزال ذات تأثير، وهي مسؤولة جزئياً عن الأمطار القاتلة التي شهدتها جنوب البرازيل، الأسبوع الماضي، وفقاً للمعهد الوطني للأرصاد الجوية في البلاد، وفي المنطقة العربية، هناك أمطار غزيرة خلال سنوات «النينو» مقارنة بالسنوات التي لا تحدث فيها.

ضعف النظام البيئي

وقالت كيموتاي إن التنقل ذهاباً وإياباً بين سنوات الجفاف التي تليها فترات من هطول الأمطار الغزيرة وطويلة الأمد يجعل من الصعب على التربة والنباتات امتصاص مياه الأمطار، وتابعت: «هناك كثير من التقلبات بين النقيضين؛ لذا فإن النظام البيئي لا يملك الوقت الكافي للتعافي والعودة إلى حالته الطبيعية والتكيفية، لذلك فإنه يصبح نظاماً ضعيفاً بمرور الوقت».

كما أدت الأمطار الشديدة إلى التأثير المباشر على الزراعة أيضاً. وفي الجزر البريطانية شديدة الأمطار، كان الشتاء الماضي من أكثر الفصول رطوبة على الإطلاق، وتسببت الأمطار في غمر حقول المزارعين في منتصف موسم الزراعة، ما يهدد المحاصيل.

يمكن أن تكون أضرار الأمطار أسوأ في المناطق الحضرية مثل دبي، حيث لا يمكن للمياه أن تتسرب إلى الأرض، أو في المناطق الريفية؛ حيث جرى قطع النباتات من أجل الغذاء أو الوقود، وفقاً لجوستين مانكين، أستاذ الجغرافيا المساعد في كلية دارتموث. وتابع: «يمكن لسطح الأرض امتصاص كمية محدودة من الماء، وزيادتها بشكل أكبر تشكل خطراً على الناس في شكل فيضانات. وهذه هي الحال سواء كنت تتحدث عن شرق أستراليا أو دبي أو شرق الصين».


مقالات ذات صلة

آسيا رجال إنقاذ يحملون جثمان أحد ضحايا الفيضانات في أغام غرب سومطرة بإندونيسيا اليوم (أ.ب)

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات إندونيسيا إلى 442

ارتفعت حصيلة ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية في إندونيسيا إلى 442 شخصاً، وفق ما أعلنت «الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث» الأحد.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
آسيا سكان محليون يسيرون بشارع غمرته المياه بعد هطول أمطار غزيرة في ويلامبيتيا على مشارف كولومبو (أ.ف.ب) play-circle

الفيضانات تواصل اجتياح كولومبو... وارتفاع حصيلة قتلى إعصار «ديتواه» إلى 159

كافحت السلطات السريلانكية ارتفاع منسوب مياه الفيضانات في أجزاء من العاصمة كولومبو، الأحد، بعد أن خلَّف إعصار قوي دماراً كبيراً، وأودى بحياة 159 شخصاً.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
آسيا امرأة أثناء زيارتها لمنطقة ضربتها فيضانات مفاجئة مميتة عقب هطول أمطار غزيرة في منطقة بيروين (رويترز)

إندونيسيا: ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات والانهيارات الأرضية إلى 248

كافح عمال الإنقاذ في إندونيسيا اليوم للوصول إلى الضحايا في كثير من المناطق المدمرة التي ضربها زلزال وفيضانات.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
آسيا أشخاص يحملون ثلاجة ويخوضون الشارع المغمور بالمياه بعد هطول أمطار غزيرة في ويلامبيتيا بسريلانكا (رويترز) play-circle 00:45

أكثر من 120 قتيلاً وتهجير عشرات الآلاف جراء الفيضانات وانهيارات التربة في سريلانكا

أسفرت الفيضانات وانهيارات التربة الناجمة عن الأمطار الغزيرة في سريلانكا، عن مقتل 123 شخصاً على الأقل وتهجير عشرات الآلاف.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)

«مناوبة متأخرة»... فيلم ألماني يرد الاعتبار للممرضات في مهرجان «البحر الأحمر»

الفيلم يركزعلى الصعوبات التي تواجه الممرضات في عملهن (الشركة المنتجة)
الفيلم يركزعلى الصعوبات التي تواجه الممرضات في عملهن (الشركة المنتجة)
TT

«مناوبة متأخرة»... فيلم ألماني يرد الاعتبار للممرضات في مهرجان «البحر الأحمر»

الفيلم يركزعلى الصعوبات التي تواجه الممرضات في عملهن (الشركة المنتجة)
الفيلم يركزعلى الصعوبات التي تواجه الممرضات في عملهن (الشركة المنتجة)

بدت بيترا ڤولپي، مخرجة وكاتبة الفيلم الألماني - السويسري «مناوبة متأخرة»، وكأنَّها تدخل هذا المشروع وهي مُثقلة بوعيٍ طويل الأمد تجاه قطاع لا يحظى بالإنصاف الذي يستحقه، فموضوع العاملين في الرعاية الصحية كان يشغلها لسنوات، حتى قبل جائحة «كورونا». «أزمة نقص الممرّضين لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت ظاهرةً متفاقمةً في سويسرا وأوروبا والعالم»، وفق قولها.

تضيف بيترا ڤولپي لـ«الشرق الأوسط» أن احتكاكها الشخصي بالمهنة، عبر تجربة سكنها مع ممرّضة لسنوات، جعلها تشهد يومياً حجمَ الضغوط التي يعيشها العاملون في هذا القطاع الحيوي، الأمر الذي دفعها إلى التفكير في تحويل هذا الهمّ إلى مادة سينمائية.

وتتابع: «على الرغم من أن جائحة كورونا أعادت الاعتبار للممرّضين بوصفهم العمود الفقري للمجتمع، فإن العالم سرعان ما نسي تضحياتهم بمجرد انتهاء الأزمة، وهو ما أثار لديَّ شعوراً بضرورة التذكير، عبر الفن، بما يتعرَّضون له يومياً؛ لذا رأيتُ في الفيلم فرصةً للتعبير عن موقفي السياسي، وعن اهتمامي بقضايا النساء، إذ إنهنَّ يشكّلن الغالبية الساحقة من العاملين في التمريض».

وتوضح المخرجة الألمانية أن «نقطة الانطلاق الحقيقية بدأت عندما قرأتُ روايةً توثيقيةً كتبتها ممرّضة ألمانية تتناول مناوبةً واحدةً فقط ضمن واقع مرهق، وقد شعرتُ بأن سرد نقطة زمنية واحدة يمكن أن يحمل طابعاً من الإثارة والتوتر، كأنها بنية فيلم تشويقي». لكن الرواية، كما تقول، لم تكن سوى شرارة الفكرة، إذ طوّرتْ ڤولپي الحكاية من خلال بحثٍ موسّع استند إلى عشرات المقابلات مع ممرّضات، وتقصّي تفاصيل المهنة من داخل المستشفيات، ومن ثَمَّ شرعت في كتابة السيناريو الذي استغرق عاماً كاملاً، قبل أن تبدأ التصوير الذي امتد لـ26 يوماً.

مخرجة الفيلم انطلقت من تجربة شخصية (الشركة المنتجة)

وعن مرحلة الإنتاج، تشير إلى أن الأمر لم يكن معقّداً كما يحدث عادةً مع مشروعات سينمائية أخرى، إذ سارعت الجهات المموّلة في سويسرا إلى دعم الفيلم، ربما لأن موضوعه واضح وملحّ، ولأن أزمة نقص العاملين في الرعاية الصحية باتت واقعاً ملموساً للجميع. لذلك لم تواجه المخرجة صعوبات في تأمين التمويل، بخلاف كثير من المشروعات التي تتطلّب مساراً طويلاً ومعقّداً.

أمّا على مستوى الإخراج، فتصف التحدي الأكبر بأنه «كيفية تمثيل 10 ساعات من العمل المتواصل في زمن سينمائي لا يتجاوز 90 دقيقة. فقد أردتُ للمشاهد أن يعيش الإحساس نفسه الذي تعيشه الممرّضة، وأن يشعر بالإنهاك نفسه الناتج عن الدوران المستمر بين المرضى، والركض خلف التفاصيل، والاستجابة للتنبيهات المتتابعة».

ولتحقيق هذا الإحساس، اعتمد الفريق لقطات طويلة غير مقطوعة في بداية الفيلم، ما استدعى تدريبات دقيقة وتنسيقاً صارماً بين الممثلين والفريق الفني، بحيث لا يُسمح لأيِّ عنصر بأن يتعثَّر خلال الحركة المستمرة للكاميرا.

وتشدّد على أن الفيلم، الذي يُعرَض ضمن فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، لا يُعدّ اقتباساً مباشراً من الرواية الملهمة، بل هو استلهام لطريقتها في النظر إلى المناوبة الواحدة. فجميع الشخصيات والأحداث في الفيلم متخيَّلة، لكنها مستمَدة من حوارات كثيرة أجرتها مع العاملين في القطاع، ومن تجارب شخصية عايشتها. وتضرب مثالاً على ذلك قصة المريض الذي يقلقه مصير كلبه، وهي حالة استوحتها من حياتها الخاصة بوصفها صاحبة حيوانٍ أليف.

وحين ينتقل الحوار إلى البعد الإنساني للفيلم، توضّح ڤولپي أنها أرادت تقديم صورة شاملة لواقع المرضى داخل المستشفيات، «باعتبار أن الجميع مُعرَّضون لأن يكونوا في مكانهم مهما اختلفت طبقاتهم وأعمارهم وثقافاتهم. فالفيلم يعرض نماذج لشبابٍ وشيوخ ومرضى بحالات متفاوتة، في محاولة لعكس مجتمعٍ كامل داخل جناح واحد».

الفيلم يبرز جوانب تفصيلية في حياة الممرضات (الشركة المنتجة)

الأهم، من وجهة نظر المخرجة السينمائية، هو إبراز التعقيد النفسي والوجداني في مهنة التمريض؛ فالممرّضة ليست مسؤولةً فقط عن حالة طبية، بل مطالَبة بفهم ما يحتاج إليه كل مريض بوصفه إنساناً: هل يحتاج إلى دعم، أو كلمة طمأنة، أو لحظة صمت، أو لمسة حنان؟ هذا البعد، في رأيها، هو ما يجعل المهنة أكثر تعقيداً مما يظنه الجمهور.

وعن المقارنات التي يطرحها النقّاد بين فيلمها والمسلسلات الطبية التقليدية، ترى ڤولپي أن أغلب الأعمال التي تتناول بيئة المستشفيات تُقدِّم الأطباء بوصفهم الأبطال المركزيين، في حين يختفي دور الممرّض في الخلفية، رغم أنه الأقرب إلى المريض والأقدر على قراءة التحوّلات الدقيقة في حالته. لذلك حرصت على قلب هذا المنظور تماماً، فجعلت الممرّضة محور الحكاية، لا بوصفها بطلة خارقة، بل لكونها الإنسان الأكثر حضوراً وتأثيراً في مسار العلاج.

وتعود لتؤكّد أن اهتمامها بقضايا النساء حاضرٌ في كل عمل تقدّمه، «لأن التمريض مهنة تعتمد في الأساس على النساء، ومع ذلك لا يحظين فيها بما يليق من تقدير أو مكانة، سواء اجتماعياً أو مؤسّساتياً». ومن هنا جاء سعيها لتسليط الضوء على هذا التناقض، وعلى الجهد الهائل الذي تبذله ملايين النساء حول العالم من دون الاعتراف الكافي بقيمتهنّ الحقيقية.


من «المنطقة المميتة» إلى شاشات جدة... حين تتحوَّل القمم إلى مرآة للإنسان

بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)
بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)
TT

من «المنطقة المميتة» إلى شاشات جدة... حين تتحوَّل القمم إلى مرآة للإنسان

بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)
بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)

على امتداد 7 سنوات، عَبَر السعودي بدر الشيباني قارات العالم الـ7 ليعتلي أعلى قممها، لكنّ الفيلم الذي وصل إلى مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لم يكن روايةً عن الارتفاع الجغرافي بقدر ما كان رحلةً داخليةً نحو أكثر مناطق الذات عزلةً وصدقاً. هكذا قدَّم وثائقي «سبع قمم» سيرة رجل فَقَد ملامح المدير التنفيذي عند «المنطقة المميتة» في «إيفرست»، ليبقى أمام عدسة الكاميرا إنساناً يسأل نفسه: لماذا أواصل؟

بين رؤية المتسلّق، وصنعة المخرج أمير كريم، جاءت الحكاية بلغة سينمائية تمزج الثلج الذي يغطي العدسة بأنفاس ترتجف فوق ارتفاعات الموت، وبسكون البيوت السعودية التي عادت لتُفسّر دوافع المُغامِر حين يعود من القمم إلى العائلة.

قصة لا تُروى من القمة فقط

يقول بدر الشيباني لـ«الشرق الأوسط» إنّ اللحظة الفاصلة وقعت عند أحد المخيمات المرتفعة في «إيفرست». هناك، حين كان الأكسجين شحيحاً وصوت الريح أعلى من دقات القلب، اكتشف أنّ «ما يحدث داخلي أهم مما يحدث حولي». تلك اللحظة، كما يصف، «حوَّلت الرحلة من إنجاز رياضي إلى مشروع إنساني يستحق أن يُروى للعالم».

في الوثائق التي سجَّلها بنفسه، يظهر صوت متقطّع من البرد، وعدسة تُبللها الثلوج، ويد ترتجف وهي تثبّت الحبل قبل الخطوة التالية. لكن بدر يعترف: «كنت أظن أنّ الهدف هو الوصول إلى القمة، ثم اكتشفتُ أن القمة الحقيقية كانت داخلي». هذه اللقطات الخام التي لم تُصنع لأجل السينما بل لأجل النجاة، أصبحت أساس الفيلم، ومرآته الأصدق.

الجبال ليست قمماً بل مسرح للتحوّل الإنساني

حين تسلم المخرج أمير كريم المواد الأولى للقمم التي صوَّرها الشيباني، وجد نفسه أمام صعوبة من نوع مختلف. فاللقطات ليست مأخوذة بكاميرات سينمائية ولا بإضاءة مدروسة؛ إنها لحظات حقيقية لم تعد بالإمكان إعادة تمثيلها. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتعامل مع الفيلم على أنه مغامرة جغرافية، بل رحلة نفسية يسأل فيها بدر نفسه: مَن أنا؟ ولماذا أواصل؟ الجبال بالنسبة إليّ ليست قمماً، بل مسرح يتحوَّل فيه الإنسان».

ويضيف أن أصعب تحدٍّ لم يكن في البيئات الخطرة كما يُعتقد، بل في بناء جسر بصري بين عالمين: عزلة الجبال القاسية، ودفء البيت السعودي مع العائلة.

فرؤية المخرج اعتمدت على مفارقة مقصودة: الجبال خشنة، غير مصقولة، تترك المُشاهِد يشعر بالبرد والعزلة، والمَشاهِد المحلية دافئة، حميمة، تكشف عن الدوافع والإنسان خارج المغامرة.

يقول أمير: «تركت للجبال خشونتها، وللبيت دفئه. وهذه المفارقة هي روح الفيلم وخلاصته الدرامية».

متسلّق الجبال السعودي بدر الشيباني وعودة الروح إلى نقطة البدء (الشرق الأوسط)

لحظة مواجهة الذات في «المنطقة المميتة»

يتّفق كلّ من الشيباني والمخرج على أنّ المشهد المفصلي في الفيلم هو لحظة الصمت على ارتفاع يفوق 8 آلاف متر فوق سطح البحر، في «المنطقة المميتة» لـ«إيفرست»، خلال رحلة استغرقت 38 يوماً من الصعود.

هناك، كما يروي أمير، «تختفي ملامح المدير والقائد، ويظل الإنسان وحده أمام قراره: التراجع أو المضي قدماً». هذا المشهد لا يروي صراعاً مع الطبيعة فقط، بل يكشف الصراع البشري الداخلي: حين يصبح الانتصار الحقيقي هو رفض الاستسلام.

القصة السعودية خلف القمة

يُقدِّم الشيباني عبر الفيلم صورة أوسع من تجربة فردية؛ إنها كما يقول رمز للتجربة السعودية الجديدة. فالقيم التي حملته بين القارات الـ7، من الانضباط إلى الصبر وإدارة الخوف، ليست حكايته وحده، بل انعكاس لرحلة مجتمع كامل يُعيد تعريف طموحه.

يُعلّق كريم: «قصة بدر ليست عن الجبال فقط، بل عن الإنسان السعودي الذي يتخطَّى الحدود التقليدية ليصنع مستقبله».

أما الجوانب الخفية التي عمل المخرج على إبرازها، فهي لحظات الشكّ والتعب والخوف، تلك التي كان يُخفيها المُغامِر خلف الشخصية القوية. وقد ظهر بدر أمام الكاميرا شخصاً يبحث عن ذاته بقدر بحثه عن القمة.

قيمة فكرية تتجاوز التوثيق

يرى الشيباني أنّ الفيلم يتجاوز التوثيق البصري نحو «رحلة تحوّل ذهني وروحي». العزلة في الجبال حرّرته من ضجيج الحياة، ودفعته إلى التأمُّل وإعادة ترتيب حياته.

الفيلم، كما يشرح، يدعو المُشاهدين إلى اختبار حدودهم العقلية والجسدية، ويضعهم أمام سؤال: ما الذي يمكن أن يحدث عندما نخرج من منطقة الراحة؟ ويؤكد أن عرضه في مهرجان «البحر الأحمر» ليس مجرد مشاركة سينمائية، بل رسالة بأن السعودية الجديدة تحتفي بقصص أبنائها وتضع الإنسان في قلب تحوّلها الثقافي.

بين الدبلوماسية الثقافية وصناعة الفرص

يرى الشيباني، بخبرة رائد أعمال، أن الفيلم الوثائقي ليس مجرّد فنّ، بل أصل استثماري يُعزّز رواية المملكة دولياً. ويعتقد أنّ قوة الوثائقيات تتجاوز الحملات التقليدية لأنها تعتمد على السرد الواقعي العميق.

كما يشير إلى أنّ محتوى مثل «سبع قمم» يمكن أن يتحوَّل إلى نماذج أعمال في سياحة المغامرات والتدريب القيادي، وأيضاً المحتوى التعليمي والصناعات الإبداعية. وهو ما ينسجم مع أهداف «رؤية 2030» في تحويل القصص المحلّية إلى قيمة اقتصادية عالمية. «سبع قمم» ليس فيلماً عن الارتفاعات الشاهقة، بل عن الأعماق الإنسانية. وليس عن الوصول إلى القمة، بل عن القوة الذهنية التي تمنع السقوط. إنه عمل يعكس اللحظة السعودية الراهنة: وطن يواجه قممه الخاصة، ويصعد درجاتها بثقة، بحثاً عن نسخة أوضح وأقوى من ذاته.


في حفل استعراضي صُمم خصيصاً له... ترمب يحضر قرعة كأس العالم

عامل نظافة ينظّف السجادة الحمراء بجوار لافتة كُتب عليها: «قرعة كأس العالم 2026» في مركز كيندي بواشنطن (د.ب.أ)
عامل نظافة ينظّف السجادة الحمراء بجوار لافتة كُتب عليها: «قرعة كأس العالم 2026» في مركز كيندي بواشنطن (د.ب.أ)
TT

في حفل استعراضي صُمم خصيصاً له... ترمب يحضر قرعة كأس العالم

عامل نظافة ينظّف السجادة الحمراء بجوار لافتة كُتب عليها: «قرعة كأس العالم 2026» في مركز كيندي بواشنطن (د.ب.أ)
عامل نظافة ينظّف السجادة الحمراء بجوار لافتة كُتب عليها: «قرعة كأس العالم 2026» في مركز كيندي بواشنطن (د.ب.أ)

سيحضر الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرعة كأس العالم لكرة القدم اليوم (الجمعة)، في حفل مليء بالاحتفالات والاستعراضات والعروض الباذخة التي تليق بـ«فنان الاستعراض».

ويقام هذا الحدث في «مركز كيندي» بواشنطن، الذي تولى ترمب رئاسته في وقت سابق من هذا العام، في حين قام بتنصيب رئيس ومجلس إدارة جديدين.

وحضور ترمب قرعة كأس العالم يضعه في صدارة المشهد خلال واحد من أبرز الأحداث الرياضية على الإطلاق؛ إذ يبدو أن منظمي الحفل أخذوه في الاعتبار منذ مرحلة التخطيط لهذا الحدث.

وستؤدي فرقة «فيلدج بيبول» أغنيتها الشهيرة «واي إم سي إيه» التي أصبحت عنصراً أساسياً في تجمعات حملة ترمب الانتخابية، وحفلات جمع التبرعات في مارالاغو، حيث شوهد الرئيس السابق يرقص على أنغامها، في حين يخطط الاتحاد الدولي (الفيفا) للكشف عن «جائزة السلام» الخاصة به.

وقام ترمب بحملة علنية للحصول على جائزة «نوبل للسلام»، مستشهداً بمشاركته في إنهاء صراعات متعددة في الخارج، وأسفرت هذه الجهود عن نتائج متباينة.

ومن المقرر أيضاً أن يقدم مغني الأوبرا الشهير أندريا بوتشيلي عرضاً اليوم، وكذلك نجم البوب البريطاني روبي وليامز، وسفيرة الموسيقى في «الفيفا» المغنية الأميركية نيكول شيرزينغر.

واستغل ترمب مراراً امتيازات الرئاسة ليشارك في فعاليات رياضية وثقافية كبرى هذا العام. وحضر نهائي السوبر بول في فبراير (شباط)، وسط هتافات وصيحات استهجان من الجمهور، ويعتزم يوم الأحد حضور حفل تكريم «مركز كيندي»، الذي تجنبه خلال ولايته الأولى.

وستبرز الجغرافيا السياسية في نهائيات كأس العالم؛ إذ يشارك وفد إيراني في مراسم القرعة بعد أن كان أعلن سابقاً مقاطعة الحفل بسبب مشاكل في التأشيرات، وفقاً لتقارير إعلامية. ويأتي ذلك في ظل توتر العلاقات بعد أن قصفت الولايات المتحدة مواقع نووية إيرانية في يونيو (حزيران) الماضي.