منذ ظهور ألعاب الفيديو العنيفة وهناك جدل دائم حول أثرها النفسي على الأطفال بالسلب والإيجاب. ومع تقدم التقنيات التكنولوجية، أصبحت تلك الألعاب تحاكى الواقع بشكل كبير، وبالتالي تزايد تأثيرها على المراهقين.
وبالطبع، هناك مئات الدراسات التي تناولت هذه الظاهرة بين معارض لهذه الألعاب ومؤيد لها، ولكل فريق نقاط منطقية يدافع بها عن رؤيته.
وقد تناولت هذا الموضوعَ أحدثُ دراسة نشرت مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة «السلوك الاقتصادي» (the Journal of Economic Behavior & Organization)، وأوضحت أن ألعاب الفيديو العنيفة لا تحرض على العنف أو على السلوك العدواني للأطفال، بل على النقيض يمكن أن تفيد الأطفال.
- عنف إلكتروني
استهدفت الدراسة التي قام بها فريق بحثى من قسم الاقتصاد بجامعة سيتي بلندن (City University of London) الفئة العمرية من 8 حتى 18 عاماً، وهم أكثر فئة معتادة على ممارسة هذه الألعاب، وتم تحديد عاملين بصفتهما مؤشراً على درجة ممارسة العنف: العامل الأول هو ممارسة العنف الفعلي أو اللفظي والسلوك العدائي تجاه الأشخاص، والعامل الآخر هو انتهاج سلوك تحطيمي للممتلكات أو الأشياء. واستعان فريق الدراسة بالبيانات الخاصة بالمدارس من الولايات المتحدة الأميركية، نظراً لوجود حوادث تم فيها إطلاق النيران بشكل عشوائي من قبل مراهقين.
وشملت البيانات عدد مرات المشاهدة، والفترة التي يشاهد فيها الطفل اللعبة، ودرجة إجادة الطفل للقراءة والتعامل مع مهارات الكومبيوتر، كما وُضع في الحسبان ترتيب ظهور الألعاب من الأقدم للأحدث. وتم رصد العنف من خلال تقارير الآباء والأطفال، وتضمنت المعلومات المستوى التعليمي والاقتصادي للعائلة.
وتم سؤال الآباء بشكل تفصيلي عن سلوك الأطفال، وهل يصبح الطفل بعد المشاهدة في حالة غضب أو قلق، أو على العكس: يعاني من إحساس بالقهر أو تحول حاد في المزاج أو العناد أو خيبة الأمل. وأيضاً تم سؤالهم إذا كانت هذه الألعاب أثرت في حياة الأطفال الاجتماعية؛ بمعنى اختيار أصدقاء معروفين بالعنف، واختلاق المشكلات، وهل بدأ الطفل في الكذب أو استخدام الغش.
وخلصت الدراسة، من خلال تحليل البيانات وتقارير الآباء، إلى احتمالية أن تكون هذه الألعاب مثيرة لغضب الأطفال وقت لعبها، ولكنها لا تساهم ولا تشجع على العنف في الحياة الحقيقية، وأن الإثارة لا يتم ترجمتها في صورة عنف ضد الأشخاص الآخرين، وأنه ليس هناك رابط واضح بين زيادة مشاهدتها والسلوك العدواني.
وأوضح الباحثون أن السبب في ذلك ربما يكون لأن ألعاب الفيديو في الأغلب يشاهدها الأطفال والمراهقين في المنازل، وهو ما يعنى عدم توافر بيئة مناسبة للعنف. وعلى سبيل المثال، إذا كانت هذه الألعاب تُمارس في ساحات، فإن فرصة الاحتكاك والمنافسة والتنمر تكون أكبر، وبالتالي تزداد فرص العنف. والشعور بعدم إمكانية ممارسة العنف بشكل حقيقي (incapacitation) يكون مهماً جداً، خاصة للأطفال الذكور، ويذكرهم أن الأمر مجرد لعبة. وأشار الباحثون إلى عدم جدوى منع هذه الألعاب في تقليل العنف، خاصة أن المنع يمكن أن يزيد من إقبال المراهقين على الألعاب، ومحاولة الحصول عليها عبر الإنترنت.
- جدل علمي
من جانب آخر، يرى كثير من الباحثين أن ألعاب الفيديو، حتى لو كانت غير مساهمة في زيادة العنف، فإنها تزيد من فرص الإصابة بالأمراض النفسية، مثل القلق والتوتر والاكتئاب والعزلة، نظراً لأنها تسبب نوعاً من الإدمان، فضلاً عن زيادة السلوكيات التي ترتبط بطبيعة هذه الألعاب، مثل قيادة السيارات بسرعات كبيرة، والسير في طرق متعرجة. وهناك دراسات سابقة رصدت الرابط بين مشاهدة هذه الألعاب باستمرار وارتكاب المخالفات المرورية المختلفة بين المراهقين.
وكانت دراسة سابقة نشرت في مجلة «علم نفس الإعلام» (Media Psychology) قد أوضحت أن مشاهدة الألعاب شديدة العنف، مثل المعارك أو إطلاق النيران بكثرة، تؤدي إلى عنف لفظي بين المراهقين في المدارس الثانوية. وأضافت أن قضاء وقت طويل في الجلوس أمام شاشة إلكترونية، حتى من دون مشاهدة ألعاب عنيفة، يؤثر بالضرورة على وقت يمكن استغلاله بشكل أفضل في ممارسة الرياضة أو للقراءة وتنمية المهارات المختلفة وتكوين صداقات حقيقية.
ويرى الفريق المؤيد لهذه الألعاب أنه على الرغم من وجود بعض التحفظات عليها، فإنها لا تخلو من فوائد يمكن أن تساهم في بناء شخصية الأطفال، وتزيد من قدراتهم الإدراكية. وعلى سبيل المثال، فإن ممارسة هذه الألعاب تعلم الطفل سرعة رد الفعل، والتركيز الشديد في إصابة الهدف، لأن الخطأ ينهي اللعبة بشكل مباشر، كما أنها تزيد من التواصل العصبي الحركي بين أجهزة الجسم المختلفة، خاصة في الألعاب الحديثة المحاكية للواقع، وتعلم الطفل أيضاً استثمار كل الإمكانيات المتاحة له للحصول على أفضل نتيجة، وتحسن من القدرة على حل المشكلات، وتشجع على معاودة المحاولة في حالة الفشل. وإلى جانب الفوائد على المستوى الإدراكي، فهناك أيضاً فوائدها على المستوى العاطفي، حيث تحسن هذه الألعاب من المزاج، وتعطي الإحساس بالنجاح والإنجاز والمشاعر الإيجابية، كما تعود الطفل على إنهاء عمل معين في وقت محدد، والعمل تحت ظروف صعبة.
وفى النهاية، لن ينتهي هذا الجدل في المستقبل القريب. ويرى العلماء أن الاعتدال في ممارسة هذه الألعاب، سواء أكانت عنيفة أم لا، هو الحل الأمثل للتعامل مع هذا الواقع الجديد، ويجب على الآباء أن يتعاملوا مع الموضوع مثل تعاملهم مع أي لعبة أو هواية أخرى يمكن أن يسبب الأفراط في ممارستها الضرر، ويمكن الاستفادة منها في حالة تخصيص وقت مناسب لها، مع الاهتمام ببقية الأنشطة الأخرى.
- استشاري طب الأطفال