تجاوزت الحكومة اللبنانية في جلستها الأولى الأزمة التي كان يمكن أن يثيرها تشكيل الوفد الوزاري للتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية. وكان لرئيسها نجيب ميقاتي دور في تفويت الفرصة على إحداث انقسام داخلها من خلال ممارسته الصبر والاستيعاب مفضلاً - كما يقول أحد الوزراء لـ«الشرق الأوسط» - عدم الدخول في مواجهة مع الرئيس ميشال عون على خلفية «الفوقية» التي مارسها في تشكيل اللجنة بذريعة أن المادة 52 من الدستور تخوله صلاحية التفاوض وعقد المعاهدات والاتفاقيات.
وكشف الوزير الذي فضل عدم ذكر اسمه أن تشكيل اللجنة طُرح على النقاش لكن مجلس الوزراء لم يصوت على تشكيلها بخلاف ما ذُكر في نهاية الجلسة، وقال إن عون أصر على «تطعيم» اللجنة بمندوبين عنه هما شربل قرداحي ورفيق حداد اللذين تربطهما علاقة مباشرة برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل كونهما من فريقه السياسي المكلف بمتابعة الأمور الاقتصادية والمالية.
ولفت إلى أن ميقاتي نأى بنفسه عن الانجرار إلى سجال مع عون لأن ما يهمه الوصول إلى النتائج المرجوة من التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهذا ما عكسه في مداخلته أمام الوزراء الذين اعترفوا بأنه تجنب القيام بأي رد فعل وحرص على ضبط إيقاع الجلسة لأن ما يهمه هو النتائج، لما يترتب من مفاعيل سلبية على الحكومة من قبل المجتمع الدولي الذي يبدي استعداده لمساعدة لبنان.
وفي هذا السياق أكد مصدر سياسي أن عون أراد من خلال تصرفه حيال تشكيل لجنة التفاوض الوزارية أن يوحي أنه وحده لا يزال يمسك بزمام المبادرة، وصولاً لإمساكه بالملف الاقتصادي، وقال إن تشكيل الحكومة الميقاتية يمكن أن يشكل رافعة للانتقال إلى الانفراج، إذا اقتنع رئيس الجمهورية بالإقلاع عن سياسة المكابرة والعناد التي مارسها منذ أن انتخب رئيساً، وأن سلوكه مختلف عما مارسه خلال ترؤسه الحكومة العسكرية بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل.
ورأى المصدر السياسي أن عون لم يكن مضطراً لتسمية مندوبين عنه في اللجنة الوزارية لسببين: الأول يكمن في ضرورة اقتناعه بأن جميع الأعضاء فيها وعلى رأسهم رئيسها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، إضافة إلى الرئيس ميقاتي الذي يواكب سير المفاوضات يتبعون لمجلس الوزراء مجتمعاً وجميعهم ينطقون باسمه وباسم رئيس الجمهورية.
أما الأمر الثاني، كما يقول المصدر نفسه، فيتعلق بأن مجرد تسمية عون لمندوبين يمثلانه في اللجنة يعني أنه لا يثق بها مع أنها ليست في وارد اتخاذ أي قرار من دون العودة إلى ميقاتي ومن خلاله إلى عون ومجلس الوزراء مجتمعاً.
واعتبر أن عون ليس في وارد التعاطي مع المرحلة السياسية الجديدة بذهنية مختلفة عن التي تعاطى بها منذ أن انتخب رئيساً للجمهورية، وخصوصاً طوال الفترة التي تولى فيها الرئيس حسان دياب رئاسة الحكومة، وقال إن مجرد إصراره على «تطعيم» اللجنة بمندوبين عنه لا يلقى أي تجاوب من المجتمع الدولي لأنه سيكون مضطراً لوضع علامة استفهام حول الأسباب التي أملت عليه هذا التصرف، فيما الآمال معقودة ولو بحذر على الحكومة الميقاتية لإنقاذ البلد.
وسأل المصدر نفسه إذا كان عون بإصراره على إدخال مندوبين عنه يريد تمرير رسالة للداخل والخارج بأن عهده لم ينته فور توقيعه على مراسيم تشكيل الحكومة وإلا لم يكن مضطراً لدعوة لجنة لازارد للاستشارات الدولية للاجتماع به طالباً منها أن تعيد النظر في خطة التعافي المالي مستبقاً مبادرة ميقاتي لدعوتها لمواصلة المهمة الموكلة إليها.
كما سأل إذا كان عون لا يزال «يحن» إلى حكومة دياب التي أتاحت له أن يتصرف كما يشاء وأن يدير الأمور بمفرده من دون مشاركة أحد حتى بعد استقالتها، كاشفاً أن الدوائر المعنية في القصر الجمهوري التي كُلفت بإعداد المراسيم الخاصة بتشكيل حكومة ميقاتي أوقعت نفسها في خطأ مطبعي غير مقصود بإدراجها اسم حسان دياب رئيساً للحكومة بدلاً من اسم الرئيس ميقاتي، لكن سرعان ما تم تداركه وأعيد طبع المراسيم بعد تصحيحها بعد أن اكتشف رئيس المجلس النيابي الخطأ عندما عُرض عليه مرسوم تشكيل الحكومة قبل الإعلان عنه بصورة رسمية.
وأكد المصدر السياسي أن مبادرة ميقاتي بعدم الانجرار إلى سجال مع عون على خلفية تشكيل لجنة التفاوض قوبلت بتفهم وتأييد من قبل معظم القوى السياسية الداعمة لها، ونُقل عن مصدر نيابي قوله إن تصرف ميقاتي كان في محله لأن لا مصلحة في إقحام الحكومة في انقسام في أولى جلساتها وأن تطويق ما حصل كان ضرورياً للحفاظ على انفتاح المجتمع الدولي على الحكومة بعد اللقاء الإيجابي الذي عقده رئيسها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خصوصاً أن التفاوض مع صندوق النقد هو جواز المرور للحكومة للحصول على مساعدات مالية.
ولفت المصدر النيابي إلى أنه لم يُفاجأ بموقف عون، وعلينا أن ننتظر منه المزيد من هذه المفاجآت ما لم يبدل موقفه لئلا يصيب المفاوضات مع صندوق النقد ما أصابها في السابق بسبب الخلاف الذي حصل بين أعضاء الوفد المفاوض طوال تولي دياب رئاسة الحكومة ما أدى إلى تجميدها رغم أن المجتمع الدولي كان يلح على مواصلتها داعياً إلى توحيد الموقف داخل فريق المفاوضات بدلاً من أن يدخل بعض الذين اختيروا كأعضاء فيه بخلافات جانبية يراد منها تصفية حسابات «العهد القوي» مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ويبقى المهم الوصول بالمفاوضات مع صندوق النقد إلى نتائج ملموسة تُسهم في مساعدة لبنان للنهوض من أزماته، وهذا يتطلب، كما يقول المصدر النيابي، خفض السقوف السياسية داخل الحكومة لمصلحة إعطاء الأولوية لتوفير الحلول للهموم المعيشية والاقتصادية المطلوبة من الحكومة التي يُفترض فيها ألا تُقحم مجلس الوزراء منذ الآن في البازار الانتخابي من التعيينات الإدارية التي يصر باسيل على أن تأتي على قياس طموحاته الانتخابية.
وعليه فإن ميقاتي الذي يحرص على تحييد حكومته عن الصراعات الانتخابية لن يدخل في لعبة المحاصصة في توزيع التعيينات ويصر على حصرها بما هو ضروري لئلا تنفجر حكومته من الداخل.
الحكومة تجاوزت «أزمة» تشكيل الوفد المفاوض مع «صندوق النقد» وميقاتي استوعب إصرار عون على تعيين ممثلَين عنه
الحكومة تجاوزت «أزمة» تشكيل الوفد المفاوض مع «صندوق النقد» وميقاتي استوعب إصرار عون على تعيين ممثلَين عنه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة