سميحة أيوب: فقدت حماسي للعودة إلى المسرح

قالت لـ«الشرق الأوسط» إن أغلب أفكار السينما قديماً كانت ساذجة

الفنانة المصرية الكبيرة سميحة أيوب  -  المخرج خالد جلال يكرم «سيدة المسرح العربي»
الفنانة المصرية الكبيرة سميحة أيوب - المخرج خالد جلال يكرم «سيدة المسرح العربي»
TT

سميحة أيوب: فقدت حماسي للعودة إلى المسرح

الفنانة المصرية الكبيرة سميحة أيوب  -  المخرج خالد جلال يكرم «سيدة المسرح العربي»
الفنانة المصرية الكبيرة سميحة أيوب - المخرج خالد جلال يكرم «سيدة المسرح العربي»

أكدت الفنانة الكبيرة سميحة أيوب أنها فقدت حماسها للعودة للمسرح بسبب تخبطات إدارية جعلت العرض المسرحي الذي أجرت بروفاته على مدى عام كامل لا يظهر للنور، وقالت في حوارها مع «الشرق الأوسط» إنها تعتز بمسيرتها الفنية الطويلة، وبتكريم ثلاثة رؤساء لها، المصري جمال عبد الناصر، والسوري حافظ الأسد، والفرنسي فاليري جيسكار ديستان، مشيرة إلى أن جائزة النيل للفنون التي حصلت عليها قبل أعوام توجت مسيرتها، وقد عبّرت سميحة أيوب عن تضامنها مع كبار الفنانين والفنيين الذين يجلسون في بيوتهم من دون عمل، مؤكدة وجود خلل جسيم في توزيع الأدوار على الفنانين.
وتعد سميحة أيوب صاحبة مسيرة فنية طويلة ملهمة، حيث بدأت عملها الفني وهي في الخامسة عشرة وظهرت لأول مرة في فيلم «المتشردة» عام 1947. وشاركت في فيلم «شاطئ الغرام» 1951 أمام ليلى مراد، والتحقت بالمعهد العالي للتمثيل وتتلمذت على يد الفنان الكبير زكي طليمات، وقدمت أعمالاً سينمائية ومسرحية وتلفزيونية مهمة، إلا أنها استحقت عن جدارة لقب «سيدة المسرح العربي» وفق نقاد، لتقديمها عروضاً كلاسيكية مميزة، من بينها «سكة السلامة، أنطونيو وكليوباترا، ست الملك، العباسة، الخديوي، مصرع كليوباترا».
وبينما كانت تستعد سميحة أيوب للعودة للمسرح القومي بعرض جديد هو «المورستان» المأخوذ عن مسرحية «بير السلم» للكاتب الراحل سعد الدين وهبة، فإنها كشفت عن اعتذارها عن المسرحية قائلة: «أنا تقريباً اعتذرت عن المسرح بسبب التخبطات الإدارية، فقد ظللنا نجري بروفات على مدى عام كامل، وكنت مبتهجة للعودة للمسرح، وذهبت للبروفات في أيام حر وبرد بجانب (كورونا)، طوال هذه السنة كنا نعمل دون مقابل لأن اللوائح تنص على عدم الحصول على أجور إلا بعد بدء العرض بـ15 يوماً، وبعيداً عن الأجور فإننا نعمل بالمسرح حباً فيه، لكن الروح الحلوة التي عدت بها بدأت تتراجع شيئاً فشيئاً حتى تلاشت، فكيف أوصل إحساس الحب للجمهور وأنا نفسي فقدته بمرور الوقت وطوله.«
وبسؤالها عن إمكانية إعادة تقديم عروضها المسرحية المهمة مع كبار نجوم المسرح، قالت: «هذا طموح كبير غير موجود... العروض الجديدة للأسف تتعثر، فما بالك بإعادة عروض سابقة، المشكلة في الإدارة».
وتولت سميحة أيوب رئاسة المسرح القومي العريق مرتين بين عامي 1975 و1989. واتسمت إدارتها بالجدية، ونجحت في تقديم عروض مهمة سافرت بها إلى باريس، وعن تلك الفترة تقول: «كنا نعاني من البيروقراطية أيضاً، لكن المهم أن نتغلب عليها ونضئ أنوار المسرح، الإدارة تحتاج قوة، فنحن نتعامل مع كبار المثقفين، ومع عمال، ولا بد أن نحقق العدالة حتى لا نسمع من يقول (لماذا فلان)، هذا سؤال لم أسمعه أبداً خلال رئاستي للمسرح القومي، لأنني طبقت مبدأ العدالة والثواب والعقاب، وكان يهمني أن تظل أنوار المسرح مضاءة، وخرجت بعروض مصرية ومنها مسرحية (إيزيس) لتوفيق الحكيم، التي عرضناها في باريس لمدة 15 يوماً، فالإدارة تتطلب حب للمسرح ورغبة في ازدهاره.

إجازة مفتوحة
ويبدو أن نجاح مسلسل «الطاووس»، الذي شاركت به الفنانة الكبيرة خلال شهر رمضان الماضي فتح شهيتها للدراما التلفزيونية، حيث تصور حالياً مسلسل «إجازة مفتوحة» أمام شريف منير ولقاء الخميسي، وتجسد من خلاله شخصية الأم التي تلعب دوراً إيجابياً في حياة أولادها وأحفادها وحسبما تقول: «أعجبني المسلسل لأنه عمل اجتماعي يناقش أحوال الأسرة، والسلوكيات السلبية والإيجابية، وكيف نربي الأحفاد على قيمنا، وهو عمل كوميدي خفيف، كنا قد بدأنا تصويره في شهر رمضان وعدنا لاستكماله مع قرب عرضه.«
وعن شخصية «ماتيلدا» التي جسدتها في «الطاووس» تقول: «(ماتيلدا) شخصية ترمز للعطاء، وتعد نموذجاً للوحدة الوطنية، وقد أعجبني السيناريو جداً، والمخرج رؤوف عبد العزيز شخصية رائعة وأنا أحب التعامل مع الشباب الجديد لأن لديهم رؤى طازجة، كما سعدت بفريق العمل كله، وفي مقدمتهم جمال سليمان، وهو فنان رائع يملك أدواته، وأتابع أعماله بشغف كبير، وأسعدني نجاح المسلسل، فهو يقدم رسالة مهمة للمشاهد بعيداً عن أي ابتذال، وبعيداً عن المتاجرة بالواقع، وطرح مشاهد العنف والبلطجة تحت دعوى طرح الواقع، علينا أن نجمل الواقع، وعلى مدى عمر السينما المصرية، وهي تقدم الواقع دون إسراف في مشاهد عنيفة صار الناس يتعلمونها من الدراما والأفلام الحالية، بينما المفترض أن يرتقي الفن بالناس لا أن يهبط بهم». حسب وصفها.

مسؤولية الممثل
وتؤمن سميحة أيوب بمسؤولية الممثل تجاه ما يقدمه من أدوار، إذ ترى أنه يجب أن يقدم للجمهور ما يساهم في بناء عقله ووجدانه بشكل سليم، مشيرة إلى رفضها لأعمال فنية لا تحقق ما تنشده: «أختار من بين الأعمال التي تعرض علي، أعمالاً ليس بها مشاهد عنف وقتل، أنا ضد هذه الأعمال التي تدخل البيوت، وهناك أطفال يتأثرون بها فنخلق جيلاً عنيفاً، لكن هناك من يقبلونها تحت ضغط الحاجة التي تجعل الفنان يتنازل حين يكون لديه التزامات أسرية ملحة ماذا سيفعل، الحقيقة أن الناس تعتقد أن الفنانين يحصلون على الملايين، هؤلاء لا يتجاوزن أصابع اليدين، بينما الأغلبية تحصل على الملاليم، وهناك من يجلسون في بيوتهم بلا عمل، ليس ممثلين فقط، بل مخرجين وكتاب وفنيين وعمال إضاءة وصوت وجيوش من العمال لا يعملون ويعيشون مآسي، هذا يعكس غياب العدالة في توزيع الأدوار، وتعامل لا يليق في أجور كبار الفنانين، فهي متدنية جداً بالنسبة لتاريخهم وعطائهم، وتتم معاملتهم كخيل الحكومة، والحل في رأيي يكمن في المنتج المثقف الذي يمنح لكل فنان قيمته، بالنسبة لي فإن مركزي والحمد لله محفوظ جداً، الفنان ليس تاريخاً فقط، بل شخصية ومواقف تجبر الآخرين على احترامه، شخصياً لم يعد يستهويني شيء، هناك أشياء جميلة وتطور يحدث في بلادنا، لكن الناس دائماً تنتقد، هذا يشعرني بالمرارة فلا بد أن نحمد الله على الصحة، وهي أغلى ما نملك، لقد سيطرت المادة وشغلت الناس عن كل شيء، لكن في الفن يستهويني العمل الذي يؤدي مهمة إنسانية، يستفيد منها المشاهد، لأن الفن رسالة تنويرية عظيمة. لا تنشغل الفنانة الكبيرة بمساحة وجودها في الأعمال التي تشارك بها، بل يعنيها قدر تأثيرها في العمل بحسب تأكيدها: «ما يحمله العمل الفني للناس من قيمة وما يحمله دوري من استفادة للناس أهم عندي من عدد المشاهد، قد يكون هناك دور أكبر، لكنه بلا تأثير ومشهد واحد قد يكون تأثيره أقوى».
وانتهت النجمة الكبيرة من تصوير دورها في فيلم «ليلة العيد» مع الفنانة يسرا وغادة عادل وإخراج سامح عبد العزيز وتقول عنه: «الفيلم يطرح أزمات عدة نساء في ليلة العيد، ويقف ضد اضطهاد المرأة، ويسعدني العمل مع المخرج سامح عبد العزيز لأنه من أعادني للسينما بعد 18 عاماً، حيث توقفت عن المشاركة في أفلام لضعف مستواها وأعادني سامح بفيلم (تيتة رهيبة) مع محمد هنيدي، والحقيقة أن السينما في السنوات الأخيرة أفضل بكثير من أيامنا، حيث كانت أغلب الأفكار ساذجة جداً، الآن يوجد فنانون ومخرجون شباب لديهم أفكار جيدة وجديدة، ورؤى طازجة في السينما والدراما، كذلك لدينا ممثلون وممثلات على مستوى رائع في الأداء من بينهم حنان مطاوع وسهر الصايغ، لكن هناك من يملكون الموهبة لكن لا يهتمون بتطويرها، فلا بد أن يكون للمثل شخصية تميزه شكلاً ومضموناً».
أيام سعد الدين وهبة
وتعتز الفنانة الكبيرة بثلاثة تكريمات حظيت بها من ثلاثة رؤساء سابقين هم عبد الناصر وحافظ الأسد وجيسكار ديستان، ومنذ عامين حصلت على جائزة النيل للفنون، وهي أكبر جوائز الدولة وتفخر بذلك قائلة: «الرئيس السوري حافظ الأسد هو من منحني أكثر لقب أحبه حين قال لي أثناء تكريمه لي (تقدمي يا سيدة المسرح العربي، بعدها وجدت الناس في سوريا والصحافة والتلفزيون يرددون هذا اللقب». وبينما تزوجت سميحة أيوب من الفنانين الكبيرين محسن سرحان، ومحمود مرسي، فإنها قضت أكثر من ثلاثين عاماً مع الكاتب سعد الدين وهبة الذي تقول عنه: «هو رجل لن يجود الزمان بمثله، إنسان رائع، مبتكر وطموح ومثقف ووطني وحنون جداً، علاقتنا كفنانة وكاتب تنتهي عند الأسانسير لكننا في البيت زوج وزوجة، كنا أصدقاء أكثر من أزواج، لم نكن نخفي شيئاً عن بعض، أحبني كممثلة قبل أن يحبني كإنسانة، وفي مرضه الأخير كان يزورنا د.
فوزي فهمي ونعم الباز وحسن شاه، فقال لهم لو أنجاني الله سأصدر كتاباً عن سميحة عنوانه (المرأة التي تحملتني)».


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».