التغطية الإعلامية في الحج... مسيرة تطوّر من الإذاعة إلى الجوّال

بث أول حج عبر الراديو بدأ في 1949

TT

التغطية الإعلامية في الحج... مسيرة تطوّر من الإذاعة إلى الجوّال

أسهم التطور النوعي والأداء المتقدم في وسائل الاتصال والإعلام، بالمملكة العربية السعودية، في ترسيخ عصر جديد لتكنولوجيا الاتصال والمعرفة الرقمية. وجاء الإعلام الرقمي التفاعلي كنتيجة مذهلة لمخاض الإعلام بين سؤالي الوسيلة والمحتوى، وبتوظيفه لأدوات عصرية وجديدة، وتبنّيه لتغييرات وتحولات جذرية تجاوزت الأطر التقليدية. وهكذا ظهر نمط جديد في صناعة المحتوى الإعلامي، فقرّب المسافات الزمانية والمكانية وجمع بين رشاقة المحتوى وحيوية الوسيلة.
في غرفة العمليات الإعلامية يُسمع دويّ يملأ المكان لصوت نقر لوحات المفاتيح ورنين الاتصالات المتقاطرة وعمليات الترجمة المتزامنة، في تغطية دائبة ولا تهدأ لموسم حج هذا العام. ويقطن 150 إعلامياً من جهات إعلامية محلية وأجنبية في الغرف الملحقة بالتجمع المشترك الذي نصبته وزارة الإعلام السعودية بمحاذاة المشاعر المقدسة، يزوّدون جمهورهم المتعدد بتغطية مواكبة لحركة الحجاج في مكة المكرمة.
وفي الوقت الذي يفِد فيه الحجاج إلى الحرم المكي ثم إلى المشاعر المقدسة، كانت كاميرات البث المباشر والحيّ من قلب المشاعر تدير آلتها لتنقل اللحظات إلى عموم المسلمين الشغوفين بمتابعة سير عملية الحج وأداء النسك.

- مركز الإعلام الافتراضي
مركز الإعلام الافتراضي واحد من نوافذ الغرفة الإعلامية في حي العوالي بمكة، وهو يقدم الخدمات التفاعلية المواكِبة لأكثر من 700 إعلامي في أنحاء العالم، بمقدورهم تقديم استفساراتهم والتفاعل مع المؤتمرات الصحافية الخاصة بالحج، وبإمكانهم الاستفادة من المواد الخام المتوفرة في المركز من أجل رفد تغطياتهم من حيث يقطنون، وذلك حسب حديث إعلامي أدلى به الدكتور عبد الله المغلوث وكيل وزارة الإعلام للتواصل.
والواقع أن هذا المركز يشكل نقلة تقنية وثقافية كبيرة، لا سيما لدى المقارنة مع ما كانت عليه الحال قديماً. إذ تطورت آليات نقل مناسك الحج تبعاً لواقع حال التطوّرات التي طرأت على المشهد الإعلامي والصحافي، ولم يبقَ من زمن النقل البطيء إلا ذكريات روّاد تلك المرحلة، وحرارة الانتظار التي كان يعيشها المسلمون حول العالم بانتظار أن يصل إليهم خبر يتيم عن أوضاع الحجاج في الأراضي المقدسة.

- يوم للتاريخ
كان أول يوم عرفت فيه السعودية الإذاعة، هو 9 ذو الحجة من عام 1368هـ الموافق شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1949، وذلك حينما افتتحت الإذاعة إرسالها في حج ذلك العام بكلمة من الملك عبد العزيز آل سعود لحجَّاج بيت الله الحرام، ألقاها نيابة عنه ابنه الأمير فيصل (الملك فيصل بن عبد العزيز لاحقاً).
لسبر أغوار ذلك المفصل التاريخي تحدثت «الشرق الأوسط» إلى المذيع المعروف عدنان صعيدي، الذي عمل مشرفاً على «إذاعة نداء الإسلام». و«نداء الإسلام» إذاعة سعودية تبثّ من مكة المكرمة، تابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية، بدأت البث أوائل 1962، وكانت تسمى سابقاً إذاعة «صوت الإسلام»، وجرى تغيير اسمها إلى إذاعة «نداء الإسلام» بعد عقد من انطلاقها.
واسترجع صعيدي ذكريات الحج، وكانت أجملها بالنسبة إليه في مراحل الصبا «وأكثرها تعباً العمل فيها، وأعذبها قبيل غروب يوم التاسع ونحن نقف في شرفة برج النقل الإذاعي والتلفزيوني بعرفات نعلّق على (إفاضة الحجيج من عرفات إلى المزدلفة)».

- من «الفاكس» إلى الجوّال
في قطاع الصحافة التي كانت شاهداً على كثير من التحولات في السعودية، وشهدت ازدهاراً مماثلاً مع كل المدخلات التقنية التي أضفت عليها طابع السرعة ورفع وتيرة مواكبة الأحداث، جاء جهاز «الفاكس» (الفاكسميلي) بمثابة فجر جديد للعمل الصحافي خلال موسم الحج قبل ثلاثة عقود. وكانت عملية نقل الجهاز بالتزامن مع تنقلات الحجاج من مشعر إلى آخر مسألة شاقة ومتعبة، نظراً لوزنه الثقيل. وهنا يتذكر خالد الحسيني في حديث مع «الشرق الأوسط» معاناة نقل جهاز الفاكس الخاص بفريق عمله بين مشعري عرفات ومنى، في ملاحقة مع الوقت لتسليم مواده قبل موعد صدور الصحيفة.
ثم يضيف قائلاً إنه بعد أربعة عقود من العمل الصحفي داخل المشاعر، «أتذكر المشقة تلك الفترة، وعدم وجود شركات توزيع للصحف... كنت أطلب 500 عدد ليوم عرفات وأيام منى، ثم أتواصل مع الجهات هاتفياً لإرسال مندوبيهم لتسلم الصحف، ويوزع الباقي مجاناً للحجاج والجهات المضيفة». ولكن، أضحى هذا الأمر من الماضي الذي طوته فتوحات التقنية والإمكانات التكنولوجية الهائلة. ففي يومنا هذا، تعمل الهواتف الشخصية الجوالة على توفير بديل فعال وممتع، وتسجيل لحظات ثمينة وحيّة من قلب الحدث لذوي الحجاج، وهم يشاركونهم تفاصيل تنقلاتهم وابتهالاتهم، أولاً بأول.
لقد تركت التغطيات القديمة إرثاً عريقاً لأجيال كاملة، كانت تقف على مجريات الحج باهتمام كبير وتوق إلى زيارة محفوفة إلى المشاعر المقدسة. أما الآن، فقد أخذ الإعلام الجديد بتقنياته العصرية وأدواته التفاعلية الفذّة، يزيح كثيراً من النوافذ التقليدية لنقل وتغطية الحج ويفوز بقصب السبق ويحتل المنصة.
وتأكيداً لذلك، تبنّت إمارة منطقة مكة المكرمة أخيراً جائزة مخصّصة للإعلام الجديد، إيماناً بأهمية الإعلام الرقمي والحديث في نقل توثيق للرحلة الإيمانية للحجاج ونقل الجهود المسخرة لخدمتهم وتسهيل أداء فريضتهم.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.