الحلقة (4): الأسد فتح الحدود مع العراق ونصح صدام بـ«إسقاط الذرائع» لتجنب ضربة أميركية

في رسائل سرية بين الرئيسين تنشرها «الشرق الأوسط»... دمشق لم تكن مرتاحة لتكليف رمضان وعزيز تحسين العلاقات

صورة أرشيفية غير مؤرخة للرئيسين السوري حافظ الأسد والعراقي صدام حسين في دمشق (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية غير مؤرخة للرئيسين السوري حافظ الأسد والعراقي صدام حسين في دمشق (أ.ف.ب)
TT

الحلقة (4): الأسد فتح الحدود مع العراق ونصح صدام بـ«إسقاط الذرائع» لتجنب ضربة أميركية

صورة أرشيفية غير مؤرخة للرئيسين السوري حافظ الأسد والعراقي صدام حسين في دمشق (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية غير مؤرخة للرئيسين السوري حافظ الأسد والعراقي صدام حسين في دمشق (أ.ف.ب)

في النصف الثاني من عام 1996، أصبح هدف الرئيس السوري حافظ الأسد هو «وقف إسقاط النظام العراقي»، وركز اتصالاته لهذا الغرض، إضافة إلى اتخاذ قرار بفتح الحدود السورية - العراقية المغلقة منذ 1982.
وخلال المراسلات بين الأسد وصدام، التي حصلت «الشرق الأوسط» من أوراق مبعوثي الرئيسين، نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام والسفير العراقي لدى قطر أنور صبري عبد الرزاق، بدا واضحاً اختلاف الأولويات والإيقاع: الأسد، كان متريثاً وشكوكاً، فيما كان صدام يستعجل التعاون، إلى حد أنه اقترح العودة إلى «ميثاق العمل الوطني» و«الاتحاد» بين الدولتين، الذي يعتقد الأسد أن «غريمه» العراقي على الضفة الأخرى من نهر الفرات والجناح المنافس في حزب «البعث»، كان قد مزقه في عام 1979.
مبعوث صدام قال في دمشق إن «السيد الرئيس»، حمله رسالة إلى «الشام»، بأنه «إذا كان الإخوان يريدون بحث ميثاق العمل القومي فنحن موافقون. الآن العلاقات جيدة وتجاوزنا الأمور الماضية» في السبعينات والثمانينات. المشكلة، أن هذا الكلام قيل إلى خدام، الذي كان قد طار إلى بغداد في 1979، لمعرفة أسباب «انقلاب» صدام ونزعه رأس النظام، الرئيس أحمد حسن البكر «المتحمس» لـ«الوحدة» السورية - العراقية.
أيضاً، تكشف محاضر الاجتماعات والوثائق، أن تسمية صدام نائبه طه ياسين رمضان ونائب رئيس الوزراء طارق عزيز ملف التباحث مع السوريين في تطوير العلاقات، لم تترك «ارتياحاً لدينا (الأسد وخدام)، نظراً للتجارب المرة السابقة، حيث عقدت في الماضي لقاءات عديدة» سرية مع طارق عزيز من قبل خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع... «دون جدوى». لكن، مع مرور الأيام وزيادة الضغوطات على بغداد و«قلق الأسد من سقوط نظام صدام وانهيار العراق وانعكاسات ذلك على استقرار سوريا ونظامها»، وافقت دمشق على استقبال عزيز في نوفمبر (تشرين الثاني) 1997، ثم وزير الخارجية محمد سعيد الصحاف في فبراير (شباط) 1998. وحسب محضر الاجتماع الرسمي بين الأسد والصحاف، قال الرئيس السوري: «أجريتُ اتصالات مع بعض الأشقاء لنحذّر من مغبة العدوان على العراق، وكان موقفنا واضحاً بالاتصالات مع الأميركيين والأوروبيين. نعتقد أن على العراق أن يُسقط الذرائع ويفوّت الفرصة التي يحاولون استغلالها، لأن المهم الآن تجنب الضربة العسكرية. وإذا حدث ذلك، فإن قسماً كبيراً من المخطط يتعطل، ولو مرحلياً».
بعد عودة خدام من باريس ولقاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك، عرض على الرئيس الأسد، الموقف الفرنسي، فطلب عقد اجتماع بمشاركة رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي ووزير الخارجية فاروق الشرع، لمناقشة موضوع العراق، وتم التوصل إلى المقترحات التالية، حسب وثيقة رسمية سورية: «أهداف العمل... رأينا تحديد أهداف العمل حتى لا نقع في أوهام حول النظام في العراق. والأهداف هي:
1- العمل على وقف إسقاط النظام العراقي عن طريق الأميركيين والإسرائيليين والأردن.
2- خلق مناخ للاتصال بالجهاز الحزبي يمكّننا من دفع قاعدة مستمرة للعمل بين القطرين.
3- إعطاء رسالة للأميركيين وإسرائيل حول قدرتنا على خلق ظروف جديدة في المنطقة.
4- الإسهام في رفع الحالة المعنوية الشعبية العربية.
5- تأمين مصالح سوريا في العراق وغيره.
وكان برنامج العمل يقضي بأن يُستدعى السفير العراقي لدى قطر، أنور صبري، ويُبلّغ أن القيادة السورية ستصدر تصريحاً تعلن فيه فتح الحدود الدولية مع العراق، التي كانت أُغلقت عام 1982، وبما لا يتعارض مع قرارات مجلس الأمن. ويتضمن البيان الأسباب الموجبة لهذا القرار، ومنها معاناة الشعب العراقي الشقيق، وما توجبه الأخوّة والعلاقات القومية من العمل على إزالة معاناته، كما يتضمّن البيان فقرة تقول إن لقاءً سيعقد بين المسؤولين في البلدين لبحث ترتيبات فتح الحدود، وأن يُبلَّغ السفير اقتراحاً بعقد لقاء سياسي لبحث كيفية تنظيم العلاقات بين البلدين في جوانبها المختلفة، مع برمجة هذا التنظيم بما لا يلحق الضرر بأي منهما ولا يزيد في تعقيد الوضع العربي، ويعقب اللقاء السياسي اجتماعات للجان أمنية واقتصادية لوضع ما يتفق عليه موضع التنفيذ، كما يحدد اللقاء السياسي صيغة الاتصال بين البلدين، ونقترح أن تكون اللقاءات سرية لتفويت فرص الإضرار بالبلدين من جهة، وعدم إتاحة فرصة لإفشالها.
وبتاريخ 21 أغسطس (آب) 1996، استقبل خدام أنور صبري. وحسب محضر الاجتماع، «فإنني أبلغته أنه خلال هذه الفترة تعرّضنا لضغوط كبيرة من جهات مختلفة، مع تلميحات باتخاذ إجراءات، وأن هذه الضغوط لم تغيّر موقفنا، كما تحدثنا مع عدد من الدول العربية، واستطعنا إقناعها بصحة توجّهنا. نقترح عليكم أن تصدر الحكومة السورية تصريحاً تعلن فيه فتح الحدود الدولية بما ينسجم مع قرارات مجلس الأمن، وأن مسؤولين من البلدين سيتجمعون لتنظيم ذلك، وأن تجتمع لجنة لتبحث، وبشكل متدرّج، الأمور التي من مصلحة البلدين أن تتحقق ولا تسبب إثارة للآخرين، وهذا ليس خوفاً وإنما لحماية ما نحن مقبلون عليه، ونمشي بشكل تدريجي، ما يساعد في النجاح، وصولاً إلى تحقيق ما نريد تحقيقه، نحن وأنتم، لمصلحة البلدين والأمة العربية.
سألني السفير عن مستوى اللجنة، فأجبته: على مستوى القرار، وقريبين من مركز القرار. ويجب أن تتمتع اللجنة بالرؤيا المناسبة لتستطيع أن تقترح كل ما يمكن من الخطوات التي في صالح البلدين».
وبتاريخ 28 أغسطس (آب)، استقبل خدام المبعوث العراقي، حسب وثيقة سورية من خدام؛ «أبلغني أنه أطلع الرئيس صدام على الأفكار التي حملها من دمشق، فدعا إلى اجتماع مجلس قيادة الثورة وأعضاء القيادة القطرية وعرض عليهم الاتصالات التي جرت مع دمشق، وأنه طلب من المجتمعين مناقشة الموضوع واتخاذ القرار المناسب. وبعد الاجتماع استدعى السفير وحمّله الرسالة التالية: تؤكد قيادة العراق رغبته في إقامة نمط جديد من العلاقات مع الشقيقة سوريا، ووفق ما بيّنه الرئيس صدام من خلال مبعوثه أنور صبري، وكذلك من خلال اللقاء الذي تم مع 3 يونيو (حزيران) في بغداد».
ترى قيادة العراق أن الخطوة الفضلى هي عقد لقاء على مستوى سياسي بين الطرفين لبحث ما يمكن اتخاذه من خطوات، ومن ذلك موضوع فتح الحدود. فهناك كثير من الأمور والتحديات التي تواجه البلدين الشقيقين والأمة العربية، تستوجب استعراضها وتقييمها. وتلبية لرغبة الأشقاء في القيادة السورية لتشكيل لجنة قريبة من القيادة في القطرين لبحث الأمور المشتركة، فإن قيادة العراق مستعدة لتكليف عضوي القيادة: طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية، وطارق عزيز نائب رئيس مجلس الوزراء، أو أحدهما، وفق ما يرغب به الأشقاء في سوريا، لإجراء اللقاء السياسي مع من تختاره القيادة في دمشق. نترك للرفاق في سوريا تحديد: موعد الاجتماع، ومكان اللقاء، وسريته أو علانيته».

لم تترك تسمية طه ياسين رمضان وطارق عزيز للتباحث مع وفد سوري ارتياحاً في دمشق، نظراً للتجارب المرة السابقة، حيث عقدت في الماضي لقاءات عديدة بيني وبين طارق عزيز، وبين فاروق الشرع وعزيز دون جدوى.
وفي 31 أغسطس (آب) 1996، استدعى نائب الرئيس السوري السفير العراقي وأبلغه ما يلي: «نظراً لتعدد المواضيع وأهميتها، التي ستكون حوار مناقشة بين وفدي البلدين، لذلك نأمل أن يوافينا الأشقاء في بغداد بالمواضيع التي يرون إدراجها على جدول الأعمال، لنقوم بمناقشتها ودراستها. وفي ضوء ذلك يتم تحديد تشكيل الوفد الذي سيتولى المحادثات. والهدف هو أن يذهب كل وفد مزوداً بالصلاحيات حتى لا تبقى الأمور بحدود ضيقة».
يضيف: «لم يترك اقتراح تسمية طه ياسين رمضان وطارق عزيز ارتياحاً لدينا كما أشرت فيما تقدّم، واعتبرنا هذه التسمية دليل عدم جدية من الجانب العراقي».
وحاول أنور صبري تحديد موعد لزيارة دمشق مراراً، لأن لديه «أموراً مهمة» لطرحها، بما في ذلك العودة إلى ميثاق العمل القومي الموقّع بين البلدين عام 1978، لكن حصل تأخير. وفي 21 فبراير (شباط) 1997، استقبل خدام أنور صبري، و«دار حديث عام حول الوضع العربي والجولات التي قمت بها والهدف منها، لشرح حساسية الوضع العربي ودقة المرحلة والضغوط»، حسب محضر من أوراق خدام. يضيف: «ثم أبلغني رسالة تتضمن تحيات الرئيس صدام لأخيه الرئيس حافظ وأخيه خدام، ويؤكد موقف العراق، قيادة وشعباً، من الوقوف مع سوريا بكل إمكاناته لمواجهة استحقاقات المرحلة التي تمر بها الأمة العربية، والتحديات الخطيرة التي تهدد الأمن القومي العربي، وأن الأمة العربية مطالبة بالوقوف صفاً واحداً بعد القفز فوق الخلافات الشكلية، لفتح صفحة جديدة، لقطع الطريق على كل المحاولات التي تستهدف التفرد بها. وهذا لن يتحقق إلا بعودة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى سابق قوتها وفعلها (...). لذلك، إن مقترحاتنا (صدام) بجدول الأعمال للقاء المقترح هي:
1- بحث العلاقات الدبلوماسية كخطوة مهمة لإعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين الشقيقين.
2- بحث موضوع التبادل التجاري وفتح أنابيب النفط في ضوء استعداد القيادة السورية لفتح الحدود.
3- تشكيل لجنة مساعِدة للجنة القيادية العليا، لمتابعة تنفيذ ما يُتفق عليه في اللجنة القيادية من خطوات لتطوير العلاقات.
4- أي موضوعات أخرى يرغب بها الإخوة السوريون لبحثها.
وأخيراً، يشكر العراق سوريا على الدور الذي قامت به لإطلاق سراح الدبلوماسيين العراقيين في لبنان».
وبعد أن أنهى إملاء الرسالة قال أنور صبري، إن «الرئيس صدام؛ أبلغني أنه إذا كان الإخوان يريدون بحث ميثاق العمل القومي فنحن موافقون. الآن العلاقات جيدة، وتجاوزنا الأمور الماضية».
أجابه خدام: «إننا في كل اتصالاتنا العربية والدولية فإن العراق حاضر، وشجعنا فرنسا على أن تخطو خطوات إيجابية. بالإضافة إلى ذلك فقد فعلنا الكثير رغم عدم وجود علاقات، ومنها إفشال عدد من المخططات ضد العراق (...)».
وتابع: «ليت ذلك كان منذ عام 1978، لما وصل الوضع العربي إلى ما هو عليه. هناك من استطاع (...) الدخول إلى بغداد عبر دسائسه لتخريب ميثاق العمل القومي، ثم لتوريط العراق في حرب ضد إيران».
وأشار السفير أنور صبري إلى أن رئيسه «سيجري تغييرات أساسية في الحزب والدولة، ولكنه ينتظر العلاقات مع سوريا، وهذه التغييرات ستطال مراكز أساسية». وسلم خدام مقترحين لإعادة العلاقات، جاء في أحدهما: «انطلاقاً مما يربط بين جمهورية العراق والجمهورية العربية السورية وشعبيهما الشقيقين من روابط ووشائج مصيرية ومصالح مشتركة، ونظراً لما تستوجبه ظروف العمل القومي والعلاقات بين جمهورية العراق والجمهورية العربية السورية، وبضوء ما حصل من اتصالات بينهما، فقد قررت حكومة جمهورية العراق إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة، على مستوى السفراء، وذلك بدءاً من 1996».
وفي 26 فبراير (شباط) 1997، استقبل نائب الرئيس السوري مبعوث صدام وأبلغته: «نحن بصدد إعداد مبادرة عربية لتصحيح الوضع العربي واستبدال صيغ جديدة بالأساليب والصيغ القائمة في العمل العربي، تحدد الالتزامات وضماناتها وتوفّر الطمأنينة للجميع وتفتح الطريق أمام تعاون جدي مبني على قواعد سليمة».
ثم قرأ عليه الرسالة التالية: «تحيات الرئيس وتحياتي للرئيس صدام حسين. منذ بدأنا تبادل الأفكار عبر السفير أنور حول الوضع العربي والمخاطر المحدقة بالأمة العربية، لا سيما المخاطر الإسرائيلية وما تعمل الصهيونية لتحقيقه في المنطقة، إلى جانب الهيمنة الأجنبية والمطامع بموارد العرب وثرواتهم، والشعور بمسؤولية القطرين، لا سيما أنهما هدفان يجري التركيز عليهما، فقد تحقق تقدم موضوعي في العلاقات، وانتقلنا من مرحلة التأزّم والعداء إلى مرحلة فهم مشترك لعدد من القضايا الرئيسية التي تهم الأمة العربية جميعها، وتصدي سوريا للمؤامرات التي استهدفت وحدة العراق وأمنه الوطني مثال واضح (...). وإذا خطونا في القطرين خطوات في الشكل تشكّل ذريعة، وأخذ الآخرون من ذلك ذريعة للاستجابة للضغوط الأميركية في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فيجب أن نقع في احتمال صعوبة تصحيح مثل هذه الخطوات والحد من أضرارها (...) وقسم من العرب في خندق إلى جانب تركيا والقوى الأجنبية من خارج المنطقة، ونحن في جانب آخر (...). والرسالة واضحة من رغبة سوريا في التعاون مع العراق في مواجهة المخاطر، وضمن رؤية موضوعية للواقع الراهن، بعيداً عن شكليات العلاقات الدبلوماسية التي يمكن أن تثير ردود فعل بالنتيجة، لن تكون في صالح سوريا أو العراق أو جهدنا لتحسين مناخ العلاقات العربية».
وعلى ما يبدو، فإن القيادة العراقية فهمت رسالة دمشق فهماً خاطئاً. ذلك أنه خلال دورة الجامعة العربية في 29 مارس (آذار)، سلّم وزير خارجية العراق محمد سعيد الصحاف، وزير الخارجية السوري فاروق الشرع الرسالة التالية: «يهدي الرئيس صدام تحياته إلى الرئيس حافظ... اطلعنا باهتمام على رسالتكم التي تسلمها أنور صبري من خدام في فبراير (شباط)، ونود أن نؤكد أن الدافع الذي دعانا إلى الاتصال بكم في خريف عام 1995 هو تقديرنا للمخاطر التي تهدد الأمة العربية في كيانها ومصيرها، ومنها ما يهدد العراق وسوريا. وقد قلنا لكم في حينه إننا نرى أن ما يجري حولنا يهددنا معاً، كما يهدد الأمة ككل. فإذا كان هذا هو تقديركم أيضاً فإننا مستعدون للبحث المشترك فيما ينبغي وما يمكن أن نفعله. وقد كان ردكم إيجابياً، بمعنى أنكم تشاركوننا هذا التحليل والاستنتاج، وعلى هذا الأساس استمرت الاتصالات بيننا، كما جرى لقاءان في القاهرة ونيويورك بين وزيري خارجيتنا، الصحاف والشرع (...) ومهما كانت الاجتهادات حول المرحلة السابقة، فإن القيادة في العراق ترى أن المهم الآن هو التوصّل إلى صورة واضحة عن ظروف الحاضر وآفاق المستقبل: ما الأخطار المحدقة بالأمة الآن؟ وما الأخطار المتوقعة خلال المرحلة المقبلة؟ وما مصادرها وكيفية مواجهتها؟
نؤكد لكم أننا فيما عبّرنا عنه من آراء ومقترحات لم نكن نقصد إطلاقاً، ومنذ البداية، عملاً ثنائياً منفرداً ومعزولاً عن الجهد العام لتحقيق علاقات أفضل من السابق مع كل الأقطار العربية دون استثناء لأحد (...) إننا مع بيان رأينا وتحليلنا لا نقصد إطلاقاً إحراجكم لاتخاذ خطوة لا ترون اتخاذها في هذه المرحلة وفقاً لتقديركم للأمور».
وبعد سنتين من التوجّه لفتح الحدود بين القطرين، اتخذت الحكومة السورية قراراً، بتوجيه من الرئيس الأسد، بفتح الحدود بدءاً من 2 يونيو (حزيران) 1997، وقد ساعد هذا القرار في خلق مناخ إيجابي، وبدأت الوفود التجارية السورية والعراقية تزور عاصمتي البلدين.
ومع تفاقم الأزمة العراقية في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) عام 1997، صدر بيان سوري يرفض التهديدات الأميركية، ويدعو العرب إلى رفض هذه التهديدات. وفي منتصف نوفمبر، طلب طارق عزيز زيارة دمشق لإطلاع المسؤولين فيها على تطورات الوضع. وافق الرئيس حافظ وطلب من خدام استقباله والاستماع إليه. وفي 22 نوفمبر، استقبل خدام طارق عزيز بحضور الشرع.
وبعد تبادل عبارات المجاملة، سأله خدام عن جولته التي قام بها، فأجاب: «بالمحصلة، فقد عملنا شيئاً لا بأس به. قضيتنا كانت نائمة وشبه مهملة، وأصدقاؤنا الروس والفرنسيون يتكلمون معنا، ولكن من دون وضع حد حاسم للتصرف السيئ من الأميركيين. ثم إن الروس تكلموا بأنهم يريدون معاونتنا في تصحيح الوضع المستمر منذ فترة طويلة جداً علينا دون أفق، وبدت خلال الأيام الأخيرة محاولة وكلام سوف يساعدنا، ونحن انتهينا من عمل اللجنة الخاصة، وهذه اللجنة مهنية وغير خاضعة للأميركيين، وقد وضع موضوع رفع الحصار الاقتصادي (...) في الاتصال الذي أجريناه معكم، كانت رسالتنا لكم أن الخطر ليس على العراق وإنما على الجميع، وكان جوابكم إيجابياً. محاولة (الملك) حسين هي بلقنة المنطقة، وتشكيل فيدرالية، وإقامة دولة شيعية وسنية وكردية. كل المنطقة فيها سنة وشيعة. فالقصد إذن هو بلقنة المنطقة (...)».
تساءل طارق عزيز عما يمكن أن يعمل العراق لسوريا، فأجابه خدام: «نحن أبلغناكم أن هدفنا تحسين المناخ العربي، ولا نريد أن نخطو خطوة ذات طابع رسمي من شأنها أن تزيد الوضع العربي تعقيداً وتكون مؤذية لنا ولكم ولكل الأطراف العربية التي أخذت تتحسس من الضغوط الأجنبية، وفي مقدمتها الضغوط الأميركية. وأنتم تلمسون بأن كل ما يتعلق بالعراق نتصرف فيه بمسؤولية قومية، وهناك قنوات اتصال بيننا، وأنت الآن هنا.
برأيي، نحن حققنا تقدماً كبيراً، وطرحنا قضايا جوهرية وحققنا بها تقدماً كبيراً. لم نكن نتكلم من قبل بصوت عالٍ عن العراق، والآن أصبحنا نتكلم».
وأجاب عزيز: «خطونا خطوات جيدة، والعلاقات بيننا مريحة وبها فهم مشترك، وبدأنا بالعلاقات التجارية والناس فرحون. نريد الجانب العملي. الجانب الاقتصادي يتطلب تنظيم العلاقة بين التجار والأفراد بشكل منتظم، وهذا يتطلب وجود بعثات دبلوماسية بين البلدين، من أجل الفيزا وحتى نخدم مواطنينا. نحن لا نضغط عليكم، ولكن نطرح ذلك للتفكير. نحتاج إلى خطوة إضافية لما أنجزناه، وأن يكون هناك تبادل دبلوماسي. إذا كنتم لا تريدون العلاقات على مستوى سفراء، فليكن الوضع مثل مصر. مصر لديها رئيس رعاية للمصالح، وعملياً هي سفارة، وبعثتنا في الجامعة العربية وبعثتنا في القاهرة هي عملياً سفارة، وممثلنا هناك يذهب ويقابل الوزراء والشخصيات الرسمية... تمثيل كامل ولكن دون تسمية سفارة. دعونا نفكر، والوقت الذي ترونه مناسباً. الآن، حتى أستطيع المجيء إلى هنا أجرينا عدة اتصالات وعبر وسائل غير مباشرة».
يكتب خدام: «ازدادت حدة الضغوط الأميركية على العراق، كما ازدادت كثافة العمليات الجوية فوق الشمال والجنوب، فطلب الصحاف زيارة دمشق، واستقبله الشرع في 9 فبراير (شباط) 1998».
وحسب محضر الاجتماع، فإن الوزير العراقي أعرب عن «السرور بقبول الزيارة إلى دمشق كمبعوث من القيادة العراقية والرئيس صدام، لإحاطتكم وإحاطة الأشقاء في سوريا بآخر التطورات وبالتفاصيل الحقيقية للموضوع المتعلق بالأزمة القائمة بيننا وبين الولايات المتحدة الأميركية، ولتبادل وجهات النظر، ونسمع منكم ونعرض عليكم الحال كما هو، وما هي الاحتمالات. وجدنا أيضاً في الأيام الماضية أن هناك تحركاً تركياً، حيث زارنا في بغداد وزير الخارجية التركي إسماعيل جيم، ووجدنا من المهم أن نحيطكم علماً بما ذكره جيم أيضاً. وبالتالي، نستطيع أن نتحقق من أن ما كان يقوله لكم هو نفس ما يقوله لنا».
وقال الشرع: «خرج الوزير التركي بتصريحات مستغربة، وكانت السفارة التركية أبلغتنا أنه يود زيارة سوريا، لكنه لم يزرنا ولم يرسل لنا أفكاره. من دون شك، يتعرض العراق إلى ضغوط كبيرة جداً، والقيادة في سوريا مدركة وواعية لحجم وأهداف هذه الضغوط. وحتى قبل موضوع (صهر صدام) حسين كامل، وخلال هروبه واحتضان حسين كامل من قبل جهات معينة وتشجيعه كأنه منقذ للشعب العراقي، نحن في سوريا كنا قلقين جداً، لكن غير صامتين. قلنا شيئاً في العلن، لكن ما فعلناه في الاتصالات، خصوصاً مع مصر، نبهنا إلى خطورة ما يجري للعراق، خصوصاً حسين كامل واستخدامه كأداة. والرئيس حافظ، بشكل خاص، بذل جهداً كبيراً جداً في إفشال هذه المخططات. (الأمر) كان لا يستهدف العراق فقط، ولا يستهدف الحكم في العراق. طابعه كان يستهدف الحكم وتغيير النظام، لكن نحن لم نعتبر الموضوع تغييراً في النظام، وإنما هو تغيير في أساس البنية العراقية والمساس بها، وبالتالي تأثيرها سيكون على الأمة العربية بأكملها (...)».
وأضاف الشرع: «نلمس أيضاً دور تركيا الخطير في الموضوع. تركيا عملياً موجودة في شمال العراق، وتتحكم بأمور تمس فعلاً كيان العراق، وبتشجيع واضح من الأميركيين، وواضح الآن من الإسرائيليين. ويوجد إسرائيليون في شمال العراق كخبراء أو تحت عنوان مكافحة الإرهاب، أو لاستخدام أدوات تقنية عالية على طريقة الحزام الأمني الموجود في جنوب لبنان. أيضاً، علاقاتنا مع تركيا ساءت. وبصراحة أقول، من أجل هذا الموضوع هم امتنعوا عن الاجتماع مع سوريا في لقاءات ثنائية أو ثلاثية عندما كنا مع إيران، حيث كان هناك نوع من القلق لما يجري في شمال العراق واحتمالات استغلاله من قبل الآخرين. نحن نعرف تركيا، وهدفها مثل هدفنا... تركيا تخشى قيام دولة كردية، و(كذلك) إيران، وهذه نقطة مشتركة جيدة بين الدول الثلاث لعدم تقسيم العراق، لأن هناك خطورة مشتركة. هم أوقفوا عمل هذه اللجنة الثلاثية عندما هاجمناهم في دخولهم العراق. وإذا عدت للتصريحات تجد أنه السبب. قلنا لهم نحن نجتمع لننبه وليس للمساس بوحدة العراق... كيف يدخل طرف منا العراق؟ هذا كان آخر اجتماع في طهران منذ سنتين. ادّعوا أن هناك فراغاً أمنياً، وأن الأكراد يتقاتلون».
تساءل الوزير العراقي عن الجهة التي أحدثت الفراغ الأمني، فتابع الوزير السوري: «بصرف النظر، كان موقفنا واضحاً. وأقول لك إنه خلال السنوات الأخيرة، من أجل العراق ومن أجلنا جميعاً ومن أجل الأمة، يمكن أن أقول إننا دفعنا ثمناً غالياً. الآن علاقاتنا مع تركيا سيئة جداً، وبسبب سوء هذه العلاقة ادَّعوا أنهم لوحدهم، وأقاموا تحالفاً عسكرياً مع إسرائيل برروه بذلك. وأيضاً علاقاتنا مع الأردن. كان هناك اتصال، لكن بعد موضوع حسين كامل، هذا الاتصال بُتر. كانوا هم المبادرين بالاتصال بنا.
النقطة الثانية: نحن نعتقد أن تطبيق قرارات مجلس الأمن أو اللجنة الخاصة بالتفتيش يجب أن يكون له جدول زمني، وليس مفتوحاً للأبد، وبالتالي يمكن أن يستمر عشر سنوات ومائة سنة».
وفي اليوم التالي، استقبل الرئيس الأسد الوزير العراقي، وبعد أن عرض الصحاف الرسالة التي حملها من رئيسه، وفيها عرض للوضع وتطوراته وتحليلهم لأسباب الأزمة، والإشادة بموقف سوريا، أكد له الأسد ما يلي:
«1- إن سوريا تدرك أهداف الأزمة، وهي تتناول الوضع العربي برمته. ونحن لا يمكن أن نقف عند ظروف عابرة بين القطرين، لأن الهدف الأجنبي كبير، وهو بالأساس هدف إسرائيلي، لذلك كان موقفنا واضحاً.
2- إن ما يجري لا علاقة له بالكويت، وإنما بالمصالح الإسرائيلية والأميركية، وهو يستهدف المنطقة كلها. لذلك، أجريتُ اتصالات مع بعض الأشقاء نحذّر من مغبة العدوان على العراق، وكان موقفنا واضحاً في الاتصالات مع الأميركيين والأوروبيين.
3- نعتقد أن على العراق أن يُسقط الذرائع ويفوّت الفرصة التي يحاولون استغلالها، لأن المهم الآن تجنب الضربة العسكرية. وإذا حدث ذلك فإن قسماً كبيراً من المخطط يتعطل، ولو مرحلياً».

الحلقة (1): حافظ الأسد تلقى بحذر أول رسالة من صدام حسين... واختبره قبل الرد

تحالفات ومؤامرات خيّمت على «رسائل الغزل» بين الأسد وصدام
الحلقة (2): صدام عرض على الأسد «قمة سرية» في 1996... ومواجهة «عدوان إسرائيل» على لبنان
الحلقة (3): شيراك عرض على الأسد نزع سلاح «حزب الله» مقابل البقاء في لبنان
الحلقة الخامسة والأخيرة: كلينتون حاول «تحييد» الأسد إزاء قصف العراق باستئناف المفاوضات مع إسرائيل

 



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.