الحلقة الخامسة والأخيرة: كلينتون حاول «تحييد» الأسد إزاء قصف العراق باستئناف المفاوضات مع إسرائيل

الرسائل السرية بين الرئيسين السوري والعراقي كشفت تشكيل لجنة عليا لا تبحث الأمور السياسية لـ«انعدام الثقة»

الرئيسان الأميركي بيل كلينتون والسوري حافظ الاسد بدمشق في اكتوبر 1994 (غيتي)
الرئيسان الأميركي بيل كلينتون والسوري حافظ الاسد بدمشق في اكتوبر 1994 (غيتي)
TT

الحلقة الخامسة والأخيرة: كلينتون حاول «تحييد» الأسد إزاء قصف العراق باستئناف المفاوضات مع إسرائيل

الرئيسان الأميركي بيل كلينتون والسوري حافظ الاسد بدمشق في اكتوبر 1994 (غيتي)
الرئيسان الأميركي بيل كلينتون والسوري حافظ الاسد بدمشق في اكتوبر 1994 (غيتي)

في النصف الثاني من عام 1998، كانت سوريا مطمئنة بـ«وصايتها» على لبنان في خاصرتها الغربية، وتختبر أقنية سرية مع صاحب القرار الجديد في «الجبهة الجنوبية»، بنيامين نتنياهو.
لكنها، كانت محاصرة باللهيب العراقي في الشرق وبعاصفة من التهديدات التركية والحشود العسكرية على حدودها الشمالية، للضغط على الرئيس حافظ الأسد لإبعاد زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان.
مع بوادر التوتر في العراق بداية عام 1998، كلف الأسد نائبه عبد الحليم خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع بالذهاب إلى القاهرة، لنقل رسالة إلى الرئيس المصري الراحل حسني مبارك. وحسب محضر اجتماع هذا اللقاء، الذي حصلت عليه «الشرق الأوسط» ضمن أوراق خدام، كانت هناك قناعة لدى الأسد ومبارك أن صدام «لا يزيل الذرائع» لمنع التصعيد العسكري، ما استوجب التوافق على توجيه رسالة مشتركة و«أن يقال لصدام حسين صراحة، إن الضربة ستأتيك وتستهدفك بالذات، كنظام وكبلد، وتغيير النظام هو المطلوب ولا يتغيّر إلا بضربك».
مع اقتراب نهاية العام، كان موعد «ثعلب الصحراء» الأميركي يقترب من الأرض العراقية. ولدى فحص الوثائق والرسائل بين صدام والأسد وزعماء آخرين، يتضح مرة أخرى ربط ملف العراق بملفات - مكاسب أخرى تخص سوريا. إذ إن الرئيس الفرنسي جاك شيراك كان حاول في يوليو (تموز) 1996 إغراء الأسد لنزع سلاح «حزب الله» في لبنان مقابل العمل مع نتنياهو لـ«انسحاب إسرائيل من الجولان، وضمان وجود سوريا العسكري في لبنان».
بعد سنتين تقريبا، جاء الربط من زاوية أخرى وملف آخر، إذ عرض الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بوضوح «حياد» الأسد إزاء توجيه ضربة للعراق بالعمل على استئناف مفاوضات السلام مع نتنياهو «من حيث توقفت» في عهد سلفه شيمون بيريز في 1996، عندما حصل الرئيس السوري على التزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان السورية المحتلة إلى خط 4 يونيو (حزيران) 19967.
ففي 21 فبراير (شباط) 1998، كتب كلينتون للأسد: «إذا ما أجبَرَنا صدام على اتخاذ إجراء عسكري، سيكون من المهم لسوريا أن تبقى ملتزمة بأن يمتثل العراق كلياً لقرارات الأمم المتحدة... إنني واعٍ تماماً لجهودنا السابقة (في مفاوضات السلام السورية - الإسرائيلية) ولست مستعداً للعودة إلى نقطة الصفر. غير أنه، وتأسيساً على محادثاتي مع رئيس وزراء إسرائيل (بنيامين نتنياهو)، فإنني أؤمن بأنه يبقى ممكناً، حتى في هذه الآونة، أن ننجز اتفاق سلام. وستكون المرونة مطلوبة من كلا الجانبين».
من جهته، رد الأسد في 13 مارس (آذار) 1998، قائلا: «لاحظتم مدى القلق والتوتر الذي ساد الرأي العام، وعلى الأخص في العالمين العربي والإسلامي، بسبب احتمال قيام عمل عسكري ضد العراق يزيد من المعاناة». ثم أضاف «لكن استئناف المفاوضات من غير النقطة التي توقفت عندها ومتابعة البناء على ما تم إنجازه على المسار السوري، لا يعتبر فقط هدراً لخمس سنوات صعبة من الجهود الأميركية والسورية والإسرائيلية، وإنما سيؤدي إلى إخراج المفاوضات عن مسارها».
كانت الأزمة العراقية من أكثر الأزمات التي شهدتها المنطقة خطورة بعد اجتياح القوات العراقية للكويت. فالضغوط الأميركية في تصاعد. كانت رائحة التصعيد في العراق ومصيره ووحدته بارزة لا تحتاج إلى تحليل أو بحث، وكانت المشكلة، أسلحة الدمار الشامل والتفتيش عنها، والوسيلة لجنة الرقابة والتفتيش التي عيّنها الأمين العام للأمم المتحدة.
ويقول نائب الرئيس عبد الحليم خدام إنه «ما كان يزيد قلقنا من القيادة العراقية، رغم تنبيهها من جهات عديدة، عربية وأجنبية، إلى الأهداف الحقيقية للحملة الأميركية، والحاجة إلى مراجعة موقفها، ما يُسقط الذرائع ويقوّي الموقف العراقي داخلياً وعربياً ودولياً، فقد استمرت في استخدام نفس الأساليب والممارسات، مقتنعة أن الجماهير العراقية متماسكة معها».
وفي ضوء الوضع المتأزّم، أجرى الرئيس حافظ الأسد اتصالاً مع الرئيس حسني مبارك، واتفقا خلاله على قيام خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع بزيارة إلى القاهرة، لدراسة الوضع واستخلاص الموقف الملائم الذي يدفع الضرر والأذى عن العراق.
وفي 17 فبراير 1998 التقى خدام والشرع في القاهرة كمال الجنزوري رئيس الحكومة المصرية، وعمرو موسى وزير الخارجية، وأسامة الباز مستشار رئيس الجمهورية للشؤون السياسية، قبل لقاء مبارك.
وبحسب محضر الاجتماع، بعد تبادل عبارات المجاملة، سأل الرئيس مبارك عن كيفية رؤية الأجواء المحيطة، ومشكلة العراق والأمم المتحدة وأميركا، وحول صحة ما نسمعه من أخبار حول نية الأميركيين لضرب العراق، وعن الوجود الإسرائيلي في المشكلة العراقية.
أجاب خدام: «طبعاً إسرائيل موجودة. سيادة الرئيس، أمام ما يحدث، تُرى هل هذه الحملة الشرسة وهذه الحشود الكبيرة من أجل البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، والتفتيش عنها في القصور الرئاسية وما إلى ذلك؟ أم أن هناك أمراً آخر يُبيت لنا كعرب وللمنطقة؟ إن التمسك بموضوع أسلحة الدمار الشامل العراقية ما هو إلا عبارة عن حجج، لا أكثر ولا أقل. ثم إن صدام يقول لا شيء هناك، وإن الأسلحة قد دُمرت، وإن القصور الرئاسية الثمانية لا شيء فيها، وإنها مفتوحة أمام هيئة التفتيش التابعة لأميركا وللأمم المتحدة. ولكن، يظل الأميركيون والبريطانيون وغيرهم ممن انضم إليهم، يقولون إن من الضروري تنفيذ الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة والسماح للمفتشين الأميركيين الدوليين بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الجرثومية أو الكيماوية وما إلى ذلك، ويأتون بآراء ونظريات حولها ومكان وجودها. والسؤال المطروح هو: هل هذه الحملة وهذه التعبئة التي تجري على قدم وساق، من أجل موضوع الأسلحة تلك بالفعل ولهذا الهدف، أم أن الهدف هو هدف آخر يُخطط له قديماً ويُنفذ الآن، وإننا كعرب وهذه المنطقة نواجه ما يحصل بانتظار مشيئتهم؟».
علّق الرئيس مبارك: «هم يقولون فقط التفتيش وأسلحة الدمار الشامل، ولكن الأهداف من هذه العملية ستظهر بعد ذلك».
تابع خدام: «بعدئذٍ تظهر (الأهداف)على حقيقتها، ولكنها تبدو لنا واضحة منذ الآن، ولأن مجرد القول إن هذه الحملة وهذه التعبئة وهذا العرض للعضلات كله ليس من أجل الحرب أو الضربة العسكرية، وإنما لضرورات ومتطلبات الأمن الدولي، فهذا كلام غير منطقي وغير معقول بالتالي. تُرى، هل أن البعد الإسرائيلي ينتهي عند حدود التفتيش أم أن هناك برنامجاً خاصاً يُعد للمنطقة ويقولون هي مناورات ليس إلا؟ ولكن في رأينا يقال إن أمراً يحضّر من أجل نظام معين لهذه المنطقة، وإلا، عملياً، ما نراه كيف يفسر؟».
وهنا سأل الرئيس مبارك عن الواجب فعله لمواجهة هذا الموضوع.
أجاب خدام: «تماماً، هذا هو السؤال المطروح بالفعل، ونحن متفقون بأنه لا بد من عمل شيء لمواجهة الوضع، منعاً من الوصول إلى التفجير».
فعلّق الرئيس مبارك بأنه من الضروري العمل لمواجهة الذي يحصل.
رد خدام: «نعم، وهناك قناعة لدى المواطن العربي وفي الشارع العربي بأن ما يجري مخطط له من قبل الأميركيين والإسرائيليين، من جهة لتوفير الدعم لإسرائيل، ومن جهة ثانية من أجل الهيمنة والسيطرة على هذه المنطقة، وذلك تنفيذاً للمشروع الإسرائيلي نفسه على مر التاريخ. وأتمنى أن نعمل معاً للمواجهة والدراسة لهذا الوضع واحتمالاته وحلوله، طبعاً مع عمرو موسى وفاروق الشرع، لكي نرى الصورة بوضوح أمامنا بكل أبعادها. وأعتقد أن أول شيء نفعله أن نعمل معاً على تجنيب العراق مثل هذه الضربة العسكرية المدمّرة، وأيضاً من خلال زيارة وفد للعراق وإجراء الاتصالات اللازمة، رحمة بالشعب العراقي، ولكي نجنّب تعرضه لكارثة ثانية تقضي على العراق وتقسمه. وها أنذا أحمل رسالة من الرئيس حافظ الأسد بهذا الموضوع. وقد تحدث السيد فاروق الشرع مع الصحاف، وزير خارجية العراق، والسيد الرئيس أيضاً تكلم معه في هذا الشأن، وأنتم ونحن أبدينا موقفاً واحداً حيال هذه القضية ومعالجتها».
قال الرئيس مبارك: «شكراً للأخ الرئيس حافظ على الرسالة. طبعاً يجب التقيّد بتنفيذ مضمون قرار مجلس الأمن والأمم المتحدة بالنسبة للتفتيش وتدمير أسلحة الدمار الشامل وما إلى ذلك من الأسلحة، ثم تنفيذ مهمة التفتيش وعدم معارضة المفتشين الأميركيين، وكل هذا لتفادي الضربة العسكرية كما يقولون، وبعد الذي حصل في الضربة السابقة للعراق كما عرفنا».
أجاب خدام: «نعم، وهذا الكلام الذي تتفضل بذكره أنا متأكد مائة بالمائة أنه ليس هناك أي موفد عراقي يجرؤ على أن ينقل مثل هذا الكلام كله إلى مسامع صدام شخصياً».
أجاب مبارك: «هذا ما يحدث بالضبط، وحدث خلال اجتياحه للكويت. نصحناه لكنه رفض النصيحة، وكانت النتيجة ما تراه اليوم».
علّق خدام : «صحيح. أعود فأقول، وكنا نتكلم في مجال التحليل في هذه القضية التي هي حديث الساعة، إذا كان الأمر هدفه خريطة جديدة توضع للمنطقة، فإنني أعتقد أن المستقبل العربي سوف يكون مستقبلاً أسود ومظلماً، ولن يسامحنا أحد بعد ذلك».
فقال مبارك: «بالضبط، وهذه مسألة مهمة وخطيرة».
أجاب خدام: «بعد أن عرضت خطورة ما يخطط للمنطقة عبر البوابة العراقية، لا بد من عمل شيء يوقف المشروع من جهة، ومن جهة ثانية يجب أن نفكر بصورة جدية بمشروع لمواجهته عربياً. والخطوة الأولى والأساسية هي في العمل على إبعاد الضربة عن العراق. فإذا وقعت الضربة، فسوف يصبح الوضع خطيراً وسيئاً للغاية».
علّق أسامة الباز بقوله: «نعم، وسوف يربكنا كحكومات، والمواطن العادي الآن، حيثما كان، تجده متعاطفاً مع العراق. هذا المواطن هذا شعوره الآن، صغيراً كان أم كبيراً. فإذا وقع الضرب كما حدث في حرب الكويت، رأينا نتيجة هذه الحرب في الوضع العربي وسيئاتها. فما بالك الآن؟ ولكن، نرى الآن إسرائيل تضرب وتحتل وتخالف قرارات الأمم المتحدة ولا أحد يتفوّه بكلمة عنها».
قال خدام للرئيس مبارك بأنه يجب أن يقال لصدام حسين صراحة بأن الضربة ستأتيك وتستهدفك بالذات، كنظام وكبلد، وتغيير النظام هو المطلوب ولا يتغيّر إلا بضربك. هكذا يجب أن يقال له. فوافقني الرئيس مبارك.
عرضت عليه «إرسال أحد إلى بغداد للقاء صدام حسين ونُصحه وتحذيره لتجنيب العراق الضربة، وأن يذهب إليه واحد من مصر وآخر من سوريا، فما هو رأيك؟».

وجرى الحديث عمن سيذهب، فاقترح (رئيس الوزراء) كمال الجنزوري وزيري خارجية البلدين، فوافق الرئيس مبارك، وأبلغته أنني سأتحدث مع الرئيس حافظ لأخذ رأيه، وأضفت «لا بد من وضع إخواننا في السعودية بالصورة، فوافق الرئيس مبارك».
اتصل خدام بالرئيس الأسد هاتفياً، وعرض عليه فكرة إرسال الوفد إلى بغداد، فرحّب بالفكرة وأكد على أن تكون بمستوى وزيري الخارجية، وأن تكون الرسالة واضحة.
وحسب وثيقة من خدام، «اتفقنا خلال اللقاء مع الرئيس مبارك أن يكون الحديث واضحاً (إلى صدام حسين)، وأن يبلغه الوفد أن سوريا ومصر درستا الوضع الخطير، لأن جميع المعطيات التي لدينا تقول إن هذا الحشد الأميركي جدي، والفرصة متوفرة لتجنّب الضربة، والمخرج هو الاتفاق مع الأمين العام للأمم المتحدة، وبذلك تكون قد كسبت تعاطف المجتمع الدولي. ونعتقد أن على الحكومة العراقية بذل كل الجهود لكي تكون مهمة الأمين العام للأمم المتحدة إيجابية. كما تم الاتفاق على سفر وزيري الخارجية إلى السعودية لإطلاع قادتها على خلفية التحرك»، مضيفا «الخلاصة، إن وجهات نظر قيادتي مصر وسوريا كانت متفقة حول خطورة الوضع، ومتفقة حول تحليل أسباب الأزمة وأهدافها، وبالتالي وجوب العمل على تجاوزها وتجنيب العراق الضربة العسكرية».
وبعد أيام من رحلة القاهرة، وصل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى بغداد، وأجرى محادثات مع القيادة العراقية أدت إلى توقيع اتفاق قبلت به تلك القيادة شروط مجلس الأمن للرقابة والتفتيش. وهكذا هدأت العاصفة، ولكن إلى متى؟ وهل تغيرت الأهداف الأميركية أم هل ستتغير وسائلها؟
وخلال هذه الأزمة الحادة بين العراق والولايات المتحدة، أجرت الإدارة الأميركية اتصالات عديدة معنا بهدف تحييد الموقف السوري والتذكير بتحالف عام 1990 إبان احتلال الكويت.
وفي 21 فبراير 1998 وجّه الرئيس كلينتون إلى الرئيس الأسد الرسالة التالية: «بينما نواصل الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة الحالية بين العراق والأمم المتحدة، أود أن أشاطركم أهداف الولايات المتحدة وآمالي بحل سلمي لهذا النزاع. أعرف أن سوريا، بصفتها عضواً في الائتلاف في حرب الخليج عام 1991 ومنادياً قوياً لامتثال العراق لقرارات الأمم المتحدة، تشاركنا اهتمامنا بضرورة منع صدام حسين من أن يهدد أبداً جيرانه مرة أخرى. إن ذلك التهديد الإقليمي الحقيقي جداً، بالإضافة إلى دلائل مقنعة بأن صدام حسين يحاول بنشاط أن يعيد تشكيل قدرته على تطوير أسلحة الدمار الشامل وإيصالها، يؤكد أهمية ضمان الوصول غير المشروط والكامل لمفتشي اللجنة الخاصة لكل مواقع الأسلحة العراقية المحتملة.
إن تفضيلي هو لحل دبلوماسي لهذه الأزمة، وأريد أن أؤكد لكم أننا بذلنا كل جهد لهذه الغاية منذ بداية هذا النزاع. إننا ننتظر الآن لنسمع كيف سيرد صدام حسين على المقترحات المقدّمة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة السيد (كوفي) أنان، فإذا فشلت هذه الجهود الدبلوماسية وأصبح استعمال القوة ضرورياً لتأمين امتثال العراق، فإن الولايات المتحدة مستعدة لتوجيه ضربة جدية من شأنها أن تقلل بصورة ذات دلالة تهديد أسلحة الدمار الشامل الموجودة لدى صدام حسين، وأن تقلص من قدرته على تهديد جيرانه. ينبغي أن يكون واضحاً أن مصير العراق بات في أيدي صدام. أؤمن بأن العراق سيكون أكثر ميلاً للموافقة على تسوية سلمية لهذا النزاع، إذا ما اقتنع صدام حسين بأننا مستعدون لعمل عسكري. وإذا فشلت الدبلوماسية بالرغم من جهودنا، وإذا ما أجبرنا صدام حسين على اتخاذ إجراء عسكري، فسيكون من المهم لسوريا أن تبقى ملتزمة بأن يمتثل العراق كلياً لقرارات الأمم المتحدة.
تتفهم الولايات المتحدة وتشاطركم اهتمامكم بمعاناة الشعب العراقي. ولهذا السبب تدعم الولايات المتحدة اتخاذ مجلس الأمن إجراءات لزيادة النفط من أجل الغذاء بصورة جوهرية، شريطة أن تتوفر لنا الضمانات الكافية من أجل هذه المساعدات الإنسانية لتصل للشعب العراقي ولا تتحول لعساكر صدام. ونوافق بأن المحافظة على سيادة العراق أمر حيوي للأمن والاستقرار الإقليميين. أريدكم أن تعرفوا أنني أتفهم قلقكم حول هذه المسألة، وأؤكد لكم بأن الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بالمحافظة على سلامة الأراضي العراقية. هدفنا في هذه الأزمة هو تقليل التهديد الذي تشكّله أسلحة الدمار الشامل العراقية على جيران العراق، وليس تشجيع تفكيك العراق ولا معاقبة الشعب العراقي.
لقد ساعد قراركم بالانضمام إلى ائتلاف حرب الخليج عام 1991 في تقوية علاقاتنا الثنائية وفي تشجيع التقدم نحو هدف آخر نتقاسمه، سلام شامل في الشرق الأوسط. لقد أشرتم إلى شيء مهم في رسالتكم المؤرّخة في 2 (فبراير) أن المحادثات بين سورية وإسرائيل أنتجت اتفاقاً حول مسائل مركزية بالنسبة لعملية السلام، فاقت أهميتها تلك العناصر المتبقية للاتفاق حولها. تلك المحادثات كانت بالطبع، مع الحكومة الإسرائيلية السابقة. إنني واعٍ تماماً لجهودنا السابقة، ولست مستعداً للعودة إلى نقطة الصفر. غير أنه، وتأسيساً على محادثاتي مع رئيس وزراء إسرائيل، فإني أؤمن بأنه يبقى ممكناً حتى في هذه الآونة أن ننجز اتفاق سلام. ستكون المرونة مطلوبة من كلا الجانبين إذا ما كان علينا أن نعيد مفاوضاتكم مع إسرائيل إلى مسارها وأن نحقق الهدف الذي نسعى إليه كلانا.
بمواصلة العمل سوياً، يمكننا معاً أن نضع حداً لتهديد صدام حسين الماثل مجدداً، وأن نجدد سعينا من أجل سلام إقليمي».
وبعث الرئيس الأسد بالرسالة الجوابية التالية في 13 مارس 1998:
«أشكركم على رسالتكم المؤرخة في 21 فبراير 1998، وأنا على ثقة من أنكم اطلعتم على موقفنا من الأزمة العراقية الأخيرة، من وجوب التزام العراق بقرارات مجلس الأمن التزاماً تاماً، وتفادي العمل العسكري والحفاظ على سيادة العراق وسلامة الأراضي العراقية.
وقد لاحظتم مدى القلق والتوتر الذي ساد الرأي العام، وعلى الأخص في العالمين العربي والإسلامي، بسبب احتمال قيام عمل عسكري ضد العراق سيزيد من معاناة شعبه دون أن يؤدي إلى حل للمشكلة، ولا شك أنكم لمستم مدى حساسية الرأي العربي وسخطه عندما يرى إسرائيل تنفرد من بين دول المنطقة بامتلاك السلاح النووي وتواصل احتلالها للأراضي العربية، دون اكتراث بقرارات مجلس الأمن التي استندت إليها عملية السلام، ولا بتنفيذ الالتزامات التي ترتبت عليها.
السيد الرئيس، إننا نقدّر ما أعربتم عنه في رسالتكم من مشاطرتنا الحرص على الوصول إلى السلام العادل والشامل في منطقتنا. تلك هي رغبتنا الأكيدة، منطلقين من مرجعية وأسس مؤتمر مدريد، والتي كان للولايات المتحدة دور أساسي في صياغتها وفي المفاوضات التي أسفرت بمساعيكم ومشاركتكم الفاعلة عن نتائج مهمة كادت أن تتكلل باتفاق سلام، لولا استمرار تنكّر الحكومة الإسرائيلية الحالية للنتائج التي تم التوصل إليها من خلال المفاوضات.
إنني ملتزم بالتعاون معكم من أجل تحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط. وأريدكم، السيد الرئيس، أن تعلموا أن سوريا لو لم تتحلَّ بالمرونة الكافية خلال مسيرة السلام منذ مؤتمر مدريد لما استمرت هذه المسيرة حتى الآن، ولما تحققت تحت رعايتكم إنجازات مهمة. لكن استئناف المفاوضات من غير النقطة التي توقفت عندها ومتابعة البناء على ما تم إنجازه على المسار السوري لا يعتبر فقط هدراً لخمس سنوات صعبة من الجهود الأميركية والسورية والإسرائيلية، وإنما سيؤدي إلى إخراج المفاوضات عن مسارها الصحيح وأسسها المتفق عليها، وتحويلها إلى مفاوضات من أجل المفاوضات لا يهدف الطرف الآخر منها إلى تحقيق السلام العادل والشامل الذي تنشده شعوب المنطقة.
إننا نرحب بقوة بما أعربتم عنه من عزمكم على تكثيف مساعيكم لتحقيق السلام العادل والشامل الذي من دونه لا يمكن عملياً ضمان أمن منطقتنا واستقرارها، ولا الحفاظ فعلياً على المصالح المشتركة للمعنيين حقاً بإقامة هذا السلام».
صدام وافق على مطالب الأمين العام للأمم المتحدة. واتخذ الرئيس الأميركي كلينتون بعد اتهام بغداد بعدم التعاون مع مفتشي ومراقبي الأمم المتحدة، قراراً بقصف العراق في 15 ديسمبر (كانون الأول) 1998، وتركز القصف في بغداد والمواقع الاستراتيجية في العراق. وفي 19 ديسمبر، أمر الرئيس كلينتون بوقف القصف، الذي كانت بريطانيا شريكة في القرار وفي العمليات الجوية.
كان لتلك العمليات صدى عميق في العالمين العربي والإسلامي، وقامت مظاهرات صاخبة. في دمشق تظاهر سوريون وهاجموا السفارة الأميركية وأنزلوا العلم كما هاجموا دار السفير ومقر السفير البريطاني.
ثنائياً، خلال السنوات التي تلت فتح الحدود نشطت الحركة التجارية والزيارات المتبادلة بين الوزراء المعنيين وغرف التجارة، وتم التوقيع على عدد من الاتفاقات لا سيما خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء السوري محمد مصطفى ميرو إلى بغداد بتاريخ 11 اغسطس (آب) 2001، وكان أبرز الاتفاقات تشكيل لجنة عليا مشتركة بين البلدين.
أما الزيارة الثانية على مستوى رئيس اللجنة العليا، كانت زيارة طه ياسين رمضان إلى دمشق بتاريخ 11 أغسطس 2002، ليرأس اجتماع اللجنة العليا المشتركة حيث تم خلال هذه الاجتماعات استعراض الاتفاقيات ومراحل تنفيذها. كان هناك انفتاح تجاري نحو سوريا بسبب عزلة العراق من جهة، و«المضايقات» الأردنية من جهة ثانية، بالإضافة إلى رفض سوريا سياسة الحصار المفروضة على العراق، وساعد الانفتاح الاقتصادي على تنشيط حركة السوق السورية، حسب قناعة دمشق.
اللافت، أن خدام يقول إن «التوجّهات المعطاة للجانب السوري في جميع الزيارات واللقاءات، كانت بعدم الدخول في مناقشة العلاقات السياسية، لأن الأرضية لمثل هذه المناقشات غير متوفرة لانعدام الثقة بين الجانبين. لذلك كان الحديث السياسي خلال اللقاءات مع المسؤولين مركزاً على مسألة الحصار والعمل على إزالته».

الحلقة (1): حافظ الأسد تلقى بحذر أول رسالة من صدام حسين... واختبره قبل الرد

تحالفات ومؤامرات خيّمت على «رسائل الغزل» بين الأسد وصدام
الحلقة (2): صدام عرض على الأسد «قمة سرية» في 1996... ومواجهة «عدوان إسرائيل» على لبنان
الحلقة (3): شيراك عرض على الأسد نزع سلاح «حزب الله» مقابل البقاء في لبنان
الحلقة (4): الأسد فتح الحدود مع العراق ونصح صدام بـ«إسقاط الذرائع» لتجنب ضربة أميركية

 



ما تأثير التوترات بين مصر وإسرائيل على استدامة «اتفاقية الغاز»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
TT

ما تأثير التوترات بين مصر وإسرائيل على استدامة «اتفاقية الغاز»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)

تُصر مصر على أن تضع «صفقة الغاز» مع إسرائيل في إطارها التجاري في ظل تعدد الملفات الخلافية بين البلدين. وعزز ذلك النفي الرسمي القاطع من جانب القاهرة بشأن وجود ترتيبات للقاء يجمع بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما يطرح تساؤلات حول تأثير استمرار التوتر على استدامة الصفقة التي تستمر حتى عام 2040.

وقال رئيس «هيئة الاستعلامات» المصرية، ضياء رشوان، إن الحديث عن الترتيب للقاء بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن «شائعة لا أساس لها من الصحة مطلقاً»، مشيراً في تصريحات إعلامية، مساء الجمعة، إلى أن «هذه الأخبار المتداولة يروّجها الإعلام الإسرائيلي في الأساس».

وكانت تقارير إسرائيلية قد أشارت إلى محاولة واشنطن ترتيب لقاء بين السيسي ونتنياهو، ضمن زيارة محتملة من كليهما إلى الولايات المتحدة قريباً للقاء الرئيس دونالد ترمب.

وتتعدد ملفات الخلاف بين مصر وإسرائيل وتتعلق بالأوضاع في قطاع غزة وتحميل إسرائيل مسؤولية عدم البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار»، وكذلك فتح معبر رفح مع وجود رغبة إسرائيلية لأن يكون في اتجاه واحد، وملف تهجير الفلسطينيين، والتواجد الإسرائيلي في «محور فيلادلفيا» والتأكيد المصري على ضرورة إيجاد مسار سياسي لدولة فلسطينية، ما يتعارض مع توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف.

وظلت «صفقة الغاز» التي أعلن نتنياهو، الأربعاء الماضي، الموافقة عليها أسيرة موقف إسرائيلي رافض لإتمامها رغم الإعلان عنها في أغسطس (آب) الماضي، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة التي تعد شركاتها جزءاً من الصفقة للضغط على إسرائيل لضمان عدم انهيار الصفقة.

وذكرت «الخارجية الأميركية» في بيان، الخميس، أن «موافقة إسرائيل على اتفاقية الغاز التي أبرمتها شركة (شيفرون) مع مصر، إنجاز كبير للأعمال التجارية الأميركية والتعاون الإقليمي». وأضافت أن «اتفاقية الغاز بين إسرائيل ومصر لا تعزز أمن الطاقة فحسب، بل تدعم أيضاً الجهود الأوسع نطاقاً لتحقيق الاستقرار وإعادة إعمار غزة».

واعتبر خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن المصالح الأميركية يمكن أن تضمن استدامة «اتفاق الغاز»، لكن ذلك لا يمنع من تأثر التعاون في مجال الطاقة بين مصر وإسرائيل بالتوترات الإقليمية، وكذلك بما تؤول إليه تطورات الصراع في غزة وانعكاساته على العلاقة بين الطرفين.

سياج أمني على الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

وتمتلك شركة «شيفرون» الأميركية 40 في المائة من حقل «ليفياثان» الإسرائيلي الذي يتم من خلاله تصدير الغاز إلى مصر إلى جانب شركة «نيو ميد إنرجي» الإسرائيلية، وتُقدر احتياطات الحقل بنحو 600 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

وسبق أن أوقفت إسرائيل تصدير الغاز إلى مصر دون إخطار مسبق في ظل حربها على قطاع غزة وكذلك مع بدء الضربات على إيران خلال يونيو (حزيران) الماضي، وفي ذلك الحين أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن «الحكومة وفّرت بدائل لتأمين احتياجات البلاد خلال فترات توقُّف الإمدادات الإسرائيلية، عبر تشغيل سفن لاستقبال الغاز المسال لضمان استمرار تشغيل المصانع ومحطات الكهرباء دون انقطاع».

الباحث في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، سعيد عكاشة، قال إن الولايات المتحدة لديها رغبة في استدامة «اتفاقية الغاز» بين مصر وإسرائيل بما يحفظ الحقوق التجارية لشركاتها، وفي حال جرى استخدامه كأداة ضغط سياسي على مصر فإن القاهرة لن ترضخ لذلك وهو ما يجعل الاتفاق لا يترك تأثيرات سياسية على علاقة البلدين.

وأضاف عكاشة أن التحولات الإيجابية في العلاقة بين البلدين تتوقف على بدء دخول المرحلة الثانية من اتفاق «وقف إطلاق النار» وإيجاد مسار واضح لدولة فلسطينية مستقبلية وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني ووقف أي محاولات من شأنها تهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، موضحاً: «يمكن أن يفتح ذلك المجال أيضاً لعقد لقاء في المستقبل بين الرئيس السيسي ونتنياهو كما يضمن استدامة صفقة الغاز». وأشار إلى أن ملف الطاقة دائماً ما يشكل مشكلة، وسبق أن تسببت الهجمات على أنابيب الغاز المصرية في سيناء في أعقاب الاضطرابات الأمنية في عام 2011 في توقف الإمدادات المصرية إلى إسرائيل، وكان من الصعب تحمل تكلفة التأمين وتضررت القاهرة كما الوضع بالنسبة لإسرائيل.

مصر تعدد خياراتها لتحقيق الاكتفاء المحلي من الغاز الطبيعي (وزارة البترول المصرية)

وأوضح عكاشة أنه «في حال جرى عرقلة الاتفاق الذي أعلن نتنياهو التصديق عليه أخيراً، فإنه سيكون أمام التزامات قانونية يصعب تجاوزها، كما أن مصر أثبتت خلال الأشهر الماضية أنها لن تقبل بأن يتم الضغط عليها سياسياً بورقة الغاز».

وفي مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن نتنياهو رفض التصديق على الاتفاق «بسبب تحركات الجيش المصري في شمال سيناء»، وهدّد بتجميده أو إلغائه إذا لم يُحصَل على موافقته الشخصية على أي خطوات لاحقة، قبل أن يُعاد التصديق عليه بعد استكمال المفاوضات.

ووقّع البلدان صفقة لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر في عام 2019، قبل تعديلها لتنص على توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي لمصر بقيمة 35 مليار دولار حتى عام 2040، بمعدل يومي قدره 1.8 مليار قدم مكعب.

خبير أسواق الطاقة، رمضان أبو العلا، يرى أن المصلحة الأميركية في استدامة «صفقة الغاز» تشكّل عاملاً مهماً في التزام إسرائيل بالاتفاق، خاصة أنه يحقق مكاسب إيجابية لجميع الأطراف الموقعة على الصفقة، لكن في الوقت ذاته فإن الحكومة المصرية تتوقع جميع الاحتمالات، ما يجعلها تعتمد على 4 سفن لـ«التغييز» لاستقبال الغاز المسال.

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

وسبق أن تحدث خبراء لـ«الشرق الأوسط» عن توجه القاهرة نحو تنويع مصادر الغاز الطبيعي دون انتظار موقف إسرائيل من الصفقة أبرزها إنشاء 4 محطات لتمويل السفن بالغاز الطبيعي، والتوسع في استيراد سفن الغاز من دول مختلفة، إلى جانب تعزيز الاكتشافات المحلية، وتشجيع الشركات الأجنبية على توسيع عمليات التنقيب.

وتبلغ احتياجات مصر اليومية من الغاز الطبيعي نحو 6.2 مليار قدم مكعب يومياً، وتستهدف الحكومة زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنهاية العام الحالي إلى نحو 5 مليارات قدم مكعب يومياً، ويُقدر حالياً بنحو 4.2 مليار قدم مكعب يومياً، خاصة مع زيادة الاحتياجات اليومية لنحو 7 مليارات قدم مكعب يومياً في أشهر الصيف، وفق تقديرات حكومية.


«شروق الشمس» الأميركية لإعمار غزة... هل تؤخر الخطة العربية الشاملة؟

فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«شروق الشمس» الأميركية لإعمار غزة... هل تؤخر الخطة العربية الشاملة؟

فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

تسريبات أميركية تشير لوجود خطة بشأن إعمار جزء من قطاع غزة، تحمل اسم «شروق الشمس» أعدها فريق يقوده جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترمب، والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بينما تتعثر «الخطة العربية الشاملة» بشأن الإعمار الذي يعد أبرز ملامح المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع المتعثرة حالياً.

تلك الخطة الأميركية المتداولة، تأتي بينما تبحث مصر إقامة مؤتمر لتمويل إعمار كامل غزة بالشراكة مع واشنطن بعد تأجيله نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ويعتقد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه عودة لمخططات تهجير الفلسطينيين مجدداً رغم الرفض المصري والعربي، ما قد يطرح 3 سيناريوهات: المضي في تلك الخطة الأميركية الجزئية في رفح الفلسطينية، ومن ثمّ تأجيل نظيرتها العربية الشاملة؛ أو الدمج بين الخطتين دون تهجير؛ أو تعطيل كل الخطتين لتعثر إتمام الاتفاق».

وتحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الجمعة، عن خطة أعدها كوشنر وويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» بين الحكومات الأجنبية والمستثمرين لتحويل ركام غزة إلى وجهة ساحلية مستقبلية، ونقل سكان غزة «من الخيام إلى الشقق الفاخرة»، و«من الفقر إلى الازدهار»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

وبحسب المسودة «ستبلغ تكلفة المشروع الإجمالية 112.1 مليار دولار على مدى عشر سنوات»، على أن تلتزم الولايات المتحدة بتقديم منح وضمانات ديون لـ«جميع مسارات العمل المطروحة» خلال تلك الفترة، لكن التحديات هائلة، وفق الصحيفة، لافتة إلى أن إعادة إعمار غزة مشروطة بأن تقوم «حماس» بـ«نزع السلاح وتفكيك جميع الأسلحة والأنفاق».

وسيُنفّذ الإعمار عبر أربع مراحل، تبدأ من الجنوب في رفح وخان يونس، ثم تتجه شمالاً إلى «مخيّمات الوسط»، وأخيراً إلى العاصمة غزة، وتتضمن إحدى الشرائح، المعنونة بـ«رفح الجديدة»، تصوراً لجعلها «مقر الحوكمة» في غزة وموطناً لأكثر من 500 ألف نسمة، يعيشون في مدينة تضم أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، و200 مدرسة أو أكثر، وأكثر من 75 منشأة طبية، و180 مسجداً ومركزاً ثقافياً.

وهذه التسريبات تأتي بعد نحو 8 أيام من نقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوب القطاع من أجل إعادة إعمارها».

طفل فلسطيني نازح ينتظر مع حاويته لتلقي حصص غذائية متبرع بها في مطبخ خيري في خان يونس (أ.ف.ب)

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يرى أن «خطة ترمب للسلام تعطي منذ البداية مساحة أكبر للأميركيين والإسرائيليين، والخطة الجديدة المطروحة للإعمار من جانب واشنطن، محاولة لتحقيق هدف تهجير الفلسطينيين مرة أخرى».

فيما يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن «خطة شروق الشمس» تؤكد أن الولايات المتحدة لم تتخل عن فكرتها في ترحيل جزئي لسكان غزة مع ضخ استثمارات عقارية تحقق أمن إسرائيل فقط.

ووفق «وول ستريت جورنال»، فإن «بعض المسؤولين الأميركيين الذين اطّلعوا على (خطة شروق الشمس) يبدون شكوكاً جدّيةً بشأن مدى واقعيتها. فهم يستبعدون أن توافق حركة (حماس) على نزع سلاحها لبدء تنفيذ الخطة». وذكرت الصحيفة أنه «حتى في حال حدوث ذلك، يشكّك المسؤولون في قدرة الولايات المتحدة على إقناع دول ثرية بتحمّل تكلفة تحويل بيئة ما بعد الحرب إلى مشهد حضري عالي التقنية».

وعلى مقربة من هذه الشكوك، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في تصريحات الجمعة: «لن تقنع أحداً بالاستثمار في غزة إذا كان يعتقد أن حرباً أخرى ستندلع بعد عامين أو ثلاثة»، وأضاف: «لدينا ثقة كبيرة بأننا سنحصل على المانحين لجهود إعادة الإعمار والدعم الإنساني على المدى الطويل».

ويرى حسن أن روبيو يتحدث بحديث إسرائيل نفسه بشأن نزع سلاح «حماس»، ومن الصعب بدء المرحلة الثانية في ضوء عدم تحقيق التزاماتها مثل نشر «قوات الاستقرار» ونزع سلاح الحركة.

تلك التسريبات الأميركية، جاءت بعد نحو 17 يوماً من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «أننا نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

تجمع فلسطينيون نازحون لتلقي حصص غذائية تبرع بها أحد المتبرعين في مطبخ خيري في خان يونس (أ.ف.ب)

وبعد ذلك قال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في جلسة بـ«منتدى الدوحة»، أخيراً: «إننا سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، ووصفت وقتها تلك التصريحات القطرية، من جانب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «ضغط على واشنطن لدفع إسرائيل لتنفيذ انسحاب وبدء إعمار».

وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت ستنظمه القاهرة في نهاية نوفمبر الماضي، أجل دون ذكر السبب، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن ما يطرح أميركياً قد يؤخر عملية الإعمار وفق «الخطة العربية الشاملة»، مشيراً إلى أن تعثر مؤتمر الإعمار بسبب عدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم انسحاب إسرائيل. وحول المتوقع، إزاء الخطة الجديدة للإعمار، أوضح أنه يمكن التزاوج بين الخطتين العربية والأميركية شريطة ألا يحدث تهجير للفلسطينيين.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أن مستقبل الإعمار قد يشهد المضي في الخطة الأميركية بشكل منفرد، وتأخير الخطة العربية الشاملة، أو استمرار التعثر لعدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم دخول أي من الخطتين حيز التنفيذ.


الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)

أدانت الأمم المتحدة بشدة قيام الجماعة الحوثية باحتجاز 10 موظفين أمميين إضافيين في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في خطوة وصفتها بـ«الاحتجاز التعسفي»، محذّرة من أن هذا التصعيد يُهدد بشكل مباشر استمرارية العمل الإنساني في اليمن.

وحسب المنظمة الدولية، ارتفع إجمالي عدد موظفيها المحتجزين لدى الجماعة إلى 69 موظفاً، ما يضع واحدة من كبرى عمليات الإغاثة في العالم أمام مخاطر غير مسبوقة.

وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان، إن هذه الاحتجازات «تجعل إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين غير قابلة للاستمرار»، مشيراً إلى أن القيود المفروضة على عمل المنظمة تؤثر بشكل مباشر على ملايين اليمنيين المحتاجين، وتحرمهم من الحصول على المساعدات المنقذة للحياة، في بلد أنهكته الحرب والفقر وانهيار الخدمات الأساسية.

المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك (الأمم المتحدة)

وأضاف دوجاريك أن الأمين العام دعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأفراد المحتجزين تعسفياً، بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة، والعاملون في المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى أفراد من البعثات الدبلوماسية، مطالباً الحوثيين بإلغاء إحالة موظفي المنظمة إلى الملاحقة القضائية.

وشدّد البيان الأممي على ضرورة احترام القانون الدولي، بما في ذلك الامتيازات والحصانات الممنوحة للأمم المتحدة وموظفيها، مؤكداً أن هذه الحصانات «أساسية لتمكين العمل الإنساني في بيئة آمنة ومحايدة»، ولا يمكن التفريط بها دون تعريض حياة العاملين والمستفيدين من المساعدات للخطر.

تحذير من شلل الإغاثة

يأتي هذا التحذير الأممي في ظل تصعيد متواصل من جانب الحوثيين ضد المنظمات الدولية؛ حيث تتهم الجماعة موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني بالتجسس لصالح أطراف خارجية، وهي اتهامات تنفيها الأمم المتحدة بشكل قاطع، وتؤكد أنها لا تستند إلى أي أدلة.

وترى منظمات حقوقية أن هذه الاتهامات تُستخدم غطاءً لاعتقالات تعسفية واسعة، تستهدف تكميم الأصوات المستقلة وإحكام السيطرة الأمنية في مناطق نفوذ الجماعة.

طائرة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي بعد إقلاعها من مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

وخلال السنوات الماضية، لجأ الحوثيون إلى توظيف الجهاز القضائي الخاضع لهم ليكون أداةً للضغط والترهيب، عبر إحالة معارضين وصحافيين وموظفين أمميين إلى محاكم متخصصة بتهم تتعلق بالأمن القومي أو «التخابر»، في مسار يقول مراقبون إنه يقوّض العدالة، ويزيد من عزلة مناطق سيطرة الجماعة التي تحوّلت إلى أشبه بمعتقل كبير.

وتؤكد الأمم المتحدة أن استمرار هذه الممارسات يجعل من الصعب الحفاظ على وجود إنساني فعّال في صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين، خصوصاً في ظل المخاطر المتزايدة التي يتعرض لها الموظفون المحليون والدوليون.

وعلى الرغم من ذلك، تُشدد المنظمة على التزامها بمواصلة تقديم الدعم الإنساني لملايين اليمنيين، مع تحذيرها من أن أي تصعيد إضافي قد يفرض إعادة تقييم للأنشطة الإنسانية في بعض المناطق.

مخطط تفجيري

في سياق موازٍ، أعلنت الأجهزة الأمنية في محافظة مأرب (شرق صنعاء) عن تحقيق إنجاز أمني نوعي، تمثل في ضبط قيادي بارز تابع للجماعة الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، في عملية استباقية استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة ومتابعة ميدانية مكثفة.

ونقل الإعلام الرسمي عن مصدر أمني في شرطة مأرب قوله إن الأجهزة الأمنية نفذت العملية «باحترافية عالية»، بعد رصد تحركات القيادي الحوثي (ع.ع.د)، الذي كلفته الجماعة بقيادة عدة خلايا إرهابية داخل المحافظة. وحسب المصدر، كانت هذه الخلايا تعمل على استهداف الأمن والاستقرار وقيادات مدنية وعسكرية، من خلال تصنيع وزراعة العبوات الناسفة في مناطق متفرقة.

حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (أ.ف.ب)

وأوضح المصدر أن العملية نُفذت بتنسيق محكم بين مختلف الأجهزة الأمنية في المحافظة، وأسفرت عن مداهمة مخبأ القيادي الحوثي والقبض عليه، وضبط عدد من العبوات الناسفة المموهة، إضافة إلى أجهزة ومعدات خاصة بعمليات التفجير. وأشار إلى أن المخبأ كان يُستخدم وكراً لتصنيع العبوات الناسفة، ومقراً لإدارة الخلايا الإرهابية وتوجيه عملياتها.

ولفت إلى أن الجماعة الحوثية كانت تُعدّ هذا القيادي ليكون بديلاً عن القيادي السابق أحمد قطران، الذي أُلقي القبض عليه في وقت سابق، وظهر لاحقاً في تسجيل مصوّر بثه الإعلام الأمني، تضمن اعترافات حول مخططات تخريبية استهدفت محافظة مأرب.

وأكّد المصدر الأمني أن التحقيقات مع القيادي الحوثي المضبوط لا تزال جارية، تمهيداً لإحالته إلى القضاء المختص بعد استكمال الإجراءات القانونية، مشيراً إلى أن هذا الإنجاز يضاف إلى سلسلة من النجاحات الأمنية التي حققتها أجهزة الأمن في مأرب خلال الفترة الماضية، ويعكس مستوى الجاهزية واليقظة في مواجهة التهديدات الحوثية.