الحلقة (3): شيراك عرض على الأسد نزع سلاح «حزب الله» مقابل البقاء في لبنان

في محضر اجتماعه مع عبد الحليم خدام وتنشره «الشرق الأوسط» ضمن رسائل الرئيسين السوري والعراقي

الرئيسان السوري حافظ الأسد والفرنسي جاك شيراك بباريس في 16 يوليو 1998 (غيتي)
الرئيسان السوري حافظ الأسد والفرنسي جاك شيراك بباريس في 16 يوليو 1998 (غيتي)
TT

الحلقة (3): شيراك عرض على الأسد نزع سلاح «حزب الله» مقابل البقاء في لبنان

الرئيسان السوري حافظ الأسد والفرنسي جاك شيراك بباريس في 16 يوليو 1998 (غيتي)
الرئيسان السوري حافظ الأسد والفرنسي جاك شيراك بباريس في 16 يوليو 1998 (غيتي)

على خلفية التقدم في الرسائل السرية بين الرئيسين صدام حسين وحافظ الأسد في عام 1996، قرر الرئيس السوري إيفاد نائبه عبد الحليم خدام إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك لإطلاعه على قرار فتح الحدود السورية - العراقية المغلقة منذ عام 1982.
هدف الأسد من التنسيق مع شيراك كان تخفيف أي رد فعل أميركي عنيف على محاولة فك «عزلة» صدام. يضاف إلى ذلك، تعزيز «الثقة» مع الرئيس الفرنسي، بعدما نجح الرئيس السوري في الضغط على أميركا، لإدخال فرنسا إلى ترتيبات مراقبة «تفاهم نيسان» الذي أبرم في أبريل (نيسان) 1996 بعد حرب «عناقيد الغضب» الإسرائيلية في لبنان، والتي شنها شيمعون بيريس وأفقدته رئاسة الوزراء لصالح بنيامين نتنياهو، في منتصف 1996.
وبالفعل، التقى شيراك مع خدام في 31 يوليو (تموز) 1996، لشرح مبررات الخطوة السورية. وحسب محضر الاجتماع، الذي تنشره «الشرق الأوسط» اليوم في الحلقة الثالثة، من الرسائل السرية بين صدام والأسد، فإن الرئيس السوري أبلغ، عبر نائبه، نظيره الفرنسي بأن «الوضع في العراق الآن أصبح مقلقاً، وهو قنبلة على وشك الانفجار»، وأن فتح الحدود «من شأنه أن يضع كوابح لأي مغامرات جديدة للنظام العراقي».
شيراك رد، من جهته، بأن معاناة العراقيين يتحمل صدام «مسؤولياتها الجسيمة، لكن ليس من أحد يريد أن يدفع الشعب العراقي، نظراً لوضعه، إلى حركة يمكن أن تفجّر المنطقة بأسرها»، مستدركاً: «المشكلة أنه يصعب اليوم أن نؤثر على أبي عدي (صدام) لأن الناس لا يجرأون على التحدث معه، وهذا ما يفسر أننا نتحدث مع (نائب رئيس الوزراء) طارق عزيز، ويحصل اتفاق، وفجأة يحدث شيء آخر، لأن صدام مفطور على هذا النحو وليس هناك من يجرؤ على التحدث إليه».
شيراك، الذي أراد أن يبقى مضمون اللقاء سرياً، فاجأ خدام بفتح ملف آخر قريب إلى أولويات الأسد، ويخص الوجود العسكري السوري في لبنان، واحتمال بدء مفاوضات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نتنياهو. لكن المفاجأة الأكبر أنه قدم عرضاً لافتاً: «إذا تم انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، فهذا يفترض أن جيش لبنان سيتولى ضمان كامل الحدود. إن فرنسا قالت إنها مستعدة لوضع مراقبين، لكن هذا يعني من جهة ثانية نزع سلاح «حزب الله»، وهذا بالطبع أمر يرتبط بسوريا ويهمها، وسوريا، كما هو طبيعي، لا يمكن أن تقبل بذلك دون مقابل. والتساؤل هو: ما هو المقابل؟ مثلاً الانسحاب من الجولان، وأن تضمن وجودها العسكري في لبنان لبعض الوقت بعد العملية»، حسب محضر اجتماع خدام وشيراك الذي كان نائب الرئيس السوري حمله مع أوراقه ووثائقه، إلى باريس في 2005.
في السابع من يوليو (تموز) 1996، اقترح خدام على الأسد أن يوفد ممثلاً لفرنسا، حاملاً رسالة للرئيس شيراك لشرح مواقف دمشق. وافق الأسد واستقبل شيراك خدام في 31 يوليو. وهنا نص المحضر: «أود أن أبلغ الرئيس شيراك أطيب تحيات الرئيس الأسد، مع تقديره العالي للأجواء الجيدة التي تسود علاقاتنا، وهو يؤكد أن سوريا مستمرة في العمل لتعزيز العلاقات وعلى تحقيق الشراكة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين، وهو مرتاح جداً للرسالة التي حملها (هيرفيه) دوشاريت (وزير الخارجية)، ولا شك أن العلاقات في عهد شيراك تشكل مرحلة جديدة، ولا سيما سياسة فرنسا الدولية والشرق أوسطية.
الموضوع الذي كلفني السيد الرئيس بنقله يتعلق بالعراق. يعرف الرئيس شيراك أن بيننا وبين العراق خصومات قديمة، منذ الستينات، وتحمّلنا أذى كثيراً من العراق، وكنا في الحقيقة نعترض على السياسة غير الحكيمة، سواء في الحرب ضد إيران (1980 - 1988) ثم في اجتياح الكويت (1990). في الواقع، الوضع في العراق الآن أصبح مقلقاً، وهو قنبلة تهدد بالانفجار في المنطقة بسبب الحصار والحظر المفروض على العراق. لذلك اتخذت سوريا توجهاً بفتح الحدود مع العراق. طبعاً الحدود بيننا مقطوعة منذ عام 1982. وبالطبع مسألة فتح الحدود ستكون في إطار قرارات مجلس الأمن. تعلمون أن الحدود الدولية بين العراق والأردن مفتوحة، والحدود مع تركيا مفتوحة، ومع إيران مفتوحة.
أسباب هذا التوجّه الجديد، هي:
أولاً المعاناة الكبيرة التي يعيشها الشعب العراقي.
الأمر الثاني، هناك عمل مستمر من قبل جهات خارجة لإحداث قتال، حرب أهلية في العراق، وبين بعض شرائح الشعب العراقي. ومثل هذه الحرب، إذا حدثت، فسوف تفجّر المنطقة كلها.
ثالثاً، نعتقد أن مناخاً جديداً واقعاً للعلاقات بين البلدين يشكل كابحاً للحكومة العراقية للقيام بأي عمل يخل بالأمن والاستقرار في المنطقة. لا شك أنه في عام 1991. لو كان هناك علاقات طبيعية بين سوريا والعراق، لكان من الصعب وقوع هذه الحرب الثانية في الخليج. خطوتنا تكبح مغامرات صدام.
طبعاً، انطلاقاً من مصالح فرنسا في المنطقة، ودور فرنسا في المنطقة، نود أن نطلع الرئيس شيراك على هذا التوجه الجديد قبل إعلانه.
رد الرئيس شيراك: «لست بحاجة لأن أقول إن هذا بالنسبة لي نبأ سار. إنني أجري التحليل نفسه حول مخاطر هذا الحظر. إن فرنسا عملت كثيراً في الأمم المتحدة لتخطو خطوة إلى الأمام بالقرار 986. وقد عملنا بعد ذلك بالتنسيق مع طارق عزيز. لقد استقبلناه مرتين أو ثلاث مرات. وزير الخارجية بالطبع هو الذي استقبله. إن تحليلنا للوضع هو واحد تماماً. طبعاً، يمكن أن يحكم المرء كما يشاء على المسؤوليات الجسيمة التي هي مسؤوليات صدام فيما حصل، لكن ليس من أحد يريد أن يدفع الشعب العراقي، نظراً لوضعه، إلى حركة يمكن أن تفجّر المنطقة بأسرها. إن عودة العلاقات إلى وضع طبيعي بين سوريا والعراق هو نبأ سار للغاية. لدي عدة أفكار تردني بهذه المناسبة. نقطتي الأولى إذن هي أني أرحب بهذا القرار ترحيباً كبيراً، لأن ذلك بالنسبة للاستقرار في المنطقة أمر هام جداً. يمكن بالطبع ألا تقدر أميركا ولا إسرائيل هذا الأمر كثيراً، ولكن فرنسا توافق عليه تماماً. ثم إنني أطلب نقل الرسالة التالية إلى الرئيس الأسد، وهي أن هذا الجزء من محادثاتنا سيظل سرياً بيننا حتى الوقت الذي تقوم فيه سوريا بإعلان اتجاهها هذا، وأظن أن الوزير دوشاريت لديه ما يقوله بهذا الشأن».
وهنا قال دوشاريت: «هناك مسألتان. النقطة المهمة الأولى هي التي افتتح بها خدام حديثه حول عودة العلاقات وفتح الحدود في إطار احترام قرارات مجلس الأمن الدولي، والنقطة الثانية أن سوريا تلعب دوراً خاصاً وهاماً لتقنع العراق بأن يكون ملتزماً بالقرارات الدولية. لقد استمعنا تماماً للعراق، آملين بأنه سيتم التوصل إلى اتفاق بشأن تلك القرارات، غير أنه خاب أملنا للتصرف الأخرق الذي صدر عن العراق».
عقب شيراك: «المشكلة أنه يصعب اليوم أن نؤثر على (أبي عدي)، لأن الناس لا يجرأون على التحدث معه، وهذا ما يفسر أننا نتحدث مع طارق عزيز، ويحصل اتفاق، وفجأة يحدث شيء آخر، لأن صدام مفطور على هذا النحو، وليس هنالك من يجرؤ على التحدث إليه».
أجبت: «طبعاً نحن سنتحدث بصراحة مع العراقيين، وذلك لمصلحة العراق أولاً... وصدام حسين سيفهم هذه الرسالة السورية، لأنه إن لم يفهم هذه الرسالة فلا يستطيع أحد أن يساعد العراق».
عقب شيراك: «نريد أن نشارك في عملية السلام، وليس من عملية سلام ممكنه دون سوريا. أرجو أن تكونوا على ثقة بأن فرنسا لن تتخذ أي موقف، ولا سيما فيما يتعلق بعملية السلام، يمكن أن يزعج سوريا. وقبل أن تفعل، قبل أن تقرر أي شيء، سنقوم بالاتصالات اللازمة معكم. والرئيس الأسد ينبغي أن يكون على اقتناع بأن سياساتنا متوافقة وستكون كذلك، وإن وقع أي اختلاف فسوف نتصل بكم قبل أن نقرر أي شيء. إنني أقول ذلك لأنه قد جرى اتصال طويل بيني وبين نتنياهو، بناءً على طلب منه، وقال إنه سيتصل أيضاً هذا الأسبوع. لقد وجدته نسبياً أكثر مرونة مما كان عليه منذ 10 أو 15 يوماً حينما كان في أميركا. و(الرئيس المصري الراحل حسني) مبارك الذي التقاه، اتصل بي أيضاً ليقول إنه وجده أكثر مرونة، ولكنه لم يغير موقفه حول مبدأ الأرض مقابل السلام، لكنه لم يقل شيئاً حول الجولان. ونحن نرى أنه لا بد في هذا المجال من التفاوض حول الجولان. لقد أكد رغبته في العودة إلى عملية السلام مع سوريا ولبنان، ولكن دون أن يقول شيئاً عن أي استعدادات يمكن أن يجيء بها. على أنه أتى بشيء جديد، بعكس بيريز، وهو أنه قال: «نحن نرغب أن تتدخل فرنسا في هذه العملية. وقال إن لديكم علاقات طيبة مع سوريا، ونريد أن نستغل ونفيد من هذا الموقف، في حين كان بيريز يقول إن أميركا تكفي وحدها في هذه العملية، ونحن خارج هذه المنطقة ولا بد من أن نعمل للسلام مع داخل المنطقة».
وتابع شيراك: «لقد كان ثمة أمر فوجئت به وهو أنه تكلم عن مصلحة إسرائيل»، متسائلاً: «أي مصلحة لإسرائيل في وجود عسكري لها في جنوب لبنان؟ بالطبع، يمكن أن أكون أنا إلى جانب اتجاه كهذا، ولكن هذا الأمر قد يطرح مشكلة كبيرة على سوريا، وأنا لا أريد أن أتسبب بأي مشكلة لها، كما لا أود أن أقع في فخ. لا أريد أن تتخذ فرنسا أي موقف لا توافق عليه سوريا، وهذا بالطبع فخ. لذلك قلت له بوضوح، في هذه العملية: لا يمكن فصل الجولان عن جنوب لبنان، لأن الجولان وجنوب لبنان هما عنصر مترابط في هذه المفاوضات، ولا بد لذلك من فتح المفاوضات مع سوريا ولبنان. قال: سأفكر في هذا الأمر، ثم نعيد الحديث فيه. إن كنت أقول ذلك، فلأنني بشكل غريزي كنت أقول: لو كنت محل نتنياهو لسحبت قواتي دون شرط من جنوب لبنان، وأزعجت الجميع، وخلقت مشكلة للجميع. ولست بحاجة لأن أقول لكم إنني لا يمكن أن أنصحه بالإقدام على مثل هذا العمل، إنما أرى أن سوريا لا يمكن أن تستبعد مثل هذه الفرضية، ويجب بالنتيجة أن تعد نفسها لذلك. فإن تم انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، فهذا يفترض أن جيش لبنان سيتولى ضمان كامل الحدود. إن فرنسا قالت إنها مستعدة لوضع مراقبين، ولكن هذا يعني من جهة ثانية نزع سلاح «حزب الله»، وهذا بالطبع أمر يرتبط بسوريا ويهمها. وسوريا، كما هو طبيعي، لا يمكن أن تقبل بذلك دون مقابل. والتساؤل هو: ما هو المقابل؟ مثلاً، الانسحاب من الجولان، وأن تضمن وجودها العسكري في لبنان لبعض الوقت بعد العملية؟ وإذا كنت أقول ذلك فلسببين:
1 - إن فرنسا لن تتحرك في هذا النطاق ضد سوريا، ولا تتحرك إلا بعد التشاور معها. نحن حريصون على لبنان واستقلاله، وكذلك على الروابط المميزة بين لبنان وسوريا، ولن نعمل شيئاً ضد سوريا وضد مصالح سوريا.
2 - ذاك كان السبب الأول، والثاني أن تلك فرضية لا يمكن استبعادها. إن الإسرائيليين يحاولون الاتصال دوماً بمن يمكن أن يساعدهم، ولكنهم في النهاية يتخذون قراراتهم وحدهم ولا يهمهم ما يفكر به الآخرون وما يرونه، بمن في ذلك الأميركيون، وكذلك الفرنسيون. هم يقولون إن الفرنسيين علاقاتهم جيدة مع البلدان العربية، ولذلك يمكنهم أن يؤدوا خدمة. طبعاً، نحن لن نملي عليهم طريقة تصرفهم، ولكن ما يجب أن نقوله إن الانسحاب غير مستبعد.
شكرت الرئيس شيراك على هذه المعلومات التي تحدث عنها، وعلى موقف فرنسا من سوريا، وقلت: «نتنياهو يريد تغيير قواعد اللعبة مع الاحتفاظ بالهدف الذي أعلنه أثناء حملته الانتخابية. لقد التقى مبارك، الذي أوفد وزير خارجيته إلى سوريا، فسأله الرئيس الأسد: ما الذي أخذتموه من نتنياهو؟ فأجاب: تغيير في اللهجة. وسأله الرئيس: هل أخذتم مواقف جديدة يصح البناء عليها؟ فقال لا.

جاء (المبعوث الأميركي الأسبق دينس) روس وطرح معاودة المفاوضات، فقال له الرئيس الأسد: على أي أساس نعاود هذه المفاوضات؟ فقال روس: دون شروط مسبقة، فقال الرئيس: ولكن هنالك مبادئ ومرجعيات للعملية السلمية. نحن مستعدون للمعاودة، ولكن انطلاقاً من النقطة التي وصلنا إليها. لدينا التزام اتخذه الجانب الإسرائيلي، وقد بلغ إلينا عن طريق (وزير الخارجية الأميركي الأسبق وارن) كريستوفر، وهو الانسحاب حتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967. وهنالك أيضاً ترتيبات أمنية حصل اتفاق حولها. من هنا، من هذه النقطة ننطلق. فأجاب روس: لا، مستحيل. قال الرئيس الأسد: إذن، على أي أسس نعمل؟ إن أي أسس ثانية إنما تعني القبول ببرنامج نتنياهو. ثم، كيف نعود إلى المفاوضات وهم لا يعترفون بالقرارات الدولية؟ فقال روس: بل هم يقبلون، ولكنْ لديهم تفسير خاص لهذه القرارات. هم لا يرفضون الانسحاب، وفي الوقت نفسه لا يقبلون بالانسحاب. استنتاجنا أنه إذا لم يعطِ نتنياهو شيئاً لكلينتون فكيف يعطي لمبارك؟ وجاء (الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر) عرفات بدوره وهو حزين جداً يصرخ ويولول لأنهم لا يعطونه شيئاً. في رأينا أن نتنياهو يناور. ففي لبنان لا يريد الانسحاب وفقاً للقرار 425. الانسحاب حسب القرار 425 ليس مشكلة بالنسبة لنا. فالدولة هناك ستنهض بمهامها وتتحمل مسؤولياتها. ولكن هو يريد أن يضرب عصفورين بحجر واحد. إنه يريد تخريب العلاقات داخل لبنان وبين الفئات اللبنانية، كما يريد خلق شقاق بين سوريا ولبنان. ولكن الجميع في لبنان يدركون هذه اللعبة. ثم إذا كان نتنياهو يؤمن بمبدأ الانسحاب، فلماذا يرفض ذلك بالنسبة لسوريا والأراضي الفلسطينية؟ هو قد نُصِح من جانب الأميركيين بتغيير لهجته. بدأ يغيّر الألفاظ والكلمات ليمتص القلق الذي تحدثه مواقفه، ولكنه يبقى في تلك المواقف. لقد بدأوا الآن بشق طرق جديدة في الضفة الغربية، كما عاودوا النشاط الاستيطاني. فكيف يريد السلام وهو يتابع مثل هذه السياسة؟».
وهنا قال الرئيس شيراك: «هنالك عنصر لا بد من أخذه في الحسبان. لقد قابلت نتنياهو قبل أن يجيء إلى الحكم. لقد جاء من قبل مرتين إلى دار العمدة في باريس، والفكرة التي أخذتها عنه آنذاك أنه ذكي وشاب وطموح، ولكنه ليس رجل قناعات. المشكلة أنه محاط بشكل سيء. فهناك عسكريون يريدون الانتقام ويسعون إليه، ومتدينون من الجانب الآخر، ولكنه شاب وطموح ويود البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة. إنه يريد البقاء فترة طويلة. وبما أنه ذكي، فهو يعلم أنه لا يمكن أن يظل في المستقبل إلا إذا سعى إلى السلام، لأن رجل الحرب هو رجل الماضي، أما رجل السلام فهو رجل المستقبل. كانت هناك حملة انتخابية، وهي تؤكد التزامات، كما أن ثمة قوى تُلزمه ببعض الأمور، ولكن من الممكن أن يتطور. ما هو مؤكد أنه بحاجة للتحرك. وبالنسبة لمواقفه، يمكن أن يتحرك في الجولان، ولكن ليس في الحال، بل بعد وقت. هذا هو انطباعي الخاص. المكان الوحيد الذي يمكنه أن يتحرك فيه هو لبنان. فلبنان يكلفه الكثير دون أن يعطيه شيئاً. وأنا أخشى أن يتخذ ذات يوم مبادرة تزعج سوريا وتزعج لبنان وتزعج الجميع. ولذلك أقول إنه لا بد أن يظل هذا الاحتمال وارداً لكي لا نُفاجأ به».
علقتُ على حديث الرئيس: «ما يلفت النظر أنه لم يطرح هذا الأمر مع الأميركيين، و(دينس) روس لم يتحدث عن ذلك مطلقاً. إن وصف الرئيس شيراك لنتنياهو وصف دقيق، لكن هذا الأخير لا يستطيع اتخاذ قرار. فالقرار تتخذه المؤسسة العسكرية. وحتى إذا أراد اتخاذ قرار فأمامه عقبتان: الليكود والمتديّنون. لقد روى عرفات عن حادثتين تعرّض فيهما بيريز للضرب تقريباً من جانب أحد الجنرالات. إسرائيل مؤسسة عسكرية ودينية. هو يريد أن يناور وأن يقول إنه يسعى إلى السلم، ويبحث، ولكنه يعلم أنه إن أراد السلم فلا سلم من دون سوريا، وباب هذا السلم هو الجولان. هو يعرف ذلك، ولكنه يريد تغيير قواعد اللعبة. يريد أن يقول للعالم: «انظروا كم أنا مظلوم، مع أنني أسعى للسلم».
أجاب الرئيس شيراك: «لكن كثيرين من جنرالات إسرائيل يقولون إنهم يخسرون الكثير في لبنان، وإنه لا حاجة لبقائهم فيه. لدينا هنا جنرال صديق لجنرال إسرائيلي لأنهما درسا سويّاً، وقد قال له: لماذا نبقى؟ إننا نخسر براً ونخسر الكثير، وكل ذلك من أجل لا شيء. إن أول شيء قلته لنتنياهو: الجولان، هذا هو المهم في كل هذه العملية، ولا شيء من دونه. ولكني أقول مع ذلك إن الافتراض ممكن دائماً ولا بد من اليقظة».
عقّبتُ: «لنفترض أننا أفقنا ذات صباح ورأينا أن إسرائيل انسحبت من الجنوب. صدّقني لن يبكي أحد من جراء ذلك. ولكن يجب ألا يتم ذلك في إطار مفاوضات أو في سلام منفصل».
رد الرئيس شيراك: «هذا يعرفونه تماماً، لكن المشكلة أن تستفيقوا صباحاً وتروا أن الإسرائيليين قد ذهبوا».
قلت: «حينذاك نشرب نخبهم».
فتساءل الرئيس شيراك: «ولكن ما الذي يجري بعد هذا النخب؟».
أجبته: «لا شيء. فهنالك دولة قائمة، ولكن السؤال الآن: هل تتوقف المقاومة في لبنان؟ لا أحد يضمن ذلك».
فتساءل الرئيس شيراك ثانية: «لكن، هل يُنزع سلاح (حزب الله)؟ الجيش يمكنه أن يفعل ذلك من الناحية التكتيكية، أما سياسياً فهو لا يستطيع. من يستطيع ذلك هي سوريا. وماذا تطلب سوريا مقابل نزع السلاح هذا؟».
أجبته: «إسرائيل تنسحب ذاتياً، إذن سوف تترك فراغاً. وهناك في الجنوب، إلى جانب «حزب الله» والفصائل الفلسطينية، فئات أخرى. إن وسائل الإعلام تضخّم كثيراً أمر «حزب الله». وعلى كلٍّ فهذا الأمر يناقش داخلياً وضمن إطار مصالح لبنان وليس مصلحة إسرائيل. إسرائيل تريد خلق مشكلة في لبنان، ولكن جميع اللبنانيين مدركون لهذه اللعبة. إن مناقشة مسألة السلاح ونزع السلاح بشكل مسبق هو شرط مسبق إسرائيلي، ونتنياهو لا يريد شروطاً مسبقة».
قال شيراك: «أكرر، ربما كانت هذه فرضية لا أساس لها، أن تنسحب إسرائيل دون شروط. وكما تقول، يأخذ الجيش اللبناني مراكزه على طول الحدود، وهذا يطرح مشكلة هي وجود القوات السورية في لبنان. الأمير عبد الله والملك فهد يقولان: ماذا يحصل للجيش السوري لدى الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب؟ فأجيب: كل شيء يتم بالمناقشة بين المعنيين. ولكن، إن لم يُنزع سلاح (حزب الله) فستستمر المناوشات، وإسرائيل تستهدف حينذاك كل لبنان، وهذا ما يبحث عنه الجنرالات. لا أعتقد أن هناك جنرالات إسرائيليين كثيرين يريدون البقاء. ولكن ثمة من يريد دخول كل لبنان ومواجهة الجيش السوري، وهذا سيء للجميع. إذن، إذا حصل الانسحاب ولم يُنزع سلاح (حزب الله)، فهذا سيؤدي إلى استفزازات وأمور أخرى. أما إذا نُزع سلاحه فإن سوريا تفقد (شيئاً) حينئذٍ، ولا بد من شيء مقابل ذلك، وهو ضمان وجود سوري في لبنان. ربما كانت هذه أحلاماً. ما أريده هو أن يكون لدينا اتصال قوي وحميم».
قلت: «كما قال الرئيس شيراك، وكما قلت، وكما كلفني الرئيس الأسد أن أقول، نريد رفع سوية الاتصالات بيننا. نريد وجوداً لفرنسا في المنطقة، لأن هذه نافذة تعطينا بعض الأمل في الظرف الدولي الراهن. هذا التوجُّه يتطلب الاتصال والتنسيق والمناقشة. طبعاً، إذا حصل ما تقوله، فإننا بالتأكيد سنناقش الأمور فيما بيننا. إننا نريد السلام العادل والشامل، ونريد أن تكون فرنسا في قلب هذا السلم. إذا وقع أي أمر كذلك فمن الطبيعي أن نتصل فيما بيننا ونتناقش موضوعياً في الأمر. والمهم أن نبقى حذرين من مناورات نتنياهو. إنه ذكي وطموح، ولكنه عقائدي أيضاً. قد يحاول تطوير نفسه ولكن دون أن يترك معتقداته. إذا اتخذ طريقاً جديداً فسيجد إيجابية من جانبنا. فمن قال إن هناك غراماً بيننا وبين بيريس؟ لكنه أمكن التناقش معه ومع رابين من قبل، وقد وصلنا إلى نقاط اتفاق، ولو لم يقتل رابين لكنا قطعنا الكثير، لأنه كان أقدر من بيريس على اتخاذ القرار. الضغط على نتنياهو هو العنصر الذي يدفعه إلى التغيير».
قال شيراك: «نقطة أخيرة، تدخّلت مرة أو مرتين مع الرئيس الأسد من أجل تحرير الطيّار (الإسرائيلي) رون آراد. لقد بذل بيريس كل المساعي ولم ينجح. أنا شخصياً أؤيد هذه المسألة. ولكن، على أن لا يتم ذلك فوراً. لذلك يجب أن تكون هذه التفاتة تكرس المسيرة السلمية. تحريره قبل نهاية سبتمبر (أيلول) ستخدم السلام كثيراً».
أجبته: «لا أعلم إن كان لا يزال حياً. (الرئيس الأميركي الأسبق بيل) كلينتون طرح هذا الموضوع مع الأسد، وتابعت شخصياً الموضوع مع (حزب الله) ومع أجهزتنا الأمنية. كان في البداية سجيناً لدى حركة أمل، وحصل انشقاق في الحركة، والذي جرى أن قائد الانشقاق أخذه إلى منطقة، ثم وقعت غارة إسرائيلية على تلك المنطقة واختفى آراد. يمكن متابعة الأمر، وإن توصلنا إلى أمر فسنعمل على أن يتم الإطلاق عبر فرنسا».
رد شيراك قائلاً: «إنني أشير إلى مصلحة سوريا ومصلحة السلام لا أن نتدخل نحن في الموضوع. لقد قلت لبيريس أنني سأهتم بالموضوع، ولم أقل لنتنياهو. إن وجدتموه فإن هذه الورقة هامة لنتنياهو، ويمكن أن تكون جزءاً من عملية كاملة. إذا وُجد فإطلاقه قبل نهاية سبتمبر يولّد أثراً عكسياً على العملية. إنني أتحدث هنا بملء الحرية، لكن إن قيل لي هل قلت أنت ذلك؟ فسوف أنكر».

الحلقة (1): حافظ الأسد تلقى بحذر أول رسالة من صدام حسين... واختبره قبل الرد

تحالفات ومؤامرات خيّمت على «رسائل الغزل» بين الأسد وصدام
الحلقة (2): صدام عرض على الأسد «قمة سرية» في 1996... ومواجهة «عدوان إسرائيل» على لبنان
الحلقة (4): الأسد فتح الحدود مع العراق ونصح صدام بـ«إسقاط الذرائع» لتجنب ضربة أميركية
الحلقة الخامسة والأخيرة: كلينتون حاول «تحييد» الأسد إزاء قصف العراق باستئناف المفاوضات مع إسرائيل

 



انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
TT

انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)

أكدت مصر رفض «تهجير الفلسطينيين» من خلال معبر رفح، وذلك بعد ساعات من موقف مماثل عبَّرت عنه دول عربية وإسلامية رفضت «التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر». وبينما تناولت مشاورات بـ«منتدى الدوحة»، السبت، «ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ودخول المرحلة الثانية من الاتفاق». توافقت قطر ومصر على سرعة تشكيل «قوة الاستقرار الدولية».

وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي خلال «منتدى الدوحة»، السبت، إن «معبر رفح لن يكون بوابةً لتهجير الفلسطينيين، بل فقط لإغراق غزة بالمساعدات الإنسانية والطبية».

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ سريانه في الشهر ذاته، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إنه على «حماس» الالتزام بإعادة الرهائن جميعاً، الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعربت المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر، مساء الجمعة، عن بالغ القلق إزاء التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر.

وشدَّد وزراء خارجية الدول الـ8، في بيان، على «الرفض التام لأي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه».

وأكدوا «ضرورة الالتزام الكامل بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وما تضمَّنته من فتح معبر رفح في الاتجاهين، وضمان حرية حركة السكان، وعدم إجبار أي من أبناء القطاع على المغادرة، بل تهيئة الظروف المناسبة لهم للبقاء على أرضهم، والمشاركة في بناء وطنهم، ضمن رؤية متكاملة لاستعادة الاستقرار وتحسين أوضاعهم الإنسانية».

وشكَّل معبر رفح بُعداً جديداً للتوتر بين مصر وإسرائيل، بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء الماضي، «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيُفتَح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت «هيئة الاستعلامات المصرية» عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين، للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي للسلام».

وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، أخيراً، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير، المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسراً أو طوعاً فهو خط أحمر بالنسبة لمصر».

بدر عبد العاطي خلال جلسة «إعادة تقييم المسؤوليات العالمية ومسارات السلام في غزة» على هامش «منتدى الدوحة» (الخارجية المصرية)

وشارك وزير الخارجية المصري، السبت، في جلسة بعنوان «محاسبة غزة... إعادة تقييم المسؤوليات العالمية والمسارات نحو السلام»، على هامش «منتدى الدوحة»، مشيراً إلى أن «معبر رفح يعمل بشكل متواصل من الجانب المصري، والمشكلة تكمن على الجانب الإسرائيلي الذي يغلق المعبر من جانبه، فضلاً عن تحكمه في 5 معابر أخرى تربطه بقطاع غزة، يتحمل مسؤولية فتحها».

ولفت إلى أن خطة الرئيس الأميركي تنص «على إعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين، وليس استخدامه في اتجاه واحد، أو استخدامه بوابةً لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، أو ربطه بأي ترتيبات تمس الوجود الفلسطيني في القطاع»، مؤكداً أن «تثبيت وقف إطلاق النار يمثل أولوية قصوى، بوصفه المدخل الضروري للانتقال المنظم إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام».

وفيما يتعلق بـ«قوة الاستقرار الدولية»، دعا عبد العاطي إلى نشر «قوة استقرار دولية على الخط الأصفر في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن على الأرض، لأن أحد الأطراف، وهو إسرائيل، ينتهك وقف إطلاق النار يومياً، لذا فنحن بحاجة إلى مراقبين».

وبحسب مشروع قرار اقترحته الولايات المتحدة في مجلس الأمن، ستُمنح قوة الاستقرار الدولية «جميع التدابير اللازمة» لنزع سلاح غزة، وتأمين الحدود، ودعم شرطة فلسطينية مدربة، وضمان وصول المساعدات، وحماية المدنيين.

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليونَي فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً.

طفل يقف بموقع قُتل فيه فلسطينيون بغارة إسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش «منتدى الدوحة»، التقى عبد العاطي، رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، السبت، وتطرقت المحادثات بينهما إلى «تطورات الأوضاع الميدانية في قطاع غزة»، حيث أكدا «أهمية مواصلة الجهود الرامية لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام بمراحله كافة، وتثبيت وقف إطلاق النار، ومنع أي خروقات». وشدَّدا على أهمية «التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، ودعم خطوات التعافي المبكر وإعادة الإعمار».

إلى ذلك دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «مرحلة حرجة» بحسب تأكيد الوسيط القطري، وسط خروقات إسرائيلية متكررة والتفاف على بنود خطة الرئيس الأميركي.

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

وتحدَّث رئيس الوزراء القطري، السبت، خلال جلسة نقاش ضمن فعاليات «منتدى الدوحة» في قطر، عن أن المفاوضات بشأن حرب غزة تمر بـ«مرحلة حرجة»، مؤكداً أن «الوسطاء يعملون معاً لدخول المرحلة التالية من وقف إطلاق النار». كما أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال «المنتدى» أيضاً، السبت، أن المفاوضات بشأن قوة إرساء الاستقرار في غزة لا تزال جارية، بما في ذلك بحث تفويضها وقواعد الاشتباك.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد حجازي، قال: «هناك إدراك من الجميع بأن هناك خطراً يتهدد خطة ترمب في ظل تلكؤ إسرائيلي في تنفيذ المرحلة الثانية مما يجعل هناك ضرورة للتنبيه واستدعاء تحرك دولي عاجل لدعم مسار الاتفاق»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أهمية أن تتحرك واشنطن لدعم وجهة النظر العربية حالياً، ووقف أي مناورات إسرائيلية دعماً لاستقرار المنطقة.

في حين أكد أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، لـ«الشرق الأوسط» أن هناك استشعاراً عربياً، لا سيما من الوسيطَين مصر وقطر، بخطورة ما يتم في غزة، وإمكانية أن يتطور الأمر لما يهدد الاتفاق واستقرار المنطقة، مشيراً إلى أن المطلوب تحرك أميركي أكبر بمواعيد محددة وليس أقوالاً فقط.

وأوضح أن المرحلة الحرجة تأتي في ظل 3 سياقات مهمة مرتبطة بالاتفاق، أولها بدء ترتيبات تشكيل مجلس السلام، وثانيها الضغط على الإدارة الأميركية للتعجيل بالمرحلة الثانية، وثالثاً وقف أي تقدم إسرائيلي للالتفاف على خطة ترمب بخطط بديلة.

في حين يتوقَّع المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن يتحرك الوسطاء نحو تفاهمات أكبر مع واشنطن، لإنهاء منغصات المرحلة الثانية المرتبطة بتشكيل القوات الدولية وصلاحياتها ونزع سلاح «حماس»، وفق رؤية تُنفَّذ على الأرض وليس كما ترغب إسرائيل. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «توصيف الوسطاء المرحلة الحالية بأنها حرجة، يأتي في ظل استشعارٍ بأن إسرائيل تريد العودة للمربع الأول بعد تسلم رهائنها، وعدم الالتزام بالاتفاق ولا بنوده؛ مما يقوِّض مسار خطة ترمب بالكلية».


عبد العاطي في قطر... دفع لـ«الشراكة» وتنسيق بشأن مستجدات المنطقة

وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره القطري في الدوحة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره القطري في الدوحة (الخارجية المصرية)
TT

عبد العاطي في قطر... دفع لـ«الشراكة» وتنسيق بشأن مستجدات المنطقة

وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره القطري في الدوحة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره القطري في الدوحة (الخارجية المصرية)

على هامش مشاركته في «منتدى الدوحة»، ناقش وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مسؤولين قطريين، سبل دفع «الشراكة» بين مصر وقطر، إلى جانب تنسيق المواقف بشأن المستجدات في المنطقة.

ويشارك عبد العاطي، في فعاليات النسخة رقم 23 من «منتدى الدوحة»، التي انطلقت، السبت، في العاصمة القطرية، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وبمشاركة رؤساء دول وخبراء ودبلوماسيين من مختلف أنحاء العالم.

ويعقد وزير الخارجية المصري سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من نظرائه ومسؤولين مشاركين، لبحث تعزيز التعاون الثنائي، وتنسيق المواقف إزاء تطورات المنطقة، لا سيما ما يتعلق بجهود تثبيت الاستقرار، ودعم مسارات السلام والتنمية، حسب «الخارجية المصرية».

وأشاد عبد العاطي بالزخم الذي تشهده العلاقات المصرية - القطرية على مختلف الأصعدة، وثمَّن خلال لقائه رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، «التعاون بين بلاده والدوحة في المجالات المختلفة، بما يحقق مصالح الشعبين».

ووقَّعت مصر وقطر، في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عقد شراكة استثمارية لتنمية منطقة «سملا وعلم الروم» بالساحل الشمالي الغربي بمحافظة مطروح (شمال غربي مصر)، بقيمة تبلغ نحو 29.7 مليار دولار أميركي. (الدولار يساوي 47.50 جنيه تقريباً بالبنوك المصرية).

وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، وقتها، إن توقيع عقد الشراكة الاستثمارية مع الجانب القطري، «يشكل تتويجاً للعلاقات الثنائية بين البلدين، ويعكس عمق الروابط التاريخية بينهما».

وعلى صعيد تنسيق المواقف بشأن الأوضاع في المنطقة، شدد وزيرا خارجية مصر وقطر على أهمية «مواصلة جهود تنفيذ اتفاق (شرم الشيخ) للسلام بكافة مراحله، وتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ومنع أي خروقات»، إلى جانب «التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق».

وسبق محادثات وزير الخارجية المصري ونظيره القطري، لقاؤه بمسؤولين قطريين، ضم وزير المالية، أحمد الكواري، ووزير التجارة والصناعة، الشيخ فيصل آل ثاني، ووزير المواصلات، الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد آل ثاني، لبحث «تعزيز التعاون المتنامي بين القاهرة والدوحة في المجالات الاقتصادية والتجارية والخدمية»، حسب «الخارجية المصرية».

وشدد عبد العاطي على «حرص بلاده على دفع الشراكة مع الدوحة، بما يحقق المصالح المشتركة، ويفتح آفاقاً أوسع للتعاون»، مؤكداً أهمية «تعزيز التواصل المؤسسي بين الوزارات والهيئات المختصة، بما يسهم في الارتقاء بجهود التنمية والاقتصادية في الدولتين».

وزير الخارجية المصري خلال لقائه وزراء المالية والتجارة والصناعة والمواصلات القطريين في الدوحة (الخارجية المصرية)

وباعتقاد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير يوسف الشرقاوي، أن زيارة عبد العاطي للدوحة ولقاءاته مع مسؤولين قطريين «تعكس النمو المتزايد لمستوى العلاقات السياسية بين البلدين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حرصاً بين القاهرة والدوحة، على رفع مستوى التعاون، خصوصاً في المجالات التجارية والاستثمارية، ليرتقي إلى مستوى التنسيق السياسي القوي في هذه المرحلة».

ويتصدر الجانب الاقتصادي مسارات التعاون الثنائي بين مصر وقطر، وفق الشرقاوي، الذي أشار إلى أهمية «استفادة الدوحة من مناخ الاستثمار المشجع في مصر الفترة الحالية»، وقال إن هذا القطاع يمكن أن يشكل «قاطرة لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين».

وخلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للدوحة في أبريل (نيسان) الماضي، أعلنت قطر عن «دعم الشراكة الاقتصادية مع مصر، من خلال الإعلان عن حزمة من الاستثمارات المباشرة، بقيمة 7.5 مليار دولار».

وإلى جانب تعزيز «الشراكة المصرية - القطرية،» شدد الشرقاوي على أهمية «التنسيق المستمر بين الجانبين فيما يتعلق بقضايا المنطقة، خصوصاً الوضع في غزة»، وقال إن «القاهرة والدوحة، تعملان لحشد الجهود الدولية، لتثبيت وقف إطلاق النار، وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، للسلام في غزة».

كما ناقش وزير الخارجية المصري، مع رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، بورج برانديه، خلال «منتدى الدوحة»، السبت، «التعاون المشترك، من خلال مبادرات وأفكار مبتكرة لدعم جهود التنمية»، كما بحث مع أمين عام منظمة التعاون الرقمي، ديما اليحيى، «تعزيز التعاون بين الدول النامية في قضايا التكنولوجيا والحوكمة الرقمية».


نساء الأحزاب اليمنية يتمرّدن على القيادات

جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)
جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)
TT

نساء الأحزاب اليمنية يتمرّدن على القيادات

جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)
جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)

تشهد الساحة السياسية اليمنية تحوّلاً لافتاً في الوعي والتنظيم النسوي داخل الأحزاب والمكوّنات السياسية، بعد سنوات طويلة من التهميش والإقصاء؛ إذ أعلنت قيادات نسائية حزبية تبنّي خطة جديدة لتعزيز حضور المرأة في الحياة السياسية، وتمكينها من الوصول إلى مواقع القرار، بما في ذلك الحصول على حقائب وزارية، ورفع تمثيلها داخل الهياكل الحزبية إلى 30 في المائة كمرحلة أولى، ترتفع تدريجياً إلى 50 في المائة.

وجاءت هذه الخطوات عقب ثلاثة أيام من النقاشات الواسعة في لقاء نظّمته هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عدن، وشاركت فيه ممثلات ثمانية من أبرز الأحزاب والكيانات السياسية اليمنية. اللقاء كشف حجم الاحتقان داخل الأطر الحزبية نتيجة استمرار تغييب النساء عن المواقع القيادية، رغم الدور الواسع الذي لعبته اليمنيات خلال الحرب والأزمات المتتالية.

واتفقت المشاركات على وضع خطط داخلية واضحة لتمكين القيادات النسوية من حقائب وزارية وقيادة مؤسسات حكومية، إلى جانب إطلاق برامج تدريب وتأهيل متخصصة لإعداد كوادر نسائية قادرة على المنافسة.

اليمنيات يطمحن لرفع تمثيلهن داخل الهيئات الحزبية إلى 50% (إعلام محلي)

كما أقرت المشاركات اعتماد «كوتا نسائية» لا تقل عن 30 في المائة في التعيينات القيادية داخل الأحزاب، مع مراجعة اللوائح الداخلية التي تمثّل عائقاً أمام وصول النساء إلى مراكز صنع القرار.

وتجاوزت المشاركات التباينات السياسية بين أحزابهن، مؤكدات الحاجة إلى إعداد ميثاق أخلاقي يحمي المرأة داخل العمل الحزبي والسياسي، ويفرض التزامات واضحة على المكوّنات في ما يتعلق بترشيح النساء للمناصب، ودعم صعودهن في هياكل الأحزاب.

تحرير القرار الحزبي

ناقشت المشاركات اليمنيات بعمق الوضع المؤسسي للمرأة داخل أحزابهن، والعوائق البيروقراطية والتنظيمية التي تعوق مشاركتها الفاعلة، إضافة إلى التحديات العامة المرتبطة بالعمل السياسي في ظل الحرب التي أشعلها انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية قبل أحد عشر عاماً.

وأشارت المتحدثات إلى ضعف آليات التواصل والتنسيق بين الكوادر النسوية، وغياب السياسة الحزبية الواضحة لتمكين المرأة، إلى جانب محدودية حضور النساء في دوائر صنع القرار داخل الأحزاب.

دعم أممي لمشاركة المرأة في العملية السياسية وبناء السلام (إعلام محلي)

من جانبها، أكدت دينا زوربا، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في اليمن، خلال اللقاء، أن القيادات النسوية داخل الأحزاب يتحملن دوراً محورياً في دعم وصول النساء إلى مناصب القرار العليا، من خلال تقديم المرشحات للمناصب الحكومية والمشاركة النشطة في العملية السياسية وبناء السلام.

وحثّت زوربا المشاركات على مواجهة التحديات الهيكلية في مؤسساتهن الحزبية، والعمل على تحسين الوضع المؤسسي للمرأة باعتباره خطوة أساسية لضمان وصولها إلى القرار السياسي.

كما أوضحت أن رفع مشاركة المرأة في الأحزاب ليس مطلباً حقوقياً فحسب، بل ضرورة لحماية العملية السياسية نفسها، مؤكدة أن أي عملية بناء سلام لا تشمل النساء تظل ناقصة وغير قابلة للاستمرار.

ووفقاً للمنظمين، فقد هدفت الجلسات النقاشية إلى خلق منصة حوار سياسية تجمع النساء القياديات، وتتيح لهن فرصة صياغة حلول عملية قابلة للتطبيق على المدى القريب. وشملت الجلسات عروضاً تحليلية حول موقع المرأة داخل الهياكل الحزبية، ونقاشات جماعية لتحديد مقاربات فعّالة لتعزيز دور النساء في صياغة مستقبل البلاد.

موقف رئاسي داعم

قدّمت القيادات النسوية عدداً من التوصيات المتعلقة بتحسين الدور المؤسسي للنساء داخل الأحزاب اليمنية، والارتقاء بكفاءتهن في مواقع اتخاذ القرار، وتعزيز مسؤولية الأحزاب تجاه قضايا النساء داخل المكوّنات السياسية. وأكدت التوصيات ضرورة تفعيل دوائر تمكين المرأة داخل الأحزاب، وتبنّي آليات واضحة تضمن وصول أصوات النساء وأولوياتهن إلى مسارات صنع القرار.

وفي السياق ذاته، تماشياً مع المطالب النسوية، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، إلى ضرورة إشراك المرأة في الحكومة وتمكينها من قيادة حقيبة وزارية، مؤكداً أن تغييب النساء عن مواقع القرار يمثل خللاً قانونياً ومؤسسياً يجب معالجته فوراً.

التزام حكومي يمني بتمثيل المرأة في موقع القرار السياسي (إعلام حكومي)

وشدد العليمي على أن المرأة اليمنية كانت وما تزال شريكاً أساسياً في الصمود والبناء، وأن مطالبتها بحقها في التمثيل السياسي ليست مِنّة من أحد، بل حق أصيل يجب الاعتراف به. وقال: «ليس من العدل أن تتحمل المرأة الأعباء كافة، في حين تغيب عن مواقع صنع القرار تماماً». وأضاف أن بقاء الحكومة بلا حقيبة وزارية نسائية أمر غير مقبول، خاصة في بلد تشكل النساء فيه أكثر من نصف عدد السكان.

ويبدو أن هذه التوجهات، إلى جانب الجهود الأممية، تمهد لمرحلة جديدة من المشاركة النسوية، قد تعيد رسم الخريطة السياسية المستقبلية، خصوصاً إذا التزمت الأحزاب بتنفيذ ما أعلنته من خطط ومراجعات داخلية.