توفير فرص العمل هو التحدي الرئيسي لدول جنوب المتوسط

ناصر كامل: الاندماج ليس هدفاً في ذاته بل وسيلة لتحقيق مزيد من النمو

أمين عام «الاتحاد من أجل المتوسط» السفير ناصر كامل
أمين عام «الاتحاد من أجل المتوسط» السفير ناصر كامل
TT

توفير فرص العمل هو التحدي الرئيسي لدول جنوب المتوسط

أمين عام «الاتحاد من أجل المتوسط» السفير ناصر كامل
أمين عام «الاتحاد من أجل المتوسط» السفير ناصر كامل

التقت «الشرق الأوسط»، بمناسبة الكشف عن تقرير أعدته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لصالح «الاتحاد من أجل المتوسط»، محوره تشخيص حالة التكامل الإقليمي الراهنة في المنطقة الأورومتوسطية، أمين عام «الاتحاد من أجل المتوسط» السفير ناصر كامل، الذي جُدِّد له لولاية ثانية. وتناولتُ معه الملفات الرئيسية التي تهم العالم العربي انطلاقاً مما جاء به التقرير وبالنسبة إلى مستقبل الاتحاد والمشاريع المتداولة حول إعادة النظر بصيغته، ومنها أفكار فرنسية.
وفيما يلي نص الحوار:

> ثمة رأي سائد يرى أن العائق الأساسي لتحقيق التكامل الاقتصادي في مجموعة ما من الدول هي الحالة السياسية القائمة. والحال أن شرق وجنوب المتوسط، من ليبيا إلى فلسطين ولبنان وسوريا، يعانيان من هذه الحالة التي يضاف إليها ملفان خطيران هما الإرهاب والهجرات. وباختصار، هناك نوع من انعدام الاستقرار والاهتزاز السياسي وكلاهما لا يساعد على إنجاز التكامل الاقتصادي. فكيف يمكن الحديث عن تعزيز الاندماج الذي يشير إليه تقريركم، في ظل هذه الأوضاع؟
- أوافقك الرأي بشأن وجود علاقة ربط قوية بين الاستقرار السياسي بصفة عامة وقدرة أي دولة أو منطقة على تحقيق قدر من النمو الاقتصادي الداخلي من ناحية أو التكامل الاقتصادي من ناحية أخرى. ولكن رغم ذلك ورغم ما يتضمنه التقرير من إشارة إلى وجود قصور -ونحن لا نخفي ذلك، بل إن التقرير يهدف أيضا إلى تحديد مواطن الضعف، فيما يتصل بالتجارب الاقتصادية وللتعاون الأورومتوسطي بصفة عامة- فإنه يشير، مع ذلك ورغم وجود حالة من عدم الاستقرار النسبي في عدد من دول المنطقة وليس كلها، إلى تطور ملموس لا نعده الوضع الأمثل. وهذا يعني أن عدداً من السياسات الرشيدة تم إقرارها بالفعل. وما يعزز ذلك وجود مؤشرات بشأن تنامي التكامل الإقليمي الذي لم يصل بعد إلى الحد الذي نرجوه. ولعل ما يعزز هذا التوجه كذلك، وجود متوسطات الناتج القومي الإجمالي لجنوب البحر الأبيض المتوسط على مدار السنوات العشر المنقضية. متوسط النمو، قبل أن تداهمنا جائحة «كوفيد - 19» كان يدور حول 3% في المنطقة وهذا في حد ذاته مؤشر جيد. كذلك، فإن التطور الطبيعي الذي شهده عدد من اقتصادات منطقتنا فيما يتصل بتعميق وتعزيز القطاع الصناعي وتنويع قدراته وإنتاجيته ومنتجاته بما أدى إلى تعزيز قدرة هذه الدول على النفاذ إلى أسواق أوروبية من جهة وأسواق غير أوروبية من ناحية أخرى. إجابتي عن سؤالك ذات شقين: الأول، إذا تحقق الاستقرار وتم التعامل مع عدد من الأزمات التي يشهدها الإقليم فإن ذلك سيكون له أثر مباشر ومؤثر في تعزيز التكامل الإقليمي والنمو الاقتصادي بصفة عامة. والآخر أنه رغم الوضع الإقليمي الملتبس، لا يزال عدد من دول المنطقة وليس كلها ينتهج سياسات رشيدة أدت إلى حدوث تطور نسبي في المجال الذي نتحدث عنه. وخلاصتي أن الاستقرار السياسي أحد العناصر الرئيسية المؤثرة والتي تساعد على تحقيق التنمية كما على تحقيق التكامل الاقتصادي في منطقتنا.
> التكامل أو الاندماج هو هدف رئيسي لا نقاش في ذلك... لكنه يجب أن يكون متوازناً. والحال أن ما نراه حالياً أنه يتم لصالح شمال وغرب المتوسط وليس في الاتجاه الآخر. فكيف يمكن إعادة التوازن لهذا التكامل؟
- الاندماج هو إحدى الوسائل لتمكين اقتصاديات دول الجنوب من النمو بشكل مستدام ومتوازن، أي إن الاندماج في نظري ليس هدفاً في ذاته بل هو وسيلة لتحقيق مزيد من النمو على صعيد التنمية المستدامة بشقيها البشري والاقتصادي. ولو نظرنا إلى طبيعة العلاقات الاقتصادية الموجودة في المنطقة، فإننا نرى أن معظم انسياب التجارة وانسياب الاستثمارات الأجنبية، غالباً ما يتم من الشمال إلى الجنوب. وهذا الوضع لا يقتصر على منطقتنا العربية أو الأورومتوسطية فقط. هذه وضعية يعيشها الاقتصاد العالمي فيما يتصل بالدول النامية وعلاقتها بالدول الصناعية المتقدمة. لكن ليس علينا أن ننسى، عندما نتحدث عن عدم التوازن في منطقتنا، علينا أن نلاحظ أيضاً أن بلدان الاتحاد الأوروبي هي المستثمر الأول في منطقتنا، وبالتالي هي لاعب رئيسي في تحفيز النمو وتعظيم قدرة اقتصادياتنا على مزيد من الإنتاجية والنشاط. وعلى سبيل المثال، فإن الاستثمارات الأوروبية في بلدان شمال أفريقيا هي الأهم، وبالتالي فإذا كان الميزان التجاري يميل إلى صالح دول الشمال، فإن تدفق رؤوس الأموال يكون عادةً من بلدان الشمال إلى جنوب المتوسط. وهذا يوازن ذاك ويسهم في تنويع القاعدة الصناعية والخدمات وفي إنعاش اقتصاديات جنوب المتوسط بما يؤهل الجنوب لرفع كفاءة اقتصادياته.
> قد يكون أحد الأساليب الأنجع لتحقيق التوازن هي الشراكات أو تعزيز الريادات الصناعية بين الشمال والجنوب، ودوركم على ما أعتقد هو أساسي في تعزيز وتسهيل هذه الشراكات. وسؤالي: كيف تؤدون هذا الدور؟
- بالطبع، نحن نعمل على تسهيل التوطين التكنولوجي، كذلك نعمل على تنويع القاعدة الإنتاجية في دولنا، وهو ما نراه مسألة حتمية، وكذلك الدخول فيما تسمى الثورة الصناعية الرابعة والتحول إلى الاقتصاد الرقمي... وأعتقد أن دولنا قطعت شوطاً لا بأس به في هذا المضمار. العنصر الخامس هو الاعتقاد أن الرغبة في تحرير اقتصاد الخدمات قد يكون له تأثير سلبي على المدى القصير على اقتصادياتنا بسبب المنافسة الجديدة، ولكن اعتقادنا أنه على المدى البعيد، سيفتح لنا آفاقاً جديدة لمزيد من كفاءة التشغيل ورفع المستوى التقني لقطاع الخدمات. والمثال على ذلك أن 1.7% فقط من السلاسل التجارية في دولنا لديها ما تسمى القدرة على التجارة الإلكترونية وبالكاد 3 أو 4% من الشركات المتوسطة والصغيرة في دولنا لديها هذا النوع من التجارة، وبالتالي كلما زادت قدرتنا على الرقمنة، وإذا ما فتحنا أسواقنا -رغم الأثر السلبي على المدى القصير- لمزيد من الاستثمار في المجال الخدمي (وأعني به هنا الرقمنة واللوجيستيات والتسويق والإعلانات والبراندينغ والاتصالات...) ستكون لاقتصادياتنا قدرة أكبر على النمو وبشكل أكثر كفاءة في المستقبل.
> اليوم الاتحاد من أجل المتوسط على مفترق طرق. هناك مشاريع لإحداث تغييرات في هندسة الاتحاد واهتماماته، وأحدها مشروع فرنسي يبدو أنه يشكّل رؤية بديلة. أين أصبحت هذه المشاريع، وكيف تنظرون إلى هذه الرغبة؟
- اسمح لي أن أقول إنني لا أتفق مع طرحك بخصوص المشروع الفرنسي لـ«رؤية بديلة»، بل ما نراه أنها «رؤية مكمّلة» لما يقوم به الاتحاد. الرؤية الفرنسية تدعو إلى حوار بين ضفتي المتوسط في غرب المتوسط. بدأتْ بما سُميت «قمة ضفتَي المتوسط» وهي تتطور إلى «منتدى الضفتين». وهنا، حدث تطور نوعي في النظرة الفرنسية من خلال توسيع هذا الإطار ليشمل كل دول البحر المتوسط. وملاحظتي الأولى أننا لاعب رئيسي وطرف فاعل لجهة التخطيط والرسم والمشاركة والإعداد لطرح هذه المبادرة الموجهة بشكل رئيسي إلى المجتمع المدني في الفضاء المتوسطي. الاتحاد من أجل المتوسط له دور في دعم ودفع وتأطير هذه المبادرة.
> ما الإضافات؟
- المبادرة الفرنسية جديرة بالاهتمام والتشجيع والمساندة، وهي تركز بشكل رئيسي على قضيتين: البيئة، وحماية التنوع البيولوجي في حوض المتوسط. وهذا الحوض، للأسف الشديد، ثاني أكثر مناطق العالم تأثراً سلبياً بالتغير المناخي بعد منطقة القطب الجنوبي، وبالتالي نحن أكثر منطقة مسكونة وتأثراً، ومعدل زيادة الحرارة يصل إلى 20% عما هو عليه في أي منطقة، وبالتالي فإن المبادرة الفرنسية تتكامل مع أنشطتنا ومشروعنا الخاص بالاقتصاد الأزرق، كما تتصل بمنع التلوث في المتوسط، وبمشروع التنوع البيئي في المتوسط. وبصفة عامة، الجميع يعمل على نفس الأهداف ولكن بمستويات مختلفة: على المستوى الدولي لدينا قمة الأرض. وفي الاتحاد من أجل المتوسط، ثمة اجتماعات لوزراء البيئة لبحث قضية المناخ والتغيرات المناخية والبيئية. وعندما تأتي فرنسا وتعمل على تحفيز عدد من المبادرات بعينها، فهذا يأتي كجزء من الكل الذي يعمل الجميع من أجله. ولُبّ المبادرة الفرنسية أن فرنسا كانت رائدة فيما يتصل بحماية المناخ والتعامل مع ظاهرة التغير المناخي وكانت لاعباً مؤثراً في التوصل إلى اتفاق باريس عام 2015 الذي هو الأساس، كذلك كانت رائدة في إنشاء الكيان الذي نحن فيه عام 2008. ومبادرتها الجديدة أورومتوسطية الطابع، وسيناط بثماني دول من الشمال والجنوب التعامل مع هذه المسائل. كذلك سيرصَد دور أساسي للاتحاد من أجل المتوسط.
> اليوم، المشكلة الرئيسية في بلدان جنوب وشرق المتوسط هي توفير فرص العمل للشباب. ما الذي تفعلونه عملياً؟ أعرف أن هناك الكثير من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات التي ينظمها الاتحاد، ولكن عملياً، ما الإنجازات التي تقدمونها للشباب من خريجي الجامعات أو من غير خريجي الجامعات؟
- هناك 39 مليون مواطن جنوب متوسطي سيدخلون سوق العمل في السنوات القليلة المقبلة. نسبة عمالة النساء في دولنا منخفضة -لا بل متدنية للغاية- وهي لا تتعدى 20%. البطالة بين النساء الباحثات عن عمل تصل إلى 47% رغم أن المؤشرات الإحصائية تبيّن أن النساء في مجتمعاتنا حصلن على درجات علمية تفوق تلك التي حصل عليها الشباب من الذكور.
وإزاء هذا الوضع، نحن نقوم بالكثير، وأستطيع أن أعطيك كثيراً من الأمثلة حول أنشطة «الاتحاد» من أجل العمالة وتدريب سيدات الأعمال للدخول إلى الاقتصاد الرقمي، وما نقيمه من مؤتمرات على شاكلة دافوس لربط مجتمعات الأعمال على جانبي المتوسط وبين الجنوب والجنوب. لكن دعْني أكن صريحاً في حديثي معك لأقول إن ما نقوم به هو لإعطاء نماذج ناجحة يمكن للدول الساعية أن تحذو حذوها، إضافةً إلى استكشاف سبل جديدة من شأنها أن تفتح آفاقاً جديدة لخلق فرص عمل ووظائف. ثمة عمل ندعو إليه على المستوى المؤسسي، بمعنى أننا عندما نتحدث عن تحرير التجارة ونعمل على تعزيز فرص التوظيف ونطلق تقريراً يحثّ على السير في هذا الاتجاه، فإننا نعمل من أجل إيجاد فرص عمل. كذلك عندما نكشف معوقات النمو الاقتصادي، بسبب غياب القدر المأمول من التكامل، فهذا يصبّ في هذا الاتجاه. وعندما نأتي على موضوع النقص الشديد في عدد من القطاعات الخاصة بسوق العمل في الاتحاد الأوروبي وكيفية تنظيم عمالة موسمية قادرة على التنقل كما يحصل بين المغرب وإسبانيا أو بين مصر وإيطاليا، فهذا يوفر فرص عمل -وإن كانت موسمية- لعديد من الرجال والنساء في دولنا لتحسين ظروفهم المعيشية ولكسب رزقهم بشكل قانوني وشريف والعودة مرة أخرى لبلدانهم.
وكذلك الأمر عندما نتحدث عن تسهيل الحركة والتنقل بين الشمال والجنوب لرجال الأعمال. ولكن، في النهاية، فإن التحدي كبير وكل مبادراتنا تصبّ في الاتجاه عينه؛ وإن كانت أحياناً مداورة. وفي السياق عينه يمكن أن نشير إلى ما نقوم به للدعوة إلى تبني تكنولوجيات جديدة في البناء أو في إنتاج الطاقة النظيفة والمستدامة أكانت الشمسية أو الريحية أو الهيدروجين الأخضر... وعندما نحثّ دول الشمال على تبني «العقد الأخضر الجديد»، ندفع نحو أن تكون هذه الخطط في إطار التعاون مع بلدان جنوب المتوسط. اليوم أصبحت كلفة الطاقة الجديدة المتجددة -إن لم تكن أقل- فإنها مساوية لكلفة مصادر الطاقة التقليدية.
بالطبع، التحدي الرئيسي لدول الجنوب هو توفير فرص العمل، وكل ما تعانيه منطقتنا من تحديات ومنها الجيوسياسية ترتبط بشكل كبير بتوفير فرص العمل لشبابنا ولتوفير حياة كريمة في بلداننا.


مقالات ذات صلة

للمرة الأولى منذ 5 سنوات... تركيا تشارك باجتماع غير رسمي للاتحاد الأوروبي

أوروبا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

للمرة الأولى منذ 5 سنوات... تركيا تشارك باجتماع غير رسمي للاتحاد الأوروبي

تشارك تركيا في الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي (غيمنيتش) الذي يعقد في بروكسل، الخميس، للمرة الأولى منذ 5 سنوات

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أرشيفية لعناصر «فاغنر» في مالي (متداولة)

مالي تعلن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا

أعلن المتحدث باسم الحكومة المالية الكولونيل عبدالله مايغا، أن الحكومة الانتقالية في مالي قرّرت «قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا بمفعول فوري».

«الشرق الأوسط» (دكار)
شمال افريقيا المرشح الرئاسي المعارض لطفي المرايحي (موقع حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري)

السجن لمرشح رئاسي ومنعه من الترشح مدى الحياة في تونس

أصدرت محكمة تونسية، اليوم الجمعة، حكماً بسجن المرشح الرئاسي المعارض، لطفي المرايحي، 8 أشهر ومنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية مدى الحياة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا اجتماع القاهرة بين أعضاء بمجلسي «النواب» و«الدولة» الليبيين (متداولة)

أعضاء «النواب» و«الدولة» يتفقون على تشكيل «حكومة ليبية جديدة»

اتفق نحو 130 من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين، خلال اجتماعهم، الخميس، في العاصمة المصرية القاهرة، على «تشكيل حكومة جديدة».

خالد محمود (القاهرة )
تحليل إخباري وزيرة العدل بحكومة «الوحدة» خلال زيارتها مقار قضائية بدائرة اختصاص محكمة استئناف جنوب طرابلس (وزارة العدل)

تحليل إخباري جرائم «الإخفاء القسري» في ليبيا ما زالت تنتظر العقاب

سلطت عمليات الخطف والتوقيف المتكررة لنشطاء وصحافيين في ليبيا، الضوء على جرائم «الإخفاء القسري» المنتشرة بالبلاد، وسط انتقادات حقوقية.

جمال جوهر (ليبيا )

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».